|
|
|
|
|
مولد
ونسبه ـ
ولد الشهيد حجة الإسلام والمسلمين محمد
جواد باهنر عام 1312هـ ش في عائلة فقيرة كانت
تسكن أحد أحياء كرمان القديمة. كان لوالده
حانوت يقوّت منه أفراد عائلته المكوّنة من
زوجته وست أخوات وثلاثة أخوة. دراسته ـ
دخل محمد جواد الكُتّاب وهو في سنّ
الخامسة وتعلّم فيه قراءة القرآن
والكتابة والقراءة. وفي سنّ الحادية عشر
دخل المدرسة المعصومية العلمية في كرمان.
في عام 1332 هـ ش نجح الشهيد الغالي في نيل
شهادة المرحلة العلمية الخامسة في النظام
الدراسي القديم تزامناً مع مواصلة دراسته
في الحوزة في مرحلة السطح ولم يكن قد تجاوز
العشرين من عمره. ـ
في أوائل شهر مهر (الشهر الفارسي السابع)
من عام 1332 هـ ش
توجّه باهنر إلى قم، فسكن في المدرسة
الفيضية، ولم يكن له من مصدر يؤمن له معاشه
سوى الراتب الذي كان يتقاضاه من طرف
مرجعية السيد البروجردي، وقد كان يزيد على
(23) توماناً، أضيف لها بعد حين (50) توماناً
كانت تأتي إليه من مركز الحوزة العلمية في
مدينته كرمان. ـ
درس الكفاية والمكاسب على يد المرحوم
مجاهدي والمرحوم سلطاني وآخرين. ومنذ عام
1333 هـ ش ولمدّة سبع سنوات كان الشهيد باهنر
يحضر درسي الفقه والأصول في مرحلة البحث
الخارج لدى زعيم الثورة الإسلامية الإمام
الخميني (قده). وبالإضافة إلى حضوره دروس
الإمام الخميني كان حجّة الإسلام باهنر
يحضر درس الفقه للمرحوم آية الله
البروجردي (ره)، وفضلاً عن هذا كان الشهيد
الدكتور يحضر لمدّة ست سنوات درس الأسفار
للمرحوم العلاّمة الطباطبائي، كما استفاد
من دروسه في تفسير القرآن الكريم. يقول
الشهيد بهذا الصدد: "أتذكر
جيداً منذ اليوم الأول لشروعه في درس
التفسير، كان من عادته أن يلقي الدرس، ثم
تناقش المطالب من قبل الطلبة، وبعد دفع
الإشكالات كان يقرّر الدرس، حيث ظهرت فيما
بعد على صورة دورة عليا في تفسير القرآن
باسم (الميزان). وقد حضرت عنده منذ بداية
سورة البقرة فما بعد، ولدي تقريرات كثيرة
لدرسه. وعلى كل كانت أيام مثمرة. إلاّ
أن درس الإمام ـ في هذه الفترة ـ كان درساً
.....، لأن سماحته كان يركز على تربية
الطلاب، وكان معروفاً أن الطلبة المجدّين
في الدروس وأهل الفكر والتحقيق والعمل
كانوا يحضرون دروسه". ـ
وإلى جانب دروس الحوزة، شرع الشهيد محمد
جواد باهنر في إكمال دروسه النظامية، ونال
شهادة الدبلوم. ثم شرع بالدراسة في كلّية
الإلهيات، ونظراً إلى أن دروس الكلّية لم
تكن جديدة عليه، لذا كان يسافر إلى طهران
عدّة ساعات فقط في الأسبوع للحضور في دروس
الكلّية.
