الشيخ محمد بن مكي العاملي

الشيخ محمد بن مكي العاملي

يجد الباحث صعوبة حينما يترجم لشخصية من الشخصيات الفقهية أو السياسية أو الأدبية ولا تتوفر المصادر والمعلومات الكافية لذلك سوى أقوال أو شهادات متفرقة في طيات كتب التراجم أو المعاجم وبذلك تبقى الترجمة ليست متكاملة تفتقر إلى الإحاطة بمجمل أبعاد الشخصية فلذا ربما تفسر كثير من الأحداث السياسية أو الاجتماعية أو حتى العلمية بصورة خاطئة وتحاط بكثير من التساؤلات نتيجة لعدم معرفة السبب الحقيقي لحدث ما لم يفسر بصورة منطقية أو لاختفاء السبب وبالتالي يبقى مسبباً فقط بدون سبب وهكذا عند ما نريد ترجمة أحد الشخصيات ونقرأها عبر المعاجم نرى إننا أمام شخصية فذة ولكن مع الأسف الشديد تبقى المعلومات التي تصلنا عنها قليلة وليست بالمستوى المطلوب قياساً مع شخصيات أخرى عاشت في نفس الحقبة الزمنية أو قبلها أو بعدها في هذه القراءة السريعة نحاول ترجمة الشهيد الشيخ محمد بن مكي العاملي وأثره وتأثيره في التراث الإسلامي والاجتماعي السياسي.

ولد الشهيد الأول في القرن السابع الهجري في سنة 734هـ في جبل عامل واستشهد بدمشق يوم الخميس التاسع من جمادي الأول بسنة 786هـ قتيلاً بالسيف على التشيع وبذلك يكون عمره ـ رحمه الله ـ اثنين وخمسين سنة وبعضهم قال كما عن صاحب أعيان الشيعة في التاسع عشر من جمادي الأول والصحيح الأول(1). وينقل صاحب العيان عن صاحب كتاب (تاريخ العراق بين احتلالين) نقلاً عن كتابي الشذرات والأبناء في أحداث سنة 786هـ توفي من هذه السنة محمد بن مكي العاملي كان عارفاً بالأصول والعربية فشهد عليه بانحلال العقيدة واعتقاد النصيرية واستحلال الخمر الصرف وغير ذلك فضربت عنقه بدمشق في جمادي الأول وضربت عنق رفيقه في طرابلس وكان على معتقده وعن أمل الآمل كانت وفاته ـ الشهيد ـ سنة 786 التاسع من جمادي الأول. قتل بالسيف ثم صلب ثم رجم بدمشق في دولة بيدمر وسلطنة برقوق بفتوى القاضي برهان الدين المالكي وعباد بن جماعة الشافعي بعد ما حبس سنة كاملة في قلعة دمشق وكان سبب حبسه وقتله انه وشى به رجل من اعدائه وكتب محضراً يشتمل على مقالات شنيعة وشهد بذلك جماعة كثيرة وكتبوا عليه شهادتهم وثبت ذلك عند قاضي صيدا ثم أتوا به إلى قاضي الشام فحبس سنة كاملة إلى أن قتل(2).

