الشيخ راغب حرب

شيخ شهداء المقاومة الإسلامية الشيخ راغب حرب

 

شيخ شهداء المقاومة الإسلامية

الشهيد راغب حرب

من مسقط رأسه في جبشيت، فبيروت، مروراً بالنجف الأشرف، فطهران، وانتهاءً بشهادته المدّوية، ظل الشيخ راغب (رضوان الله عليه) ملجأ المؤمنين، وحضن المقاومين.

حياته القصيرة، تروي حكاية العاملي الذي لا يهدأ، والرسالي الذي لا يلين..

حياته كشهادته، صاخبة هادرة تملأ أسماع الزمان والمكان، وتختصر حياة الإنسان المتمرد، الطامح دوماً نحو الحرية والعدالة والكرامة..

فمن هو هذا الشيخ الشهيد؟!

وكيف عاش حياته؟!

هذا ما ستلخصه لنا، هذه الصفحات القليلة..

 

مولده

ولد الشهيد السعيد الشيخ راغب حرب، في صيف حافل بالعمل والنشاط من عام ألف وتسعمائة واثنين وخمسين للميلاد، من أبوين كادحين، عاشا فوق ثرى جبل عامل، وعلى أرضه الطاهرة، وراحا يزرعانه خيراً وبركة ويسقيانه بعرق الجبين..

تميّز الأبوان بتمسك قويّ بمبادئ الدين الحنيف، والتزام أصيل بتعاليمه السمحاء..

ترعرع ونما في كنف هذه الأسرة الطيبة، فتنسّم في أجوائها عطر الرسالة، وتنشق عبير الإيمان، فنبتت في أعماقه أروع الخصال وأجمل السجايا".

 

طفولته

لم يكن عهد الطفولة الطري، ليشده إلى اللهو والعبث كسائر أترابه الصغار، الذين استرسلوا في لعبهم ولهوهم، بل كان يأنف ومنذ نعومة أظفاره، الحياة اللاهية العابثة، وكأنه كان يفكر فيما ينتظره في المستقبل من مهام كبيرة ودور عظيم..

في السابعة من عمره، دخل المدرسة الرسمية في بلدته جبشيت، ليتلقى فيها علومه الأولى، ثم توجه بعدها إلى منطقة النبطية لمتابعة المرحلة التعليمية المتوسطة، غير أنه لم يجد في تلك البرامج التعليمية ما يلبي طموحه، وينسجم وروحه المتوثبة، فترك المدرسة وفي أعماقه شوق كبير إلى طلب العلوم الدينية التي كانت حلماً يراود مخيلته، وأمنية عزيزة يسعى إلى تحقيقها..

 

الإنتقال إلى بيروت

في أوائل العام 1969 غادر الشيخ بلدته إلى بيروت، مستوطناً فيها لطلب العلم، وهناك أخذت أحلام الصبا، والآمال والأماني التي كان يضج بها قلبه، تتحقق شيئاً فشيئاً، إنه الآن قريب مع من أحبّ من العلماء، يتعلّم منهم، ويتربى في ظلالهم، وهو قريب مع من أحبّ من المؤمنين، يشاركهم مجالس الحوار، ويحيي معهم شتى الاحتفالات والمناسبات التي ألهبت حماسه وزادت من اهتماماته، والتي ساهمت في تفتح آفاقه، وتوسيع مداركه، وهو بعد سنة عاشها في مسيرة العمل الإسلامي، كان يتطلع إلى النجف الأشرف بشوق وشغف، وحنين كبير إلى حوزاتها العلمية الرحبة الآفاق.. المزدحمة بألوان العلم والنشاط.

 

في النجف الأشرف

وهناك، عاش في مدارسها، لينهل من معينها، ويرتشف من ينابيعها العذبة، ويتتلمذ على أيدي أساتذتها الكبار، مهيئاً نفسه للعمل في خدمة الرسالة، مبلّغاً أحكامها، ناشراً تعاليمها، وهو مع إقباله الكبير لتلقي العلوم الدينية وميله نحوها، إلاّ أن عينيه كانتا ترمقان من بعيد الساحة اللبنانية، ومستقبل العمل الإسلامي فيها، فيتصل من هناك بإخوانه المؤمنين مستكشفاً أوضاعهم، ومطلعاً على ما يعانونه من شؤون العمل الإسلامي وشجونه..

وقد عاد الشيخ إلى لبنان لزيارة أهله وأصحابه، ثم قفل راجعاً إلى النجف ليتابع علومه، إلاّ أنه في هذه المرة، لم يلبث سوى سنة ونصف، حتى عاد عام 1974 بعد أن أسفر النظام في العراق عن حقد دفين على المؤمنين والعلماء فطاردهم وشرّدهم وزج عدداً كبيراً منهم في السجون..

 

العودة إلى جبشيت

عاد إلى مسقط رأسه في جبشيت، في وقت كانت فيه طروحات اليسار، وشعاراته ومفاهيمه تغزو المنطقة بأسرها، وتتسلل لتدخل إلى قلوب الناس في محاولة لاستقاطابها، عاد والإسلام بكل مفاهيمه في غربة عن أذهان الناس وعقولهم، اللهم إلا فئة قليلة مؤمنة، كانت تعي دورها، وتحمل قضايا الإسلام في قلبها وفكرها، لتقدمه كحل ناجع لإصلاح الأمة وبناء المجتمع..

عاد الشيخ وهو يدرك أن طريقه ليس مفروشاً بالزهور، كان يعلم أن طريقه صعب وطويل، محفوف بالمكاره، مزروع بالأشواك، يتطلب جهداً كبيراً، وآلاماً كثيرة، فتوجه في بداية عمله لاصلاح ما أفسدته الأوضاع السائدة آنذاك، وعمل على إظهار الإسلام بصورته النقية الناصعة، بعد أن طمرت معالمه الأفكار الدخيلة، ثم ساهم في تنمية الحس الإسلامي وتطويره من خلال المواعظ التي كان يلقيها، والدروس التي يقدمها، والسهرات التي يحييها، واستطاع بأسلوبه الجذاب، وطلاوة حديثه، أن يشدّ الناس إليه ويحببهم فيه، ولم يغب عن باله أن أخطر ما يعاني منه الناس هو جهلهم لدينهم وما يتضمن من مفاهيم وقيم سامية، فاهتم بتطوير الثقافة الإسلامية، وأنشأ المكتبة العامة، لتكون وسيلة تساهم في الإرتقاء بالإنسان المسلم إلى مستوى الوعي الرسالي..

وبعد أن أطمأنّ إلى الصحوة التي أنشأها في بلدته، أراد أن يتجاوز بعمله حدود قريته الصغيرة، ليشمل ما جاورها من قرى المنطقة، فراح يوطد العلاقة مع أبنائها، ويلتقي مع المؤمنين فيها، ليشاركهم فيما يحملون من هموم العمل وشؤونه، ولينشئ بالتعاون معهم وجوداً إسلامياً، يقدر على الوقوف بوجه التحديات التي تواجهه، والأخطار المحدقة به، مما أثار حفيظة القوى السياسية الأخرى التي كانت تتحكم بمجريات الأمور، فهيّأت نفسها لمواجهة ظاهرة جديدة لم تكن تراها من ذي قبل، وعمدت إلى تضييق الخناق على رقاب المؤمنين، واضطهاد عدد منهم، وملاحقة الآخر.

