الشهيد محمد علي رجائي

 

الشهيد محمد علي رجائي

 

إنّ مقتضى التقدير الإلهي والمشيئة الإلهية، أن يكون الذين نالوا الشهادة، أشخاصاً ذوي خصائص وخصال فريدة ورفيعة. فهم يعتبرون في حياتهم الدنيوية، نماذج وقادة للناس، ودروساً وعِبراً خالدة في التاريخ.

والشهيد رجائي واحد من الأفراد النوادر الذين ارتقوا ـ بجهاد النفس والسيطرة عليها والتحرر من قيود الشيطان ووساوسه الخادعة ـ في مسيرة حياتهم الدنيوية الشاقة إلى الدرجات العالية للتكامل والإخلاص

فالذين يعرفون مزايا رجائي ـ ولو معرفة بسيطة ـ يشهدون عنه من دون مبالغة، انه كان واحداً من أكثر عباد الله تقرباً وعبودية واخلاصاً وحباً لله تعالى من بين الأشخاص الذين دخلوا الساحة السياسية والاجتماعية.

ورغم أنّ رجائي قد وصل إلى مقام دنيوي إلاّ أنّه لم تبد منه أية حركة تدلّ على ابتعاده عن عبادة الله وخدمة الناس باعتبارها واجباً مفروضاً عليه.

أحد أصدقائه يقول: كنتُ عنده ذات يوم، إذ نظر إليّ وقال: يجب أن لا أنسى إنيّ كنتُ مدرّساً، ولا زلتُ مدرّساً، وليس الذي حوالي إلاّ وسيلة اختبار لي.

كان رجائي من الطبقة المحرومة، من الطبقة المستضعفة، من طبقة عباد الله الصالحين.

رجائي البائع المتجول بالأمس، ورئيس الجمهورية الشهيد اليوم، إنّما هو مصداق للآية الكريمة {ونُريد أن نُمن على الذين استُضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمةً، ونجعَلهم الوارثين}.

إنّ تحمل الشدائد والصعاب والإحتكاك بالوقائع الشاقة والوقوف أمام الحوادث والبلايا والمصائب، كُل ذلك قد جعل من الشهيد رجائي جبلاً راسخاً لا يتراجع أمام أية مشكلة مهما كانت عظيمة.

لقد أبتنت شخصية رجائي من الشجاعة النادرة التي أبداها في سجون نظام بهلوي الوحشي والدموي، وتحمله التعذيب الرهيب والذي خلق منه انموذجاً للمقاومة تحت التعذيب.

كان رجائي ذلك الرئيس الذي لم يستطع الكفر العالمي تحمّله حتى لشهر واحد.. فكيف كان رجائي إذن حتى كرهَهُ أئمة الكفر وعملاؤهم في الداخل كل هذه الكراهية؟

كانت لرجائي خبرة خاصة تتجلي فيه أكثر من سائر مميزاته، وتلك هي الميزة التي تبدو في أنصار الإمام المخلصين.

لقد كان رجائي مسلماً، وأهم خصائص المسلم أنه لا يخضع ولا يستسلم لأية قوّة غير الله. وقد كان رجائي يؤمن بكُل وجوده أنه “لا إله إلاّ الله” و “الله أكبر”.

هذه النظرة والإستعانة بالله تمنح النشاط والقوة للإنسان وترفع من شأنه وتصعد به من هذه الدّنيا الدنيئة إلى السماوات العُلى، وتجعل له عظمة خالدة.

فإذا صار الإنسان كذلك، لن تؤثر فيه أية قُوّة استكبارية مهما كانت كبيرة، بل إنّ هذا الإنسان سيتمكّن أيضاً من الهجوم عليها ومقاتلتها.

ذهب رجائي إلى هيئة الاُمم المتحدة، وبدلاً من سرد المديح للقوى المستكبرة والتمجيد لها وتأييد جرائمها أو على الأقل التغاضي عنها، نجده يقف أمامهم بكل قوّة ليدافع عن الجمهورية الإسلامية ومواقفها الحقة، حيث صرخ في وجه القوى الطاغية وأعلن أن إيمان الناس هو المنتصر الحقيقي في الحرب، لا طائرات الآواكس الأمريكية أو طائرات توبولوف الروسية، وعند ذلك أدركوا ان رجائي لن يستسلم لأحد أبداً.

وقف رجائي في مسرح الممثلين الذين اجتمعوا يمدحون الامبريالية، فصرخ فيهم منادياً: “سنُبرهنُ للعالم بأننا سوف لن نحتاج إلى الشرق في جهادنا ضد الاستعمار الغربي، واننا قادرون أن نعتمد على أنفسنا ونقدم أغلى الإيمان في سبيل المحافظة على استقلالنا... لقد علّمتنا تعاليم الإسلام والتجارب التأريخية أنه لم ولن يتيسر لنا النصر والغلبة على المشاكل إلاّ بالتوكل على الله والإعتماد على الناس.

رجائي رجل ثقافة ووعي. لم يستمد وعيه من الكتاب والقراءة فحسب، بل استحصل الوعي والثقافة عن طريق التقوى والإيمان، كما يُعبّر القرآن: {واتقوا الله ويعلمكم الله}.

نعم، إن ثقافة رجائي نابعة من تقواه، فالسجون وأنواع التعذيب التي شاهدها، بالاضافة إلى جهاده المستمر، كُل ذلك خلق منه هذا الإنسان المتقي وهذا الحكيم المُخلص.

عندما رفض رجائي في قلب أمريكا اللقاء مع كارتر، ثم ذهب ليُقيم الصلاة مع الامريكيين السود في هارلم، وعندما وقف أمام الصُحفيين والمراسلين في نيويورك ليكشف عن آثار التعذيب في جسمه، باعتبارها وثيقة عن جرائم الامبريالية، عند ذلك أدركوا ان رئيس وزراء هذا الشعب، رجل قد ذاق مع أبناء شعبه مرارة التعذيب والسجن، ولن يرضَ أبداً أن يُسلم وطنه بأيدي الناهبين.

نعم منذُ ذلك الوقت حيث عَرفَهُ أعداء الإسلام، استعدوا بكُل قواهم من أجل إسقاطه وزملائه في الجهاد، وقد أدرك رجائي ذلك تماماً حيث قال قبل أيّام من تقبله مسؤولية رئاسة الوزراء (ها أنذا أضع كرامتي كلها رهناً لهذا الأمر).

وقد رأينا ما فعلوا به، إتهموه بأنه غير لائق، غير خبير، متعاون مع أمريكا، وغيرها من أنواع التهم، أملاً منهم أن يفصلوه عن الجماهير المحرومة، إلاّ أن الإمام ذلك القائد المثالي الذي استطاع أن يَدعم هذه الثورة المظفرة باستراتيجيته المعروفة: “إنتصار الدم على السيف”. هذا الإمام العظيم (ره) وجد في رجائي شخصية إسلامية قديرة، فقال فيه: “إنّ عقله أكبر من علمه”. وأية دعامة أهم من الحصول على الثقة التامة من إمام الاُمة.

 لقد جعل رجائي حياته كلها في سبيل دعم هذه الثورة وانتصارها، وفي النهاية أيضاً لقي ربه وهو باق على عهده.

 

الطفولة والنشأة

ولد الشهيد محمد علي رجائي عام (1312هـ.ش) في عائلة متديّنة في مدينة دار المؤمنين (قزوين).

كان والده المرحوم كربلائي عبد الصمد يعمل خرّازاً في السوق (بيع الخيوط والابر وما شاكل ذلك)، وكان عضواً دائماً في جمعية منتظري إمام الزمان (ع) بقزوين. وقد حرص المرحوم عبد الصمد ورفاقه الآخرون من العاملين في السوق الذين كانوا عادة من المتدّينين على مواصلة وديمومة المجالس التي كانت تعقدها تلك الجمعية من خلال دفع مبالغ ضئيلة لهذا الغرض.

اضطلعت هذه الجمعية بأداء دور فاعل لصيانة الشباب من الأفكار الالحادية والماركسية التي كان يشيعها الروس بين صفوف شباب تلك المدينة أثناء احتلالهم لها. وكان المرحوم عبد الصمد على درجة من التديّن بحيث أنه كان يرى في نظام رضا خان البهلوي نظاماً غاصباً للحكم ويعتبر التعامل مع جلاوزته حراماً. نذكر على سبيل المثال أنه كان إذا اضطر إلى بيع سلعة لأحد جلاوزة الحكومة فانه كان يتجنّب خلط ثمنها مع بقية نقوده، بل يعزل ثمنها على حدة لينفقها على مصاريف من قبيل دفع الضرائب؛ أي أنه كان يعيدها إلى الحكومة.

والدة الشهيد رجائي هي گلين خانم، وكانت امرأة عفيفة ومتديّنة وكانت ذات شخصية. وتحظى باحترام خاص بين أقاربها. وبعد وفاة زوجها في عام 1316هـ ش أخذت هذه المرأة الحنونة والمضحّية على عاتقها تربية ولدها محمد علي.

ذكر الشهيد رجائي في مذكراته أنه قضى فترة طفولته بعد وفاة أبيه تحت رعاية خاله وبمساعدة أخيه الأكبر. وأخذ يشارك ـ بما كان لديه من رغبة واستعداد ـ برفقة أخيه الأكبر في المجالس والتجمّعات الدينية. وفي عهد المرحلة الابتدائية برز بصفته مكبّراً للمسجد وقارئاً للمراثي في هيئات عزاء شباب الحيّ الذي كان يسكن فيه. وفي أيام العزاء التي كانت تقام بمناسبة ذكرى مقتل سيد الشهداء، كان هذا الفتى رغم صغر سنّة يظهر بجسمه النحيف أمام صفوف المصلّين الذين كانوا يعرفون أباه حق المعرفة، ويخاطبهم قائلاً: أنا محمد اليتيم، وبعد أن يهيّيء أجواء للمجلس يخرج كراّس الرثاء من جيبه ويبدأ بقراءة المراثي على أسماعهم.

كانت الصفات الفريدة التي يتمتع بها توحي منذ البداية بأنه سيكون ذا شخصية تسترعي الاهتمام في المستقبل.

أدت وفاة الأب إلى وقوع الأسرة في ظروف معاشية صعبة إلى الحد الذي اضطر فيه محمد علي وهو في مرحلة الدراسة الابتدائية في "المدرسة الوطنية للثقافة" إلى العمل في محلّ أحد أقاربه المقربين في سوق قزوين بدلاً من أن يقضي سنوات طفولته في اللهو واللعب كسائر اقرانه، وبقي يعمل إلى جانب الدراسة. واستمر على هذه الحال إلى نهاية المرحلة الابتدائية.

يحتفظ محمد حسين؛ الأخ الأكبر للشهيد محمد علي بخاطرة تسترعي الانتباه عن الفترة التي قضاها أخوه كعامل في سوق قزوين، تنم عن الظهور التدريجي لأبعاد بارزة في شخصيّته، قائلاً:

"كان صاحب المحل الذي يعمل فيه أخي يعامله معاملة خاصّة بسبب يُتمه وصغر سنّه. غير أن محمد علي كان يستنكر منه ذلك السلوك ويبدي ردود فعل تجاهه؛ وذلك لأنه لم يكن يرغب في أن يُعامل معاملة عطف ورأفة".

وكان أحياناً إذا شاهد مثل هذا السلوك حتّى من بعض الأقارب يعترض على ذلك قائلاً: "أنا أعلم بأنكم تعاملونني على هذا النحو لأنني يتيم".

 

عهد الصبا

على الرغم من أن الأجواء التي نشأ فيها الشهيد رجائي كانت أجواء دينية، غير أن الأعمال القبيحة كانت شائعة بكثرة بين أقرانه في عهد الصبى والشباب، وهذا ما جعل حياته مليئة بالمواقف المثيرة؛ ففضلاً عن أنه لم يكن يشارك أقرانه في أي من تلك الأعمال القبيحة، كان يسعى أيضاً إلى توفير وسائل الرياضة من أجل توجيه اهتمامهم نحوها.

كان محمد علي يقضي أوقات فراغه في الدراسة والمطالعة، حتى أن اهتمامه بهذين الجانبين كان أمراً شائعاً على ألسنة أقاربه. وكثيراً ما كان يُشاهد في الأوساط العائلية الدافئة، ممسكاً بكتابة ويؤدي واجباته المدرسية غير آبهٍ بما يجري حوله من الأمور التي تسترعي عادة اهتمام أمثاله من اليافعين.

كان الشهيد رجائي يقضي البعض الآخر من أوقات فراغه في التردد على مزار "شاهزاده حسين" وغيره من الأماكن المقدسة في قزوين؛ كان في أيام الجمعة يستأجر دراجة بما كان يحصل عليه في السوق من أجر ضئيل، وينطلق مع بقية اترابه ليقضوا وقتهم من الصباح إلى ما بعد الظهر في النزهة والزيارة.

ومن الخصال الحميدة التي كان يتصف بها في ذلك العهد هو أنه كان يتردد في أيام الجمعة على مرقد أبيه وأخيه اللذان كانا مدفونين قرب مزار "شاهزاده حسين"، ويقرأ الفاتحة لروحيهما ويستغفر لهما.

وفي أيام محرم كان يقرأ المراثي في هيئة عزاء شبّان الحيّ. وقد ذكر ابن خاله اسماعيل فولاذيها: في احدى المرات قال الشهيد رجائي عندما رأى الشرطة الذين كانوا أمام العزاء لإقرار النظم والانضباط فيه: يا حبّذا لو أن هؤلاء الشرطة رفعوا الأعلام والبيارق وشاركوا مع سائر الناس في شعائر العزاء.

كانت والدة الشهيد رجائي في تلك الأثناء تقدّم أعلى درجات البذل والتضحية من اجل تربية أولادها. وقد وصف الشهيد رجائي تضحيات والدته في هذا المجال على النحو التالي:

"كانت والدتي تحرص على إدارة شؤوننا إدارة كريمة من خلال الجهد الدؤوب مع المحافظة التامّة على سمعة العائلة بين الأقارب، ولأجل تمشية شوؤننا المعاشية كانت تعمل في بعض الأعمال المنزلية التي كانت متعارفة آنذاك من قبيل تهشيم واستخراج لب الجوز واللوز والبندق. الملكية الوحيدة المهمة التي كانت لدينا عبارة عن بيت صغير فيه سرداب. وكانت والدتي تعمل في ذلك السرداب بجد ومثابرة في أعمال تنظيف القطن واستخراج لب الجوز واللوز وما شابه ذلك، وتدير شؤوننا المعاشية إدارة كريمة. وفي أكثر الأوقات كانت أناملها مقرّحة، وحينما كانت تُسأل عن سبب تلك القروح كانت تقول انها ناتجة عن غسل الأواني والثياب والأعمال المنزلية الأخرى".

