الإمـام
الخمـيني قدس
سره
والحرب الإسرائيلية العربية
الرابعة
في
حلول خريف عام 1973م شنّت القوات
السورية والمصرية هجوماً مباغتاً
على إسرائيل في كل من مرتفعات
الجولان وصحراء سيناء وخلافاً
لنتائج الحروب الثلاثة السابقة التي
فوجئت بها الدول العربية وتحملت من
جرائها أضرارا فادحة فإن هذه الحرب
حظيت بالنصر المؤزر والكبير على
القوات الإسرائيلية. وسرعان ما لاقت
سورية ومصر تأييداً ودعما عربيا
شاملاً، فبعض الدول العربية أرسلت
بقواتها وجيوشها للمشاركة والبعض
الآخر وبالتحديد الدول المصدرة
للنفط عمدت إلى عدم بيعها نفطها إلى
الدول المساندة لإسرائيل كأمريكا
والدول الصناعية الأوربية .
حظيت
هذه الحرب بالنصر المؤزر وبعثت
البهجة والسرور والفرح في قلوب
المسلمين في كافة أنحاء العالم. وبعد
يومين من بدء المعركة أصدر الإمام
الخميني (قده) بياناً مهماً بهذه
المناسبة وجّهه إلى العالم الإسلامي
وإلى الدول الإسلامية جاء فيه:
"…
على كافة الدول الإسلامية وبالأخص
العربية منها الاعتماد على الله
سبحانه وتعالى والتوكل عليه فهو
الذي يؤيد عباده بنصره، عليها جمع
كافة الطاقات والقوى وتعبئة الشباب
الفدائي والتوجه إلى ساحات القتال
لدعم ومساندة المقاتلين في الصفوف
والخطوط الأولى للجبهات الذين
ينتظرون مطلق العون والمساعدة منكم
من أجل تحرير فلسطين، ومن أجل إعادة
شرفنا وكرامتنا ومجدنا وعظمة
إسلامنا، علينا جميعا توحيد صفوفنا
ورصها وبناءها أقوى وأقوى، وعلينا
نبذ الخلافات والنفاق الذي لا يعود
علينا إلاّ بالذل والهوان والهزيمة.
علينا أن لا نصغي لتهديدات الدول
الكبرى المؤيدة لإسرائيل …
علينا أن نقاوم ونصمد وأن لا نركن
للخمول والإهمال فإننا بهذا قد
نواجه الهزيمة و الخسارة …
على
الدول الإسلامية المصدرة للنفط أن
تجعل كل طاقاتها وإمكاناتها في خدمة
الحرب التحريرية هذه من أجل قطع
أيادي إسرائيل وكافة المستعمرين
وعليهم مقاطعة الدول المساندة
للصهيونية وعدم بيعهم النفط.".
ثم
ينتقل الإمام ببيانه إلى المهمة
الملقاة على عاتق كافة المسلمين و
بالأخص الشعب الإيراني تجاه هذه
المعركة والحرب المؤيدة، ودعا إلى
مساندة كافة الدول الإسلامية وعلى
كافة الأصعدة السياسية والعسكرية
لمعركة التحرير فقال:
"على
كافة المسلمين نظرا للمسؤولية
الملقاة على عاتقهم ونظرا للأخوّة
الدينية والإيمانية عليهم تقديم
كافة المساعدات لإخوانهم المقاتلين
من أجل قمع هذه الطغمة الفاسدة
واجتثاثها من وجه
هذه الأرض، عليهم تقديم كافة
الخدمات المادية والمعنوية وإرسال
السلاح وأكياس الدم والعلاج
والمؤونة وما إلى ذلك…
على إخواني المسلمين في إيران
مساندة إخوانهم المسلمين العرب
وعليهم مشاركتهم في هذه الفضيلة، في
فضيلة الجهاد لقمع الصهيونية ودحرها
عسى أن يكون تحرككم المبارك هذا أداة
لتحطيم حاجز الصمت والسكوت من
الحكومة الإيرانية، وأن تكف عن
موقفها السلبي هذا وتقف مع الدول
الإسلامية جنبا إلى جنب ، وتشاركها
أفراحها وانتصارها. علينا جميعا
وعلى كافة المسلمين والأحرار في
العالم أن يهبوا بوجه الاعتداءات
الإسرائيلية اللاّ إنسانية " .
