من
حديث لولي أمر المسلمين وقائد الأمه الإسلامية سماحة آية الله العظمى السيد علي
الخامنئي «مد ظلّه» في جمع من مسؤولي واساتذة وطلبة جامعة اعداد المعلمين في طهران
وذلك بتاريخ 11 جمادى الاولى 1419 هـ.ق.
أكثر
ما كنت أرغب فيه أن أكون اليوم بينكم، ولم أكن عازماً على القاء موضوع ما على
أسماعكم بالضرورة. كنت أرى أن بإمكاني قضاء ساعة بينكم نمضيها في سماع اسئلتكم
والاجابة عليها، وهو أمر يبعث في نفسي الارتياح.
ولكن
بدا أن أعرض على أسماعكم موضوعاً فيه فائدة تتناسب مع الوضع الحالي في البلد،
ودّونت لهذا الغرض مجموعة ملاحظات القيها في ما يلي على حضراتكم
إجمالاً.
يحظى
موضوع الحرية اليوم باهتمام من الصحافة وأصحاب النظر، وهذه ظاهرة مباركة طبعاً، إذ
إننا كنا نترقب منذ أمد بعيد أن تخضع المباحث الأساسية للثورة للنقاش وتبادل الآراء
والأفكار، كما إن هذه الظاهرة تناولت أيضاً بالبحث والنقاش جوانب مختلفة
أخرى.
المسألة
المطروحة على بساط البحث اليوم هي مسألة الحرية.
إنني
أطالع قليلاً أو كثيراً ما يكتب وما يُقال، واستفيد منه أحياناً، ولاحظت أن الآراء
متضاربة والجميع لا يكتبون في اتجاه واحد، بل يطرحون آراء متعارضة تجد بعضها يحمل
شيئاً من الصحة والصواب لدى كلا الطرفين.
ويا
حبذّا لو يتواصل هذا الحوار، ويا حبذّا لو يتحفّز أصحاب النظر لاثارة مثل هذه
المباحث الأصولية في الصحافة؛ من أجل اغنائها واخراجها من حالة السطحية وتحويلها
إلى صحافة ذات مضامين توجيهية. تثير مكامن التفكير والتأمّل لدى أبناء الشعب. ونحن
كثيراً ما نؤكد على وجوب تعميق ثقافة الثورة. وأمثال هذه البحوث من مستلزمات تعميق
هذه الثقافة.
ثمّة
قضيتان مطروحتان بشأن مفهوم الحرية، إحداهما وجوب انتهاج مبدأ الاستقلالية، وهو
شعار آخر مطروح لدينا، أي أن نفكر على نحو مستقل دون تقليد ولا تبعية. أما إذا سرنا
على منهج التقليد وفتحنا مجالنا لتلقي الأفكار الغربية فحسب، في هذه القضية التي
تشكل قاعدة للكثير من اهتماماتنا ومجالات تطوّرنا، فنكون قد ارتكبنا خطأً فاحشاً
ينعكس علينا بنتائج مريرة.
الحرية في القرآن والسنّة
أُشير
ابتداءً أن قضية الحرية واحدة من المفاهيم التي أكد عليها القرآن الكريم وأحاديث
الأئمة عليهم السَّلام مراراً. ومن الطبيعي إن الحرية التي نتحدث عنها هنا لا تعني
الحريّة المطلقة، التي لا أعتقد أن أحداً في العالم يؤيّدها أو يدعو
إليها.
كما
إننا لا نقصد بها أيضاً الحرية المعنوية المعروفة خاصة في المراتب العليا من
المعارف الإسلامية، وهي نمط من الحرية تسالم عليها كل أهل المعنى ولا نقاش بينهم
حولها، على اعتبار أنها لا تدخل في صلب بحثنا هذا، وإنما المراد من الحرية التي
نتحدث عنها ها هنا هي الحرية الاجتماعية.
حريّة
التفكير والقول والاختيار وما إلى ذلك حق إنساني ورد تكريمها في الكتاب والسُنّة.
تقول الآية الشريفة 157 من سورة الأعراف: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ
الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ
فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ
عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ
الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ
عَلَيْهِمْ).
لقد فرض الله من جملة ما فرض على أنبيائه أن يزيلوا القيود والأغلال عن الناس، أي
يرفع عنهم الالتزامات المفروضة عليهم مما لم ينزل الله به من سلطان. وهذا مفهوم
عميق وواسع.