 

الهجرة إلى طهران

أدت الظروف المعاشية العسيرة التي كانت تعاني منها تلك الأسرة، بالأخ الكبير للشهيد رجائي إلى أن يشد رحاله ويتّجه نحو طهران، وأبقى أمه وأخاه الصغير في قزوين. وفي عام 1326هـ ش عندما بلغ محمد علي الرابعة عشر من عمره قرر السفر إلى طهران من أجل مواصلة العمل في سوقها. وهكذا توجّه هو ووالدته إلى طهران وسكنا في الدار التي استأجرها أخوه.

وبعد الاستقرار هناك أخذ يشتغل كعامل في سوق طهران بإرشاد ومساعدة أخيه؛ فاشتغل أول الأمر كعامل في متجر لبيع الحديد، ثم لاحقاً كعامل في حانوت لبيع الزجاجيّات، وكان يتقوّت هو ووالدته بما يحصل عليه من أجور ضئيلة. وإلى جانب عمله في السوق استأنف مواصلة دراسته بعدما كان قد انقطع عنها فترة من الزمن.

تحدث الشهيد رجائي أثناء استجوابه على يد رجال الأمن عن هذه الفترة من حياته بالتفصيل، قائلاً: "كنت أحضر ليلاً في مجالس القرآن. وعندما كنت في الرابعة أو الخامسة عشرة من عمري أخذت أحضر في جمعية الارشاد الديني التي كانت تقيمها المدرسة الوطنية الأحمدية في (گذر قُلي) مساءً".

وبالتزامن مع العمل والدراسة بدأ الشهيد رجائي يشعر بالرغبة في الدخول تدريجياً إلى الميادين الاجتماعية والسياسية. وقد ذكر في أثناء استجوابه من قبل الاجهزة الأمنية، في هذا المجال ما يلي:

"كنت اشارك في اجتماعات جمعية الارشاد الإسلامي التي كان يترأسها السيد ناصح خمسي ويعلّم التلاميذ الذين كانوا في مستوى السادس الابتدائي، ويصطحبهم لأغراض التبليغ وجمع الاعانات للمساجد. وبما أنني قد كبرتُ إلى حدًّ ما، فقد كانت الموضوعات التي تُلقى فيها تؤثر في نفسي أكثر. وفي تلك الأثناء بادر المتصدّون لشؤون المدرسة إلى تأسيس جماعة الشيعة. وكان مركز هذه الجماعة في الطابق الثاني من بناية "قو" الواقعة إلى الجنوب من "پارك شهر"، وقد شاركت في عدّة اجتماعات عقدتها تلك الجماعة".

وفي هذه السنوات بدأ الشهيد رجائي عمله كبائع متجول برفقة أحد أصدقائه وأقاربه واسمه محمد شيرواني، حيث عملا كشريكين في شراء الأواني كالقدور والغلايات والزبديات الالمنيومية وبيعها في شوارع ومحلات المناطق الجنوبية من العاصمة، لتمشية شؤونه المعاشية هو ووالدته مما يدرّه عليه هذا العمل من أرباح.

 

الدخول في القوّة الجوية

وفي تلك الأيام عزم الشهيد رجائي على الانخراط في سلك القوّة الجوية من بعد استشارة أخيه وأحد أقاربه؛ لأنه كان بإمكانه العمل في القوة الجوية على شكل تعاقدي بشهادة السادس الابتدائي. وهكذا كان بإمكانه أن يحسّن من حالته المعاشية بواسطة ما كان يتقاضاه من راتب وفير، ويحصل على فرصة خلال مدّة الخمس سنوات هذه من أجل مواصلة دراسته مساءً. وفعلاً استطاع في السنة الاخيرة من خدمته الحصول على شهادة الاعدادية في فرع الرياضيات من اعدادية "آذر".

وكتب الشهيد رجائي في ملفات التحقيق:

"وفي تلك الأثناء دخلت في القوّة الجوية، وبعد انهاء الدورة التدريبية واصلت دراستي مساءً. ونظراً لانشغالي بالعمل نهاراً وفي الدراسة ليلاً فلم تتوفر لدي يومذاك فرصة إلا في أيام العطلة الصيفية للمشاركة في المجالس الدينية".

 

التعّرف على آية الله الطالقاني

يُستشف من وثائق استجواب الشهيد رجائي في جهاز الأمن (السافاك) انه كان في أثناء خدمته في القوّة الجوية يتردد على مسجد "هدايت"، وتعرّف هناك على المرحوم آية الله الطالقاني الذي كان يلقي ليلاً في ذلك المسجد خطباً ومحاضرات في تفسير القرآن. فقد كتب في هذا المضمار ما يلي:

"كنت في ليالي الجمعة أذهب إلى ذلك المسجد واستمع إلى خطب ومحاضرات السيد الطالقاني. وكان عموم من يحضرون تلك المجالس إما من الطلبة أو من الخرّيجين".

وفي فترة الدورة التدريبية في القّوة الجوية تعّرف على شخص يدعى عباس اردستاني وكان يشارك في مجالس البحث التي تقام مع العناصر المخدوعة المنتمية إلى فرقة البهائية الضالّة. وسعى من خلال الاكثار من المطالعة، إلى هداية بعض المنتمين إلى هذه الفرقة. وكان يحاول اضفاء بعد سياسي أكبر على تلك النقاشات. فقد كتب في أوراق استجوابه قائلاً:

"كنت أشعر في كل جلسة أشارك فيها أنني أصبحت أكثر قوّة في الجانب الاقتصادي. وقد اتضح لي من خلال قراءتي لكتاب "كينياز دالگوركي" أن فرقة البهائية كانت ابتداءً ضيعة الروس ثم استغلها الانجليز لاحقاً، ومن هناك بدأ حقدي على الانجليز، ثم ان هذا الحقد بلغ ذروته أثناء تأميم النفط في عهد الدكتور مصدّق".

 

التعرف على فدائيي الإسلام

وفي تلك الأثناء انتمى الشهيد رجائي إلى حركة "فدائيان إسلام" وأخذ يحضر مجالسهم التي كانت تقام على شكل خفي أو علني احياناً. وبعد إلقاء القبض على الشهيد نواب صفوي وانصاره الأوفياء، كان هو يذهب لمقابلة نواب صفوي في السجن على الرغم من كونه شخصاً عسكرياً.

ذكر المهندس محمد به فروزي وهو من اصدقاء الشهيد رجائي القُدامى ويعود عهد صداقته معه إلى أيام الخدمة في القوّة الجوية، في هذا المجال ما يلي:

"مع اننا كُنّا حليقي الرؤوس، وهو ما يوحي إلى أننا كُنا من منتسي القوات المسلحة، إلا أننا كُنا نذهب لمقابلة قادة فدائيي الإسلام في السجن غير آبهين أن يُقبض علينا ونُعاقب".

وقد ذكر الشهيد رجائي حول هذا الموضوع في مذكّراته التي كتبها بعد انتصار الثورة:

"مع أنني كنتُ أخدم في الجيش إلا أنني كنت أتعاون مع فدائيي الإسلام، على الرغم مما كان يشكله ذلك التعاون من خطورة عليَّ؛ لأنني كنتُ معجباً بأفكارهم. ويمكنني القول بايجاز إنَّ ما تطرحه الحركات الدينية اليوم على أعلى المستويات، كانت (فدائيان الإسلام) تطرحها حينذاك".

كان ما يلاحظ من سلوك الشهيد رجائي في فترة خدمته في القوّة الجوّية يعتبر بمثابة نموذج لسلوك الشباب المتدين الواعي. يقول أخوه في هذا الصدد:

"حكي لنا محمد في أحد الأيام قائلاً: إنني عندما كنت أتولّى رئاسة الخفارة كنتُ أعلن اطفاء الأنوار والنوم قبل الوقت المقرر وذلك لأن زملائي في الدورة كانوا يمارسون لعب القمار في القاعة ولم يصغوا لنصائحي في ترك هذا العمل المحرّم".

ونظراً لما لمسوه فيه من اخلاص وثقة عيّنوه في بداية خدمته العسكرية للإشراف على المطبخ. وذكرت اخته أن اخاها حدّثها في أحد الأيام قائلاً:

"طلب منه بعض الأيدي الأثيمة ممن كانوا يسرقون الموارد المخصصة للمطبخ، التغاضي عن سرقاتهم لقاء تقديم مبالغ مغرية له. إلا أنه رفض ذلك وامتنع عن استلام ذلك المبلغ، وأخذ يصر على ممارسة واجبه على أدق وجه".

وفي السنة الأخيرة من خدمته، عندما نقل من القوّة الجوية برفقة 200 شخص من زملائه إلى القوّة البرية (معسكر جي)، طلب التسريح من الجيش اعتراضاً على هذا النقل الاجباري من القوّة الجوية.

اقترنت فترة الخمس سنوات (1328 ـ 1333هـ ش) التي قضاها الشهيد كضابط صف في القوّة الجوية بتصاعد الحركة الوطنية والحركة الجهادية للشعب الإيراني المسلم بزعامة آية الله السيد أبو القاسم الكاشاني، والحركة الوطنية لتأميم النفط التي ترأسها الدكتور محمد مصدّق، اضافة ما كانت تقوم به حركة "فدائيي الإسلام" من نشاط واغتيالات ثورية، أدت في نهاية المطاف إلى اعتقال قادتها ومحاكمتهم واعدامهم.

في تلك الأثناء كان الشهيد رجائي يحضر بشكل منتظم في مسجد "هدايت، الذي كانت تلقي فيه بعض الشخصيات الدينية خطاباتها، ويحضر فيه أشخاص مثل الدكتور يد الله سحابي، والمهندس مهدي بازرگان وغيرهم من قادة الحركة الوطنية كمستمعين لمحاضرات تفسير القرآن الكريم التي كان يلقيها المرحوم آية الله الطالقاني. ومن هنا فقد دخل إلى الميدان السياسي على مستوى عالٍ.

وقد ذكر المهندس محمد به فروزي وهو من أصدقائه القُدامى وكان قارئ القرآن في أكثر جلسات مسجد "هدايت" في هذا المجال:

"عند عودة المرحوم آية الله الكاشاني إلى طهران احتشدت جموع غفيرة من أبناء الشعب لاستقباله في مطار مهرآباد، وأغلق سوق طهران كلياً بهذه المناسبة، وكُنّا أنا ومحمد علي رجائي ممن حضروا في المطار".

يُستفاد مما ورد في وثائق (السافاك) ان محمد علي رجائي كان من المؤيدين لنهج مصدّق في قضية تأميم النفط على اعتبارها حركة معادية للاستعمار وللانجليز. واستمرت هذه العلاقة حتى بعد وفاة الدكتور مصدق. واستناداً إلى ما ورد في وثائق السافاك فإنه كان من جملة من يذهبون في بعض السنوات إلى أحمد آباد مدفن مصدق لإحياء الذكرى السنوية لوفاته كتعبير عن اعتزازهم بشخصيته.

وبالتزامن مع تلك الأحداث، تصاعد نضال الشعب المصري بقيادة جمال عبد الناصر. وكان الشهيد رجائي يتابع أبناء تلك الحركة الثورية بسبب ما كان يتصف به من روح حماسية. وجاء في وثائق استجوابه انه تأسف كثيراً لوفاة جمال عبد الناصر وذهب إلى السفارة المصرية في طهران ووقع في دفتر المذكرات الذي أعدّ لهذه الغاية.

 

دخول ميدان التعليم

وبعد التسريح من الخدمة في الجيش، توجه الشهيد رجائي نحو مهنة التعليم متأثراً بأقوال آية الله الطالقاني الذي كان يعتبر مهنة التعليم رسالة الأنبياء. وذهب إلى مدينة بيجار ليعمل فيها كمعلم بشكل تعاقدي، وأخذ يدرّس اللغة الانجليزية. وبعد سنتين؛ أي في عام (1335هـ ش) شارك في امتحان القبول الجامعي وقُبل في المعهد العالي، وفي كلية العلوم، وفي كلية البريد والبرق. إلا أنه اختار الدخول في المعهد العالي للمعلمين.

وفي أيام عيد النوروز في العام الدراسي الثالث ذهب برفقة سائر الطلاب في سفرة علمية إلى مدن آبادان وخرمشهر وأهواز، وشاهد المناطق والمنشآت النفطية. ويذكر الأصدقاء الذين رافقوه في تلك السفرة بأنه كان يستغل كل فرصة ممكنة من أجل تنوير أذهان الطلبة، ومن جملة ذلك أنه التفت في احدى المرات إلى طالب كان يجلس على أحد أنابيب النفط، وقال له:

"يحق لك إزاء الملايين من براميل النفط التي تجري من تحت قدميك إلى الخارج بواسطة هذه الأنابيب، أن تجلس على هذه الأنابيب فقط، وتتفرج على الجنيهات التي تذهب إلى بريطانيا".

في عام 1338هـ ش أنهى الشهيد رجائي مدّة الثلاث سنوات هذه بنجاح، وبما أنه كان يجب عليه مواصلة التدريس في المدن الأخرى ـ كما هو المتعارف ـ لهذا فقد درّس في ملاير، ومن بعدها في خونسار. وكتب في أوراق استجوابه عن فترة تدريسه في خونسار ما يلي:

"عملت بالتدريس هناك (خونسار) سنة واحدة، وكانت الظروف سيئة للغاية. ومهما يبذل المرء من جهود، فإن جهوده تذهب سدى، والطلاب كانوا ينظرون إلى المعلم من زاوية الدرجة فقط، فتعبتُ ويئستُ، وعند انتهاء الدراسة رجعت إلى طهران".

أدى اخفاق الشهيد رجائي في تلك المرحلة إلى يئسه كلياً من مهنة التعليم، ولهذا فقد عزم على المشاركة في امتحان القبول لمرحلة الماجستير في فرع الاحصاء من أجل تغيير مهنته. ونجح في الامتحان الذي أجرته كلية العلوم في فرع الاحصاء وواصل دراسته في هذا الاختصاص.