 

صلاة الجمعة

وإيماناً منه بتأسيس وجود إسلامي قادر وقوي، وإنشاء جيل إسلامي واع ومتجانس، فقد بادر الشيخ إلى إقامة صلاة الجمعة، هذه الصلاة التي يتعارف عليها الناس من ذي قبل، والتي كانت بالنسبة إليهم نمطاً جديداً وبارزاً.. لقد أقام هذه الصلاة وأصر عليها رغم بعض مظاهر الاستهجان التي لاقاها، لتكون محطة مهمة ترفد العمل الإسلامي وتغذيه، ولتغدو ذلك الملتقى الذي يجمع بين المؤمنين على اختلاف أعمارهم ومناطقهم، فيتحدون ويتآلفون، ويطلعون من خلالها على قضايا الأمة ومشاكلها..

وأخذت صلاة الجمعة تكبر شيئاً فشيئاً، حتى شكلت فيما بعد نواة العمل الجهادي الصلب، الذي قدّم إلى ساحة الصراع مع العدو مقاومين ومجاهدين وشهداء..

ولم يكن الشيخ ليكتفي بالعمل التبليغي وحسب، كما لم يكن يكتفي بالتثقيف والإرشاد فقط، لقد كان يرى أن الكلام مهما أوتي من قداسة، يظل كلاماً عابراً معلّقاً في الفراغ، ما لم يترجم إلى سعي مستمر، وعمل دؤوب، لذلك عاش الشيخ مع الناس.. دخل إلى عمق مأساتهم، وراح يعالج مشاكلهم، ويكابد معهم، فيعاني ما يعانون، ويألم لما يألمون..

 

مبرّة السيدة زينب(ع)

لقد كان أشد ما يؤلمه مشهد الفقراء البائسين، الذين لا يجدون قوت يومهم، فراح يزورهم بنفسه، ليستكشف أحوالهم، يتفقد أمورهم، يمدّ لهم يد المساعدة، علّه يخفف عنهم مرارة البؤس ولوعة الحرمان، ولعل أكثر ما كان يثير الأسى في نفسه، هي تلك الصور الدامية للأطفال اليتامى، فعمل جاهداً على إيوائهم، واستنقاذهم من براثن الجهل والفقر، ورعايتهم وتربيتهم على أسس إسلامية سليمة ومتينة، من أجل أن يصنع منهم جيل المستقبل الذي سيرفع على أكتافه مجتمعاً متعافياً دافقاً بالخير، زاخراً بألوان الرقي والتقدم والازدهار..

وقد وفق بعد جهود مضنية، وبالتعاون مع "الجمعية الخيرية الثقافية" إلى بناء مبرّة "السيدة زينب(ع)" لتكون وسيلة لهذا الهدف السامي والنبيل..

وهكذا، فقد غدا الشيخ نتيجة إخلاصه لقضايا أمته، ومواكبته لشؤون مجتمعه، ورعايته لأمر الناس، قائداً شعبياً فذّاً، أطمأن الناس إليه، ومنحوه كامل الثقة، فأحبهم وأحبوه، وعاش في وجدان كل واحد منهم..

 

نشاطه الاجتماعي والرعائي

في الحديث عن تجربة شيخ الشهداء في ميدان العمل الاجتماعي الرعائي، لابد بادئ ذي بدء، من قراءة واضحة لطريقة تفكير الشيخ الشهيد، والتي ميّزت شخصيته، وطبعتها بطابع خاص، برزت في سلوكه ومواقفه وآرائه، حيث عمل ميدانيّاً في أصعب المواقع الاجتماعية وأكثرها تعقيداً، واستطاع أن يحقق نجاحات ملحوظة، في وقت بدا فيه العمل الإسلامي وقد راح يتحرك في ظروف صعبة بالغة التعقيد، ولعلّ أبرز المشاريع الاجتماعية التي أسسها الشيخ الشهيد كانت:

 

أولاً: بيت مال المسلمين

فبسبب حالات الفقر الموجودة في القرى العاملية، ونتيجة لسياسة التجويع والحرمان التي انتهجتها السلطة السياسية في هذا البلد، وفي محاولة منه لسد الاحتياجات الضرورية لدى أهلنا وإخواننا، سعى الشيخ الشهيد إلى تأسيس "بيت مال المسلمين" بما كان يتوفر من إمكانات متواضعة، حتى كان البعض لا يجد تفسيراً مقنعاً لهذا التوجه، لاسيما حينما كان هذا "الصندوق"، يقدم القروض البسيطة إلى المؤمنين، وهي قروض تتراوح بين مائة ليرة حتى الخمسمائة ليرة للشخص الواحد كحد أدنى..

والجدير ذكره أن بيت مال المسلمين هذا، لم يكن يحتاج إلى موظفين في شؤون المحاسبة، لأن شيخنا كان يتولى ذلك بنفسه..

هذا وقد استطاعت هذه القروض البسيطة حلّ العديد من المشاكل المالية لدى قطاع واسع من المؤمنين، حيث شكلت رافداً وفّر للناس القدرة على استمرار تصريف شؤونهم الحياتية..

 

ثانياً: بناء مدرسة الشرقية

وبحكم إقامته في بلدة الشرقية (أمضى فيها أربع سنوات) والتي تقع على بعد 8 كلم عن مدينة النبطية لجهة الغرب، وبناء على طلب عدد من المؤمنين في تلك القرية، رأى الشيخ أن الضرورة تتطلب بناء مدرسة ابتدائية لأطفال القرية الذين ضاقت بهم الغرفتان الصغيرتان، فبادر إلى العمل على توفير بناء إضافي للمدرسة، حيث اندفع بنفسه لحفر قواعد البناء الجديد، حاملاً المعول والرفش، فما كان من أبناء البلدة إلا أن سارعوا إلى معاونة شيخهم، وهكذا فقد أكمل الشيخ وفي فترة وجيزة بناء مدرسة مؤلفة من طابقين على قطعة أرض عائدة للوقف..

 

ثالثاً: مؤسسة شهيد الثورة الإسلامية

ويأتي الاحتلال الإسرائيلي، لمناطق كثيرة في لبنان ليزيد في تعميق المأساة الاجتماعية والسياسية، وليخلف وراءه مئات الشهداء، وآلاف المشردين وأعداداً كبيرة من العوائل التي فقدت معيلها، في هذا الجو المظلم، القاتم، يلتقي الشيخ بأحد مندوبي الجمهورية الإسلامية وهو السيد عيسى الطباطبائي، وبمشاركة بعض الأخوة المؤمنين، ليبحثوا في كيفيّة توزيع المساعدات المادية على الأيتام والمعوزين، وبعد صياغة خطة العمل المناسبة، يعود الشيخ الشهيد إلى مسقط رأسه، وينطلق في ظل الاحتلال البغيض، لتوزيع مساعدات الجمهورية الإسلامية بصمت وسرية، وعلى الرغم من مضايقات جنود الاحتلال، فقد بقيت تلك المساعدات تصل إلى عوائل الشهداء وإلى الجرحى وذوي الأسرى من المجاهدين..