فلو
أخذنا بنظر الاعتبار الأوضاع التي كانت تعيشها المجتمعات الدينية وغير الدينية
آنذاك، لوجدنا أنها كانت تنوء تحت وطأة الكثير من الآراء المتزّمتة، كالمعتقدات
البالية والخرافات والقيود الاجتماعية المغلوطة التي فرضتها أيدي الاستبداد أو
التحريف على بني الإنسان، فكانت بمثابة الأغلال المضروبة
عليهم.
عقد
جورج جرداق، مؤلف الكتاب المعروف الإمام علي صوت العدالة الإنسانية، مقارنة بين
جملتين احداهما للإمام علي عليه السَّلام والأخرى للخليفة الثاني عمر بن الخطاب،
قالها بعدما استقدم بعض ولاته في أعقاب ما رفع إليه عنهم من ظلم واستعباد للناس،
فقال لهم بعد أن وقفوا بين يديه جملته المشهورة: «استبعدتم الناس وقد خلقهم الله
أحراراً». والأخرى قالها أمير المؤمنين عليه السَّلام ووردت في نهج البلاغة وهي:
«لا تكن عبد غيرك وقد خلقك الله حرّاً»، واستخلص جورج جرداق بعد المقارنة بين
القولين أن قول أمير المؤمنين عليه السَّلام أفضل من قول عمر بمرات متعددة. وذلك
لأن عمر يخاطب في كلامه هذا أشخاصاً لا ضمانة لتسلطهم على الحريّات؛ باعتبار أنهم
هم الذين يصفهم بقوله «استعبدتم الناس» وعليكم أن تمنحوهم حريّتهم، وهذا نمط من
أنماط المطالبة بالحرية.
أما
النمط الآخر منها فهو خطاب أمير المؤمنين للناس أنفسهم، وهو ما ينطوي تلقائياً على
الضمانة التنفيذية لهذا الحق: «لا تكن عبد غيرك وقد خلقك الله
حراً».
في
كل واحد من هذين القولين ميزة للحرية إضافة إلى ما يتسم به كلام أمير المؤمنين من
خاصية الضمانة التنفيذية، وهي السمة الفطرية للحرية: «وقد خلقك الله حراً» وهي ما
سأشير إليها لاحقاً عند المقارنة بين التصورين الإسلامي والغربي
للحرية.
إذن
فالحرية الاجتماعية بمعناها المتعارف في الثقافة السياسية العالمية، ذات جذر قرآني،
ولا ضرورة للعودة إلى ليبرالية القرن الثامن عشر في أوربا لاستطلاع ما قاله كانت
وجان استوارت ميل وغيرهم، فنحن لنا رأينا ولنا منطقنا. أضف هذا إلى أن هذه الأقوال
لا تقدم لنا أي حل لأسباب عديدة، وهذا ما يدعونا إلى القول بأنّ مقولة الحرية مقولة
إسلامية. ويبدو لي أن ثمة فريقين تتظافر جهودهما ضد النظر إلى الحرية باعتبارها
مقولة إسلامية ونابعة من هذه الأرض: الفريق الأول هم أولئك الذين يستشهدون على
الدوام في كلماتهم عن الحرية بأقوال الفلاسفة الغربيين الذين ظهروا خلال القرون
الثلاثة الأخيرة، مع ملاحظة أن الشرفاء منهم يذكرون أسماء أولئك الفلاسفة، أما
الآخرون المتفلسفون الذين ينشرون آراءهم على صفحات الجرائد، فينسبون أقوال جان
استوارت ميل أو بعض الفلاسفة الفرنسيين أو الألمان أو الاميركيين إلى أنفسهم دون
الاشارة إلى أسماء أولئك، وهم يمارسون عملية تزييف على هذا النحو. إلا إن ذلك لا
يمنعهم من إلقاء هذه الفكرة وهي إن فكرة الحرية ومفهوم الحرية الاجتماعية وفدا
علينا من الغرب.
أما
الفئة الأُخرى التي تقدم لهم أسباب العون جهلاً، فهي تلك المجموعة التي ما إن تسمع
بمفهوم الحرية حتى يعتريها الرعب وتأخذ باطلاق صيحات الخوف من ذهاب
الدين.