مسيرته العلمية

يظهر أن جبل عامل وخصوصاً بعد الغزو الصليبي الذي اجتاحها في بداية القرن السادس الهجري واجتاح منطقة الشام حينذاك ساءت فيها الأوضاع العلمية والثقافية وسادت فيها الأمية والفقر والمشاكل الاجتماعية وبعده عهد المماليك الذي جاء ليواصل هيمنته على بلاد المسلمين ويحكمهم بمنطقه الظالم مما أدى إلى عدم توفر المدارس الجديدة بل كانت عبارة عن كتاتيب(3) لذلك هاجر الشهيد محمد مكي العاملي من جبل عامل وعمره آنذاك ستة عشر إلى العراق ليبدأ شوطه العلمي ويتحمل اعباء المذهب بعد ذلك حيث هاجر سنة 750 هجرية فقرأ على فخر المحققين ابن العلامة الحلي ويحكى عن فخر المحققين أنه قال استفدت منه كثيراً أكثر مما استفاد مني وحينئذ قصد العراق ليقرأ على العلامة فوجده قد توفي فقرأ على ولده تيمناً من غير حاجة منه إلى القراءة عليه فيما يقال وهذا غير صحيح كما قال صاحب أعيان الشيعة لأن العلامة توفي 723 قبل ولادة الشهيد بثمان سنين وقد أجازه فخر الدين في داره بالحلة سنة 751هـ وأجازه ابن نما بعد هذا التاريخ بسنة وأجازه ابن معية بعد هذا التاريخ بسنتين وأجازه المطارباذي بعد هذا التاريخ بثلاث سنين وبقي في العراق خمس سنين ثم رجع إلى البلاد وهو ابن إحدى وعشرين سنة وقال في اجازته لابن خاتون وأما العامة ورواياتهم فإني ارويها عن نحو من اربعين شيخاً من علمائهم بمكة والمدينة ودار السلام بغداد ودمشق وبيت المقدس ومقام الخليل إبراهيم… ويعلم من ذلك أنه دخل كل هذه البلدان وقرأ على علماءها واستجازهم وهو يدل على علو همته العظيمة وإذا كان عمره اثنين وخمسين سنة كما عرفت وله من الآثار العلمية الباقية إلى اليوم التي يعجز عنها الفحول المعمّرون فذلك من كرامته وفضائله التي لم يشارك فيها(4) وينقل صاحب الاعيان كذلك عن العلاقة التي ربطت الشهيد الأول مع السلطان علي بن المؤيد ملك خراسان وما والاها من مودة ومكاتبة على البعد إلى العراق ثم إلى الشام وهذا يدل على أن الشهيد رحمه الله كان يتحرك على عدة اتجاهات في المجتمع فدرسه وتدريسه في الفقه والأصول والرجال والحديث والعقليات والأدب لم يمنعه من أن يوطّد علاقته ببعض السياسيين والتخطيط لعمل نهضوي يقوم به من خلال مركزه العلمي والاجتماعي وعلاقته بأهل العراق والشام والمدينة وفلسطين مما دعى السلطة إلى اغتياله وقتله لئلا يتسبب في نشر المذهب في الوسط الاجتماعي.

أقوال العلماء فيه

نقل في أمل الآمل أنه كان فقيهاً محدثاً مدققاً متبحراً كاملاً جامعاً لفنون العقليات والنقليات زاهداً عابداً ورعاً شاعراً أديباً منشئاً فريد دهره عديم النظير في زمانه(5). وقال في حقه المحقق الكركي في إجازته لصفي الدين الوزير شيخنا الشيخ الإمام شيخ الإسلام علامة المتقدمين ورئيس المتأخرين حلال المشكلات وكشاف المعضلات صاحب التحقيقات الفائقة والتوثيقات الرائعة حبر العلماء وعلم الفقهاء وشمس الملة والحق والدين أبي عبد الله محمد بن مكي الملقب بالشهيد رفع الله درجته في عليين وحشره في زمرة الأئمة الطاهرين عليهم السلام وقال في حقه الشهيد الثاني في إجازته للشيخ حسين بن عبد الصمد شيخنا الإمام الأعظم محي ما درس من سنن المرسلين ومحقق الأولين والآخرين الإمام السعيد أبي عبد الله الشهيد وقال فخر الدين محمد ابن العلامة الحلي في إجازته التي كتبها على ظهر القواعد عند قراءته عليه: قرأ عليّ مولانا الإمام العلامة الأعظم أفضل علماء العالم سيد فضلاء بني آدم مولانا شمس الحق والدين محمد بن مكي بن حامد أدام الله أيامه من هذا الكتاب مشكلاته واجزت له رواية جميع كتب والدي قدس سره وجميع ما صنفه أصحابنا المتقدمون رضي الله عنهم، عني عن والدي عنهم بالطرق المذكورة لها، وقال السيد مصطفى التفريشي في كتابه نقد الرجال شيخ الطائفة وثقتها نقي الكلام جيد التصانيف وفي مستدركات الرسائل افقه الفقهاء عند جماعة من الأساتذة جامع فنون الفضائل وحاوي صنوف المعالي وصاحب النفس الزكية القدسية القوية. ويقول صاحب أعيان الشيعة وهو إمام من أئمة علماء الشيعة وعلم من اعلامهم وركن من اركانهم وفقيه عظيم من أعاظم فقهائهم يضرب المثل بفقاهته ومفخرة من مفاخر جبل عامل بل من مفاخر الشيعة عظيم المنزلة في العلم جليل القدر عظيم الشأن عديم النظير محقق ماهر متفنن أديب شاعر تشهد بجلالة قدره وعظيم شأنه تواليفه المشهورة العظيمة الفوائد المتنوعة المقاصد في الفقه والأصول وغيرهما كما ستقف عليه كالقواعد التي لم يؤلف مثلها في موضوعها وكالألفية والنقلية الوحيدتين في موضوعهما والدروس التي جمعت على صغر حجمها ما لم يوجد في المطولات والذكرى التي امتازت على اشباهها واللمعة التي صنفها في سبعة أيام وجمعت على اختصارها فاوعت وكفى في الاهتمام بها أنها نسخت وهي في يد الرسول وشرح الاربعين حديثاً لا يبعد أنه أول من صنف في ذلك من أصحابنا. إن شخصيةً تتمتع بهكذا صفات حريّة أن تبقى مرتسمة المعالم في التاريخ الإسلامي إذ أنه شخصية متميزة فاق اقرانه وانبرى يدافع عن حريم الإسلام وهو في سن مبكرة مبتغياً ذلك رضى الله والدار الآخرة وسيبقى ماثلاً في أذهان الملايين من المسلمين لأنه مثال العالم الرباني الذي ينطبق عليه فحوى الحديث الشريف (مثل علماء امتي كأنبياء بني إسرائيل) وبإخلاصه وصدقه وإيمانه وورعه وجهاده في ساحة العلم والمجتمع والذي كان ضحيته متشبهاً بذلك بالحسين… ويحيى ابن زكريا الذي ذهب ضحية الظلم ومقارعة الفساد فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.