ونجح سنة 1337 هـ ش بنيل شهادة البكالاريوس
في الإلهيات، وبعد مدّة حصل منها على
شهادة الدكتوراه، كما ونجح أيضاً في
الحصول على شهادة الماجستير في الشؤون
التربوية من كلّية الآداب. ـ
تزامناً مع تبلور آفاق النهضة الحديثة في
المجال العلمي والفكري وانبثاق عصر جديد
على صعيد التأليف والتحقيق والترجمة، ومع
انطلاقة المطبوعات تآزر مع عدد من رفاقه
على إصدار مجلة "مكتب تشيّع" أي "المذهب
الشيعي" منذ عام 1336 هـ ش إلاّ أنّها
للأسف أغلقت بعد صدور سبعة أعداد منها. جهاده
السياسي ـ
قُبض على الشهيد باهنر لأول مرة عام 1337 هـ
ش في مدينة آبادان بعد خطاب حمل فيه بشدة
على الموقف البغيض لنظام الشاه في
الاعتراف بدويلة إسرائيل الغاصبة. ـ
في السابع من محرّم عام 1342 هـ ش اعتقل محمد
جواد باهنر في مدينة همدان إثر إثارة
الناس ضدّ نظام الطاغوت، إلاّ أنّه أطلق
سراحه بعد تحشّد الأهالي واعتراضهم. وظلّ
يواصل مهمته في التبليغ والإرشاد حتّى
الثاني عشر من محرّم، إلاّ أنّه اضطرّ
للعودة خفية إلى طهران بسبب ملاحقة جلاوزة
النظام له. يقول الشهيد في هذا الخصوص: "في
عام 1342هـ ش حيث اشتد فيه الكفاح ووقع حادثة
15 خرداد، كنت ضمن العلماء الذين بعثوا من
قم إلى مختلف المدن لأجل تبديل محرم ذلك
العام إلى محرم نهضة وثورة. وقد كُلّفت
للذهاب إلى همدان. وأتذكر أن الأوامر كانت
في تشديد المحاضرات والجهاد منذ اليوم
السادس من محرم، والسبب هو أنهم قالوا لا
تجعلوا الجلسات تزدحم بالحضور منذ اليوم
الأول، فتعتقلون قبل أن تعملوا شيئاً.
لهذا اشتد الجهاد منذ اليوم السادس،
واعتقلت في اليوم السابع على ما يبدو،
فاحتشد الناس أمام السجن، لهذا أفرجوا عني.
ومضيت في إلقاء المحاضرات إلى اليوم
الثاني عشر من محرم والذي بلغت القضية
أوجها في كل مكان، وأصبحنا ملاحقين بشدة،
فأخفونا الزملاء وأوصلونا إلى طهران".
ـ
في أواخر شهر اسفند (الشهر الفارسي الثاني
عشر) من عام 1342 ألقي القبض عليه مرة أخرى
حينما كان يتحدّث في المسجد الجامع بطهران
بمناسبة مأساة الفيضية، وأودع السجن
لمدّة أربعة أشهر. يقول الشهيد: "في
نهاية شهر اسفند من العام نفسه حيث صادف
الذكرى السنوية لحادثة المدرسة الفيضية..
أقيم ـ بهذه المناسبة ـ مجلس في المسجد
الجامع بسوق طهران، وكنت مسؤولاً عن تنظيم
المحاضرات، فأُلقيت محاضرات في ثلاث
ليالٍ متتالية، وكان اجتماعاً عظيماً من
نوعه في ذلك الزمان. وفي الليلة الثالثة
جاءت مجموعة كبيرة من الشرطة بإمرة العقيد
ظاهري المعدوم لاعتقالي، فاعتقلوني
ونقلوني إلى سجن (قزل قلعة)، وكان هذا أول
اعتقال رسمي لي، وطال أربعة أشهر".
ـ
بعد إطلاق سراحه دخل الشهيد الدكتور باهنر
بواسطة الشهيد آية الله الدكتور بهشتي إلى
وزارة التربية والتعليم، واستطاع بمعية
الشهيد بهشتي ـ ووفق خطّة ذكية ـ من وضع
البرامج وتأليف الكتب الدينية للمراحل
الدراسية. وعلى الرغم من كثرة المصاعب
والمشاكل والعراقيل إلاّ أنّهما واصلا
جهادهما الثقافي المقدّس وبلغا حدّاً وجد
النظام نفسه معه غير قادر على استبدالهما
أو إيكال مهامها إلى شخص آخر. ـ
تعاون الشهيد باهنر مع الجمعيات المؤتلفة
الإسلامية في مجال الدروس التعليمية. وبعد
اعتقال قادة الجمعيات المؤتلفة، وبهدف
تشكيل تنظيم شبه سرّي بغطاء اجتماعي بادر
الشهيد إلى تأسيس مؤسّسة الرفاه والتعاون
الإسلامي عرفت فيما بعد بمؤسّسة (الرفاه)،
هذه المؤسّسة التي أسّست بالتعاون مع
الشهيد رجائي والشهيد بهشتي والشيخ
الرفسنجاني وكانت تقوم في الظاهر بأعمال
الإغاثة وبناء المدارس وإيجاد صناديق قرض
الحسنة إلاّ أنها كانت في الواقع مركزاً
للنضال السياسي والثقافي ضدّ الطاغوت.