وهكذا انطلقت مؤسسة الشهيد في لبنان، حيث كان للشهيد دوراً بارزاً في إرساء مداميكها، وفي بإعطائها زخماً قوياً تمثل بإشرافه مباشرة على مسؤولية المحاسبة، ومشاركته في توزيع المساعدات بصورة عادلة..

 

رابعاً: ترميم مسجد شيت في جبشيت

من يقرأ سيرة شيخ الشهداء يسترعي انتباهه ارتباط الشيخ بالمسجد منذ أن كان صغيراً، وقد كان هذا الأمر مستهجناً لدى أقرانه في أوساط الستينات، وهذا يعود برأينا إلى الأسرة التي انتمى إليها الشهيد والتي عرفت بالتقوى والورع، وعلى الأخص والده الحاج "أبو راغب"، وعمه الحاج "أبو مالك" اللذان كان كل منهما مثال المؤمن العابد الزاهد.. والورع التقي، حتى غدا كل منهما مضرب المثل في سائر أنحاء القرية..

ويشب الفتى، فيزداد قلبه حبّاً للمسجد، حيث تراه على الدوام في مسجد "شيت"، ذلك المسجد الصغير الرابض وسط قرية جبشيت، إمّا جالساً في زاوية من زوايا باحته، أو قائماً يصلي، أو قاعداً يصلح ما أفسده الدهر، ثم تراه مرة أخرى جالساً تتحلّق حوله مجموعة من الناشئة، يبثّ فيهم دروسهم ومواعظه..

وإذ يباشر بإحياء صلاة الجمعة، ويضيق المسجد الصغير بالمصلين، يقرر الشيخ إعادة ترميم المسجد، وتوسيعه بما يتلائم وحشود المؤمنين، ويباشر "أبو أحمد" العامل بنفسه، فتلتحق به جماعات المؤمنين، وما هي إلا فترة قصيرة حتى ترتفع الأعمدة على مساحة ألف متر مربع، لتضم المسجد الأكبر في تاريخ جبل عامل، والذي تتسع جنباته لحوالي ثلاثة آلاف شخص..

 

إطلالة الثورة الإسلامية المباركة

مع حلول عام 1978، كانت رياح الثورة الإسلامية المباركة في ايران تتخطى كل الحدود، وتتجاوز العوائق والموانع، وكان المسلمون في لبنان يتتبعون آثارها أولاً بأول، ويواكبون مراحلها مرحلة بعد أخرى، ويتعطشون لمشاهدة مظاهر البطولة فيها، متطلعين بلهفة الى ساحات الشرف هنالك، حيث المواجهة الدامية في الشوارع، والهتاف الذي يملأ الفضاء، والقبضات المؤمنة والسواعد الفتية، وآلاف الشهداء، والأعداد الكبيرة من الجرحى..

يومها كانت الأنظار مشدودة نحو ابن الثمانين، وهو يتجلبب جلباب الهيبة والوقار، نحو الفقيه العادل الإمام الخميني(قده) والذي أشرق بنوره، كشمسٍ ساطعة في سمائنا، ليلف بعباءته الأرض، ويحتضن الجياع والمشرّدين، وأوجاع المعذبين، معلناً قيام الدولة الإسلامية، وبداية عصر جديد، هو عصر الثورة الإسلامية، عصر انتصار المستضعفين على الجلادين، وقد ترددت أصداء تلك الانتصارات في أعماق المجتمع الإسلامي، فأيقظت الروح الثورية في كيان الأمّة، وألهبت ضمائر شعوبها، وكان لهذا الانتصار الباهر والعظيم الأثر الكبير على الساحة اللبنانية، فطاول مختلف نواحيها، السياسية منها والثقافية والاجتماعية..

وهنا ـ في غمرة الانصار الكبير ـ هبّ الشيخ راغب، ليكون أول المستجيبين لندائها، المسارعين إليها، والفرحين أشدّ الفرح بإنجازها التاريخي الرائع، كيف لا؟ وقد تحقق أمام عينيه أمل طالما كان ينبض مع كل خفقة من خفقات قلبه، وحلم كان يختلج مع كل جارحة من جوارحه، فوقف على منبر بلدته جبشيت، في إحدى خطب الجمعة بعد انتصار الثورة الإسلامية مباشرة، قائلاً: "إنّنا من على هذا المنبر، ومن هذا النادي الحسيني نعلن تأييدنا الكامل للثورة الإسلامية المباركة في إيران، ونبايع قائدها الإمام روح الله الخميني قائداً للمسلمين وأميراً عليهم"..

ثم راح (رضوان الله عليه) يحث الناس على المبايعة، ويدعوهم لتقديم الولاء والطاعة، فجمع من أجل ذلك تواقيع المؤمنين، وأرسل برقية البيعة التي تعتبر الأولى من نوعها لتكون عربون وفاء للنصر الجديد المؤزر..

ولطالما دعا الشيخ الناس لتعبر عن فرحتها بالحدث الرائع، من خلال الاحتفالات والأعياد والمسيرات الشعبية، وفي إحدى المسيرات التي كان يقودها، تقدم إليه من بين الجموع مراسل إحدى الصحف المحلية، ليسأله عن الأسباب التي دعت لمثل هذا التجمع الشعبي، فردّ عليه قائلاً: "إن هذه الجموع جاءت لتعلن المبايعة للثورة الإسلامية، ولتقدم الولاء لإمام الأمّة"، وأضاف: "وإننا من هنا، نقول للإمام الخميني، نحن وراءك، فوالله لو خضت البحر لخضناه معك".

وهكذا، فقد عاشت الثورة الإسلامية بقيمها الساميّة حيّة في قلبه، فكانت بالنسبة إليه القبلة الجهادية والسياسية والفكرية للمسلمين جميعاً، ومهوى أفئدتهم، ومحط آمالهم، ومرتع أحلامهم الجميلة، فتراه يزورها بشوق وشغف عند كل دعوة توجه إليه، يشارك في مناسباتها، ويلتقي مع المسؤولين فيها، مستمعاً لآرائهم، مستهدياً بتجربتهم، ثمّ يعود إلى ساحة عمله في لبنان، ليحدث أهله عن أجمل وأحسن ما سمعته أذنه..

ولكم تأذى حين كشفت الرجعية العربية عن وجهها الكالح البشع، وهاجمت بجيوشها الغارقة بأوحال الهزيمة أرض الجمهورية الإسلامية، واحتلّت قسماً منها بغية إجهاض الثورة وزعزعة أركانها، وتقويض دعائمها، في محاولة يائسة لإعادة عقارب الزمن إلى الوراء، لكن ورغم المرارة التي كان يبديها من جراء هذا العدوان السافر والبغيض، فقد كان واثقاً بنصر الله، مطمئناً لوعده، مردداً مقولة إمام الأمّة: "الخير فيما وقع"، قائلاً في إحدى خطبه: "هذه الراية النبوية ستبقى مرتفعة، ولن تسقط أبداً حتى يتسلمها الإمام المهدي".

ولم يمض كثير من الوقت حتى تتوالى انتصارات جند الإسلام على جبهة الحق ضد الباطل، فيثلج ذلك قلبه، وتغمره الفرحة فؤاده، ثم يسارع من على منبر الجمعة، ليزف بشائر الانتصارات، فتطمئن حينئذ قلوب المؤمنين، وتستكين أرواحهم.