إلا
إنهم واهمون في موقفهم هذا؛ وذلك لأن الدين أكبر منادٍ للحرية الصحيحة، والحرية
المعقولة أكبر هدية يقدمها الدين للمجتمع، فبفضل وجود الحرية تتنامى الأفكار وتزدهر
الطاقات. أما الاستبداد ففيه كبت للطاقات، وحيثما وجد الاستبداد ينعدم ازدهار
الطاقات التي يدعو الإسلام إلى رعايتها. والطاقات البشرية يجب استخراجها كما تستخرج
الثروات الطبيعية، من أجل أن يتسنى لها إعمار الدنيا، فهل يتحقق هذا بدون وجود
الحرية؟ وهل يتحقق هذا بالأمر والنهي وحدهما؟
يتضح
لنا إذن سقم الفكرة التي تذهب إليها
هذه الفئة. والحقيقة هي إن هاتين الفئتين: المتغربين والمحتاطين ـ هكذا نسمّيهم ـ
يتعاضدان فيما بينهما دون شعور منهما على اخراج مفهوم الحرية من البيئة الإسلامية،
وهذا ما يتعارض طبعاً مع حقيقة أن مفهوم الحرية مفهوم
إسلامي.
إن
الإسلام أعطى للحرية الاجتماعية زخماً أكبر مما أعطته إيّاها المذاهب الغربية على
ما فيها من تفسيرات ليبرالية متعددة، أي منذ ما أعقب عصر النهضة وانتشار الفكر
الليبرالي في فرنسا وفي أوربا ومن بعدهما في كل أرجاء العالم، وانتهى بقيام الثورة
الفرنسية، ثم استغل فيما بعد على نحو مشوّه في حروب استقلال أميركا، وإلى حين صدور
المنشور الاميركي، إلى آخر ذلك من المواضيع المطوّلة التي يستلزم الحديث عنها فرصة
أوسع، طُرحت منذ ذلك الوقت وحتّى العصر الحاضر عشرات التفسيرات لمفهوم الليبرالية،
وبخاصة في الآونة الأخيرة حيث ما برح المنظرون الاميركيون ومن يدور في فلك أميركا
ينشئون المقالات في هذا المضمار.
أود
أن أبيّن لكم أن الكثير من هؤلاء المفكّرين، وحتى غير الاميركيين منهم، يكتبون في
هذا المجال، وبخاصة فيما يتعلق بالليبرالية، بناء على توصيات من الأجهزة الاميركية،
وربّما تؤلَّف كتبهم في النمسا أو في ألمانيا أو في فرنسا، إلا إنها تطبع في
نيويورك، بتوصيات أميركية؛ لأن منطلقاتها تصب في سياق الأهداف
الاميركية.
وهذا
الموضوع بحد ذاته موضوع ذو شجون. وخلاصة الكلام هي إن الرؤية الإسلامية، بالرغم من
تنوّع هذه التفسيرات، تبقى رؤية راقية.
يواجه
الغربيون مشكلة عند محاولاتهم اعطاء الحرية طابعاً فلسفياً، ويؤكدون على ضرورة وجود
أدلّة وجذور فلسفية لحرية الإنسان. وقد طرحوا في هذا المجال آراء وكلمات شتّى،
وذهبوا في تبريرهم لضرورة وجود الحرية مذاهب شتّى. من قبيل المنفعة، والخير
الجماعي، واللذة الجماعية، واللذة الانفرادية، وأنها في أكثر الاحتمالات حق من
الحقوق المدنية. إلا إن هذه التبريرات كلّها واهية، وحتى هم أنفسهم طعنوا
فيها.
إذا
أمعنّا النظر فيما كتب عن الليبرالية في السنوات الأخيرة، نلاحظ ان الكثير منه كان
مضيعة للوقت ولا طائل من ورائه، وأشبه ما يكون بمساجلات القرون الوسطى حول مفهوم
الحرية، كأن يطرح أحدهم رأياً فيرد آخر عليه، فينبري الأول للرد على الثاني. وهذه
في الحقيقة ملهاة لا بأس بها لمثقفي العالم الثالث ليكون أحدهم نصيراً لنظرية ويكون
الآخر نصيراً لنظرية أُخرى، ويقتنع أحدهم باستدلال ما، ويكتب شخص آخر تعليقاً على
هذا الاستدلال، وينسب شخص آخر نظرية غيره لنفسه. وأكثر ما قالوا في هذا الباب هو إن
مصدر الحريّة والحكمة من وجودها حق إنساني. في حين ذهب الإسلام إلى ما هو أسمى من
هذا حين اعتبرها ـ كما ورد في الحديث الشريف ـ أمراً فطرياً ملازماً لطبيعة
الإنسان. صحيح إنّها حق، ولكن حق يفوق سائر الحقوق من قبيل حق الحياة. مثلما أن حق
الحياة لا يمكن وضعه في مصاف حق السكن وحق الاختيار وما إلى ذلك، فكذا الحال فيما
يخص حق الحرية الذي يعتبر أرفع واسمى من هذه الحقوق، بل هو الأرضية والقاعدة لها
جميعاً. هذا هو رأى الإسلام في الحريّة.