إن
الإمام الذي كان يعي جيداً موقف
السلطة في إيران تجاه أمريكا
وإسرائيل إنما كان يطلب العون
والمساعدة من الشعب وكافة المسلمين،
ليحرج النظام الإيراني ويضعه في
موقف حرج ومأزق كبير، حيث جعل للشاه
خيارين اثنين إما أن يساند الدول
الإسلامية ويقف إلى جانبها في حربها
ضد إسرائيل وهذا من المستحيل، وإما
أن يلتزم الصمت مما يكون مدعاة لغضب
الدول الإسلامية التي خاطبها الإمام
قائلاً:
"...
على الدول الإسلامية أن تقف بوجه كل
حكومة لا تساندها ولا تدعمها ضد
إسرائيل".
هذا
وقد أنهى الإمام بيانه التاريخي
بإرشاد الدول الإسلامية المقاتلة
وأوصاهم بمتابعة النضال والمقاومة
ورص الصفوف إلى أن يتحقق النصر
المؤزر. وعليهم ألاّ يهتموا بما تقوم
به الدول الكبرى من وساطة لوقف إطلاق
النار، وأن لا يلتزموا بما تصدره
الأمم المتحدة من قرارات السلام. إن
هذه الحرب المقدسة يجب أن تنتهي
لصالح الإسلام والأمة الإسلامية،
وما علينا إلاّ التحلي بالصبر
والمقاومة واتباع خُطى الإسلام
وتعاليمه، وبذلك سوف يكون النصر
النهائي حليفنا لا محالة.
لقد
قام نظام الشاه بتصعيد صادراته
النفطية إلى أمريكا وأوربا التي
شهدت نقصاً بهذا الجانب جرّاء مواقف
الدول العربية بعدم تصديرهم النفط
لهم، واستطاع الشاه أن يسد بعض الشيء
نوعاً ما من حاجاتهم النفطية واستمر
بتصديره إلى إسرائيل كما في السابق
ولم يبال بأي شيء حتى وإنه طيلة فترة
الحرب تلك لم يصدر أي بيان ولم يتفوه
بأية كلمة سلبية تجاه إسرائيل!!.
وبعد
مرور أيام أصدر الإمام بياناً آخر
خاطب به الأمة الإسلامية في إيران
واتهم النظام بالعمالة لإسرائيل
والموافقة على عدائها للدول
الإسلامية جمعاء وكان هذا البيان
انتقاداً شديداً ومفعماً بالتقريع
والطعن لنظام الشاه ووصفه المعتدي
الغاشم الذي ساهم بإعادة أنفاس
إسرائيل من أجل تدمير الدول
الإسلامية الظافرة وطالب الإمام
الشعب بفضح جرائم الشاه وكشف
مؤامراته الدنيئة وقال:
"في
مثل واقعة مهمة كهذه تمس كرامة
المسلمين وعزتهم يعزب النظام
الشاهنشاهي عن المساعدة وتقديم
العون للدول الإسلامية ضد إسرائيل
إن لم يكن قد ساهم في تقوية إسرائيل
ودعمها، إن الدول الإسلامية جمعاء
قامت بمساندة ومعاضدة العرب
المسلمين وقدمت لهم كافة المساعدات
بينما تظاهر النظام الإيراني بالصمت
وقدم المساعدة لإسرائيل سراً".