 

فترة التدريس في اعدادية كمال

كان من جملة النتائج الطيبة لحضور الشهيد رجائي المستمر في مسجد "هدايت" ومحاضرات التفسير التي يُلقيها المرحوم آية الله الطالقاني في ليالي الجمعة، هو تعرفّه على بعض أساتذة الجامعة من أمثال المهندس مهدي بازرگان الذي كان يدرس في الكلية الفنية بجامعة طهران، والدكتور يد الله سحابي رئيس قسم الجيولوجي في جامعة طهران. وكتب في استجوابه ما يلي:

"أثناء تردّدي على مسجد "هدايت" بدأ اسم مدرسة كمال يطرق سمعي تدريجياً. وبما أنه كان لدي متّسع من الوقت إلى جانب الدراسة في الجامعة، ونظراً لحاجتي المادّية، فقد حرّرت طلباً وقدمته إلى مدير الاعدادية للتدريس في تلك المدرسة فيما إذا كانت هناك رغبة في ذلك. كان مدير اعدادية كمال الدكتور سحابي مسافراً آنذاك، وتولى الرد على طلبي نيابة عنه المهندس مهدي بازرگان، وكان الرد ايجابياً. ودُعيت إلى التباحث مباشرة حول الموضوع. وبعد التباحث معه تقرر أن أعمل هناك بكل ما لدي من وقت اضافي".

وانطلاقاً من تبحر الشهيد رجائي وما لديه من باع طويل في تدريس مادّة الرياضيات، فقد كان موضع اعتزاز من قبل الدكتور يد الله سحابي الذي كان يتولى، إلى جانب صفة الاستاذية في كلية العلوم، منصب إدارة تلك الاعدادية. وبعد سنة من ذلك التاريخ تأسست حركة تحرير إيران على يد المرحوم آية الله الطالقاني، والمهندس مهدي بازرگان، والدكتور يد الله سحابي، ورحيم عطائي وغيرهم. وقد أدّت العلاقة المتبادلة بين الشهيد رجائي وبين تلك الشخصيات إلى انضمامه بكل رغبة إلى صفوف تلك الحركة. وتفيد وثائق جهاز السافاك بأنّه بعد الانضمام إلى الحركة كان يدفع شهرياً مبلغ 300 ريال إلى نادي الحركة كحق عضوية. وكان يحضر في الاجتماعات العامّة التي يُلقى فيها الأعضاء خطاباتهم.

وبعد تلك الأيام استجدّت لديه الرغبة في مهنة التعليم فنسي الماضي المرير، وقدّم طلباً بالعودة إلى الخدمة في سلك التعليم. وحصلت الموافقة على طلبه بوساطة الدكتور يد الله سحابي الذي كانت تربطه صلات صداقة وثيقة مع المدير العام للتعليم في طهران آنذاك، على أن يواصل عمله في قطاع التدريس في قم أو قزوين. وقد وقع اختياره على مدينة قزوين لأنّها مسقط رأسه وكانت له معرفة كاملة بأوضاعها وأحوالها. فكان يدرّس فيها ثلاثة أيام في كل أسبوع ويصرف المتبقّي من وقته للتدريس في اعدادية كمال، مثلما كان عليه في السابق.

 

انضمامه ونشاطه في حركة تحرير إيران

بعد وفاة المرحوم آية الله البروجردي في فروردين 1340هـ ش رفضت الجبهة الوطنية الثانية اقتراحاً تقدّم به المهندس مهدي بازرگان بإقامة مجلس الفاتحة على روح ذلك المرجع الكبير بذريعة أن هذا الاقتراح يُمثل رأي شخص أو عدّة أشخاص من أعضاء الجبهة، ولم يُقدَّم من قبل حزب أو جمعية؛ وهذا ما دعى الأعضاء المتدينين في الجبهة كالمرحوم آية الله طالقاني، والدكتور يد الله سحابي، والمهندس مهدي بازرگان، وآخرين إلى الانفصال عن الجبهة وتأسيس جبهة تحرير إيران. وكانت الاجتماعات الأولى لتلك الحركة تُعقد في مسجد يقع في منطقة "دروس" في شمال طهران، أو في مكتب تلك الحركة في شارع "كاخ" وهو ما كان يُسمى بنادي الحركة. وكان الخطباء الدينيون يتحدثون في تلك المراكز حول القضايا الدينية والسياسية بما يتناسب والظروف السائدة.

وانطلاقاً من رغبة الشهيد رجائي العميقة للمشاركة في مثل هذه الاجتماعات التي كان يُعرض فيها مزيج من المسائل الدينية والسياسية لأنصارها الذين كانوا عموماً من جيل الشباب والجامعيين، فقد انضم إلى عضوية تلك الجبهة باندفاع عارم، وأخذ يشارك في مختلف اجتماعاتها. وكان سبب ذلك الاندفاع هو معرفته المسبقة بقادة الحركة في مسجد "هدايت" وفي اعدادية كمال، وهو ما تحوّل تدريجياً إلى تعاون استمر إلى السنوات اللاحقة.

بدأ الشهيد رجائي يشعر في تلك الأيام بأن المشاركة في اجتماعات حركة تحرير إيران لا تروي وحدها ظمأ روحه المتعطشة، ولذلك السبب أخذ يحضر في الاجتماعات الدينية التي كانت تقام في نقاط مختلفة ومن جملة ذلك الاجتماعات الاسبوعية التي كانت تعقد عصر أيام الجمعة في دار السيد الشيباني في منطقة فخرآباد، والاجتماع الشهري الذي كان يُقام في شارع "ژاله" في زقاق "قائن". كان الخطباء في هذه الاجتماعات ـ وخلافاً للاجتماعات الأخرى ـ يركّزون على طرح مواضيع فكرية للحاضرين الذين كانوا أكثرهم من طلبة الجامعة. وكان من جملة الخطباء في تلك الاجتماعات هم كل من: الاستاذ الشهيد المطهري، وخليل كمرئي، ومحمد إبراهيم آيتي، وعلي گلزاده غفوري، وغيرهم.

كان الحضور المستمر للشهيد رجائي في اعدادية كمال ـ في الأيام التي لم يكن يذهب فيها إلى قزوين ـ سبباً دعا مدير الاعدادية، الدكتور يد الله سحابي إلى توفير المزيد من مجالات النشاط للتعاون للشهيد رجائي إلى الحد الذي جعله يأخذ على عاتقه هو وأحد زملائه واسمه عباس صاحب الزماني إدارة الاعدادية بشكل مشترك في غياب الدكتور سحابي في أعقاب اعتقال قادة الحركة في عام 1962، وكانا يحصلان على التعليمات اللازمة منه في ما يخص أمور الاعدادية عند مقابلته في السجن.

وانطلاقاً من حبّ الشهيد رجائي لقادة حركة تحرير إيران وخاصّة المرحوم آية الله الطالقاني، كان يحرص جهد الإمكان على حضور محاكمات أولئك القادة حينما كان الحضور في بداية الأمر مسموحاً به لعامّة الناس. وبعد ما وضعوا العراقيل أمام غير ذوي السجناء من حضور جلسات المحاكمة، بقي يتابع اخبارها بدقّة عن طريق النجل الأكبر للمرحوم آية الله الطالقاني، الذي كان تلميذاً في اعدادية كمال.

وفي عام 1962 عندما شارف الشهيد رجائي على الثلاثين من عمره تزوج بامرأة من أقاربه، واشترى داراً صغيرة قرب اعدادية كمال، مبتدءاً بذلك حياة جديدة.

 

الاعتقال الأول

كان الشهيد رجائي ملزماً بالتدريس في قزوين ثلاثة أيام في الاسبوع. وكان في أثناء ذهابه ومجيئه يوزّع وينشر بينات الحركة في مدينة قزوين.

وقد ورد في وثائق استجوابه أنه اعتقل في 11/2/1342هـ.ش في قزوين عند نزوله من الحافلة وتوجهه إلى الاعدادية التي كان يدرس فيها، واقتيد إلى سجن الشرطة في تلك المدينة، وبقي في السجن ثمانية وأربعين يوماً. وبعد أن قدّم تعهّداً بعدم التعاون مع الحركة حوكم على مرحلتين واطلق سراحه. وواصل التدريس كما كان عليه في السابق في مدرستي كمال وقزوين. ونظراً للاختلاف التدريجي في الأمزجة الذي حصل مع مسؤولي المدرسة حول طريقة إدارة الاعدادية؛ اعتزل التدريس في اعدادية كمال، وأخذ يدرس في اعداديات أخرى كاعدادية: بهلوي، سخن، قدس، ميرداماد.

وقد جاء في أوراق استجوابه في هذا الصدد:

"في عام 1346 أو عام 1345هـ ش أطلق سراح الدكتور سحابي، وعاد إلى مدرسة كمال إلا أن عملنا لم يبق على ما كان عليه من حرارة في السابق؛ لأنه أصبح أكثر كهولة من جهة وأصبحت أنا أكثر غروراً من جهة أخرى؛ لذلك اضطررت إلى ترك العمل في تلك المدرسة، بينما واصلت الذهاب إلى قزوين".

وفي عام 1346هـ ش انتهت مدّة تدريسه في قزوين، فأخذ يدرّس في اعداديتي بهلوي وسخن. ونظراً لقلق الدكتور سحابي من اعتزال الشهيد رجائي العمل في تلك الاعدادية حيث كان يتولّى هناك الكثير من الأعمال ابتداءً من تسجيل التلاميذ وانتهاءً بتوظيف المدرسين، عاد ـ استناداً إلى ما ذكره هو نفسه ـ إلى العمل فيها من جديد، وأخذ يدرس من 2 إلى 13 ساعة اسبوعياً من غير أن يمارس عملاً آخر فيها غير التدريس. واستمرت علاقته بالمدرسة على هذا المنوال إلى عام إلغاء تلك المدرسة من قبل نظام الشاه في عام 1353هـ ش.

من الأمثلة البارزة على نشاطات الشهيد رجائي السياسية في أعقاب اعتقاله عام 1342 ـ حيث أخذ يعمل بصورة أكثر حذراً ـ هو توجيه معلّمي مدينة قزوين ودعوتهم للاضراب في عام 1347. فقد أدى الاختلاف الذي وقع بين قائم مقام مدينة قزوين ومدير التربية فيها وكان اسمه ناصر كجوري، وكان شخصاً نشطاً وكفوءاً، إلى استدعاء الأخير إلى العاصمة لينقل إلى مدينة أخرى. وهذا ما أدّى بمعلمي تلك المدينة إلى الاضراب احتجاجاً على نقله، والمطالبة بإبقائه في منصبه.

وقد ألقى الشهيد رجائي في حفلة توديعية كلمة بصفته ممثلاً عن المعلمين المضربين.

وفي ضوء المعلومات المتوفرة لدى جهاز السافاك عن الشهيد رجائي في عام 1342 وما تلاه في اعدادية كمال، حيث كان يتحيّن كل فرصة ممكنة لطرح المسائل السياسية في قاعة الدرس من أجل توعية جيل الشباب، ومن جملة ذلك أنه كان يُسمّي أيام تتويج الشاه ـ كما ورد ذلك في تقرير موجود في وثائق السافاك ـ بأيام فرض الضرائب، انهيت مدّة تدريسه في مدينة قزوين، مسقط رأسه، وانتقل إلى طهران.

ومن الأعمال البارزة للشهيد رجائي أثناء فترة التدريس في قزوين هو عقد اجتماعات لمدرسي مادّة الرياضيات لغرض تبادل التجارب، وكذلك تقديم اقتراح لإنشاء صندوق تسليف "قرضة حسنة" للمعلمين في مدينة قزوين.

وفي أثناء فترة تدريسه ومسؤوليته في اعدادية كمال، كان المرحوم رجائي يستفيد من اجهزة الطباعة والتكثير الموجودة فيها، في طباعة البيانات والاعلانات السياسية لحركة تحرير إيران. استطاع جهاز السافاك تجنيد أحد مدرسي تلك المدرسة ممن كانوا يحضرون في الاجتماعات الشهرية لمدرسيها لموافاته بالأخبار اللازمة عن نشاطات الكادر التدريسي وأقوالهم في الإدارة وفي الاجتماعات، ونتيجة لذلك أخذت الشكوك تساور ذلك الجهاز إزاء ما يجري هناك. وكانت تلك الشكوك تُتابع بدقّة أكثر في ما يخص الشهيد رجائي حيث تلاحظ أمثلة من هذه الرقابة والدقّة بكل وضوح في الوثائق المختلفة التي ستعرض ضمن هذا المبحث. ومع كل ذلك لم يتمكن جهاز الأمن (السافاك) من العثور على أي أثر لأي عمل أو نشاط سياسي لدى الشهيد رجائي في داخل الاعدادية أو في خارجها؛ حيث كان يقوم بمساعدة الشهيد باهنر وجلال الدين الفارسي بطباعة وتكثير البينات والاعلانات السياسية في دار أحد اصدقائه في منطقة شميران نو. وظل هذا النشاط خافياً عن انظار السافاك إلى حين الغاء اعدادية كمال عام 1353، ولم ترد أية إشارة إليه عند استجواب السافاك له عند اعتقاله وسجنه للمرة الثانية.

قال أحد تلاميذ الشهيد رجائي في اعدادية علوي:

"على أثر الأحاديث التي كان الشهيد رجائي يطرحها علينا في قاعة الدرس أو خارجها حول القضايا السياسة ونظام الشاه، فقد قمتّ لوحدي بإنزال عشرين صورة مؤطّرة للشاه من قاعدة الدرس واخرجتها إلى خارج المدرسة وأتلفتها. وفي كل مرة كان مسؤولو المدرسة يهرعون مرعوبين إلى تعليق صورة أخرى بدلاً من الصورة المسروقة لكي لا يكونوا موضع مؤاخذة من قبل جهاز السافاك".

إن الروح المضطرمة والثورية التي كان يحملها الشهيد رجائي دفعته في السنوات الأولى لدخوله في كلية التربية وما تلاها من انتمائه إلى حركة تحرير إيران، إلى الاتصال والارتباط بمجاميع وتنظيمات كانت تحمل اضافة إلى النهج الثقافي، نهجاً مسلّحاً. وفي أثناء دراسته في كلية التربية وما بعدها، تعرّف على محمد حنيف نجاد الذي كان في حينها طالباً في كلية الزراعة في كرج، واستمرت هذه المعرفة والعلاقة من خلال الحضور في الاجتماعات التي كان يُلقي فيها كلماته في مكتب الحركة. وتحدث الشهيد رجائي ضمن استجوابه في هذا المجال عن السفرات العلمية والترفيهية التي كان ينظمها الاتحاد الإسلامي للطلبة وعن اقامة صلاة عيد الفطر التي ألقى فيها المهندس مهدي بازرگان كلمة.