يقول الشهيد: "عندما
قدمت إلى طهران، تعرفت على الهيئات
المؤتلفة الإسلامية، وتعلمون أنهم كانوا
في مواجهة شديدة مع النظام... ثم اعتقل بعض
منهم في قضية حسن علي منصور. فعندما قدمنا
إلى طهران، انخرطنا معهم، بتوجيه من السيد
بهشتي، باعتباري معلم في المراكز
والحوزات. وأتذكر أننا كنا نستعين ببحوث
المرحوم الشهيد مطهري وكذا بحوثنا التي
أعددناها للدروس التعليمية في المعاقل
السرية. فكان لنا مثل هذا التعاون مع هؤلاء
الأخوة. وبعد
قضية اغتيال منصور واغتيال بعض قادتهم (الجمعيات
المؤتلفة)، راودتنا فكرة، وهي بما أننا لا
يمكننا الاستمرار في عملنا علناً في
التيار نفسه، ونظراً إلى تشتت الكثير من
المجاهدين والملتزمين ـ حيث لم يكن صحيحاً
ـ، عزمنا على تأسيس تنظيم شبه علني تحت
غطاء اجتماعي، فأسسنا مؤسسة رفاه؛
فالمؤسسة كان هدفها الظاهري أعمال
الإغاثة وتأسيس صناديق القرض الحسن
وتأسيس المدارس، أما في الباطن، كنا قد
جمعنا شمل الأخوة، وبدأنا عملنا السري.
وأتذكر أن أخانا رجائي الذي كانت وظيفته
الإشراف على بعض هذه المراكز، قد عرّفني
هناك، وكان اسمه المستعار (اميدوار)، حيث
كان يشارك في تلك الجلسات بهذا الاسم
ويدرّس فيها، ولم يكن أحد يعرف اسمه
الحقيقي ومن يكون. وقد أسسنا مدرسة (رفاه)
ضمن الأعمال العلنية. طبعاً كان للسيد
بهشتي والشيخ رفسنجاني وزملاء آخرين
تعاون معنا". ـ
منع عام 1350هـ ش من الخطابة، وكان قبل ذلك
يلقي الخطب العلمية والدينية في الجمعية
الإسلامية للمهندسين، والرابطة
الإسلامية للأطباء، ومسجد الجواد ومسجد
الهداية وحسينية الإرشاد. يتذكر الشهيد
باهنر في هذا المجال، فيقول: "قبل
أن يمنعونا من المحاضرة، أي قبل عام 1350،
كنت ألقي المحاضرات في الجمعية الإسلامية
للمهندسين والرابطة الإسلامية للأطباء.