قسم من مشايخه في التدريس والإجازة

كان معظم قراءته عند فخر الدين ابن العلامة والسيد عميد الدين عبد المطلب الحسيني الحلي شارح تهذيب خاله العلامة في الأصول المعروف بالعميدي وأخوه السيد ضياء الدين عبد الله الحسيني الحلي وقطب الدين محمد بن محمد البويهي الرازي شارح الشمسية. وعن السيد حسين أن السيد حيدر الموسوي العاملي الكركي أنه سمع شيخه السيد حسين ابن الحسن الحسيني الموسوي ابن بنت المحقق الكركي يقول أن شيخنا الشهيد (قدس سره) ذكر في بعض كلماته أن طرقه إلى الأئمة المعصومين(ع) تزيد علىالف طريق وذكر فخر الدين ابن العلامة في بعض اجازاته أن طرقه إلى الإمام جعفر بن محمد الصادق تزيد على المائة.

مشايخه في الرواية

السيد تاج الدين بن معية الحسني ومن بعده مشايخه في الإجازة السيد علاء الدين بن زهرة الحسيني والشيخ علي رضي الدين بن طراز المطارابادي الشيخ علي رضي الدين علي بن احمد المشتهر بالمزيدي والشيخ جلال الدين محمد بن الشيخ شمس الدين الحارثي أحد تلامذه المحقق الحلي والشيخ محمد بن جعفر المشهدي واحمد بن الحسيني الكوفي وأضاف صاحب كتاب أعيان الشيعة من المحتمل أنه قرأ على عدة مشايخ من جبل عامل واجازوه ولم تصل إلينا أسماؤهم منهم والده الذي كان من أفاضل العلماء وأجلاء مشايخ الإجازة.

مشايخه من علماء أهل السنة: يروي عن أربعين شيخاً منهم ومن جملتهم الشيخ شمس الدين محمد بن يوسف القرشي الشافعي الكرماني الراوي عن القاضي عضد الدين الايجي وولده زين الدين احمد بن عبد الرحمن العضدي.

تلاميذه

ولده رضي الدين أبو طالب محمد بن محمد بن مكي،وولده ضياء الدين أبو القاسم أو الحسن علي بن مكي، وولده جمال الدين أبو منصور الحسن بن محمد بن مكي، ابنته أم الحسن ست المشائخ فاطمة بنت محمد بن مكي، زوجته أم علي ولم يعرف اسمها، المقداد السيوري، الشيخ حسن بن سليمان الحلي صاحب مختصر البصائر السيد بدر الدين حسن بن ايوب الشهير بابن نجم الدين الاعرجي، الشيخ شمس الدين محمد بن نجده الشهير بابن عبد العالي، الشيخ شمس الدين محمد بن عبد العلي الكركي العاملي، الشيخ زين الدين علي بن الخازن الحارثي.