لا
شكّ في أن هنالك استثناءات؛ فهذا الحق يمكن سلبه في بعض الأحوال كحق الحياة، فإذا
ما قتل شخصاً يُقتص منه، وإذا ما أفسد يُقتص منه. وهذا المعنى ينطبق أيضاً على حق
الحريّة، غير أن مثل هذه الحالات تعكس وضعاً استثنائياً.
يتضح
من هذا خطأ الفكرة التي تصور أن الحرية الاجتماعية فكرة وفدت علينا من الغرب،
وكلّما شاء أحدنا الاتيان بكلام جذاب ومثير لابدّ له من احالة المقابل لقراءة كتاب
كذا للمؤلف الغربي فلان. هذا أمر مرفوض، ويجب علينا التفكير بالاستقلالية والرجوع
إلى مصادرنا الإسلامية. على الإنسان أن يستفيد من افكار الآخرين لإنارة عقله
والعثور على النقاط المضيئة، لا أن يتعامل معها من باب التقليد؛ لأن التقليد تترتب
عليه أضرار لا تحمد عقباها.
الفوارق الأساسية للحرية
في المنطق الإسلامي وفي المنطق
الغربي
كان
من جمله ما استخلصته من هذا السجال الفكري والصحفي ـ وهو كما سبقت الاشارة ظاهرة
مباركة ـ هو أن الكثيرين لا يلتفتون إلى حقيقة هامّة، تتلخص في وجود ثلاثة فوارق
أساسية بين الحرية في المنطق الإسلامي وبين الحرية في المنطق الغربي. وكما أشرت فإن
الليبرالية تتألف من خليط من نظريات وآراء وتوجهات شتّى، ولعل بعضها يختلف عن البعض
الآخر في بعض المجالات إلى حد بعيد.
الليبرالية
في المنظور الغربي معناها حرية الإنسان دون النظر إلى حقيقة الدين والخالق، ولذلك
فهم لا يعتبرونها هبة إلهية للإنسان، وإنما يبحثون عن جذور فلسفية لها، وقد طرحوا
بشأنها تفسيرات شتّى.
أما
في الإسلام فالحرية ذات جذر إلهي، وهذا بحد ذاته فارق أساسي تتفرع عنه فوارق عديدة.
ويذهب المنطق الإسلامي إلى اعتبار أي تحرك مناهض للحرية بمثابة تحرك مضاد لظاهرة
إلهية؛ بمعنى أنه يُلقي على المقابل فريضة دينية للتصدي لأي محاولة لسلب الحريات.
ومثل هذا التصور لا وجود له في الغرب، أي إن الكفاح الذي يخوضه الناس في سبيل
الحريّة ليس له أي تبرير منطقي في وجهة نظر الليبرالية الغربية؛ لأن من جملة ما
يقال في هذا الصدد هو إن في الحرية خيراً عاماً ومنفعة للأكثرية، أي إن هذا هو
منطلق الحرية الاجتماعية. إلا إن التساؤل الذي يثار هنا هو لماذا أُقتل وأُعذَّب في
سبيل مصلحة الأكثرية؟ هذا أمر بعيد عن المنطق.
لا
شكّ في أن حالة التفاعل والحماس الآنيين تدفع بالكثيرين نحو ميادين الحرب والقتال،
ولكن ما إن يخرج أحد المقاتلين تحت لواء مثل هذه الأفكار من ساحة القتال، حتى
تعتريه الهواجس والشكوك في الاسباب التي من أجلها يضحّي
بحياته.
في
الفكر الإسلامي لا تسير القاعدة على هذا المنوال، وإنما يُنظر إلى الكفاح من أجل
الحرية كتكليف ديني، لأنه يجري في سبيل أمر إلهي.
وكما
إننا مكلفون باغاثة من يتعرض لخطر القتل مثلاً، وإن لم نفعل نقارف ذنباً، فهكذا
الحال أيضاً في مجال الحرية التي يعتبر الدفاع عنها تكليفاً.
ويترتّب
على هذا الفارق الأساسي فوارق أخرى فرعية: منها على سبيل المثال ان أنصار
الليبرالية يؤمنون بالحرية المطلقة انطلاقاً من اعتقادها بنسبية الحقيقة ونسبية
الأخلاق، ويبررون ذلك بالقول إنك لا ينبغي لك مؤاخذة من ينتهك ما تدين به من
معتقدات؛ وذلك لأنّه ربّما لا يعتقد مثل ما تعتقد به. ويترتب على هذه القاعدة طبعاً
عدم وجود أي حد للحرية لا معنوياً ولا أخلاقياً. وهذا التصور نابع من عدم إيمانهم
بوجود حقيقة ثابتة، ومن أن القيم الإنسانية أمور نسبية.