ثم
تطرق الإمام للتقارب الإسرائيلي
أبّان هذه الحرب فأنذر وحذر من مغبة
عدوان إسرائيلي جديد يستهدف الدول
الإسلامية بأجمعها:
"ذلك
هو الشاه الذي صعّد من صادراته
النفطية إلى أعداء المسلمين
والبشرية جمعاء ليستغلوها في حربهم
ضد المسلمين والعرب الغيارى، إن
النظام بمعاهدته الأخيرة هذه التي
تنص على مضاعفة نسبة الصادرات
النفطية لا يريد شيئاً سوى طعن
المسلمين وشل حريتهم –هي قطع النفط-
ضد أمريكا والغرب... إنني لأخشى أن
يبعث بسلاحه إلى إسرائيل، سلاحه هذا
الذي قدمته له أمريكا مقابل
المليارات من الدولارات التي عادت
على بلادنا بالفقر والحرمان والشلل
الاقتصادي. إنني لقلق من احتمال
إرسال الشاه قواته العسكرية التي
هيّأها وأعدّها من ثروات الشعب
المحروم ومن دمائه إلى إسرائيل
ليقاتلوا ضد إخوانهم الغيارى".
وفي
خاتمة البيان حذر الإمام من خطر هذا
النظام العميل لأمريكا وخاطب الأمة
والشعب الإيراني مذكّراً إيّاه
بالمسؤولية الملقاة على عاتقه وعاتق
الجيش والعلماء والخطباء، قائلاً:
"على
الشعب الإيراني مقارعة النظام وفضح
كافة جرائمه، يجب على جيش إيران وعلى
أصحاب الذوات المخلصين تعزيز
إرادتهم وأنفسهم والسعي لغسل الذل
والعار الذي لحقهم من النظام، يجب
على الجميع إيجاد حل مُوحّد لنجاة
البلاد ومنحها استقلالها المغتصب.
مهمة الشعب الإيراني الآن هي الوقوف
بوجه كافة مصالح أمريكا وإسرائيل في
البلاد بل والتصدي لها وتدميرها
مهما كلف الثمن، ولو بالتضحيات
الفدائية، مهمة علماء الدين وأهل
العلم والخطباء إعلام الناس
وإبلاغهم بخطر إسرائيل علينا.
مهمة
الشعب الإيراني وعلماء الدين اليوم
هي أكبر مما مضى، عليهم أن لا يصمتوا
في هذه الفترة الحساسة، بل عليهم
وبأية وسيلة ممكنة مضايقة الحكومة
والشاه والضغط عليه من أجل أن يقف
إلى جانب المسلمين ضد إسرائيل وإلاّ
فعليهم تعريته، وكشف فضائحه
ومؤامراته كي يعرف العالم حقيقته
الباطنة وسريرته الدنيئة.
على
الشعب الإيراني وعلماء الدين معارضة
نشاطات اليهود في إيران الذين
يقدّمون العون والمساعدة لإسرائيل
بحماية من الشاه الخائن، وعليهم فتح
صندوق تبرعات وجمع إعانات ومُؤن
لمساعدة إخوانهم المقاتلين
المضحّين بأنفسهم وأرواحهم".
إن
هذه الحرب التاريخية خطت بأيامها
الأولى خطوات عظيمة من النصر
والتقدم واستطاعت سورية ومصر تدمير
آلة إسرائيل العسكرية تدميراً تاماً
مما جعل القوى العالمية تنهال عليها
بمساعداتها، وتدعو العرب إلى الحوار
والمساومة. إلاّ أن السادات الخائن
ركن إلى الحوار مع القوى العظمى على
أنها ستستجيب إلى كافة طلباته فوراً
وكانت القوات الإسرائيلية مستمرة
بالانسحاب من الأراضي المحتلة.
بناءً على هذا وقّف السادات تقدم
قواته وترك فوهة قناة السويس
الغربية مفتوحة أمام القوات
الإسرائيلية واستمر بالمفاوضات
والحوارات مع القوى العظمى. نتيجة
لهذا التساهل والانصياع لمؤامرات
الغرب ونظراً لاستمرار مساعدات
أمريكا لإسرائيل وسحب الاتحاد
السوفيتي دعمه لمصر، إضافة لخيانة
بعض الدول كإيران الشاه و.... تقدمت
القوات الإسرائيلية على صحراء سيناء
وحاصرت القوات المصرية وألحقت بها
أضراراً فادحة.
من
كتاب الحياة السياسية للإمام
الخميني قدس سره
تأليف
: محمد حسن رجبي
|