وكان مسجد هدايت ومسجد المرحوم آية الله
طالقاني معقلنا. استمرت محاضرتنا هناك
لمدة ثلاث سنوات خلال شهر رمضان، وكذا
خلال ليالي الجمعة. ومسجد الجواد قد تأسس
اثر تعاوننا، وشاركنا في مقدمات عمله،
وكانوا يستشيرونا في برامجه. وكذا كانت
لنا برامج في حسينية الإرشاد". ـ
من خدماته القيّمة أيضاً تأسيس مركز (توحيد)
التبليغي ـ العلمي، وتأسيس مركز نشر
الثقافة الإسلامية حينما شعر بالحاجة
الملحة للكتب الدينية. واستطاع هذا المركز
من نشر ما بين (200ـ300) كتاب، ومازال مستمراً
في عمله إلى يومنا هذا حيث ينشر سنوياً
ملايين النسخ من الكتب المفيدة. ـ
اعتقل مرّة أخرى عام 1352هـ ش، واستدعي عدّة
مرات بعد إطلاق سراحه. كما اعتقل عام 1357
ثلاث مرات متكرّرة. يقول الشهيد في هذا
الصدد: "في
عام 1352 ـ حيث كنا تحت الرقابة الشديدة على
ما يبدو، وكما تعلمون كانت سنوات إرهاب
وإرعاب، وكان أغلب المجاهدين مراقبين ـ
حدثت قضية عائلية. كانت لنا أخت تعيش معنا
في المنزل، فجاؤوا وقبضوا عليها ـ حيث
كثرة الاعتقالات في تلك الأيام، فكانوا
يعتقلون الفرد ثم يطلقون سراحه بعد أيام
إما في البراري خارج المدينة أو في نقطة
أخرى من المدينة ـ وضغطوا عليها لتكشف عن
ارتباطاتنا، فسألوها عن التنظيمات التي
لي علاقات معها، وعن جلساتنا في المنزل،
وعن فحوى هذه الجلسات. ثم بعد ذلك داهموا
منزلي وقبضوا عليّ، فكنت مسجوناً في سجن
اللجنة الكذائية آنذاك، وكان هذا اعتقالي
الثاني. وقد
استمرت هذه القضية سنة، ويبدو أنها انتهت
بعد ذلك، وإن كنا نخضع للرقابة، وقد
استدعوني مكرراً إلى مراكز الساواك. وبين
الأعوام 1356 و1357 هـ ش اعتقلت ثلاث مرات؛
المرة الأولى في شيراز أثناء الأحكام
العرفية ومنع إلقاء المحاضرات... كانت لديّ
محاضرة في الجامعة، وكانت الطرق مسدودة،
فتنكرت في زي آخر، وبطريقة دخلت الجامعة،
وألقيت محاضرة في جمع كبير من الطلبة
والأساتذة، وأثناء عودتي اعتقلوني في
الطائرة، ونقلت بعد أيام إلى طهران. ثم
اعتقلت مرتين أخريين في الأحداث نفسها،
لكن هذه السنوات لم تدم طويلاً كما تعلمون.
ومرة أخرى كان خلال شهر رمضان، ففي رمضان
العام الأخير عقد اجتماع بحضور (30) شخصية
من العلماء المجاهدين من أجل التخطيط
للتظاهرات والمسيرات وما شابهها، فكشفوا
اجتماعنا، وحاصرونا، ثم قبضوا على بعضنا
في المنزل وعلى بعض آخر خارجه، وقد
اعتقلوني مع آية الله موسوي أردبيلي في
الطريق وأخذونا إلى المعتقل، إلاّ أنه كان
قصيراً". ـ
قبل انتصار الثورة الإسلامية انتدب
الشهيد باهنر من قبل الإمام الخميني
لتشكيل لجنة لتنظيم الإضرابات واجبها
تأجيج الإضرابات المختلفة في شتّى أرجاء
البلاد. مسؤولياته
بعد انتصار الثورة ـ
عيّنه الإمام بعد انتصار الثورة عضواً في
مجلس قيادة الثورة. ـ
كان له دور فاعل في تأسيس الحزب الجمهوري
الإسلامي إلى جانب الشهيد المظلوم آية
الله بهشتي والسيد الأردبيلي والشيخ
الرفسنجاني، وكان لحضوره السياسي وخطه
الفكري الإسهام المهم في إرساء أطروحة خط
الإمام إزاء الخطوط الأخرى التي دخلت في
تقاطع مع خط الثورة في نهجيها الآيديولوجي
والسياسي. وبعد استشهاد الأمين الأول
الدكتور بهشتي انتخبت اللجنة المركزية في