كان ارتباط الشهيد رجائي بحنيف نجاد ومن بعده بسائر الكادر القيادي لمنظمة (مجاهدي خلق) من أمثال الاخوة رضائي (أحمد ومهدي ورضا) على طريق تقوية النهج المسلّح للحركة، إلى الحد الذي جعل الكادر القيادي يستفيد من داره كواحدة من النقاط الآمنة. وهذا ما وردت الإشارة إليه بوضوح في اعترافات بهرام آرام ومنيزة أشرف زاده، التي سيأتي عرضها ضمن هذا المبحث. وفي أعقاب اعتقال ومحاكمة واعدام الكادر القيادي لمنظمة (مجاهدي خلق)، شعر الشهيد رجائي أن المنظمة اخذت تنحرف تدريجياً عن النهج الأول الذي وضعه لها مؤسسوها. تقول عقيلة الشهيد رجائي حول هذا الموضوع:

"في احدى المرّات كان يقرأ المنشور الداخلي للمنظمة، ثم التفت إليّ وقال: هذه أول مرّة يحذفون فيها عبارة (بسم الله الرحمن الرحيم). ولا يمكن أن يكون هذا العمل من قبيل الصدفة".

وبعد أن شاهد على تلك المنظمة علائم الانحراف والالتقاط، وخاصة بعد أن شعر في احدى المرات أن الرجل والمرأة اللذان التجآ إلى داره باتا ليلتهما في غرفة واحدة كانا أجنبيين عن بعضهما، اعتزل حينذاك تلك المنظمة. وقد دفع هذا التغيير في موقف الشهيد رجائي بعد اعتقاله وسجنه، بأعضاء وانصار تلك المنظمة إلى اتخاذ مواقف متشددة منه وتوجيه أسوء الاهانات له ووصفه ـ بكل وقاحة ـ بالعمالة لنظام الشاه.

من جملة الصفات المشهودة التي تفرد بها الشهيد رجائي في كل أدوار جهاده السياسي المشرق قبل مرحلة السجن هو أنه لم يحصر جهاده ونشاطه السياسي في إطار التعاون مع فئة أو منظمة أو حركة معينة لا غير. ففي الوقت الذي كان يتعاون فيه مع حركة تحرير إيران، كانت له أيضاً علاقات واسعة مع الكادر القيادي الأول لمنظمة (مجاهدي خلق) التي كانت تتخذ ـ خلافاً لحركة تحرير إيران ـ من أسلوب الكفاح السري المسلّح نهجاً لها، حافظ أيضاً على علاقاته السابقة مع "الهيئات المؤتلفة"، وبعض الشرائح المتديّنة في سوق طهران، ساعياً وراء الحصول على المعونات المالية التي كانت الحركة الجهادية بحاجة ماسة لها.

 

تشكيل مؤسسة رفاه للثقافة والاغاثة

في أعقاب تنحّي الشهيد رجائي عن العمل في اعدادية كمال، بادر إلى تأسيس مؤسسة الرفاه والتعاون الخيرية بمساعدة ومعاضدة آية الله هاشمي رفسنجاني، والشهيد الدكتور باهنر، والعناصر المتبقية من الهيئات المؤتلفة وجماعة من التجاّر المتديّنين.

كانت هذه المؤسسة تعمل في الظاهر على تحسين أوضاع الفقراء والمحرومين في المجتمع، ولكنها كانت تعمل في الخفاء في النشاطات الثقافية وتربية الجيل الجديد تحت ستار كونها مؤسسة تشرف على وحدتين تعليميتين احدهما مدرسة ابتدائية والأخرى مدرسة اعدادية، إلى جانب رعاية عوائل السجناء السياسيين التي كانت تمر بضائقة مالية. وبناءً على ما كان للشهيدين رجائي وباهنر من خدمات سابقة في مجال التدريس والإدارة، فقد وُجّهت لهما الدعوة للحضور في الاجتماعات الأولى للمؤسسة، وأوكلت إليهما مسؤولية إدارة المدرسة.

أخذت هذه المؤسسة تتسع تدريجياً بفضل ما كان يقدمه لها الأشخاص المتدينون وأولياء أمور التلاميذ من تبرعات. وبعد عودة الشهيد بهشتي من المانيا في عام 1349هـ ش دعي إلى التدريس وإلقاء المحاضرات في مدرسة الرفاه. ونتيجة لاستجابته لتلك الدعوة، استطاعت المؤسسة التغلّب على مشاكلها المادية إلى حدّ ما بسبب المحاضرات التي كان يلقيها.

وبالاضافة إلى اضطلاع الشهيد رجائي بادارة الاعدادية التي فوّض أمر رئاستها إلى "پور اندخت بازرگان" زوجة محمد حنيف نجاد، فانه كان يبذل جهوداً كبيرة أيضاً من أجل تدريب كادر المدرسة وعرض الأفلام وتوجيه الدعوات إلى الخطباء الدينيين لإلقاء الكلمات في المناسبات والمراسيم المختلفة.

قال آية الله هاشمي الرفسنجاني وهو من مؤسسي مؤسسة رفاه للثقافة والاغاثة عن انشاء هذه المؤسسة، ما يلي:

"في تلك الأيام كان بإمكان عدد قليل من الفتيات المتدينات مواصلة الدراسة. بطبيعة الحال كان هناك مدارس أخرى للفتيات؛ إلا أنهم كانت لديهم ملاحظات سياسية ولم يسمحوا لأجواء المدارس أن تكون أجواءً سياسية. وقد كان هذا الشعور حافزاً لتأسيس مدرسة رفاه، وكانت الشؤون العلمية والفنية؛ فيها أي المهام المدرسية بالمعنى الأخص، على عاتق السيدين رجائي وباهنر، أما الشؤون الثقافية والاجتماعية والأمور العامّة فقد كانت على عاتقي".

وأخيراً ألغيت مدرسة رفاه للبنات في عام 1352هـ ش بسبب حساسية جهاز السافاك ازاءها. وفي العام التالي ألغي قطاع آخر من قطاعات مؤسسة رفاه.

 

نشاطه في شركة انتشار

وفي عام 1349هـ ش تم تأسيس شركة انتشار بهدف نشر الثقافة الإسلامية، وكان الشهيد رجائي يحضر في اجتماعات هيئتها الإدارية كعضو احتياطي، واستمرت هذه الشركة في ممارسة نشاطها حتّى عام 1352هـ ش.

 

السفر إلى فرنسا وسوريا

بعد الافراج عن الشهيد رجائي من السجن (في المرّة الأولى) أخذ يعمل ـ كما ذكر ذلك بنفسه بعد انتصار الثورة ـ على اعادة تنظيم البقية الباقية من هيئة المؤتلفة التي تشتتَّ شملها بسبب اعتقال عدد من عناصرها القيادية:

"جمعنا شمل هذه المجموعة بمساعدة الدكتور باهنر والسيد جلال الدين الفارسي وأخذنا نديرها على شكل تنظيم سري، وكان لكل واحد منّا اسم مستعار".

وقد استطاع الشهيد رجائي بفضل ما كانت له من علاقات حسنة مع مختلف الطبقات ومنها طبقة المعلمين والتجار جمع المعونات المالية لرعاية عوائل السجناء السياسيين وتأمين نفقات طباعة ونشر البيانات، أي أنه كان يدير بشكل سري شبكة واسعة.

وبعد سفر السيد جلال الدين الفارس إلى سوريا، كان الشهيد رجائي يرسله له مبالغ من المال تحت اسم مستعار وهو محمد أمين عن طريق فرنسا أو عن طريق الأشخاص الذين كانوا يدرسون في بيروت. وفي عام 1350هـ ش سافر إلى فرنسا لإعداد تقرير عن الوضع والأعمال التي انجزت في تلك البلدان.

ولغرض عدم اثارة شكوك السافاك، لم يسافر إلى سوريا مباشرة، وإنّما سافر إلى فرنسا، ورغبة منه في التمويه على السافاك، أعلن بأنه يريد القيام بسفرة سياحية. وفي فرنسا أعدّ تقريراً عن شبكة المجاهدين المسلمين في فرنسا واوربا. وبعد اقامة استمرت 17 يوماً ذهب عن طريق تركيا إلى سوريا، وزار هناك المراكز التي كانت تتدرّب فيها الشباب المسلم على فنون القتال والكفاح المسلح، ثم عاد إلى إيران عن طريق تركيا.

يقول حجة الإسلام والمسلمين سيد علي أكبر أبو ترابي عن دور الشهيد رجائي في دعم المقاومة.

"قبل سنوات من انتصار الثورة الإسلامية، قال لي الشهيد سيد علي أندرزگو ذات يوم حول عمل المقاومة وتوفير الأموال لشراء السلاح والمتفجرات، بأن السيد رجائي كان من جملة الأشخاص الذين تعاونوا معي كثيراً، وكان هو حلقة الوصل بيني وبين سوق التجار".

وكانت تدفع إزاء تلك الاعانات وصولات كتب عليها اعانات خيرية كي لا تكون ذريعة بيد السافاك يهدد بها المتبرعين أو المحصلين.

أشار السيد هاشمي الرفسنجاني الذي سافر إلى أوربا مرتين من بعد سفر الشهيد رجائي هناك، إلى أهمية تلك السفرة، قائلاً:

"نظراً للمشاكل التي أخذت تواجهها حركة المقاومة في البلاد الأوربية، تم اتخاذ تدابير خفية بحيث يذهب السيد رجائي إلى هناك كمندوب عنّا. وقد أنجز بسفره ذاك عمل جيّد جداً، ونجح في إقامة علاقات وثيقة، واستحدثت سبل جديدة لديمومة الاتصال وتبادل الآراء والمسائل المتعلقة بعمل المقاومة، وتولى هو بنفسه لاحقاً تمشية تلك المهمّة، ونحن إذا كان لدينا شيء يخص الجماعات الموجودة في لبنان وفرنسا، كنّا نعرضه عليه".

وبناءً على العلاقات الواسعة التي كانت للشهيد رجائي مع القادة الأوائل لمنظمة مجاهدي خلق، فانه كان يرسل بعض تلك المساعدات عن طريق بعض الأصدقاء الذين كانوا يتعاونون مع تلك المنظمة على غرار تعاونه معها، وكانت لهم نشاطات أيضاً في هيئة المؤتلفة، إلى الشبكات الخارجية للمنظمة. فقد كلّف في احدى المرّات مهدي غيوران بايصال حقيبة مليئة بالمعلومات والوثائق والأموال إلى رابط المنظمة في فرنسا، ولكنه لم ينجح في ايصالها إليها، فسلّمها إلى صادق قطب زاده وعاد إلى إيران. وبعد مدّة كلّفه الشهيد رجائي بالرجوع إلى باريس واستلام الحقيبة من صادق قطب زاده.

وعلى الرغم من عدم انتماء الشهيد رجائي إلى منظمة مجاهدي خلق، إلا أن عدم حنكة بعض قادتها مثل أحمد رضائي في إدارة شؤونها كان يدفعه إلى مساعدتهم على اتخاذ القرارات السليمة.

يقول الحاج مهدي غيوران في هذا المضمار:

"في عام 1350هـ ش قلتُ لأحمد رضائي إنه بالإمكان اغتيال إمام جمعة طهران خلال استطلاع بسيط وعملية عسكرية. ووافق أحمد على رأيي هذا وبدأت بالإعداد لتلك العملية. وعندما اخبرت أحمد بمدى ما انجزته من عمل، قال الشهيد رجائي: أنا لا اوافق على هذا العمل؛ لأنكم إذا قتلتم إمام الجمعة، يتخذ السافاك عملكم ذاك كذريعة ويبدأ بتصفية علماء الدين المجاهدين، ويُلقي مسؤولية ذلك العمل علينا. وبعدما عرض علينا الشهيد رجائي هذا الرأي الناضح والموزون، عدلنا عن تنفيذ تلك العملية".

 

السجن ثانية

كان في حوزة الشهيد رجائي عدد من الكتب التي تتضمن دفاع القادة الأوائل للمنظمة في محاضر المحكمة، اضافة إلى عدد من الكتب الأخرى التي كان جهاز السافاك ينظر إليها بحساسية، وبما أنه كان معرضاً للاعتقال في أية لحظة، فقد نقلها إلى دار احدى اخواته، لكي لا يقدّم للسافاك أي دليل. إلا أن ابن اخته اصطحب معه مجموعة من تلك الكتب إلى الجامعة دون علم الشهيد رجائي، ووزعها بين اصدقائه، ووقع أحد تلك الكتب بيد السافاك بواسطة أحد الأشخاص مما أدى إلى اعتقال محسن صديقي، ابن اخت الشهيد رجائي، ثم الشهيد رجائي نفسه. وفي تاريخ 6/9/1353هـ ش اقتحمت قوات الأمن داره وفتّشوها تفتيشاً دقيقاً ولكنهم لم يعثروا على أدنى سند أو مستمسك، وبما أنه لم يكن موجوداً في حينها في الدار، فقد مكثوا فيها بانتظار عودته.

وعند عودته مساء ذلك اليوم من أحد الاجتماعات الخاصّة للشهيد بهشتي شاهد الاوضاع غير عادية في الحيّ. ولكن بما أنه كان قد أعد نفسه للاعتقال والسجن، فقد دخل إلى الدار بشكل طبيعي جداً، وما هي إلا لحظات حتى اعتقل واقتيد إلى السجن.

ولم يبد طوال فترة ما يقارب بالعشرين شهراً من التحقيق والحبس في زنزانة انفرادية أي نوع من الضعف والمداهنة. ولقد جعلته مدّة سجنه في زنزانة انفرادية في قائمة اندر السجناء السياسيين. فعلى الرغم من سعة علاقاته الجهادية إلا أنه لم ينطق بكلمة واحدة تحت وطأة التعذيب الوحشي لجهاز السافاك الذي كان يريد منه ذكر أسماء اصدقائه ورفاقه في الجهاد، وكانوا في كل مرّة يمارسون ضده أنواعاً من التعذيب أشد من السابق.

ذكر بعض رفاقه في الزنزانة أنه شوهد مرّات عديدة يعود إلى زنزانته زحفاً على يديه ورجليه بسبب تورّم باطن قدميه على أثر ضربات السياط المتوالية.

أعلن آية الله هاشمي رفسنجاني في احدى خطب صلاة الجمعة في طهران بعد ذكر صمود الشهيد رجائي أمام تعذيب السافاك:

"لا نعرف طوال فترة المقاومة منذ عام 1341 وحتى عام 1357هـ ش شخصاً بقي نيفاً وعشرين شهراً في زنزانة وتعرّض للتعذيب المتواصل ولم يعترف بشيء. فقد كانت لي أسرار عنده لو اعترف بها لكنتُ قد اعدمتُ".