وعلى مدى الأيام أضحى منبر الشيخ مركزاً إعلامياً هاماً، ينقل من خلاله الصورة المشرقة الناصعة لجمهورية الإسلام، فيندد بالأقلام المأجورة، التي تكتب بمداد الشياطين الكبار، بهدف تشويه المعالم الحقيقة للثورة، ويدحض الأباطيل والأكاذيب، ويفند المزاعم والإدعاءات.

 

عشقه للإمام

ولابّد أن نسجل هنا، عشقه الكبير والمتميز للإمام الخميني(قده)، وانبهاره بشخصيته الفذّة، وخضوعه أمام الوقار الذي كان يرتسم على محياه، وهذا ما تجلى خلال زيارة انفرد بها مع الإمام، تملكته فيها الخشية، حتى أنه لم يستطع أن يتحدّث إليه إلا بكلمات قليلة، يتأمّل بعدها خيوط النور التي كانت تشع من تقاسيم وجهه، .. لقد كان يرى في الإمام الولي الواجب الطاعة، والمعيار الذي تميز به الأمة الحق من الباطل، وكان يعتبر أن الخروج عن طاعته هو كفر وفسوق وعصيان، حتى ولو كان هذا الخروج يتغطى بمظاهر التقوى، ويتزيّا بزيّها، فحينما انبرت بعض العمائم لتقدم اعتراضها على نهج الإمام، تناول ذلك في إحدى خطبه ليقول: "إنّ الإسلام الذي لم يستطيعوا خنقه بالصاروخ، فلن يستطيعوا خنقه بالعمامة، وإن العمامة التي لا تقول نعم للخميني نسقطها".

ولقد ظلّ الشيخ راغب (رضوان الله عليه)، نصيراً لقضايا الثورة الإسلامية، ولأهدافها السامية، يحملها في قلبه وفي وجدانه، واستمر يدافع عنها بقوّة في كل محفل ومجلس، حتى آخر لحظة من لحظات حياته".

 

مراحل المواجهة مع الاحتلال الصهيوني

قبيل فترة الاجتياح، عانى المجتمع اللبناني صنوف العذاب، وألواناً شتى من البؤس والشقاء، نتيجة الحرب الداخلية التي أثقلت كاهله، وأنهكته، واستنزفت كل طاقاته وإمكاناته، وزرعت بذور اليأس في قلوب أبنائه، مما أتاح الفرصة لليهود، ليحققوا أطماعهم التاريخية التي بها يحلمون.

ومع أوائل شهر حزيران من العام 1982، زحف العدو ليجتاح بجيوشه الجرارة وآلته العسكرية المدمرة أرضنا المعطاء، ملتهماً بنيرانه المحرقة معالم الحياة فيها، مدمّراً العوائق التي تعترض طريقه..

حدث كل ذلك وسط تواطؤ دولي، وسكوت عربي مقيت، وما استيقظ الناس ولا استفاقوا، إلا بعد ذهول كبير، زاغت فيه الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر..

استيقظ الناس ليروا بأعينهم الحائرة، ذئاب الاحتلال الكاسرة، وهي تكشر عن أنيابها، وتنشب أظفارها لتنهش ما تبقى من الجسد الممزق..

حينها لم يكن الشيخ ماكثاً في الجنوب، فقد كان توجه وبدعوة من الجمهورية الإسلامية، لحضور مؤتمر إسلامي فيها، وهناك تناهت إلى مسامعه، أنباء الفاجعة الكبرى، وأخبار المحتلين، وهم يدنسون برجسهم أرض جبل عامل، فأحدث ذلك هزّة عميقة في نفسه، وأثار فيها الأسى، مما دفعه لاتخاذ قرار العودة فوراً، ليكون إلى جانب إخوانه، يشاركهم معركة الكفاح والجهاد.

لم تمض أيام قلائل حتى وصل إلى بلدته جبشيت التي استقبلته بحفاوة بالغة، والتقى زواره وجالسهم، واستمع منهم إلى تفاصيل ما جرى في غيابه، وسألهم عن أدق الأمور وصغيرها، ولكم كان سروره كبيراً، عندما علم أنّ صلاة الجمعة لم تتوقف، بالرغم ممّا حصل من محن وكوارث..

عاد الشيخ ورأى بأمّ عينه، واقع الاحتلال الأليم، يجثم بكابوسه الرهيب على صدور الناس..

عاد ليقرأ في أعين زواره وجلسائه علامات الحيرة والقلق والاضطراب، وأدرك في مكنون سرّه، أن لحظات حاسمة من تاريخه قد بدأت، وأن على عاتقه يقع دور هام وكبير، وأنّه إنما يأتي، ليأخذ موقعه الطبيعي في المواجهة، ومقارعة من هم أشدّ الناس عداوة للإسلام وللمؤمنين.

لقد كان ينتظر ذلك منذ وقت طويل، فكيف به الآن وهم أمامه، يضحكون وينتشون على أشلاء الجثث البريئة، يدنسون الأرض ويهتكون العرض..

ومنذ وصوله علم أن هناك قراراً بمنع التجوّل في المساء، فدعا الناس إلى المسجد للمشاركة في صلاتي المغرب والعشاء، تحدّياً للاحتلال وكسراً لقراره، ثم تابع دوره الرسالي كالمعتاد، وعاد ليؤمّ الناس في صلاة الجمعة، إلا أنها الآن وفي ظل حراب الصهاينة أصبح لها لون آخر.. لون مفعم بالبطولة والتحدي والعنفوان..

ولقد شهدت صلاة الجمعة في أسبوعها الثاني بعد الاحتلال، إقبالاً جماهيرياً كبيراً، ومشاركة واسعة من قبل الناس، فاستأنس الشيخ لمثل هذا الحضور الذي أكّد على أن المؤمنين بدأوا يلتقطون أنفاسهم، ويستعدون للنهوض، فتحدّث في هذه المناسبة، مذكراً بأحكام الإسلام، وضرورة الالتزام بها كاملاً، وحرمة التعاون مع أعداء الله..

 

المواجهة الأولى

في الثامن والعشرين من شهر شوال، عام 1404هـ، وبينما كان الشيخ كعادته، يسهر مع بعض إخوانه المؤمنين في داره، وإذا بهم يسمعون هتافاً قويّاً وصراخاً عالياً يرتفع بالتكبير والتهليل، توجّه الشيخ لاستكشاف طبيعة الأمر، فرأى الساحة العامة في البلدة تغصّ بالمؤمنين، وهم ينددون بجماعة العميل "سعد حداد" الذين فروا بعد مشادة مع الأهالي لاستقدام قوّة إسرائيلية، فجمع الناس ليلقي كلمة فيهم، وإذ بالقوة الإسرائيلية قادمة، فاصطدم معها الأهالي وكان في الطليعة الشيخ الشهيد، ورموها بالحجارة، وأشعلوا إطارات السيارات وسط الشارع العام، فعادت من حيث أتت، تجر أذيال الخيبة..

حينئذٍ وقف الشيخ أمام الجموع معلناً رفض التعامل، وحرمة التعاون بأي شكل من الأشكال مع العدو الإسرائيلي، داعياً عناصر ما يسمى بـ"الحرس الوطني" إلى التوبة وإلقاء السلاح والعودة إلى أحضان أهلهم..