أما
الإسلام فلا يذهب إلى هذا الرأي، وإنما يؤمن بوجود قيم ثابتة ومسلّم بها، وبوجود
حقيقة الكمال والقيم التي يسير الإنسان نحوها. والحرية إنما تكون محدودة في اطار
هذه القيم. أما كيفية فهم هذه القيم وتحديد معالمها فهو موضوع آخر لعل البعض يسلك
المنهج الصحيح في فهمه، وقد يسلك البعض الآخر مسلكاً خاطئاً في استيعاب مضامينه.
وعلى كل حال فالحرية محددة في اطار الحقيقة وفي اطار القيم. وحتى هذه الحرية
الاجتماعية التي يكرّمها الإسلام إلى هذا الحد، إذا استغلت في طمس المعطيات المادية
أو المعنوية لشعب ما تصبح حينئذاك مضرّة، مثلها تماماً كمثل حياة الإنسان:
(من قتل نفساً بغير
نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل الناس
جميعاً)(1).
هذا
المنطق القرآني الذي يصور قتل الإنسان وكأنه قتل لجميع الناس، منطق يلفت الانتباه؛
لأنه يعتبر هذا العمل انتهاكاً لكرامة الإنسانية، غير أنه يستثني من ذلك
(بغير نفس أو فساد في
الارض). إذن فالحقائق والقيم الثابتة المسلّم بها هي التي تحدد اطار
هذه الحرية، مثلما تحدد أيضاً حق الحياة.
الفارق
الآخر في النظرة إلى الحرية هو إن الغرب ينظر إليها في اطار المصالح المادية. حتى
الحريات الفردية والاجتماعية تتحدد في ضوء هذه الرؤية، فعندما يكون هناك مساس
بالمصالح المادية تضيق رقعة الحرية. حتى إن المصالح المادية تشمل هنا الهيمنة
العلمية لتلك البلدان، فمن المعروف أن حق التعليم والتربية من جملة الحقوق والحريات
المسلم بها لكل إنسان. إلا إن رقعة هذه الحرية تضيق في الجامعات الكبرى للدول
الغربية، إذ لا يجوّزون انتقال العلوم والتقنية المتطورة إلى بعض البلدان؛ مخافة أن
تخرج التقنية من احتكار هذه الدول، مما يفقدها تسلطها وهيمنتها في هذه الحقول. هنا
تكون للحرية حدود فلا يحق للاستاذ تعليم طلاب بلد من عالم الشرق، كالطلبة
الإيرانيين أو الصينيين على سبيل المثال أسرار علم كذا.
وهكذا
الحال أيضاً في مجال انتقال المعلومات والأخبار. هنالك اليوم ضجّة في العالم تنادي
بحرية تداول الأخبار والمعلومات ليطلع الناس عليها، وهذا من مصاديق اشاعة الحرية في
الغرب. إلا إن اميركا حينما شنّت هجومها على العراق ـ على عهد رئاسة بوش ـ فرضت
رقابة صارمة على المعلومات مدة اسبوع أو أكثر، وأُعلن رسمياً أنة لا يحق لأي صحفي
نقل أو نشر أية صورة أو خبر عن الهجوم الاميركي على العراق. كان الجميع على معرفة
بوقوع الهجوم استناداً إلى الخبر الذي أذاعه الاميركيون أنفسهم، إلا إنهم لم يسمحوا
لأحد بالاطلاع على التفاصيل بذريعة ما ينطوي عليها من خطر على الأمن العسكري. إذن
فالأمن العسكري يقيّد حق الحريّة، وهذا القيد هو قيد مادي
طبعاً.
هذا
فضلاً عن أن توطيد ركائز تلك الحكومات يمثل قيداً آخر على الحريات. ولابدّ أنكم
سمعتم ما حصل في اميركا قبل حوالي خمس سنوات ـ وهو ما نشرته الصحف تلك الايام، وقد
أتيح لي الاطلاع على معلومات أكثر عن تلك الحادثة ـ حينما ظهرت جماعة تحمل توجهات
دينية خاصة ضد الحكومة الاميركية في عهد الرئيس الحالي كلينتون، فحاولت السلطات
الاميركية القضاء عليهم عبر الأساليب الأمنية، ولكن دون جدوى فلجأت إلى محاصرة
الدار التي اجتمعوا فيها وأضرمت النار فيها، فالتهمت النيران أجسادهم وكان عددهم
حوالي ثمانين شخصاً بينهم نساء واطفال. ولعله لم يكن بينهم عسكري واحد. وقد نشرت
صور الحادثة يومها وشاهدها العالم بأسره.