كان الشهيد رجائي في السجن مثالاً للإنسان المؤمن، وقد كان يقضي فترة السجن بنظم خاص. وأصبح أنسه بالقرآن؛ سواء في أيام الزنزانة الفردية أم بعدها، مضرب مثل بين سائر السجناء. وقال سماحة آية الله الخامنئي الذي كان مسجوناً في تلك الأيام بفاصل زنزانة واحدة عن زنزانة الشهيد رجائي في اللجنة المشتركة لمكافحة التخريب:

"كنت في الزنزانة رقم 20، وكان (الشهيد رجائي) في الزنزانة رقم 18. كنت أتصل بالشخص الموجود في الزنزانة رقم 19 باشارة خاصة، فكان يقول لي أنه يوجد في الزنزانة رقم 18 شخص يقول انه على معرفة بك. فعرفت أنه الشهيد رجائي. وكلما اردت التكلم معه كنت اعطي إشارات إلى الشخص الذي في الزنزانة المجاورة ليوصلها إلى الشهيد رجائي، وفي المقابل كان الشهيد رجائي يتصل بي على نفس الطريقة. فكان يقول مثلاً إن السيد رجائي يتلو القرآن فسألته: وهل تلاوته جيّدة؟ نعم، انه يتلو بصوت حسن. وكان يؤذّن في زنزانته ويصوم".

ومن أنواع التعذيب التي كان يمارسها السافاك بحق هذا الشهيد هو أنهم كانوا في فصل الشتاء يتركونه عارياً في زنزانته ولا يأذنون له بارتداء ثياب السجن العادية، بحيث أن كل من يرى أثواباً معلّقة على أبواب الزنزانة كان يعرف أنها زنزانة الشهيد رجائي. ومع انه حكم عليه بعد المحاكمات المتعددة الأولى بالسجن لمدة خمس سنوات، إلا أن الاعترافات التي قدّمتها احدى أعضاء منظمة مجاهدي خلق وهي منيزة اشرف زاده الكرماني ضد الشهيد رجائي في السجن، جعلت السافاك يفهم أن الشهيد رجائي ـ ورغم كل ذلك التعذيب ـ لم يفصح لهم عن أي معلومات حول علاقاته. ولهذا السبب اعادوه مرّة أخرى إلى أشد أنواع التعذيب والتحقيق.

ومع أن السافاك سعى بعد الحصول على رأس الخيط، لكشف جميع العلاقات الجهادية الواسعة للشهيد رجائي، واستخدم ضده أبشع الوان التعذيب، إلا أنه لم يكشف لهم سوى عن المعلومات التي سمعها من منيزة الكرماني ضده. وهذا الأمر واضح تماماً في استجواباته المكتوبة. لقد بيّن في تلك الاستجوابات بطريقة ذكية أن علاقته مع المنظمة لا تتعدى العلاقة العاطفية البسيطة مع قيادتها المركزية، وأنه لم يتسلم أية مسؤولية فيها. ومع انه كان قادراً في ضوء الانحراف الذي حصل في المنظمة وفي أعقاب ما لقيه في السجن على يد اعضائها من شماتة وتجريح وأذى، على توجيه ضربة لهم، وكان افضل تبرير لديه هو انحرافهم على الإسلام، إلا أنه لم يفعل ذلك قط، وحال بذلك دون استغلال جلاوزة مخابرات الشاه لاختلافه العقائدي والسياسي مع منظمة مجاهدي خلق.

وحينما تلقّى ـ بمرارة ـ في السجن خبر تبديل المواقف العقائدية لأعضاء المنظمة من الإسلام إلى الماركسية، أعلن لرفاقه أنه كان يتوقع حصول مثل هذا التغيير. ولهذا كرّس جهوده في السجن، في ضوء معرفته بالماهية المنحرفة لهذه الحركة، على استقطاب المؤيدين البسطاء وغير الواعين فيها. وعلى هذا الأساس دأب الأعضاء المنحرفون في المنظمة على معاداته، وبالاضافة إلى سلوكهم المشين معه، قاطعوا صلاة الجماعة التي كانت تقام لأول مرّة في السجن بفضل همّة الشهيد رجائي. هذا في وقت كان فيه أعضاء المنظمة وأنصارها على اتحاد وتآلف تام مع الماركسيين واليساريين في مختلف أقسام السجن. وفي احدى المقابلات تنبّه الشهيد رجائي إلى القلق الذي يساور ذويه ومن جملتهم ابن اخته حول ما يلاقيه من سجن وتعذيب، فقال لهم مبتسماً:

"لا تقلقوا، فلو انني كنت خارج السجن لفعلت معي المنظمة ذات العمل الذي فعلته مع مرتضى صمديّة لباف ومجيد شريف واقفي، ولقتلتني كما قتلتهما".

كان الشهيد رجائي في السجن محوراً تتكتل حوله العناصر المؤمنة بالزعامة الدينية وعلى رأسها سماحة الإمام الخميني. وهذه العقيدة الراسخة جعلته وهو في سجن ايفين عرضة للهجمات والمقاطعة من قبل تلك القوى الموجودة معه في السجن؛ حيث منع المنافقون والعناصر اليسارية الاتصال به منعاً باتاً، وأمروا أنصارهم بالامتناع حتى عن المشي والأكل والتحدث معه. ومن جهة أخرى امتنعت العناصر الدينية الموجودة في السجن عن التحدث مع الشهيد رجائي أو الجلوس معه على مائدة واحدة؛ وذلك لأنه لم يكن يعتقد ـ كما كانت تعتقد هي ـ بحرمة الاختلاط بسائر العناصر السياسية الدينية بسبب ما تحمله من آراء تلفيقية.

وبعد انتصار الثورة كان الشهيد رجائي يذكر عهد السجن في (ايفين) بمرارة.

ومن جملة الأعمال المهمة التي قام بها الشهيد رجائي في السجن هو استقطاب العناصر الشابّة والساذجة المؤيدة لمنظمة مجاهدي خلق، وضمّها إلى صفّ المجاهدين السياسيين السائرين على خط الولاية والزعامة الدينية وسماحة الإمام الخميني، وهو الصف الذي كان الشهيد رجائي نفسه في محوره. وبدأ دورات تعليمية تتألف من شخص واحد أو عدّة أشخاص وضع خلالها جميع ما كان قد حصل عليه من معلومات طوال سنوات حضوره في مسجد هدايت وغيره، تحت تصرف السجناء.

وحينما كان الشهيد رجائي يطّلع على المشاكل والضائقات المالية التي تواجه بعض أسر السجناء خارج السجن، كان يوصي في أول زيارة له في السجن بالعمل على حل تلك المشاكل عبر ما كان لديه من علاقات سابقة خارج السجن.

 

على مشارف الثورة

بعد اطلاق سراح الشهيد رجائي من السجن، لم يكفّ عن نشاطاته السياسية والجهادية، بل أخذ يضاعف في هذا المضمار.

ومع بلوغ الثورة ذروتها واصل نشاطه في لجنة استقبال الإمام بعد تعرفه على أنصار الإمام وارتباطه بهم. وكان له في الاجتماعات التي عقدت من أجل تعيين محل سكن الإمام الخميني، دور فاعل في تحديد واختيار مدرسة رفاه. وحينما طرح بعض الأشخاص أماكن أخرى أفضل من مدرسة رفاه من حيث السعة والامكانات وقالوا ان الإمام الخميني يجب أن يسكن مكاناً يتناسب مع شأنه، أعلن الشهيد رجائي أن مدرسة رفاه تعود للإمام وقد بناها أنصاره باسمه وأفضل ميزة فيها هي أن الإمام إذا شرّفها بالسكن فيها لا يُقال أن الإمام نزل في دار فلان. وحظي هذا الاستدلال بموافقة الآخرين، إلا أن ضيق ساحة هذه المدرسة بالقياس إلى مدرسة علوي، أعلن للجماعة المكلفين بإعداد مدرسة رفاه لهذا الغرض ـ أثناء زيارته لذلك المكان ـ بأن لجنة الاستقبال قد بدّلت قرارها وان سماحة الإمام سيذهب إلى مدرسة علوي.

وعلى الرغم من انه كان في تلك الأيام عضواً في تنظيم مدرسة رفاه وكان تنظيماً شبه سري، ويعتبر بمثابة بؤرة الثورة إلا أنه كان على درجة من التواضع بحيث كان على استعداد للقيام بأي عمل معتبراً إياه خدمة للثورة من غير أن يعير أهمية لحجم ذلك العمل. ولما شاهده بعض رفاقه الذين كانوا متأهبين لتنفيذ أي عمل يطلبه منهم، حاملاً المكنسة وينظف ساحة مدرسة رفاه بنفسه، سارعوا إليه طالبين منه ترك هذا العمل لهم، إلا أنه رفض ذلك، وكنس بنفسه المدرسة ورش ساحتها بالماء بانتظار قدوم الإمام. بعدما اضطلع الشهيد رجائي مسؤولية شؤون الإعلام والمسيرات، حوّل داره وداراً مجاورة أمينة، إلى مقر لكتابة لافتات التظاهرات والمسيرات.

وحينما أعلن الإمام الخميني ان الشعب يجب أن لا يأبه للأحكام العرفية التي أعلنت من قبل نظام الشاه، جنّد الشهيد رجائي الشباب الثوريين على وجه السرعة وقسّمهم إلى مجموعتين تجوبان شوارع شمال المدينة وجنوبها وتُعلنا للناس، كسر الأحكام العرفية بأمر الإمام ووجوب التمرد عليها.

ومع اشتداد المواجهة وسقوط الثكنات العسكرية للنظام بيد الشعب، الواحدة تلو الأخرى، وتنقل اسلحتها بواسطة ابناء الشعب إلى مدرسة رفاه، تولّى الشهيد رجائي مسؤولية حفظ تلك الأسلحة. ومع أن الحكومة العسكرية كانت لا تزال على قدر من القوّة، إلا أنه وزع بعض المسلّحين الذين قدموا من يزد إلى طهران لحماية الإمام، على المنازل القريبة، خشية هجوم محتمل يشنّه النظام على المدرسة.

وعند اعتقال رؤوس النظام السابق ونقلهم من قبل أبناء الشعب إلى مدرسة رفاه، وقعت على عاتق الشهيد رجائي مسؤولية خطيرة أخرى، إذ انه اضطلع، وبمعاضدة بعض رفاقه في السجن بمسؤولية الحفاظ على رؤوس النظام ورجال السافاك، واستجوابهم. ومع انه كان يعرف بعض هؤلاء القادة والمسؤولين، إلا أنه أوصى الأشخاص المكلفين بالحفاظ عليهم في سرداب مدرسة رفاه، أن يعاملوهم بكل مودّة، ويدعوا مسؤولية البتّ في أمرهم لمحاكم الثورة.

بعد الاعلان عن تشكيل الحكومة المؤقتة من قبل الإمام، كُلَّف المرحوم المهندس مهدي بازرگان بمسؤولية رئاسة الوزراء، وعيّن الدكتور شكوهي الذي كان من أعضاء حركة تحرير إيران كوزير للتربية والتعليم. نهض الشهيد رجائي اضافة إلى الشهيدين باهنر وسيد كاظم الموسوي بدور فاعل وحاسم في إدارة شؤون هذه الوزارة. وفي هذا الميدان كان دور الشهيد رجائي أبرز من أدوار الآخرين، إلى حد يمكن معه القول بأنه هو الذي نهض بالدور الأساسي في تغيير أوضاع وزارة التعليم والتربية من شكلها السابق إلى طابعها الثوري الجديد، من خلال الصلاحيات التي أخذها من السيد شكوهي.

في ذلك العهد بادر الشهيد رجائي بصفته مستشاراً للوزير إلى اجراء بعض الاصلاحات الأولية التي تتناسب مع ظروف الثورة من قبيل تطهير تلك الوزارة من عناصر النظام وعملاء السافاك والفئات الالحادية، وأدى تلك المهمة بدقّة وسرعة خاصة.

وفي أعقاب استقالة السيد شكوهي من وزارة التربية والتعليم، واصل الشهيد رجائي خدماته المخلصة والثورية كوكيل للوزارة ثم كوزير لها. ومن أهم اجراءاته في تلك الفترة تأسيس دائرة الشؤون التربوية، وتقوية مراكز اعداد المعلمين.

بالتزامن مع انتخابات الدورة الأولى لمجلس الشورى الإسلامي، حين قدّم الحزب الجمهوري الإسلامي أسماء عدد من العناصر المؤمنة ذات الماضي الجهادي كمرشحين للعضوية في مجلس الشورى الإسلامي عن المدن المختلفة، قدّم اسم الشهيد رجائي في قائمة الحزب كمرشح عن طهران، ودخل في مجلس الشورى الإسلامي بعد أن حصل على 1.209.012 صوتاً.

بعد مضي ستة أشهر على مسؤوليته كنائب عن أهالي طهران في مجلس الشورى الإسلامي وبعد انتخاب بني صدر كأول رئيس للجمهورية في النظام الإسلامي، تصاعدت شدّة خلافات بني صدر مع مجلس الشورى الإسلامي على أثر رفض المجلس للمرشحين الذين قدّم أسماءهم للتصدي لمنصب رئاسة الوزراء؛ بسبب عدم توفر الصلاحيات الإسلامية والثورية فيهم. وبعد الصيحة التي أطلقها الإمام وتساءل فيها عن سبب توقف العمل، اقترح بني صدر على مجلس الشورى الإسلامي تشكيل لجنة خماسية من أعضاء المجلس تختار شخصاً تتوفر فيه الشروط اللازمة لرئاسة الوزراء، وبعد التداول والتشاور يُرفع اسمه إليه. وقد وافق المجلس على هذا الاقتراح. وشكل المجلس تلك اللجنة الخماسية وبعد حذف اسمي آية الله هاشمي الرفسنجاني، وقائد الثورة الإسلامية آية الله العظمى الخامنئي بسبب انتمائهما الحزبي، وافق بني صدر على الأعضاء الثلاثة الآخرين مع علمه بانتمائهم إلى الحزب الجمهوري الإسلامي.

وبعد مداولات مطولة استقر رأي اللجنة الثلاثية بالاجماع على كفاءة الشهيد رجائي للتصدي لمنصب رئاسة الوزراء. وبعد اعلام اللجنة الثلاثية رأيها للمجلس، صادق مجلس الشورى على ذلك الاختيار، وأعلم بني صدر به.