 

المصافحة اعتراف

واصل الشيخ جهاده، متجولاً في قرى الجنوب ودساكره، مندداً بالاحتلال الغاشم، ومحطماً سياسة التطبيع والتهويد، وكان صوته المدوي، يهزّ أسماعهم، ويرعب قلوبهم، ويكشف الزيف عن وجوههم، فراحوا يفكرون بعمل ما، يسكتون فيه هذا الصوت، وبعد تفكير طويل، وجدوا الحل، فذهبوا إليه بزيارة يتحاورون فيها معه، علّهم يستميلونه ويكتسبون ودّه..

فجاؤوه عصر يوم الثلاثاء، في العاشر من ذي الحجة عام 1402هـ.. يومها كان جالساً على سطح منزله مع بعض إخوانه وأصحابه، رآهم يقتربون منه، فصرخ بوجههم ليعودوا، فلم يلتفتوا، وتقدموا حتى وصلوا إليه، ومدّ أحد ضباط الاحتلال يده لمصافحته، ولكن الشيخ أبى ورفض، فقال له: "وهل أيدينا نجسة"، فأجابه الشيخ: "أنتم محتلون، ولا أريد مصافحتكم، أخرجوا من هنا، لا أصافحكم ولا أجالسكم"..

فعادوا مدحورين، بعد أن تبين لهم إصرار الشيخ الرافض، وإرادته الراسخة القوية، واختلافه عن صنف كبير من الناس..

وبموقفه الرائع هذا، قطع الطريق على كل محاولات التدجين الهادفة إلى إخضاعه، وبات الصراع مع العدو مفتوحاً على مصراعيه..

وسرى خبر رفض المصافحة بين الناس، فاستاء الذين في قلوبهم مرض، وتساءل بعضهم، لِمَ لا ينجو الشيخ بنفسه، ويصافح القوّة المعتدية، فيردّ على ذلك مجيباً: "إنّ أي تنازل للمحتل ولو كان صغيراً، سيتبعه تنازلات أخرى أكبر منه، ونحن غير مستعدين للتنازل حتى ولو عن قيد شعرة من حقوقنا".

وأيقن الشيخ أنه أصبح من الآن فصاعداً، ملاحقاً ومطارداً، ومعرّضاً للاعتقال في أي وقت من الأوقات، ولذا فعليه أن يكون حذراً في تنقلاته، ومحتاطاً في ذهابه وإيابه..

 

مداهمة منزله

وكما كان متوقّعاً، فقد داهم الجنود الصهاينة المدججون بالسلاح منزله مرات عديدة ومتتالية، كان أبرزها في كانون أوّل عام 1982م، الموافق 27 صفر 1403هـ، إلاّ أنهم لم يجدوا أي أثر له، وللتعويض عن فشلهم في اعتقاله، فقد صادروا من منزله سلاح الصيد الذي ورثه عن والده، وكانوا في كل مرّة يداهمون فيها منزله، يلجأون إلى أساليب رعناء، ويلقون الذعر في قلوب أطفال المبرّة الصغار الذين آواهم الشيخ في منزله، لعدم اكتمال بناء مبرّة السيدة زينب(ع).

 

زيارته للجمهورية الإسلامية

خلال هذه الفترة، لم ينقطع الشيخ عن زياراته المتكررة لبيروت، والتقائه بالعلماء العاملين فيها، والمؤمنين المجاهدين، يشاركهم صياغة تصور إسلامي واضح للمواجهة مع العدو، كذلك فإن زياراته للجمهورية الإسلامية لم تتوقف، حيث وصلها في العاشر من ربيع الأول عام 1403هـ، لحضور المؤتمر العالمي لأئمة الجمعة والجماعة، الذي كان سيعقد في طهران ضمن نشاطات أسبوع الوحدة، غير أن زيارته هذه المرة، بدأت تكتسي حلّة جديدة، وتكتسب طابعاً مميّزاً، خاصة بعدما برز كقائد شعبي يقود أبناء أمته نحو العزة والكرامة، وقد التقى مع المسؤولين هناك، ليرسم بالتعاون معهم الخطوط التفصيلية للعمل الجهادي ضد الاحتلال، وسبل مقاومته والتصدي له، وهناك علم بدخول الإسرائيليين إلى داره مرة ثانية، وإرهابهم لزوجته التي أغمي عليها، واستخدامهم موقعاً بالقرب من منزله، فاتصل بإخوانه في لبنان، وأخبرهم أنه سيعود قريباً جداً لمواصلة العمل الجهادي..

عاد هذه المرّة إلى جبشيت، مزوّداً بدعاء الإمام، ليتحرك في قرى الجنوب بهمة عالية وإيمان كبير، داعياً الناس إلى التمرد والعصيان على واقع الاحتلال البغيض.

 

الاعتقال الذي ألهب شرارة الرفض والمواجهة..

لم يكن العدو ليغفل عن تحركات الشيخ أو نشاطاته، فبثّ العيون والجواسيس، لتلاحقه وتترصده، حتى استطاعوا في نهاية الأمر تحديد المكان الذي يبيت فيه..

وفي الثامن من آذار عام 1983، وقرابة الساعة الثانية بعد منتصف الليل، دهمت قوة إسرائيلية كبيرة المنزل الذي كان يبيت فيه،  وهو منزل ابن خالته، فدخلته بوحشية وقسوة، وعاملت الشيخ بجفاء وغلظة، واقتادته مكبّلاً معصوب العينين إلى مقر المخابرات بالقرب من بلدة زبدين، وهناك، قال له الضابط الإسرائيلي المدعو "أبو عامر": "ألم يكن من الأفضل أن نلتقي بغير هذا الشكل"، فأجابه الشيخ (رضوان الله عليه): "بل هكذا أفضل بألف مرة"، ثم اقتيد إلى معتقل أنصار، وبعدها إلى مركز المخابرات في مدينة صور، حيث التف حوله كبار الضباط الصهاينة، ليتعرفوا على ذلك الرجل الذي أرهبهم، وأفسد عليهم الأمور..

وفي الاعتقال والأسر، مارس الأعداء أساليب الإرهاب والإذلال والتعذيب النفسي، ليوهنوا من عزيمته، ويضعفوا إرادته، وحاولوا أن يساوموه على أمور كثيرة، لكنهم اصطدموا بعناده القوي، وإصراره الكبير..

سألوه في التحقيق: "ماذا يمثل الخميني بالنسبة إليكم"؟

فأجابهم: "هو إمامنا وقائدنا".

ـ "هل تقاتلوننا لو أمركم بذلك"؟

ـ "نعم، بكل تأكيد".

ثم قالوا له: "إن كلامك يثير الشباب ويدفعهم لقتالنا، فكيف سنحل هذه المشكلة"..

فرد عليهم: "هذه ليست مشكلتي، وإنما هي مشكلتكم أنتم، وعليكم حلّها".

ـ كيف سنحلّها؟

ـ برحيلكم عن أرضنا..

عرضوا عليه أن يغادر الجنوب وله ما يريد، فقال لهم:

"لن أغادر الجنوب، وسأبقى على أرضه".

طلبوا منه لقاء في منزله، أو في أي مكان آخر، فأبى ورفض..