تلاحظون
إذن أن حرية الحياة، وحرية المعتقد، وحريّة الكفاح السياسي مقيّدة بهذه الحدود.
ويستخلص من هذا إن الحرية في العالم المادي الغربي لها حدودها وقيودها أيضاً. غاية
ما في الأمر إنها قيود مادية.
أما
القيم الأخلاقية فلا تشكل هناك أي حاجز أمام الحرية، فهناك ـ على سبيل المثال ـ في
اميركا حركة الشذوذ الجنسي وهي من الحركات الناشطة التي تتباهى بسعة نشاطها وتنظم
التظاهرات في الشوارع، وتنشر ما تشاء من الصور في المجلات، وتشير بكل فخر إلى أسماء
التجار والساسة الذين ينتمون إليها، من غير أن ينكر أحد منهم مثل هذا الانتماء أو
يشعر بالخجل منه. والادهي من ذلك هو إن بعض من يعلنون معارضتهم لهذه الحركة يواجهون
هجمة شرسة من بعض الصحف والمجلات. وخلاصة القول هي إن القيم الأخلاقية لا توجب
لديهم فرض أي قيود على الحرية.
من
الأمثلة الأخرى الشائعة في الدول الأوروبية هي أن حرية البيان تتقيّد بعدم الدعاية
لصالح الفاشية، ومن الواضح إن الدافع الكامن وراء ذلك دافع مادّي ومنفعة حكومية. في
حين أن حركة العري ـ وهي حركة أخرى أيضاً ـ لا تفرض عليها مثل هذه القيود. وهذا
يعني إن حدود الحرية وفقاً للنظرة الغربية وفي ظل جذورها ودوافعها الفلسفية، تتقيد
بالحدود المادية لا الأخلاقية. غير أن الإسلام يقر قيوداً أخلاقية لها، أي إنّه
يعتقد بحدود معنوية للحرية فضلاً عن تلك الحدود المادية. ولا شك طبعاً في وجوب
تقييد حرية كل من يقدم على عمل فيه اضرار بمصلحة البلد. وهذا أمر منطقي. إلا إن
القيود المعنوية موجودة أيضاً.
إذا
كان الإنسان يؤمن بعقيدة ضالّة فلا مؤاخذة عليه، وحينما نقول لا مؤاخذة عليه فذلك
يعني أنه مؤاخذ أمام الله وأما المؤمنين، إلا إن الحكومة غير مكلفة باتخاذ أي اجراء
ضدّه. كان اليهود والنصارى واتباع بقية الأديان موجودين في المجتمع الإسلامي في زمن
صدر الإسلام، وفي بلدنا في الوقت الحاضر، ولا مانع من ذلك. أما إذا حاول صاحب
العقيدة الفاسدة اضلال الناس البسطاء فلابدّ من وضع قيود أمام حريته. وهذا المثال
ينطبق أيضاً على من يبتغي اشاعة الفساد السياسي أو الفكري أو الجنسي، وعلي أدعياء
الفلسفة ممن يدأبون على إنشاء مقالات تقدح على سبيل المثال بالدراسات العليا للشباب
وتحصي ما فيها من المعايب والنواقص. من الطبيعي إن مثل هذه المقالات عديمة التأثير
بنسبة تعسين في المئة، لكنها من المحتمل أن تؤثر على بعض الشباب الكسلى بنسبة عشرة
في المئة. ولا يجوز في مثل هذه الحالة السماح لمن يتّبع أساليب الخداع والأكاذيب
لصرف الشباب عن مواصلة الدراسة.
الحرية
لا تعني الأكاذيب ولا بث الاشاعات والأراجيف.
إن
مما يحز في النفس هو عدم الرجوع إلى الدراسات والمبادئ الإسلامية فيما يخص قضايا
الحرية. ورد في الاية 60 من سورة الأحزاب: (لئن لم ينته
المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينّك بهم).
المنافقون والذين في قلوبهم مرض فئتان، وإلى جانبهما فئة المرجفين الذين يثيرون
الرعب والخوف على الدوام في أوساط المجتمع الإسلامي الوليد، الذي يجب أن يكون
أفراده في حالة استعداد روحي دائم للدفاع عنه، إلا إن فئة كانت تقع في النفوس كوقع
الآكلة، وتثبط العزائم والهمم، وهؤلاء هم المرجفون الذين يحذرهم القرآن أنهم إذا لم
يكفوا عن عملهم فإنه يغري بهم النبي صلّى الله عليه وآله وسلم ويؤلّبه عليهم، وهذا
حد للحرية. إذن الفارق الآخر الذي تتسم به الحرية في المنطق الإسلامي هو أن لها
قيوداً من القيم المعنوية.