مؤلفاته

إن مؤلفات الشهيد الأول (قدس سره) تجاوزت العشرين كما احصاها صاحب أعيان الشيعة وهي كالآتي:

الدروس الشرعية في فقه الإمامية، شرح التهذيب في أصول الفقه، اللمعة الدمشقية، الرسالة الألفية في الصلاة، الرسالة النقلية في الصلاة، ورسالة تشتمل على مناسك الحج مختصرة جامعة ورسالة في التكليف وفروعه ورسالة في الباقيات الصالحات، كتاب الذكرى، جامع البين في فوائد الشرحين، البيان في الفقه لم يتم، شرح أربعين حديثاً.

سبب قتله

ينقل صاحب أعيان الشيعة أن سبب حبسه أنه وشى به تقي الدين الجبلي الخيامي بعد ظهور إمارة الارتداد منه ـ الخيامي ـ وانه كان عاملياً ثم بعد وفاة هذا الفاجر قام على طريقه شخص آخر اسمه يوسف بن يحيى وارتد عن مذهب الإمامية وكتب محضراً يشنّع فيه على الشيخ محمد بن مكي العاملي وكتب في ذلك المحضر سبعون نفساً من أهل الجبل ممن يقول بالإمامة والتشيع وارتدوا عن ذلك وكتبوا خطوطهم تعصباً من بن يحيى ونقل صاحب أعيان الشيعة حكاية عن صاحب مقاتل الفضل في سبب حقد ابن جماعة على الشهيد هو أنه جرى بينهما يوماً مناظرة وكانا متقابلين وأمام الشهيد دواة يكتب بها وكان الشهيد صغير الجثة وابن جماعة كبيرها فقال ابن جماعة تحقيراً له إني اسمع حساً من وراء الدواة ولا أرى شخصاً فقال له الشهيد أن ابن الواحد لا تكون جثته اعظم من هذا. وهذا الجواب ينم عن الأخلاق العالية التي كان يتمتع بها الشهيد (رحمه الله) وسرعة البديهية التي يمتلكها ثم أن لقب الشهيد هو أول من لقب به من علمائنا ولما استشهد الشيخ زين الدين لقب بالشهيد أيضاً وصار يقال لمحمد بن مكي الشهيد على الإطلاق أو الشهيد الأول ولزين الدين لقب الشهيد الثاني. وينقل صاحب روضات الجنات أنه رأى بخط الشهيد الثاني على ظهر مجموعة من الرسائل النفيسة كلها بخطه ابياتاً للشهيد الأول ارسلها إلى (بيدمر) لما حُبس في قلعة دمشق وهي:

بكــــــم خوارزم والاقطـــــار تفتخـــر          يا أيها الملك المنصـــــور بيدمــــــــــر

وما جنيت لعمـري كيـــــف أعتـــــذر          إني اراع بكـــــم فـــــي كـــــل آونـــــة

باؤوا بوزر وأقـــــل ليـــــس ينحصر          لا تسمعن فـــــي أقـــــوال الوشاة فقد

إني برئٌ من الافك الـــــذي ذكــــروا          والله والله ايمـــــانـــــاً مـــــؤكـــــــــدةً

أحبـــــه وصحـــــاب كلهـــــم غـــــررُ          عقيدتي مخلصاً حب النبـــــي ومـــــن

ثم الاصـــــولان والقـــــرآن والأثــــر          الفقه والنحو والتفسيـــــر يعـــــرفني

إلى فقيـــر وقطميـــــر لـــــه خطـــــر          لأننـــــي والـــــه العـــــرش مفتقــــــــر

ربي وأستـــــاذ دار ظـــــل يذكــــــــر          لا استغيث من الضـــــراء يعلــــــــم ذا

واغنم دعايي سراراً بعد إذ جهــروا          فامنن اميري ومخدومـــــي على رجل

في خدمة النجل في ذا العام محتضر          في كل عام لنـا حـــــج وكـــــان لنـــــا