حدثوه عن رأيه في علاقات مستقبلية مع "إسرائيل"، فأجابهم: "نحن كعلماء نرفض أي شكل من أشكال العلاقة مع إسرائيل في الحاضر وفي المستقبل"..

وأسئلة أخرى كثيرة، ردّ عليها وأجاب عنها، وكانوا بعد كل ردّ وجواب يختنقون غيظاً وحقداً، ويظهرون خبثاً ولؤماً..

ولابد من الإشارة هنا، أنه وبعد اعتقال الشيخ مباشرة، خرج الناس إلى شوارع البلدة، وفكروا فيما يقومون به من عمل، ثم توجهوا إلى النادي الحسيني، وتداعوا إلى اعتصام مفتوح، حتى يتم إطلاق سراحه..

هذا الحدث، اعتبر يومها أول وأهم مظهر علني من مظاهر الرفض والمواجهة، فأهالي البلدة، وسائر أبناء القوى المجاورة لبّوا الدعوة إلى الاعتصام، وجاء الجميع يشارك إخوانه، أمّا الوفود القادمة من صيدا وبيروت فقد جاءت لتؤكد دعمها لهذه الخطوة الهامة في تاريخ العمل المقاومة، وقد بدأ الجنوب بكل مدنه وقراه يسير على هذا النهج، وسارعت وسائل الإعلام المحلية والعالمية، لتغطية الحدث الكبير فتحدثت عنه بإسهاب ونقلت وقائعه إلى مختلف شعوب العالم..

ولم تكد الأمور تبلغ الذروة، حتى أيقن العدو أن الأمر يسير بما لا يشتهي، وأن شرارة الرفض التي انطلقت من جبشيت، بدأت تتخطى حدود القرية لتصل إلى كل أرجاء الوطن، وأن اعتقاله للشيخ قد أمسى اعتقالاً لوجوده الغاصب، فاضطر وتحت وطأة الرفض الشعبي المتصاعد، أن يطلق سراحه، بعدما دامت مدة اعتقاله ما يقارب السبعة عشر يوماً، عجز العدو فيها عن تحقيق أيّة مكاسب.

ويعود الشيخ إلى عرينه، فتتدفق الألوف لاستقباله، وابتهج الناس، فلقد ربحوا الجدولة الأولى من الصراع، وأرغموا العدو على التراجع..

وآثر الشيخ توظيف هذا الانتصار، في خدمة المسيرة الجهادية، واستغلاله بما يذكي شعلة المقاومة، فعمل على تصعيد وتيرة الصراع مع العدو وبمختلف الأشكال بما فيها أشكال المواجهة المسلحة، وكان من أجل ذلك يلتقي مع المجاهدين، الذين يخوضون عملياتهم البطولية، ليسدد مسيرتهم، ويهتم بأحوالهم، ويوفر لهم سبل استمرار عملهم العسكري، ووسائل الدعم المادي والمعنوي، وأمست مواقفه التي كان يستعرضها في خطبة العديدة، تتسّم بالوضوح التام، والصراحة المطلقة..

تجلى ذلك إثر عودته من طهران، التي زارها في شهر كانون الثاني من عام 1984، حينها وفي ذكرى أسبوع الشهيد هاني شكر، ألقى خطبة نارية، حدد فيها مواقف هامة، تحدث خلالها عن ضرورة مقاتلة العدو، حتى ندحاره عن كامل التراب المقدس، ثم قال: "لن نقبل بأنصاف الحلول، وإن من يمد يداً إلى عدونا، ويداً إلينا، نقول له، إما أن تكون كلّك معنا، أو كلك مع عدونا".

 

الاغتيال الآثم..

في تلك المرحلة المحتدمة من مراحل الصراع، كانت العمليات الجهادية للمقاومين المسلمين، تشتد وتتصاعد، لتهزّ الأرض تحت أقدام الغاصب المعتدي، وتلهب حصونه، وكانت الضربات المتلاحقة تقض مضجعه، وتلقنه درساً قاسياً، وتحولت بفعل ذلك، تلال الجنوب وأوديته إلى مصيدة لجنود الاحتلال..

ولقد كان الشيخ آنئذ، قائد المقاومة، ورائدها، فأرادوا أن يتخلصوا منه علّهم يطفئون الشعلة المتأججة..

ففي السادس عشر من شهر شباط، وفي ليلة الجمعة من عام 1984، وبعد أن أنهى الشيخ قراءة دعاء كميل، وبلّل وجه بدموع الخشية، توجه للسهر مع بعض إخوانه في بيت بجوار منزله، وأثناء خروجه، صوّب العملاء المرتزقة والمأجورون، بيدهم المرتجفة رصاص حقدهم الغادر، وهوى الفارس عن صهوة جواده، ليروي بدمه الطاهر عطش الأرض، مردّداً كلماته الأخيرة: "الله أكبر، الله أكبر"..

وفي صباح اليوم التالي ترددت أصداء الجريمة النكراء، في كافة المناطق، فأدمى ذلك قلوب المؤمنين، وقرح جفونهم، وتنادى عشرات الألوف من أبناء جبل عامل، احتشدوا في مهرجان الشهادة، يهتفون بملء حناجرهم، منددين بالاحتلال الغاصب مهددين بالثأر لدم الشهيد، معاهدين قائدهم الراحل على المضي في الطريق الذي رسمه بدمه..

ولقد أثبتت الأيام فيما بعد، أن دماء الشهيد السعيد الشيخ راغب حرب، لم تذهب هدراً، ولكنها تسامت وارتفعت، لتنبت في ربى الجنوب وعلى تلاله، مجاهدين شرفاء ومقاومين أشداء، جاهدوا العدو بسواعدهم الفتية وأرغموه على الفرار والهروب، مسجلين بذلك انتصاراً رائعاً، قلّ نظيره في تاريخنا الإسلامي المعاصر..

 

قراءة في بعض آرائه ومواقفه..

لقد كان الشيخ الشهيد شعلة متوهجة في درب المقاومة الإسلامية واستطاع بجهاده الكبير، أن يملأ حياته بألوان البطولة والكرامة، حتى توّجها بالشهادة، فامتزجت دماء جسده بمداد قلمه..

لقد وصل شيخ الشهداء إلى جوار ربه مخلفاً وراءه ـ فضلاً عن إنجازاته العلمية الكبيرة ـ أقوالاً بليغة، ومواقف مضيئة، تخاطبنا بأعلى الصوت، بمنتهى الصراحة والوضوح، فتهزّ أسماعنا وتستنهض عزائمنا..

 

في السياسة

كان يراها شيخنا الشهيد جهاداً دائماً في خدمة الناس، على المسلم أن يقوم به ليأخذ بيد الأمة إلى شاطىء الأمان، ولكن السياسة عنده، لم تكن كما هي اليوم في عصرنا الراهن حيث يتخذها السماسرة والتجار وسيلة لتحقيق غاياتهم، إنها برأيه، طريق التقوى السياسية، التي يستشعر فيها السائس خوف الخالق، فلا يظلم عباد الله، فيقول:

"السياسة إذا كانت بتقوى الله، تستمر جهداً دائماً في خدمة الناس، أصلها أن السائس هذا يرعى ربه، فلا يظلم عباد الله، لا يظلم رعيته خوفاً من الله، عندما أخرجت السياسة من هذه الدائرة، ما الذي حدث؟!