الحزب، محمد جواد باهنر أميناً عاماً
للحزب الجمهوري. ـ
كلّفه الإمام الخميني (ره) بعد انتصار
الثورة مباشرة أن يباشر في إعداد مجموعة
من الأساتذة والمعلمين استعداداً لفتح
المدارس في عصر الثورة، وذلك بعد سلسلة
الاضرابات التي كانت قد شلت النشاط
التعليمي وقادت إلى تعطيل المدارس، فيما
قادت إليه أحداث الثورة من تعطيل بقية
المرافق. يقول الشهيد باهنر، إنه أمسى
قلقاً للمهمة الجديدة التي أناطها به
الإمام، فاتصل على عجل ببعض الأساتذة من
المعلمين والتربويين وشكلوا لجنة عليا،
نهضت بالإعداد لبرنامج أوّلي شمل ما يقارب
الألف من المعلمين والمعلمات الذين
أصبحوا على أهبة الاستعداد في يوم افتتاح
المدارس، وكان للشهيد محمد علي رجائي دور
مميز في التخطيط لهذا البرنامج التربوي
وتنفيذه. ـ
عيّنه مجلس قيادة الثورة مندوباً عنه في
وزارة التربية والتعليم، وفي وزارة
الشهيد رجائي (على عهد بني صدر) احتل موقع
وزير التربية، قبل أن يتحول إلى رئاسة
الوزارة في عهد الشهيد رجائي. صفاته
وخصاله أما
حول صفات وخصال الشهيد الروحية
والمعنوية، يقول زميله الشيخ هاشمي
الرفسنجاني: "لقد
كنت ولثلاثين سنة تقريباً من أقرب أصدقاء
ورفاق وزملاء الدكتور الشهيد في الميادين
المختلفة. ولعلّي كنت شريكاً وأنيساً له
في كافّة مجالات الحياة، وأعتقد بأنّنا لم
نكن نخفي شيئاً عن بعضنا البعض، ولهذا
السبب، فإنّي أعطي الحقّ لنفسي بالقول
بأنّي حقّاً فريد ووحيد في معرفته ونعيه
والأسى عليه. بدأت
آفاق المعرفة والتعاون فيما بيننا منذ
الأيام الأولى لمجيئه إلى مدينة قم
المقدّسة وفي مطلع الثلاثينات من هذا
القرن (الهجري االشمسي)، بدأت علاقتنا مع
ابتداء صفوف الدراسة وحتّى آخر ساعات
حياته في الثامن من شهريور (الشهر الفارسي
السادس) عام 1360 عندما كان يشغل منصب رئيس
وزراء الجمهورية الإسلامية؛ حيث كانت
علاقاتنا تطوي مسيرتها التكاملية بشكل
متواصل من غير أن تطرأ عليها علامات
الفتور إطلاقاً. والله يعلم بأنّ اهتمامي
وتعلّقي به كان ذا منحيً تكاملي طوال تلك
المدّة، ويعود السبب في ذلك إلى أنّ كلّ
حدث أو واقعة جديدة كانت تؤدّي إلى فتح
صفحة جديدة أمامي مفعمةٍ بالطراوة
والجاذبية من صفحات كتاب وجوده الكبير. لقد
كان شهيدنا وبحق جامعاً لصفات الإنسان
المسلم الواعي والملتزم، حيث كان يتّصف بـ:
الإيمان، الإخلاص، النجابة، الأصالة،
العلم، البحث والتحقيق، الكتابة، رسوخ
القدم، الأدب، الفن، الجهاد، الإيثار،
العبادة، الشهامة والرشادة، المثابرة،
الاستقامة، الكتمان، المحبّة، الخلوص،
الصفاء، الوفاء، النشاط، الأمل، الولاية
والعرفان، وسجايا أخرى كثيرة من أصول
وموازين الأخلاق والآداب والعلوم الدينية
والفن والعمل الإنساني والإسلامي مما
كانت تفوح به حياته المباركة. لقد
كنت معه شخصياً جنباً إلى جنب سواء في:
صفوف الدراسة، أثناء المناقشات، في إعداد
النشرات والكتب الشيعية، في الحياة
المشتركة أثناء الدراسة في حجرات الدراسة
الدينية في مدينة قم، وخلال عشرين عاماً
من جهاد علماء الدين، وفي إدارة مدرسة
الرفاه، وفي تأليف الكتب والكراسات
الدراسية والاجتماعية والإسلامية، وفي
إدارة الجلسات الاسبوعية والمنشورات