ممتعـــــاً بحماكـــــم عمـــــره عمـــــر          محمد شاه سلطـــــان الملـــــوك بقــى

والآل والصحـــــب طـــــراً بعده زمرُ          ثم الصلاة علــــى المختـــــار سيدنـــــا

خاتمة

كان أمر السربداريين قد انتهى سنة 762هـ إلى البهلوان حسن الدامغاني فتجددت النزاعات الداخلية بين المعتدلين والمتشددين في عهده وكان يمثل الطرف المعتدل فثار عليه الفريق الاصولي المتشدد بقيادة الدراويش في طوس مشهد إلى أن نهض قائد سربداري آخر هو (علي بن المؤيد) ودعا إلى نفسه وكان البهلوان حسن في ذلك الحين غائباً عن سبزوار مشغولاً بقمع تمرد آخر وأول ما فعله علي بن المؤيد أن استدعى إليه من اصفهان الدرويش عزيز الجوري وهو الرجل القوي ليتعاونا معاً على البهلوان حسن فلبّى هذه الدعوة متعاوناً مع علي بن المؤيد وكان في القرن السابع الهجري يسود مفهوم خاطئ عن التشيع والتمثل في الدراويش الذين يأخذون بمظاهر التشيع اكثر مما يأخذون بحقائقه فالتشيع عندهم ـ الدراويش ـ مجرد موالاة لا صورة واضحة لها وليس لها أي قواعد معينة وفي مقابل هذا كان هناك فريق اكثر وعياً لا يقر هذا ولا يرضاه ويرى الرجوع إلى الجذور الصحيحة والأخذ بالطرق القديمة التي تتنافى مع هذا التشع الذي ساد في أوساط الدراويش والمتصوفة ـ وعلى هذا الأساس نهض علي بن المؤيد في إيران لمحاربة هذا التيار الفاسد معتمداً على فهم آخر لمفهوم التشيع ولذلك راسل الشهيد الأول وابلغه بحاجته لقدومه إلى إيران لكن الشيخ محمد بن مكي (رحمه الله) اعتذر عن القدوم وذلك لعدة أسباب منها أنه لم يكن هناك من العلماء ما يكفي لكي يذهب فإن جبل عامل كان في تلك الفترة يعاني من قلة وجود العلماء وثانياً محاربة العقائد الفاسدة التي كانت تسود المجتمع آنذاك وما قصة (اليالوشي) إلا امتداداً لهذا الفساد وإن كان السيد محسن الأمين يرد هذه الرواية ويعتبرها غامضة وربما كان لها اصل وزاد فيها المزيدون(6) ومفاد هذه القصة أن رجلاً مشعوذاً ظهر في جبل عامل وادعى النبوة واسمه (محمد اليالوشي) من قرية تسمى برج يالوش فحاربه الشهيد وقضى عليه في سلطنة برقوق ويقال أنه كان من تلامذة الشهيد فوقع بيد الشهيد كتاب شعوذة فسلّمه إليه لينقله أو يتلفه فأخذه وغاب ثم رجع واخبره باتلافه كاذباً وأخفاه عنده وتعلم منه الشعوذة وعمل به حتى ادعى النبوة.

وينقل محسن الأمين ما وصفه دكتور جعفر خصبان في كتابه (العراق في عهد الايلخانيين) قائلاً ونشطت الصوفية الممتزجة بالخرافة فابعدت الناس عن تفهم واقعهم المرير واشغلتهم بخيالات غريبة وأوهام مضللة لذلك يصف الشهيد الأول هذه الأوضاع بأبيات شعرية قائلاً:

لا بالدلوف ولا بالعجب والصلف          بالشوق والذوق نالوا عزة الشرف

بها تخلقت الاجساد في النطـــف          ومذهــــب القــوم أخلاق مطهـــــرة

ولهذا ظل الشهيد في جبل عامل وألف اللمعة الدمشقية وبعث بها إلى البلدان جامعاً بها فقه الإمامية ومعزياً بذلك نفسه لأنها آخر ما كتب ليكون أول مصلوب من العلماء في القرن السابع وأول شهيد فرحمه الله وحشره مع الشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

أعلام الجهاد