أصبحت السياسية أسلوب استخدام الناس لرفعة الطواغيت".

 

في مواجهة الاحتلال

هذه المسألة، مسألة التقوى في العمل السياسي، هي التي جعلت الشيخ الشهيد، واضحاً في خطه، صريحاً في منهجه، وهي التي حرضته على التصدي لكل أمر يتعلق بمصير المسلمين، صغيراً كان هذا الأمر أم كبيراً، وهي التي دفعته أيضاً ـ وبعد أن سقط كثيرون ـ ليكون في طليعة الرافضين لواقع الاحتلال، فيقول:

"نحن قلنا باسم الله كلمة سنقف عندها، إنه لن نقبل بهذا الوضع (وضع الإحتلال)، وقد أعلن الإمام الخميني(قده) كلمة المقاومة واضحة صريحة، وحكم الله بيِّن واضح، سنقف عند هذا الأمر، سنستمر به، ماذا سيكلف، مائة ألف، مائتين لا مانع".

 

عن الخائن والعميل

مما لا شك فيه أن الاجتياح الصهيوني للبنان كان حدثاً مذهلاً، شكل عند الكثيرين من الناس صدمة كبيرة، وتساقطت أمام أهواله المرعبة تيجان ورؤوس ومواقع، ومدّ البعض يده لمصافحة الجلاد، وسجد البعض الآخر على أعتابه، وسبح نفر بحمده وقدّس، إنهم العملاء الذين ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا عبيداً، يقدمون خدماتهم الرخيصة للأعداء، في ظل مبررات وأعذار واهية، مما دفعهم ليكونوا يداً للعدو على ذويهم، وكان الشيخ الشهيد يرى ببصره الثاقب أن هؤلاء يمارسون دوراً خطيراً، فراح يحذر الأمة وينبه الشعب من آثارهم ويدعو الناس لاعتزالهم ونبذهم واحتقارهم، فيقول:

"هؤلاء العملاء تبلغ بهم الحقارة حداً أنه لا كرامة لهم، لأنّ الذي يجعل من يده يداً لعدوه على أبيه وأمه، هذا لا كرامة له، ولا شرف، ولا دين، ولا إنسانية، ولا شهامة، هؤلاء ليسوا منّا في شيء".

 

عن اتفاق السابع عشر من آيار

ولقد أراد العدو أن يستغل انهزام الناس وانسحاقهم أمام هجمته الشرسة، فدفع بالنظام اللبناني وزبانيته لإجراء مفاوضات مباشرة من أجل الحصول على ترتيبات توفر للغد ضمانات أمنيّة ومكاسب سياسية، حيث نجح بإنتاج اتفاق السابع عشر من آيار..

ولقد كان يدرك الشيخ الشهيد مدى الأخطار التي ستصيب المسلمين من جراء ذلك، وكان يعي تماماً أن تقديم ضمانات أو ترتيبات أمنية للعدو الغاصب، هو ذلك وعار واستسلام، فوقف قائلاً:

"نحن لن نقدم لأحد ضمانات على حساب كرامتنا وديننا، يجب أن تخرجوا، وكلما بقيتم في أرضنا أكثر، كلما قيّض الله أن نخرجكم مذمومين مدحورين".

 

عن معسكرات الاعتقال

وعندما تجاوز الناس مرحلة الخوف والذعر، والتقطوا أنفاسهم، ونهضوا من رقادهم، رافعين أصواتهم بوجه المحتل، عمد العدو لإسكات صوت الحق الهادر، وخنق الأصوات الحرّة الشريفة، وملاحقة المجاهدين المؤمنين، واعتقال الأعداد الكبيرة من الشبان، يومها وقف شيخ الشهداء يخاطب المحتلين من على منبره، مبيّناً لهم أنّ الاعتقال لن يزيدنا إلا إصراراً على المواجهة، وتصميماً على المعركة:

"يجب أن يفهموا، أنهم إذا أرادوا أن يمارسوا الاعتقال وسيلة لسكوتنا على احتلالهم، فعليهم أن يفتتحوا آلاف الآلاف من المعتقلات، عليهم أن يجهزوا فرق تحقيق مع 750 ألف رجل وطفل وشاب، عليهم أن يجهزوا للتحقيق مع الأجنةّ في بطون نسائنا، لأنها بالتأكيد ستولد، وسيرضع أطفالنا بغض اليهود وكرههم".

 

في ضرورة استمرار المقاومة

ومع مضي الأيام، تتصاعد المواجهة مع العدو، فيجند كل بطشه وتعسفه وإرهابه، ليواجه انطلاقة المقاومة الإسلامية المتأججة، بالاعتقال والتشريد تارة، وبالملاحقة تارة أخرى، محاولاً بذلك إخماد جذوة الجهاد، ولكن المقاومة ـ ومع تزايد ممارسات العدو الإرهابية ـ كانت تتوقد وتستعر، وهي كما يعبر الشيخ الشهيد، مصرّة على المضي في طريق ذات الشوكة، مهما كلف ذلك من ثمن، ومهما بلغ من تضحيات:

"إننا ننتظر الجوع، نحن مرشحون لأن نصبح جياعاً، لذلك علينا أن نقرر موقفنا، ونستمر بالمقاومة لهذا العدو مهما كلّف الثمن، فإن استشهد منا مائة ألف وبقينا أعزاء خير لنا من أن ننصاع لأوامر العدو".

 

عن الأمم المتحدّة ولجنة حقوق الإنسان

وعن الأمم المتحدة وقراراتها، هذه الهيئة التي أنشئت لتكون شاهد زور على جرائم الدول الكبرى، فإن الشيخ الشهيد لم يكن يرى فيها سوى حقارات أنتجها الشياطين الكبار، لتكون ستاراً لاعتداءاتهم، وغطاءً شرعياً لعدوانهم:

"انتهى الزمن الذي نشكو فيه إلى ظالمينا، إلى الأمم المتحدّة، لجنة حقوق الإنسان، هذه حقارات، كلّها حقارات، أين هي لجنة حقوق الإنسان؟! أين العالم الحر المتمدن؟! طائرات جاءت أول الأمر لتنشر السلام، تسمح لنفسها أن تقصف بلدة آمنة مطمئنة".

 

في الثورة الإسلامية

ولقد كانت الثورة الإسلامية في إيران تأخذ حيّزاً كبيراً من فكره، حيث يستشعر فيها الشيخ الشهيد العزّة والكرامة، ويرى فيها فجراً بازغاً، وشمساً ساطعة تشع في دنيا المستضعفين، فيتحدّث عنها بقلب ملؤه الحبور، مؤكداً أن الفجر سيستمر رغم أنوف الذين لا يريدون له ذلك:

"فجر الإمام بزع، وقامت دولة الإمام المهدي، المنافقون، ودول صندوق الدعم الخليجي لا يعجبهم أن تطلع الشمس، ما يسمى بمؤتمر العالم الإسلامي لا يعجبه أن يستمر الفجر، فرنسا غير مستأنسة بالفجر، أمريكا غير مرتاحة، الاتحاد السوفيتي يرى هذا الفجر خطراً، الدنيا كلها لا تريد للفجر أن يستمر، لكنّه بإرادة الله سيستمر".

