المجاهد الشهيد آية الله قدّوسي

 

المجاهد الشهيد آية الله قدّوسي

 

المولد والنسب

ولد الشهيد علي قدوسي في عام 1306 هجري شمسي في مدينة نهاوند وسط عائلة علمائية.

أبوه المرحوم آية الله أحمد قدوسي، كان من العلماء المعروفين في عصره، والمشهورين بالعلم والتقوى. تتلمذ على يدي كبار العلماء في النجف الأشرف أمثال

الميرزا محمد حسين الشيرازي، والميرزا حبيب الله الرشتي، وملا كاظم الخراساني. وبعد أن نال درجة الاجتهاد عاد إلى نهاوند.  

الدراسة

درس الشهيد قدوسي دروسه الابتدائية والاعدادية في مسقط رأسه، ولعدم وجود مدارس ثانوية في نهاوند، طلب من أبيه إرساله إلى مدينة أخرى لإكمال دراسته، لكن نظراً للأجواء السائدة آنذاك في المدارس الثانوية والتي كانت متأثرة بسياسات رضا خان في إغواء الشباب وإبعادهم عن الدين، فقد رفض أبوه هذا الطلب، لكنه اقترح عليه في المقابل ابتعاثه إلى قم المقدسة لدراسة العلوم الدينية.

فوافق الشهيد وهاجر إلى مدينة قم المقدسة عام 1321 هجري شمسي وهو في سن الخامسة عشرة.

وعلى الرغم من عدم توفر الإمكانات الكافية لسكن الطلبة، إلاّ أنه بجدّه وجهده ومواجهته للصعاب والمشاكل استطاع أن يتخطى مرحلة المقدمات ويحضر دروس البحث الخارج.

يقول الشهيد بهذا الصدد:

"عند مجيئي إلى قم، واجهت مشاكل كثيرة؛ فإلى جانب صغر سنّي واجهت مشقة شديدة في الغربة، فنظراً إلى عدم وجود مكان للسكن، فقد عشت في غرفة صغيرة مع جمع من الطلبة، وقضيت فترة في غرفة صغيرة قسم منها مفروش والقسم الآخر خصّص للتوضّو وغسل الأواني. وبما أنني كنت أصغرهم سنّاً وجديداً عليهم، لذا كنت أنام أطرفهم، فكان فراشي يبتلّ دائماً بالماء.

ورغم كل هذه الظروف، إلاّ أني قد واصلت دروسي بمشقة، وكنت أقلّل من نومي وأكلي وأخصص أكثر وقتي للدراسة. وفي أغلب الليالي كنت أنشغل بالمطالعة لدرجة أنني كنت أعجز عن إعداد الطعام، فكنت أنام وأنا جائع. وباستثناء أيام معدودة كنت أقضي وقتي طوال السنة في الدراسة والمباحثة، حتى في أيام محرم، عدا يومي التاسع والعاشر منه.

ثم بعد مضي فترة طويلة كنت أذهب في الصيف إلى مشهد للزيارة. وطبعاً لم يخلُ من مشاق وصعاب كثيرة؛ ففي ذات مرة حيث بقيت هناك ثلاثة أشهر، كان كل ما أحمل معي قماش سميك وخشن يشبه البطانية، وكنت أنام ليلاً في الحرم، وكان أكلي الخبز مع الخوخ المشهدي؛ بحيث أن أحد زملائي رآني بعد مدة وقال: لو استمرت على هذا الوضع فلن تعود إلى قم أبداً!

استمر الشهيد قدوسي في دراسته بهذا الوضع إلى أن حضر دروس الخارج على يدي آية الله العظمى البروجردي والإمام الخميني (ره) ثم بلغ مرتبة الاجتهاد.

وكانت له اهتمامات منذ بدء دراسته الحوزوية بالسير والسلوك، وبذل جهوداً كبيرة في هذا المجال. كما كان يحضر دروس الفلسفة لدى العلامة الطباطبائي، ثم تزوج ابنته.

 

النشاط السياسي

كما كانت للشهيد متابعات سياسية ولم يكن بمنأى عن شؤون السياسة؛ ويمكن تقسيم حياته السياسية إلى ثلاثة مراحل رئيسية:

1ـ المرحلة الأولى من عام 1330 إلى 1342هـ ش والتي كانت تصادف ظهور حركة (فدائيان إسلام) وجهاد الشعب الإيراني المسلم بزعامة المرحوم آية الله كاشاني. في هذه الفترة كان الشهيد قدوسي يدعم الحركات الإسلامية ويبذل جهوداً في هذا المجال.

2ـ المرحلة الثانية من عام 1342هـ ش حتى انتصار الثورة الإسلامية. كان الشهيد في هذه المرحلة من طلبة الإمام الخميني (ره) المبرزين والطليعيين في الثورة، فدعم ثورة الإمام (ره) بطرق ووسائل مختلفة، واعتقل مرة، وتعرض إلى التعذيب الشديد إلى أن أفرج عنه. وبعد إطلاق سراحه أقدم مع جمع من زملائه على تأسيس مدرسة (حقاني) العلمية وذلك بهدف الاستمرار في النشاطات الثقافية والسياسية بصورة أصولية.