وهناك
فارق آخر أيضاً هو ان الحرية في منطق الفكر الليبرالي الغربي تتنافى مع التكليف،
على اعتبار أن الحرية تعني التحرر من التكليف أيضاً، في حين يذهب الإسلام إلى أن
الحرية هي الوجه الآخر للتكليف، والناس أحرار لأنهم مكلّفون. وإذا لم يكن هناك
تكليف فلا ضرورة للحرية، ويكون الناس على طبائع الملائكة. وكما قال الشاعر مولوي ما
معناه أنه جاء في الحديث إن الخلاق المجيد خلق العالم على ثلاثة أنماط، وأحد هذه
الأنماط هم الملائكة الذين كلّهم عقل وعلم ولا يعرفون غير السجود
لله.
بينما
يتصف البشر بأنه مركّب من جملة غرائز ودوافع متناقضة يسير من بينها على طريق
الكمال، وقد منح الحرية من اجل طي طريق الكمال هذا.
وهذه
الحرية على مالها من قيمة إنما منُحت له من أجل تكامله، مثلما أن حياته نفسها وهبت
له في سبيل السير نحو الكمال: (ما خلقت الجن والانس إلا
ليعبدون)(2)، فهو تعالى خلق الجن والانس من أجل أن يبلغوا
مرتبة العبودية، وهي مرتبة عالية جداً. والحرية أيضاً كحق الحياة، تمثل مقدّمة
للعبودية.
بلغوا
في الغرب في رفضهم للتكليف مرحلة رفضوا معها كل تفكير ديني وغير ديني، وكل عقيدة
فيها تكليف، وحلال وحرام، ويجب أو لا يجب. ويلاحظ حالياً في مؤلفات الكتّاب
الليبراليين الاميركيين ومن يحذون حذوهم. ومن يتخذونهم بمثابة أنبياء لهم مع أنهم
ينتمون إلى أُمم في بلدان أخرى، ويشكل بعض الأفراد في بلداننا ـ ويا للأسف ـ فئة
منهم، أنهم يذهبون إلى أن الفكر الغربي الحر يتعارض مع مبدأ (يجب أو لا يجب) ومع كل
مبدأ عقائدي، في حين يقف الإسلام على طرف نقيض لذلك، ويعتبر الحرية مواكبة للتكليف
لكي يستطيع بواسطة هذه الحرية اداء تكليفه على نحو صحيح، وينجز أعمالاً كبرى،
ويستطيع بلوغ التكامل.
الحريات الصحفية
أتقدّم
في ضوء ما سبق ذكره بأول توصية إلى من يكتبون ويبحثون في هذا المضمار، وهي وجوب
السير على منهج استقلالي في استيعاب مفهوم الحريّة، واؤكد في الوصية الثانية على
عدم استغلال الحرية، حيث يكرر البعض مراراً في حديثهم ذكر الحريات الصحفية الممنوحة
حديثاً.
وأعتقد
أن هذا الكلام مجاف للحقيقة، ومصدره الاذاعات الأجنبية.
ويلاحظ
حالياً أن الصحف والمجلات تورد اثارات لم يكن البعض يثيرها فيما مضى، بينما كان
البعض الآخر يثيرها في السنوات الماضية، حيث كثيراً ما كنا نشاهد الصحف تكتب ضد
رئيس الجمهورية آنذاك وضد المسؤولين على اختلاف مستوياتهم، وضد بعض المباحث الأصيلة
للثورة، ولم يتعرض لها أحد.
سبق
لي أن طرحت قبل حوالي سبع سنوات موضوع الغزو الثقافي الذي تحول فيما بعد إلى موضوع
مثير احتدم حوله النقاش. ولعل البعض منكم يتذكر أن ندوة عقدت في تلفزيون الجمهورية
الإسلامية حول هذا الموضوع شارك فيها أربعة أشخاص، كان أحدهم يؤيد وجهة نظري بينما
رفضها الباقون رفضاً قاطعاً واعتبروها مجرد أوهام باطلة. وتلاحظون من هذا أن أحداً
لا يتعرض لأي شخص كان.