ثم يستعرض الشيخ الشهيد، رحلة الآلام الطويلة التي عاشها المسلمون في شرق الأرض وفي غربها، يوم كانوا أهون على الناس من خلع رداء، يستذكر ذلك بأسى ومرارة، ولكنه يؤكد أن المعادلات بدأت تتغير بعد أن اتقى المسلمون الله، وبعد أن رأوا نور الثورة الإسلامية، إذ كانوا قبل ذلك مستضعفين، يخافون أن يتخطفهم الناس من كل جانب، ولكنهم وبعد الانتصار، أصبحوا قوّة مخيفة، تلقي الرعب في قلوب أعداء الله:

"فها نحن كأمة، كنا قبل خمس من السنوات، في شرق الأرض أو في غربها، نخاف أن يتخطفنا الناس من كل جانب، كنا على الناس أهون من عفطة عنز، وأهون من خلع رداء، وأهون من رمي حصى، لم يكن في منطقة الأرض مكان يحسب لنا في حساب، أو توزن لنا كرامة، في كل الأرض كنا نتخطف، في أفغانستان، في الفليبين، في العراق، في أندونيسيا، في لبنان، في فلسطين، كان لا يعبأ بنا كبار أهل الطاغوت، ولا صغارهم، فلما أتقينا الله، ما الذي حصل؟! صحيح أنه في كثير من ثغور المسلمين، لا زلنا نُضرب، ولا زالت قوى الاستكبار تحاول كسر إرادتنا، صحيح أن قوى الاستكبار تمنع المسلمين في أفغانستان من أن يكونوا أسياداً، وتمنعهم في العراق من أن يتخلصوا من حكم صدام، وتحاول منعنا هنا من التخلص من الاحتلال، صحيح ذلك، ولكن أليس الصحيح أن المعادلة بدأت تتغير، الآن أصبحت الدنيا كلها تخاف من الجمهورية الإسلامية، ومن قوة الإسلام، أصبح الإسلام مرعباً لأهل الطاغوت، مخيفاً لأعوانهم".

ويبيّن (رضوان الله عليه) للذين تلتبس عليهم الأمور، المخدوعين بوهم الصداقة مع الطواغيت، والذين يحتالون على أنفسهم، فيميزون بين عدو رئيس وآخر ثانوي، يقول لهؤلاء إن الأعداء وإن اختلفت أشكالهم، وتعددت وجوههم، فإنهم في نهاية المطاف جيوش تجتمع لقتال الإسلام:

"نحن كنّا نظن في فترة من الزمن، أن الأعداء يختلفون، هذا عدو، وهذا صديق، إسرائيل عدو، والحمد لله أننا متفقون على ذلك، ولكن أمريكا أو فرنسا أو بريطانيا أو ما شابه ذلك من دول الطاغوت من الشيطان الأكبر، ومن معه من الشياطين الصغار، كنّا نحاول أن نميز بينهم، هؤلاء أعداؤنا وأولئك أصدقاؤنا، أو أشباه الأصدقاء، ولكن ما إن كرت الأيام ومرت حتى تبين أنها جيوش تجتمع لقتال الإسلام".

 

عن الإرهاب في العالم

وعندما أراد العالم المستكبر، بما لديه من إمكانيات إعلامية هائلة تشويه صورة الثورة الإسلامية في العالم، وراح يتهمها تارة بالإرهاب وأخرى بالوحشية والتخريب، ليظهرها أمام العالم بصورة وحش كاسر يهدف إلى زعزعة الإستقرار، وقف الشيخ الشهيد يردّ على إدعاءاتهم الزائفة مبيناً مصدر الإرهاب وهويته قائلاً:

"باسم الإرهاب، يقاتل الإسلام، أمريكا تتحدث عن الإرهاب، من صنع الإرهاب في العالم؟! من هم الإرهابيون؟! الإرهابيون هم الذين يسلبون الثروات الكامنة؟! الإرهابيون هم الذين يقتلون الشعوب الآمنة؟! الإرهابيون هم الذين يريدون أن يفرضوا سيطرتهم على إرادات الشعوب؟! أما أولئك الأبطال، الذين يقاومون الشرك والضلال، هؤلاء ليسوا إرهابيين، هؤلاء في أحد موقعين، إمّا أنهم يردون على عدوان، وإما أنهم يدفعون أذى".

ثم يؤكد الشيخ الشهيد، أن هدف هذه الحملة المسعورة التي يشنها المستكبرون باسم الإرهاب هو ضرب الإسلام، وشل الروح الثورية لدى المسلمين:

"المسلمون الآن هم إرهابيون، في إيران هم إرهابيون، في بعلبك هم إرهابيون، في الجنوب هم إرهابيون، في أي مكان أرهبناكم؟!

هل أرهبناكم في واشنطن؟!

هل نحن قصدنا ثغوركم واعتدينا على أبنائكم؟!

هل أخذنا أحد منكم إلى المعتقلات، ووضعناه في العراء ثمّ قتلناه؟!

لماذا نحن إرهابيون؟!

هل غواصاتنا هي التي تقتحم شواطئكم؟!

لماذا نحن إرهابيون؟!

ببساطة هذه أسماء مختلفة، يراد منها شيئاً واحداً هو أن تشلّ هذه الإرادة التي انبعثت بالإسلام".

 

في وحدة الصف

وأمام اشتداد هجمة الأعداء، وتحالفهم البغيض، وفي ظل الأوضاع المتردية التي كان يعيشها المسلمون من تشتت وانقسام يمزق أوصالهم، كان يرى الشيخ الشهيد أن الوحدة عمل ضروري بالغ الأهمية..

لقد كانت الوحدة أملاً يطمح الشيخ لتجسيده، كيف لا؟! وهو ركن من أركانها، ورائد من روادها، كانت الوحدة عنده هاجساً يراوده باستمرار، فلا يترك فرصة إلا ويسعى إلى تحقيقها..

ولكنها مع أهميتها البالغة عنده، وضرورتها الملحة، فإنها تظل خاضعة لمعايير ومقاييس، أهمها التقوى لأن الوحدة مع غير الأتقاء، مع المستهترين والعابثين، تصبح جمعاً غثّاً سرعان ما يزول:

"نحن أيها الاخوة، نشعر في هذه الفترة، أن وحدة الموقف، ووحدة الكلمة هما أمران ضروريان من أجل دنيانا ومن أجل آخرتنا، ولكننا لابد أن نعي أيضاً، أن الوحدة التي لا تكون أرضها التقوى، وأن الوحدة التي لا يكون جوّها التقوى، هي جمع غثّ، هي غثاء كغثاء السيل".

تلك هي بعض مواقف الشيخ الشهيد، قالها يوم عزّ الكلام، حين لاذ الجميع بالصمت، وبقي هو مع قلّة مؤمنة، يتحدى بالكلمة سيوف الجلالدين، ويواجه بالموقف الرافض بطش المحتلين وعدوانهم..

وما استطان إلا بعد أن خمدت أنفاسه الطاهرة، إلا أن دماءه لم تزل تسري على امتداد أرضنا العاملية، تروي عطش السنين، وتمسح عيون القرى الحالمة..

فسلام عليه يوم وُلد ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً..

أعلام الجهاد