3ـ والمرحلة الثالثة هي مرحلة ما بعد انتصار الثورة الإسلامية، وكان الشهيد في بداية الثورة مقيماً في قم إلى أن عيّنه الإمام الخميني (ره) بتاريخ 15/5/1358هـ.ش مدّعياً عاماً للبلاد.

وجاء في حكم الإمام:

بسم الله الرحمن الرحيم

جناب المستطاب حجة الإسلام الشيخ علي قدوسي دامت إفاضاته 

إنني أعيّنكم في منصب المدعي العام للثورة الإسلامية في البلاد، على أن تباشروا أعمال النيابة من هذا التاريخ. وفي كل الأحوال راعوا جانب الاحتياط مراعاة تامة.

أسأل الله تعالى لكم دوام التوفيق.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

روح الله الموسوي الخميني

 

وكانت فترة تصديه للنيابة العامة تصادف مرحلة الفتنة والفساد وتصعيد نشاطات الأحزاب والجماعات المنحرفة، فوقف الشهيد في وجه هذه الجماعات بحزم تام.

يذكر أن الشهيد قدوسي قد قدّم قبل استشهاده بأشهر ابنه الذي كان كان طالباً جامعياً شهيداً في جبهات الحرب.

 

الشهادة معراج المجاهدين

ونظراً لموقفه الحازم في التصدي ومحاكمة الجماعات المنحرفة، فقد أصبح هدفاً لهذه الجماعات للانتقام منه.

أما عن كيفية استشهاده، فيذكر أنه كان يعمل في مكتبه (بالنيابة العامة) أحد المنافقين الذين تظاهروا بالتوبة، فشملته الرحمة والرأفة الإسلامية، فخرج من السجن، وتلطّف عليه الشهيد واستخدمه في مكتبه لئلاّ يواجه متاعب في حياته في المستقبل.

فاستغل هذا المنافق أحد أيام العطلة، ودخل مكتب الشهيد في النيابة العامة، ووضع قنبلة، وفرّ هارباً. وفي اليوم التالي 14 شهريور (الشهر الفارسي السادس) عام 1360هـ.ش، وحينما كان الشهيد في مكتبه، انفجرت القنبلة، واستشهد على أثرها، وعرجت روحه إلى الملأ الأعلى.

فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً.

 

بيان الإمام الخميني (ره) بمناسبة استشهاد آية الله قدوسي

بسم الله الرحمن الرحيم

إنا لله وإنا إليه راجعون

ببالغ الأسف، التحق الشهيد حجة الإسلام قدوسي بزملائه الشهداء. هذا الشهيد العزيز الذي بدات واضحةً للجميع خدماته للإسلام لسنوات طوال وجهاده في سبيل الثورة.

إنني كنت على معرفة بالشهيد لسنوات طويلة، وكنت أعرفه بالتقوى والعمل الصالح والاستقامة والصمود والالتزام في طريق الهدف.

فمبارك له الشهادة، وهنيئاً له وفوده على الله وخروجه من الظلمات إلى النور.

وهذا طريق لابد من طيّه وسفر لابدّ منه؛ فما أحلى مذاق كأس الشهادة في خدمة الإسلام والشعب المسلم الشريف، والفوز بلقاء الله برأس مرفوع! وهو ما كان يتمنّاه أولياء الحق العظام، ويناجون الله تعالى لنيله.

فهنيئاً جرعة الشهادة هذه لشهداء الثورة الإسلامية، وخصوصاً شهداءنا الأعزاء الأواخر الذين التحقوا بجوار رحمة الحق على أيدي أكثر الناس إجراماً وحقداً ودناءة، ليخلقوا الفخر للإسلام. واللعن والعار للأعداء السيّئي الخلُق لهذا الشعب الشريف وحقداً.

إنني أبارك وأعزّي الشعب الإيراني والحوزة العلمية في قم والقوات المسلحة استشهاد المدعي العام للثورة، والعقيد وحيد دستجردي رئيس الشرطة، وهما في حالة أداء وظيفتهما ونالا التحفة الإلهية. وأسأل الباري تعالى لهما الرحمة، ولذويهما الصبر والسلوان.

والعار والخسران لأولئك الذين يتصورون أنهم يستطيعون بهذه الجرائم إخراج الشعب الإيراني الشريف، الذي نهض لإقامة العدل الإسلامي، من ساحة الجهاد ضد الكفار، وإخضاعه لعار وذلّ القوى الكبرى المجرمة. ألا يرى هؤلاء عمي القلوب والمنهزمون أن أمهات وآباء وأبناء وزوجات هؤلاء الشهداء يفتخرون، كأبطال صدر الإسلام، باستشهاد هؤلاء ويصمدون كالجبال أمام هذه الحوادث؟!

إن هؤلاء قد أصابهم الجنون نتيجة يأسهم، فينتقمون من الشعب المسلم لأنهم طردوا من بينهم.

يذكر أن وحيد وستجردي رئيس الشرطة قد جرح بشدة في انفجار مكتب رئاسة الجمهورية الذي أدى إلى استشهاد محمد علي رجائي ومحمد جواد باهنر، فنقل إلى المستشفى إلاّ أنه استشهد في تاريخ 14 (شهريور) 1360هـ.ش، وشيع مع الشهيد قدوسي في اليوم التالي بطهران.

أعلام الجهاد