عزم بني صدر في بداية الأمر على معارضة هذا الاختيار ورفض رأي اللجنة الثلاثية رفضاً قاطعاً، ولكنه لما شعر بالعجز عن الوقوف بوجه المجلس، اضطر للموافقة على هذا الترشيح. إلا أنه لم يتورع عن استغلال كل فرصة ممكنة للنيل من شخصية الشهيد رجائي أمام الرأي العام من خلال نعته بصفات وتعابير قبيحة. وفي ضوء الأجواء الحساسة آنذاك تجرّع الشهيد رجائي بحلم وصبر ووقار كل تلك التعديات والاهانات من بني صدر بصفته رئيساً للجمهورية، وكان في الموارد الضرورية يرد على تصريحات بني صدر المتكررة بأدلة منطقية ومتينة.

ومع ان الشهيد رجائي ركّز كل اهتمامه في خضم هذا التناحر على عدم نقل خلافات بني صدر مع قوى حزب الله التي كان هو بمثابة رمز وتجسيد لها بصفته رئيساً للوزراء، إلى أبناء الشعب، لكي لا تنعكس على شكل هموم وآلام تتكدس على قلب وقسمات سماحة الإمام. ولكن على الرغم من الظروف الحساسة التي كان تمر بها البلاد ومن جملتها ان حكومة السيد رجائي باشرت عملها رسمياً في يوم بدء الحرب، لم يبد بني صدر أي تسامح أو مرونة من جانبه إلى حد أنّه حينما كان يذهب إلى الجبهة لتوجيه شؤون الحرب لم يكن يعلم الشهيد رجائي بسفره من أجل اعانته ومساعدته في هذا المجال. في حين أن جميع شؤون الحرب كانت تقع عملياً من بعد رئيس الجمهورية على عاتق رئيس الوزراء.

وانطلاقاً من العهد الذي قطعه الشهيد رجائي للاسلام وللثورة وللإمام وللشعب، وعلى الرغم من المشاكل الهائلة التي واجهت حكومته الفتية، فإنه كان يضع قضية الحرب على رأس الأمور، ولم يتوان لحظة واحدة عن الاهتمام بشؤون المقاتلين ومهجري الحرب الذين التجأوا من مدنهم إلى المدن الأخرى على أثر الهجمات البرية والغارات الجوية الوحشية التي شنّها العدو البعثي. في تلك الظروف العصيبة التي كانت فيها حكومته تواجه أشد الأزمات الاقتصادية والسياسية فضلاً عن العقبات والعراقيل التي كان يختلقها الليبراليّون والمنافقون، كان هو يعالج المشاكل بهدوء روحي وصلابة وثقة بالنفس.

وأخيراً وصل بني صدر من اختلاقه للعراقيل والمشاكل إلى حدٍ جعل مجلس الشورى الإسلامي يطرح ـ بتوجيه من الإمام الخميني ـ موضوع عدم كفاءته السياسية، في ضوء الاخبار الدالة على تزويده للمنافقين بالسلاح، على بساط البحث وصوت على قرار عدم كفاءته وتنحيته عن رئاسة الجمهورية.

وبعد تنحية بني صدر عن رئاسة الجمهورية، وما سبق ذلك من استعادة الإمام الخميني لمنصب القيادة العامّة للقوات المسلحة الذي كان قد فوّضه إياه، اصبحت أجواء البلاد مهيّئة لأجراء انتخابات رئاسة الجمهورية للمرة الثانية، وبقيت مرارة هذه الحادثة التي حصلت للنظام الإسلامي الفتي في أول سنوات الانتصار عالقة في فم أنصار الثورة وعموم الشعب الإيراني الشريف.

وجاءت ثاني انتخابات لرئاسة الجمهورية لتثبت أكثر فأكثر مقدرة وكفاءة والتزام الشهيد رجائي بعد عهد مرير من تسلط النفاق والليبرالية على شؤون البلاد.

ونتيجة لإصرار وتأكيد الاجنحة السائرة على خط الإمام والمؤمنة بمبدأ الولاية شارك الشهيد رجائي في تلك الانتخابات وحصل على رقم باهر من أصوات أبناء الشعب الإيراني الشريف، وهو ما يعكس محبوبيته على الرغم من محدودية فترة رئاسته للوزراء. وهكذا أصبح ثاني رئيس للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولن تنمحي من ذاكرة الشعب الإيراني حلاوة ذكرى مراسم أدائه لليمين الدستورية بحضور الإمام في (11/5/1360هـ ش) حين جثا على ركبتيه أمام مرشده ومراده أثناء تسلّمه لحكم رئاسة الجمهورية.

كان الشهيد رجائي خلال الفترة القصيرة التي استمرت 29 يوماً من تسلّمه الجمهورية، ورشَّح خلالها الشهيد الدكتور باهنر إلى مجلس الشورى، وبعد اقرار مجلس الشورى الإسلامي لذلك الترشيح، اتخذه كرئيس للوزراء، عازماً من خلال تشكيله لحقيبة وزارية ثورية وشابّة على حل المشاكل الناجمة عن حالة الحرب، والأزمات الاقتصادية، وقضية العمل، وقضية التضخّم، وهي مشاكل بقية أكثرها عالقة بسبب انقضاء وقت المسؤولين في الاختلاف مع بني صدر.

كان يشارك باندفاع وشوق وحماس لا يوصف في أكثر الاجتماعات واللجان التي لا ضرورة لمشاركته فيها لكي يؤدي دوره في حل المشاكل واتخاذ القرارات المدبرة والتعجيل في تنفيذها.

 

الشهادة:

وفي ختام المطاف حلّق هذا الرجل العزيز الكريم بصحبة رفيقه القديم الشهيد الدكتور باهنر واللواء دستجردي مدير الشرطة العام إلى الملكوت الأعلى في اجتماع لإحدى لجان الأمن القومي بواسطة قنبلة موقوتة زرعها أحد عناصر النفاق كان قد تسلل إلى رئاسة الوزراء.

في ذلك اليوم وبكلام الله أضفى محمد علي رجائي على اجتماع مجلس الأمن القومي كالعادة الصفة الرسمية {بسم الله الرحمن الرحيم * والعصر * إنّ الإنسان لفي خسر * إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصبر}. وكان يستهلّ حديثه به في كلّ الاجتماعات عادة.

كان اجتماع مجلس الأمن يعقد اُسبوعياً وكان أعضاؤه الدائمون: رجائي (رئيس الجمهورية)، باهنر (رئيس الوزراء)، كلاهدوز (نائب قائد قوات حرس الثورة الإسلامية)، دستجردي (مدير الشرطة)، ضبّاط الدرك، ثلاثة من كبار ضبّاط القوات النظامية والامن الداخلي، وأخيراً المجرم كشميري.

عقد الاجتماع المذكور في الساعة 45،2 ظهراً،. دخل الشهيد باهنر متأخّراً لبضعة دقائق وجلس إلى جانب رجائي رفيقه في النضال.

كان من المقرّر أن يكون هذا آخر اجتماع لمجلس الأمن يشترك فيه الشهيد رجائي، على أن تعقد اجتماعاته اللاحقة برئاسة الشهيد باهنر. وحتّى في هذا الاجتماع حاول رجائي عدّة مرات إعطاء مكانه لباهنر لمواصلة الاجتماع، إلاّ أنّ باهنر عارض الفكرة وطلب إليه أن يكون هذا آخر اجتماع يشارك فيه.

 بدا رجائي في هذا اليوم أكثر هدوءاً من أيّ وقت مضى (ربّما ابتهاجاً لأنّه سيرى بعد الاجتماع زوجته وأولاده بعد غياب عدّة أيام. وصل ابنه الوحيد كمال إلى مقر رئاسة الوزراء قبل الآخرين، كانت عائلة الشهيد رجائي واستجابة لتأكيدات الإمام وبناءً على رغبة الشهيد نفسه تأتي إلى مجلس الوزراء بضعة أيام في الاسبوع ـ لكيلا تصبح من أصحاب القصور ـ وتعود ليلاً إلى دارها بواسطة الحافلة؛ لأنّ رجائي لم يوافق في تلك المدّة على استخدام السيارات الحكومية ولو مرّة واحدة لإيصال عائلته من رئاسة الوزراء إلى البيت؛لحرصه الشديد على بيت المال).

بدأ اجتماع مجلس الأمن بحديث (مدير الشرطة) الشهيد دستجردي الذي قدّم تقريراً عن أوضاع مدينة طهران والأحداث التي وقعت فيها خلال الاسبوع المنصرم. وكان كشميري الذي يعمل كأمين للمجلس قد دخل إلى قاعة الاجتماع قبل الجميع وبيده حقيبة سوداء، وكان يكثر الدخول والخروج وقد شغّل مسجّله الصغير كالعادة ووضعه على الطاولة في الوسط.

في المرّة الأخيرة التي دخل فيها كشميري إلى غرفة الاجتماع كان يحمل بيده طبقاً فيه آنية الشاي ولم يره أحد بعدها. كان رجلاً غامضاً. ومع أنّه عمل مدّة طويلة في مجلس الأمن وكان يشارك في اجتماعاته كمحرّر ومدير لكنّ المرء قلّما كان يشاهده.

لقد كان كشميري مجرماً حقّاً بما في الكلمة من معنى. وعلى الرغم من عمله لما يقارب السنة مع هاتين الشخصيتين ومع معرفته بخصائصهما السامية، إلاّ أنّه جلب في ذلك اليوم تلك “الحقيبة القاتلة” إلى قاعة الاجتماع بكل برود ووضعها بين كرسيي رجائي وباهنر.

كان على اطلاع تام بكلّ تفاصيل الاجتماع، حتى ان دخول أعضاء المجلس إلى قاعة الاجتماع لابدّ وأن يكون بإذنه.

لم يزل الاجتماع معقوداً حتّى الساعة الثالثة بعد الظهر، وكان حديث الأعضاء يتركّز حول كيفية استشهاد وسجايا النقيب همتي، الذي كان آمراً لوحدة مالك الأشتر، والذين استشهد أخيراً في باختران.

انتهى تقرير العقيد دستجردي، وكان رجائي يرد على سؤال كلاهدوز عن تفاصيل استشهاد آمر وحدة مالك الأشتر. ولا يتذكّر أحد ممن جرحوا في الحادثة على وجه الدقّة العبارات الأخيرة التي قالها رجائي في هذا الصدد؛ وذلك لأنّ قنبلة انفجرت بعد ذلك بلحظات، ولكن من المسلّم به أنّ آخر ما تحدّث به الشهيد رجائي كان بشأن الشهادة ودور الشهداء في الثورة الإسلامية.

في الساعة الثالثة والدقيقة الرابعة عشر كان رجائي يتحدّث بوجه وضّاء عن الشهادة والشهيد، وفجأة انطفأت مصابيح القاعة في لحظة واحدة ثمّ أضاء القاعة وهج شديد حيث التهبت النيران كلّ الأرجاء.

كانت القنبلة قد وضعت في حقيقة سوداء كبيرة أدخلها المجرم كشميري إلى الاجتماع ووضعها بين كرسيي رجائي وباهنر، وكانت من القنابل التخريبية الحارقة. ولهذا السبب أدّت قوّة عصفها إلى انهيار قسم من سقف القاعة وإلى تناثر كراسي المجتمعين إلى أطراف القاعة، وشبّت النيران بالتزامن مع ذلك في كلّ مكان، فيما سرت النار والدخان سريعاً في الصالة وسائر الغرف الاُخرى في ذلك الطابق.

وقد أدّت البسط السميكة المفروشة في الغرف، وورق الجدران، والطبقة الخشبية التي تغطّي الممرات إلى تفاقم شدّة اللهب الذي أحدثه انفجار القنبلة الحارقة. وخلال بضعة دقائق تحوّل الطابق الأول من مبنى رئاسة الوزراء إلى كتل هائلة من النار والدخان.

أمّا كلاهدوز وضبّاط الدرك وثلاثة آخرين من الشخصيات العسكرية الذين رمت بهم قوّة العصف الناتج عن الانفجار إلى أطراف القاعة، فقد استعادوا وعيهم بعد دقائق فيما كان كلّ واحد منهم مجروح أو مصاب بنحو أو آخر، فرموا بأنفسهم من السلّم الواقع على يمين بناية رئاسة الوزراء.

سارع الشهيد كلاهدوز الذي ما فتئت معالم الإغماء بادية عليه ومن ساحة البناية إلى إطلاق نار سلاحه الشخصي إلى الجو ظنّاً منه بوقوع غارة جوّية، طالباً العون من الناس.

وفي تلك الأثناء استعاد الشهيد دستجردي وعيه أيضاً وكان جالساً إلى جانب كرسي الشهيد باهنر، لقد احترق كلّ جسده بشدّة، فرمى بنفسه من شبّاك الغرفة إلى الساحة فتكسّرت على إثر ذلك عدّة مواضع من بدنه المحترق.

سرى لهيب النيران والدخان بسرعة إلى جميع أقسام بناية رئاسة الوزراء، وصعد العاملون في البناية إلى طبقاتها العليا، وكان أحدهم ويدعى الشهيد دفتريان قد عزم على استخدام المصعد الكهربائي للنزول، إلاّ أنّه بسبب انقطاع التيار الكهربائي بقي في وسط الطريق فاستشهد جرّاء الدخان الكثيف.

كما وأنّ عجوزاً كانت تمرّ عند حصول الانفجار من جوار البناية اُصيب رأسها بحجر فاستشهدت.

ومع تزايد الدخان والنار في البناية، صعد جميع من فيها إلى الطابق الخامس، وبعد مجيء سيارات الإطفاء اُخرجوا من البناية بواسطة الرافعات، فيما بدت البناية وكأنّها اُنبوب دخان مثقوب من الجوانب يقذف كتلاً من الدخان الأسود الكثيف إلى الخارج.

لعلّ أوّل اتصال هاتفي جرى من مبنى رئاسة الوزراء هو الاتصال الذي أجراه كمال رجائي مع والدته التي كانت تتهيء للمجيء إلى مبنى رئاسة الوزراء لمقابلة زوجها.

انهمك كمال في البحث عن أبيه. وإلى ما بعد 15 دقيقة من الانفجار لم يطّلع أحد على مصير الشهيدين، إلى أن دخل عدد من رجال الإطفاء الذين يرتدون ملابس خاصّة إلى غرفة مجلس الأمن وعثروا هناك على جسدين محترقين بالكامل لا يمكن التعرّف عليهما أصلاً.

إلاّ أنّ أحداً لم يسمح لنفسه حتّى بتصوّر أنّ هذين الجسدين المحترقين بنار حقد الأعداء هما رجائي وباهنر.