السرية التي كانت توزّع ليلاً ونشرات "بعثت
وانتقام" السرية، وفي المشاكل العائلية
وفي الحياة الخاصة والسعي من أجل تهيئة
مستلزمات الحياة المعاشية، وفي المظاهرات
التي كانت تقام عندما وصل النضال إلى
ذروته، وفي السفرات السياسية ـ
الاجتماعية والخاصة المتكرّرة، في إحياء
الهيئات المؤتلفة، في إدارة رابطة
العلماء المجاهدين، وفي إدارة الإضرابات،
وتأسيس الحزب الجمهوري الإسلامي، وفي
كتابة وتدوين مبادئ الحزب، وفي مجلس قيادة
الثورة، وفي مجلس الشورى الإسلامي، وصفوة
القول: في جميع المعضلات والمواقف
والتحدّيات التي واجهتنا. وأشهد الله
سبحانه وتعالى بأنّني لم ألحظ عليه أيّ
نقطة ضعف في جميع هذه الميادين أو على
الأقل لا أتذكّر شيئاً من هذا القبيل له
أهمّية تذكر. وقد
بقيت الكثير من صفات وخصال شهيدنا هذا
ونقاط القوّة فيه خافية اليوم عن الناس
وذلك لحيائه وحبّه للعمل والخدمة
واحترازه من الرياء والتظاهر، وقلّة
كلامه، وكثرة عمله، وغيرها من فضائله
الأخرى. استشهاده استشهد
على يد عملاء الاستكبار العالمي مع رفيق
دربه الشهيد رجائي في 8/6/1360هـ ش في انفجار
مكتب رئاسة الجمهورية. يتذكر الشيخ
الرفسنجاني لحظة وقوع الانفجار، فيقول: "لو
وضعتم أنفسكم مكاني لأدركتم شدّة وقع ما
جرى عليَّ في تلك اللحظة التي سمعت فيها
صوت الانفجار في مكتب رئاسة الوزراء، كنت
حينها مشغولاً في مكتبي في مجلس الشورى
الإسلامي واتّضح بأنّ الدكتور باهنر
وشهيدنا الكبير رجائي كانا في المكتب،
وكنت أرى من نافذة غرفتي لهيب النيران
وألسنة الدخان وأسمع أصوات الاستغاثة
وأتوقّع بأنّ هؤلاء الأعزاء يحترقون في
ذلك المكان، فكنت أشعر بأنّ جميع أوصالي
تحترق وتذوب معهم ولم أكن في تلك اللحظة
قادراً على القيام بأيّ عمل لإنقاذهم غير
الدعاء لهم والتحسّر والتألّم عليهم. المصيبة
الأدهى من ذلك، هي تلك اللحظة التي جاءوا
فيها بجنازتي الشهيدين رئيس الوزراء
ورئيس الجمهورية إلى قاعة المجلس وفتحوا
التابوتين وشاهدت جسديهما المحترقين حيث
تعرّفت على جنازة الشهيد باهنر من خلال
سنّ ذهبي في مقدّمة فمه فقط ـ والذي كان
يبدو وكأنّه قد أبرزه من خلال ابتسامة
ساخرة تطفح بالمرارة على المصير الأسود
لأعداء الثورة وأسيادهم الجلادين في آخر
لحظات حياته ـ وتبادر إلى ذهني بأنّ رجائي
وباهنر في تلك اللحظة، وكما حصل لي ولجميع
الحاضرين، قد تجسدت أمامهما صورة تلك
الذكرى المؤلمة لانفجار مكتب الحزب
الجمهوري الإسلامي والذي أودى بحياة
اثنين وسبعين مجاهداً من أنصار الإمام
وخاصة الشهيد المظلوم، وهما وسط ألسنة
النيران وهول الانفجار. ولم يكن قد مضى على
تلك الفاجعة المؤلمة سوى شهرين. والآن
عندما أتذكّر تلك اللحظات القاسية
والمرّة ولكن المفعمة بالعظمة، يتبادر
إلى مخيّلتي وكأنّ العالم بأسره قد جمع في
مطرقة عظيمة وهوت على رأسي، ومع هذا فقد
بقيت حيّاً، وإنّي لأعجب لنفسي كيف تمكّنت
من أن أتمالك نفسي وأعجب أيضاً لعظمة هذه
الأمّة وهذا الإمام وجميل صفحهم عن أولئك
المجرمين الذين لا أرى مأوى لهم سوى جهنّم
جزاء لما كسبت أيديهم". فسلام
عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً |
|||
|
|
|
|
|
|