لفّوا الجسدين المتفحّمين ببطانية وأخذوهما إلى الطب العدلي، فيما كان البحث متواصلاً هناك للعثور على رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. واتّخذ العمل طابعاً أكثر تنظيماً. اُغلقت بالكامل جميع الطرق والشوارع المؤدّية إلى بناية مجلس الوزراء، في حين كان جرحى الحادثة يلفّون بالبطانيات وينقلون بسيارات الإسعاف إلى المستشفى القريبة من ذلك المكان في شارع باستور.

بعد ساعة من الاتصال الهاتفي الأول الذي أجراه كمال، دقّ جرس الهاتف مرّة اُخرى في دار رجائي التي لازالت تحمل عنه الكثير من الذكريات، وإذا بصوت خنقته العبرة، وهو غير قادر على حبس بكائه يقول: “اُمّاه لقد ذهب أبي” معلناً عن استشهاد رجائي. وهكذا هاجر رفيقا الخندق الواحد إلى ربّهما بجسد محروق وقلب طافح بالأمل لتقديم مزيد من الخدمة للاُمّة الإسلامية.

 

الإمام الخميني (قده) مخاطباً الجماهير المفجوعة باستشهاد الشهيدين رجائي وباهنر (ره)

إنّ منطقنا، ومنطق شعبنا هو منطق المؤمنين ومنطق القرآن الكريم وهو.. “إنّا لله وإنا إليه راجعون” لا يستطيع أحد أن يقف أمام هذا المنطق.. إنّ الشعب الذي يعيش لله يعتبر كلّ شيء من الله وأنّ مثل هذا الشعب يعتبر رحلته من الدنيا رحلة نحو الخالق والمحبوب. إذن لا يمكن مواجهة مثل هذا الشعب الذي يحتضن الشهادة ويعانقها كعناق الأحبة.. إنّ الذين عميت بصيرتهم لا يستطيعون الوقوف أمام هذا الشعب، إنّ هؤلاء الأعداء على خطأ لأنّهم لا يعرفون شيئاً عن الإسلام والإيمان والشعب الإسلامي، إنّهم يتصوّرون بأنّهم قادرون على مواجهة هذا الشعب بالاغتيالات التي تستهدف الأشخاص. إنّ هؤلاء الأعداء لم يدركوا بعد بأنّنا عندما نقدّم الشهداء في سبيل الله نعزّز نظامنا وانسجامنا وأنّ استشهاد الأشخاص يؤدّي إلى انسجام الشعب

إنّ منطقنا، ومنطق شعبنا هو منطق المؤمنين ومنطق القرآن الكريم وهو.. “إنّا لله وإنا إليه راجعون” لا يستطيع أحد أن يقف أمام هذا المنطق.. إنّ الشعب الذي يعيش لله يعتبر كلّ شيء من الله وأنّ مثل هذا الشعب يعتبر رحلته من الدنيا رحلة نحو الخالق والمحبوب. إذن لا يمكن مواجهة مثل هذا الشعب الذي يحتضن الشهادة ويعانقها كعناق الأحبة.. إنّ الذين عميت بصيرتهم لا يستطيعون الوقوف أمام هذا الشعب، إنّ هؤلاء الأعداء على خطأ لأنّهم لا يعرفون شيئاً عن الإسلام والإيمان والشعب الإسلامي، إنّهم يتصوّرون بأنّهم قادرون على مواجهة هذا الشعب بالاغتيالات التي تستهدف الأشخاص. إنّ هؤلاء الأعداء لم يدركوا بعد بأنّنا عندما نقدّم الشهداء في سبيل الله نعزّز نظامنا وانسجامنا وأنّ استشهاد الأشخاص يؤدّي إلى انسجام الشعب أكثر فأكثر، إنّ شعبنا ثار ونهض ضدّ القوى العالمية الكبرى لتحقيق الأهداف الإسلامية، إنّ الشعب الذي ينهض للإسلام وينهض من أجل الله ولتحقيق الأهداف والأحكام الإلهية لن يتراجع أمام الاغتيالات ولن تثبط همته مطلقاً. إنّ أعداءنا يتصوّرون بأنّ الشعب المؤمن والثائر في إيران يفكّر كما يفكّر الغربيون، وأنّهم يهتمون بالدنيا ولا ينظرون إلى الآخرة.

إنّ الشعب الذي ضحّى قادته وولاته منذ صدر الإسلام وإلى اليوم بأرواحهم لتحقيق الأهداف الإلهية والإسلامية لا يمكن القضاء عليه بهذه السهولة وبواسطة هذه الاُمور بل أنّه سيسير بعزم وإرادة دون أن يثبط عزيمته وإرادته شيء. إنّ شعبنا يعلم من خلال مطالعته للتاريخ بأنّ الإمام علي بن أبي طالب (ع) قد اغتيل على يد أحد هؤلاء المنافقين الذين ابتعدوا عن الإسلام إنّ شعبنا يفدي بنفسه كمولاه علي بن أبي طالب من أجل الإسلام إنّ استشهاد هؤلاء لن يؤثّر في مسيرة الإسلام بالرغم من أهميتهم ومنزلتهم الكبيرة لدى الشعب..

إنّ جميع الشهداء أعزاؤنا وأنّ الشهيد رجائي والشهيد باهنر كانا قد حاربا الفساد والقوى الفاسدة في خندق واحد لقد أخبرني الأخ رجائي في إحدى لقاءاته بي.. بأنّه كان طيلة عشرين عاماً مع الأخ محمد جواد باهنر.. واليوم أراد الله أن يهاجرا سوية نحو الله إنّ من يهاجر إلى الله ويعتبر الشهادة فوزاً عظيماً كشهداء صدر الإسلام.. إنّهم كالإمام علي بن أبي طالب (ع) والحسن بن علي (ع) والحسين بن علي (ع) وأصحابه وكذلك هو كالأئمة والصفوة الطيبة التي عملت على حفظ وصيانة الإسلام وجنّدوا عمرهم لخدمة الأهداف الإسلامية..

فعلينا اليوم أن نصرف كلّ حياتنا ونجنّد أنفسنا للحفاظ على الإسلام إنّه بالرغم من قساوة الحادث بالنسبة لي ولكنّي اعرف بأنّهم نالوا الدرجات العليا والتحقوا بالرفيق الأعلى وأنّهم حصلوا على السكينة والهدوء وتخلّصوا من المشاكل والمصاعب التي نواجهها اليوم، فعليه اُبارك لهم ولعوائلهم وللشعب الإسلامي الذي يقدّم مثل هؤلاء الشهداء، وفي نفس الوقت الذي تعتبر فيه هذه المصائب صعبة علينا ولكن شعبنا صامد شامخ ومستعد لتقديم مثل هؤلاء الشهداء وأنّه لم يعرف للتراجع معنى، ولن يأخذه اليأس مطلقاً.

إنّ هؤلاء الذين عميت قلوبهم يتصوّرون بأنّ الجمهورية الإسلامية ستسقط باغتيال عدد من الشخصيات، أنهم لا يحملون الأفكار الإسلامية ولا يعرفون شيئاً عن الإسلام والإيمان وأنّ الأفكار التي يحملونها أفكاراً مادّية بحتة، إنّهم يعملون للدنيا فقط وتغلّبت عليهم أهوائهم. علينا أن نعرف دوافع من يرتكب هذه الأعمال، إنّهم لا يهدفون إلى إيصال جماعة إلى السلطة تخدم مصالحهم.

ألم يعرفوا شعبنا بعد.. وألم يعلموا بأنّه لا مكان لمن يحمل الأفكار الانحرافية والبعيدة عن الإسلام ولا مكان للفئة التي تقوم بالاغتيالات وترتكب جرائم التخريب إنّ من يحكم شعبنا اليوم أبناء الشعب وليسوا من الطبقات العليا البعيدة عن الشعب. لذلك فإنّ شعبنا هادئ ومطمئن لأنّ هناك الكثير ممن يعشق الشهادة ويرشح نفسه مكان الشهداء استعداداً للوصول إلى الاستشهاد في سبيل الهدف.

إنّنا وضمن تأثّرنا بفقداننا لهؤلاء الأشخاص الكبار والمفيدين للشعب والجمهورية الإسلامية نملك من يحل مكانهم ونملك شعباً لا يعرف للتراجع والتخاذل معنى، لذلك فلا تصاب الجمهورية الإسلامية بشيء، وإنّ الظرف الذي نعيشه اليوم لا يشبه ما كان عليه السلاطين سابقاً، حيث كانت الاُمور تتدهور بقتل السلطان أو الحاكم أو موتهما لأنّهم كانوا يظلمون الشعب ولا يملكون قاعدة له، ولكن حكومة الجمهورية الإسلامية لا تواجه مثل هذا الوضع وإنّ الشعب هو الذي سينتخب من يحل مكان الشهداء الراحلين لأنّ الشعب يعتبر الحكومة منه وله.

وعليه فإنّ شعبنا لا ينتهي باستشهاد رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بل سيختار من يحلّ مكانهم. إنّنا لو نظرنا إلى ما يجري اليوم في طهران وبقيّة المدن وإلى تجمّع الجماهير لعرفنا مدى الفارق بين جمهوريتنا ودول العالم الاُخرى.

فعندما كان يقتل رئيس حكومة في السابق لم يكن يصدر عن عامة الشعب ردّ فعل سوى السرور والفرح، واليوم نرى البلاد كلّها تغرق في الحداد والعزاء لاستشهاد شهيدين عظيمين ونرى البلاد بأكملها تحافظ على انسجامها وغداً عندما يعلنون عن انتخابات رئاسة الجمهورية فإنّ كافّة المواطنين على استعداد للمشاركة في الانتخابات.

إنّني أعلم بأنّ العناصر المعارضة لجمهوريتنا الإسلامية بل المعارضة للإسلام في الخارج وكذلك الأبواق الدعائية الاستعمارية ستقول إنّ باستشهاد هذين الشخصين سيتدهور الوضع في إيران سيتدهور وسيقولون أيضاً بأنّ المواطنين لم يكترثوا في الحداد عليهما أو أنّهم فرحوا بذلك، مع أنّهم يعلمون أنّ هذه الدعايات هي باطل محض.

انظروا إلى أنحاء البلاد ترون البلاد غارقة بالحداد والعزاء وترون المواطنين المتجمعين حول المجلس “مجلس الشورى الإسلامي” أكثر من عدد الذين تجمعوا اثر استشهاد الاثنين وسبعين شهيداً، إنّ شعبنا هو هكذا فإذا استشهد أشخاص بعد الآن ـ لا سمح الله ـ فإنّ شعبنا سيبقى على ما هو وأنّ ثورتنا ستبقى على حالها.

المهمّ هو أنّ أيّ عمل في سبيل الله لا في سبيل الأفراد والأشخاص والشخصيات سيبقى ولا يموت، فذهاب الأفراد والشخصيات سوف لن يزلزل أوضاع البلاد لأنّ شعبنا لا يرتبط بالأفراد والأشخاص لكن البلاد التي تعتقد بالله وتثور من أجل الله ردّدت “لا شرقية ولا غربية جمهورية إسلامية” وثار أفرادها صغاراً وكباراً، نساءً ورجالاً بنداء “الله أكبر” وأقاموا هذه الحركة والثورة معتمدين على الله، فإن كان قد غاب رجائي وباهنر فإنّ الله لن يغيب وهو موجود معنا.

في إحدى الحروب التي وقعت في صدر الإسلام قال المنافقون بأنّ النبي قد استشهد لكن البعض قال إذا كنتم تعبدون النبي فإنّ النبي قد استشهد وعليكم أن تتأثّروا بذلك، وإذا كنتم تعبدون الله فإنّ الله موجود. لقد ضحى أميرالمؤمنين علي (ع) بروحه واستشهد في سبيل الإسلام، وبقي الإسلام. وقد ضحّى الإمام الحسين (ع) بنفسه وكلّ عائلته وأقربائه وقد قوّى الإسلام بعد شهادته.

وإنّنا متوجّهون إلى الله وإنّ شعبنا قد ثار في سبيل الله، فذهاب أصحاب المنزلة الرفيعة هؤلاء سوف لن يزحزح إرادتنا مع أنّنا متأثّرون لهذا الحادث، فالله تبارك وتعالى كان منذ البداية معكم، وما دمتم في الميدان وسوف تكونون إن شاء الله فإنّ الله تبارك وتعالى سيدعمكم وستكونوا أقوياء.

فعلى قواتنا المسلّحة المرابطين في جبهات القتال أن تعلم بأنّها تقاتل في سبيل الله لا من أجل رئيس الجمهورية ولا من أجل رئيس الوزراء ولا من أجل الآخرين، على هذه القوات أن تقوّي نفسها، وكلّما يقوم الفاسدون بعمل ضدّ هذه البلاد على القوات أن تستمر بعزم أقوى في مراكزها بالجهاد والنضال، وعليكم ألاّ تظنّوا بأنّ هؤلاء الذين يقومون بمثل هذه الأعمال إنّما يقومون بها من موضع قوة، فوضع قنبلة في مكان ما وتفجيرها يمكن أن يقوم به الطفل ذو الاثني عشر عاماً، فهذا العمل لا يدلّ على القوّة بل هو الضعف بعينه، إنّني أعتبر هؤلاء أكثر جبناً من ابن ملجم (قاتل الإمام علي (ع)) لأنّه حضر بين الناس وقام بعمله (لعنه الله) وهؤلاء ليست فيهم ذرّة من الرجولة بقدر ما كان لدى ذلك الجبان إذ يقومون بعملهم خلسة ولا يظهرون أنفسهم.

فهؤلاء الذين فرّوا إلى الخارج ويصدرون أوامرهم من الخارج لاغتيال المواطنين انّ اعمالهم هي أعمال جبانة، إنّني أرجو أن تبقى بلادنا صامدة كما صمدت في وجه كافّة القوى، ووقف النساء والرجال والشباب والمسنين والأطفال والكبار رافعين قبضاتهم صامدين وطردوا القوى العظمى من بلادنا وأرسلوها إلى جهنّم.

إن شاء الله سيكون هذا الشعب حاضراً في الميدان وسيصبر أمام هذه المشاكل لأنّ منطقه هو “إنّا لله وإنّا إليه راجعون”، إنّا لله وكلّ ما لدينا من الله وسنبذله في سبيل الله ولا نخشى أحداً، ولا أن نظن بأنّنا إذا رحلنا من هنا لا حياة اُخرى لنا. إنّ على اُولئك الذين يظنّون بأنّ القيامة هي في هذه الدنيا وأنّ البعث في هذه الدنيا وينكرون بعثة الأنبياء والقيامة، عليهم أن يخافوا لأنّهم يفضّلون الموت الحيواني على الموت الإنساني.

فشعبنا ومسؤولونا مستعدّون للشهادة ولا يخافون الشهادة، فشعبنا رأى شهداء كثيرين وقد قدّم خلال السنوات الأخيرة آلاف الشهداء وآلاف المعوّقين وهو صامد، فهؤلاء السادة الذين استشهدوا ونعتبرهم كباراً وأعزاءً التحقوا بربهم. إنّ لدينا أشخاصاً مؤمنين يفكرون بالشهادة ومتطوّعون للشهادة، إنّني أأمل بأن يزيد الشعب من انسجامه أكثر، وأن يثبت وجوده في الميدان أكثر من السابق، وأن يتعرّف على الحثالات الباقية من النظام البائد والأشخاص الفارّين. وعلى قوى الأمن وخاصّة الشرطة أن تهتمّ أكثر بأمر المراقبة وسائر الاُمور. أتمنّى أن تنتصروا وأنتم منتصرون.

                                           والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

أسوة في الأخلاق الحسنة والصفات الحميدة

كان الشهيد محمد علي رجائي، بشهادة جميع من عايشوه وعاشروه منذ عهد شبابه، شديد الاهتمام ببناء ذاته، ويتصف بسجايا سامية.

وكانت بساطته في العيش قبل وبعد الثورة مثلاً تتناقله ألسنة الخاص والعام. فقد كان واحداً من أفضل مدرسي الرياضيات في طهران؛ وقد دعي ذات مرة بصفته معلماً نموذجياً إلى مراسم ليتلقّى فيها نوط تكريم من وزير التعليم آنذاك (فرخ روپارسا)، إلا أنه لم يحضر تلك المراسم. كانت مقدرته وتبحّره الخارق في تدريس الرياضيات سبباً لدعوته للتدريس في مراكز مختلفة، بحيث كان بإمكانه الاستفادة من هذه السمعة في إحداث تغيير جاد في حياته من خلال التدريس الخصوصي أو الدروس الاضافية، إلا أنه كان يرى أن المصلحة توجب عليه صرف الزائد على ساعات الدوام من وقته في المقاومة وارشاد الشباب عبر الاهتمام بالشؤون الثقافية والسياسية.

كان الشهيد قليل الطعام ويكتفي منه بأدنى ما يمكن، هذا في وقت كان ينفق فيه دائماً قسماً من راتبه على شؤون النضال أو على مساعدة أصدقائه وزملائه وأقاربه ممن كان على علم بما يلاقونه في فقر معاشي وضائقات مالية. وقد ظل أصدقاؤه وتلاميذه يرونه سنوات طويلة يرتدي بدلة عادية قهوائية اللون. وكان الثبات والبساطة في ملبسه كما هو الحال في وقاره ونقائه وتواضعه في سلوكه مثالاً تربوياً للجميع. ولم يجلس قط لا قبل الثورة ولا بعدها على موائد دسمة وزاخرة بأنواع المأكولات. وإذا اضطرته الضرورة إلى ذلك لم يكن يتناول منها إلا لوناً واحداً من الطعام. وكان يسير على هذا المنهج حتى في ضيافة أقاربه. وكان أيضاً يلتزم البساطة والابتعاد عن البذخ في مآدبات الضيافة التي يقيمها هو، بحيث يتعلم الآخرون منه درساً في الزهد والبساطة.

وفي حقل التعليم كان بصفته معلماً حريصاً، يسخّر كل طاقته ومقدرته وتجربته وابداعه في هذا المجال، وإلى جانب التدريس، كان يعلّم التلاميذ الذين كان له أمل كبير في مستقبلهم المفاهيم الدينية والسياسية. وكان بصفته أباً عطوفاً يصرف بعض أوقات فراغه على تدريس التلاميذ الضعيفين تدريساً اضافياً بدون أن يتقاضى أي أجر مقابل ذلك.

وفي ساحة النضال لم يصبه الغرور ولا التهور، ولم يحصر نشاطه وجهاده في اطار التعاون مع جماعة أو جمعية أو منظمة واحدة.

كان قليل الكلام وكثير التأمل، وعند التعبير عن آرائه، كان يعبّر عمّا يجول في خاطره بشكل ناضح وموزون.

ومع انه كان يتعاون في ساحة النضال مع أغلب الجماعات السرية وشبه السرية والعلنية، إلا أنه لم يترك أدنى أو دليل على نشاطاته يثير شكوك السافاك وشبكات الأمنية.

كان يتخذ الإسلام العزيز كمحور ومدار وميزان لجميع أعماله ونشاطاته وجهوده، ولم يكن ينظر إلى أي شخص أو فكر أو عمل إلا من خلال هذا الميزان.

كان معيار القرب والبعد في سلوكه وعلاقاته الشخصية والعائلية والسياسية لا يقوم إلا على أساس محورية الإسلام والتمسّك بالقيم الثورية.

لم يكتنز شيئاً من مال الدنيا، وبقيت داره المتواضعة حتى في عهد توليه لرئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية، مثلما كانت عليه في سنوات ما قبل الثورة. لم يكن في داره أي أثر للمبردة أو أجهزة التبريد الأخرى حتى في موسم الصيف. ورغم اصرار اصدقائه وزملائه لم يكن على استعداد للحصول على أي امتياز لنفسه والاستفادة من وسائل الترفيه التي كانت تقدّم إلى الناس من قبل الجمعيات التعاونية.

ومن بعد آية الله الطالقاني، الذي كان يعتبر التعرف عليه بمثابة فصل جديد من التحول والوعي في ذهنه وحياته، كان يعشق الإمام الخميني ويعتبر نفسه مقلداً صغيراً لذلك المرجع والزعيم والقائد العزيز.

كان الشهيد محمد علي رجائي يتصف بثقة عالية بالنفس. كان منطقياً في كلامه إلى حد بعيد، وكان يصر على ما يطرحه من آراء قائمة على مباني الفكر والتعقل والاستدلال، ويذعن أمام الآراء المنطقية للآخرين.

كان سلوكه مقروناً بالرزانة والأدب. ومن بعد انتصار الثورة لم يشط عن حد الاعتدال، ولم ينس رفاقه الذين شاركهم الجهاد في ذلك العهد الحافل بالتقلّب والتلاطم، إلا أنه لم يعدل قيد أنملة عن نهج وفكر الإمام ـ وهو النهج الذي لم يكونوا يفكروا فيه على غرار تفكيره ـ وبقي الإمام والدفاع عن الجمهورية الإسلامية في رأس قائمة ومحور نشاطاته السياسية.

كان يؤمن إيماناً راسخاً بدور العلماء المخلصين والواعين في النضال وتوعية جيل الشباب من أمثال الاستاذ الشهيد المطهري، والشهيد الدكتور باهنر وهو من اصدقائه القدماء وكذلك الشهيد المظلوم الدكتور بهشتي وخاصة في بعد تنظيم وتدبير شؤون النضال وحياته، مثلما كان يقول لرفاقه في السجن بانه استفاد كثيراً من الشهيد بهشتي.

إنّ الفترة الإدارية القصيرة التي قضاها في وزارة التربية والتعليم ومن بعدها في منصب رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية، تعيد إلى الأذهان أسلوب الإدارة الوضاءة القائمة على المبادئ والقيم الإسلامية والثورية. ففي هذه الفترة القصيرة لم يقدّم الحقيقة فداءً للمصلحة قط، وكان يصر على تطبيق القانون والعمل بالضوابط وتجنب العلاقات والروابط وميول القربي في جميع الأمور.

بقي الزهد والبساطة اللذان كان يتصف بهما في مرحلة ما قبل الثورة مشهودان بكل وضوح في ميدان إدارته بلا أدنى تغيير، إلى درجة أن البعض كان يراه في منصب رئاسة الجمهورية بنفس ذلك الملبس والسلوك البسيط عندما كان معلماً في عقدي الاربعينات والخمسينات.

 

مقتطفات من آراء الشهيد رجائي

تصدير الثورة

ما هي السبل العملية لتصدير الثورة؟ يجب القول إنها حسب رأيي الانتصار الكامل للثورة في الداخل. نحن في الحقيقة لا نصدّر الثورة، وإنّما تصدر هي تلقائياً.

 

معيار الثورة

المطروح في هذه الثورة هو بناء الإنسان؛ فنحن كلما اقتربنا في انسانيتنا إلى الكمال نكون أكثر ثورية. وإن لشهدائنا مثل هذا التأثير حيث جعلونا ويجعلوننا أقرب إلى الكمال الإنساني.

 

إضعاف الثورة

نحن نقف بوجه كل جناح أو فرد يريد تضعيف الثورة ولا شأن لنا في أن يكون موحداً أو يسلك منهجاً آخر.

 

ديمومة الثورة

إن ثورتنا لا تدوم بالآمال والأماني. بل لابد من موقف قوي كي نغيّر المجتمع تغييراً جذرياً.

 

منقذ البشرية

الثورة الإسلامية في إيران منقذ لجميع الناس، ونحن على استعداد للشهادة من أجل ثورتنا.

 

الاستقلال

نحن نضع نصب أعيننا على الدوام مبدأ الاستقلال في علاقاتنا الخارجية، ومن بعده تلبية المتطلبات.

 

الإسلام هو ميزان التولي والتبري

ميزان التولي والتبري في علاقاتنا مع الدول الإسلامية يقوم على أساس بعدها وقربها من الإسلام، وثقة وعمل البلدان الإسلامية هما اللذان ينظمان علاقاتنا معها.

 

الإسلام

أخاطب جميع المتلزمين بنهج الثورة والأوفياء للإمام بصفتهم أعضاء في حكومتي، وأدعو الجميع للتفكير في الإسلام أكثر؛ التعرّف والعمل به أكثر، والتعامل مع بعضهم على أساس المعايير الإسلامية، واتخاذ الإسلام في كل الأحوال ملاكاً للحركة والتفكير والتعاون مع الصديق أو العدو ومع الغريب أو القريب.

 

الشرق والغرب

نحن لسنا بحاجة إلى الروس ولا إلى أمريكا؛ لأننا أعلى منهم.

 

أبو ذر المستقبل

أنتم التلاميذ الذين في الخامس عشرة من أعماركم ستكونون في المستقبل على غرار أبي ذر، ويجب أن تغيروا المجتمع. يجب أن تعرفوا أنفسكم وتعملوا على هذا الأساس.

 

الاكتفاء الذاتي

لو سأِلتُ لماذا تعيش؟ لقلتُ أن أحد أسباب ذلك هو الاكتفاء الذاتي.

 

الدستور

تطبيق الدستور من جملة المسائل المهمة لبلادنا؛ حيث يجب علينا العمل جميعاً من أجل تطبيق الدستور على حقيقته.

 

مسؤولية الشعب الخطيرة

يجب أن تسألوني متى ما رأيتموني: ماذا تفعل؟ بل حتى اصرخوا بوجهي صرخة أخوية كأعضاء الأسرة الواحدة، واسألوني: ماذا فعلت للمستضعفين؟

 

نهج الإمام

إنما يستطيع أن يصف نفسه بالسير على نهج الإمام، من يتقبل أهداف إمام الأمة في كل أبعاد وجوده.

 

الوفاء للإمام

نحن لا ننسى الوفاء للإمام لحظة واحدة. نحن بصفتنا مقلّدين للإمام، حيثما رأى أن أمراً ما لا يتطابق مع الإسلام، يجب علينا، اعتباراً من رئيس الوزراء إلى أي وزير آخر، الاقدام على تغيير ذلك الأمر.

الروح الجماهيرية

نحن كلنا من أجل الجماهير، ومتى ما رأت الجماهير أننا لا نسير على خط الإسلام لا يبقى هناك أي داعٍ لوجود أحدٍ منّا كرئيس للوزراء أو وزير.

 

ولاية الفقيه

إن ما ننادي به هو أن تكون القيادة في إيران هي ولاية الفقيه فحسب، ولو أن الكثير من المتغربين والكثير ممن لم يستوعبوا محتوى ثورتنا الإسلامية لا يفهمون هذا المطلب العظيم وهذا الإنجاز الهائل لثورتنا.

تلاحم الشعب والقيادة

أوصي الشعب بعبور المسؤولين بأسرع ما يمكن والتلاحم مع القيادة، وأن ينظروا إلى القائد على الدوام كمثال كامل لهذه الثورة.

 

الشهداء

كل قطرة من دماء أحد الأعزاء تراق على الأرض، تتفرع عنها براعم تحرر تنبتُ على الشجرة الباسقة لهذه الأمة المخضبة بدم الشهادة، ويبث نسيم الوعي شذى الحرية خارج الحدود الإسلامية.

الدين الإسلامي

إنني بصفتي جندي صغير في هذه الحرة أؤكد وأوصي بوجوب السعي من أجل استخراج الحلول من ديننا.

 

حدود الحرية

نحن لا نفرض الإسلام على أحد، ولكن لا نسمح لأحد بارتكاب الفساد والفحشاء، ولن نأذن لأحد على الإطلاق باشاعة مثل هذه المسائل في بلدنا تحت عنوان الحرية الغربية.

الوحدة

إننا لا نوفّق إلاّ بالتعاضد والشعور بالمسؤولية، وكل ما نتوقع من الآخرين الاتيان به نأت به نحن أيضاً.

انتخاب الشعب

نعتقد أن رئيس الجمهورية في النظام الإسلامي لا يعيّن بكثرة الأصوات، وإنّما يعيّن بالقلوب.

المرجعية الدينية

هذا الشعب يؤمن بالمرجعية الدينية ويتحرك، ويوظّف طاقاته ويسير نحو أهدافه الأصيلة في ضوئها. العنصر الأساسي لدى هذا الشعب هو عنصر الزعامة الدينية الذي يتبلور ويتلخص بالمرجعية.

قلقنا

نحن قلقون على الإسلام الذي يجب تطبيقه في هذا المجتمع بحيث يصبح مجتمعاً مثالياً يجتذب العالم كله صوب هذا النظام. ونخشى أن لا نتمكن من خدمة المستضعفين في إيران. نحن قلقون على ذلك الجانب الكبير من الإسلام الذي يجب تطبيقه.

تحذير للشباب

احذر شباب هذا البلد الإسلامي من مؤامرات الشيطان الأكبر، وليعلموا ان ديمومة الثورة وتحقيق أهدافها إنما يتم من خلال الاتكال على الله، وفي ظل وحدة وتلاحم الأمة الإسلامية.

المسؤولية الجماعية للشعب

كل مواطن ثوري هو رئيس وزراء ورئيس جمهورية ووزير ومسؤول في نطاق دائرة عمله.

أعلام الجهاد