كان
عدد من ذوي الماضي الأسود والأيدي الملطّخة بالجرائم يخشون النزول إلى الساحة
والإفصاح عمّا يختلج في قلوبهم، ولو أنهم طرحوا آراءهم حينذاك لما تعرّض لهم أحد،
ولو أنهم صرحوا بالأمس بما يصرّحون به اليوم لما تعرّض لهم أحد أيضاً، لكنهم كانوا
يخشون ذلك بسبب ماضيهم السيّئ. كان حقدهم على الإمام وعلى الفكر الإسلامي الإمامي
معروفاً منذ البداية، إلا إنهم تجرّأوا على الظهور بعد الانتخابات الأخيرة لرئاسة
الجمهورية، في ضوء ما رسموه لأنفسهم من تحليلات خاطئة مبنيّة على أن الشعب صوّت
بثلاثين مليون رأي ضد النظام، فشعروا جرّاء ذلك بالارتياح، في حين صوت الشعب
بثلاثين مليون رأي لصالح توطيد دعائم النظام، فكان من جملة مفاخر النظام الإسلامي
أن بلغ عدد المشاركين في الانتخابات ـ بعد ثماني عشرة سنة من انتصار الثورة ـ
ثلاثين مليوناً من أصل اثنين وثلاثين مليوناً ممن يحق لهم التصويت، أي بنسبة تسعين
في المئة، إلا إن هذه الفئة نظرت إلى نقطة القوّة هذه لدى النظام وكأنّها نقطة ضعف
فيه.
دأبت
الاذاعات الأجنبية منذ الأيام الأولى للانتخابات على توجيه من يتوافر فيهم موجبات
الوقوع في هذا الخطأ والانحراف، والايحاء لهم بأنَّ ثلاثين مليوناً من أبناء الشعب
عبّروا عن سخطهم على النظام، فصدّق هؤلاء المساكين أو خدعوا، فتصوروا أن الأوان قد
آن للافصاح عما في قرارة أنفسهم في بلد يبلغ عدد المعارضين فيه ثلاثين مليوناً،
فوجدوا في أنفسهم الجرأة على الكلام، والحال إن الوضع لم يتغيّر، فلو أنهم تجاوزوا
الحدود المنطقية في ذلك الحين لتعرّضوا للملاحقة القانونية. واليوم أيضاً إذا سعى
البعض للاضلال والافساد والارجاف يواجه نفس الموقف.
ونستخلص
من هذا عدم وجوب المضي في التصريح في وصف الأوضاع الحالية بصفة الحرية الممنوحة
حديثاً. وأُلاحظ أن بعض المسؤولين يؤكدون على الصحف عدم استغلال الحرية إلى حد بعيد
خشية تعرّض أصل الحريّة للخطر، فما هو الداعي لمثل هذا الكلام؟ فالناس بامكانهم
الاستفادة من الحرية إلى أبعد حد ممكن بشرط عدم تجاوز الحدود المنطقية. وكلما
استثمر الناس هذا العطاء الإلهي أكثر، اقترب النظام الإسلامي من أهدافه أكثر. ونحن
كثيراً ما كُنّا نشكو من الكتّاب لعدم اندفاعهم نحو الكتابة والدراسة
والتحليل.
طبعاً
يجب التمسك بالحدود المنطقية. والحدود المنطقية التي نتحدث عنها هنا ليست من ابتداع
حكم أو نظام ما وضعها في سبيل خدمه مصالحه. وإذا افترضنا أن بعض الحكومات في العالم
تفعل ذلك، ولا شك أنها تفعل ذلك، فإن نظام الجمهورية الإسلامية ليس من هذا النوع من
الحكومات، بل إنه نظام يقوم على مبدأ العدالة، فإذا فقد القائد شرط العدالة، يسقط
من مقامه تلقائياً وبدون أي عامل آخر. وليس من المعقول أن يلجأ مثل هذا النظام لوضع
قيود معيّنة لضمان مصالح فئة أو شريحة أو اتجاه معيّن، وإنما يقول بذات القيود التي
يقول بها الإسلام والقرآن والحديث الشريف والفهم الصحيح
للدين.
هذه
هي الحدود التي يجب مراعاتها. وإذا لم تراعّ فإن المسؤولين في جهاز القضاء وفي
الحكومة وفي وزارة الارشاد وغيرهم مكلفون برعايتها. وكل من لا يؤدي هذا التكليف فهو
مقصّر ومذنب. في ضمن اطار هذه القيود يجب أن يتمتع الناس بالحرية. وأنا لا أؤيد
التصريحات غير المسؤولة التي تطلق وتتكرر هنا وهناك.
وخلاصة
ما أريد عرضه على اسماعكم اليوم هي: إن مقولة الحرية مقولة إسلامية يجب أن نفكّر
بشأنها تفكيراً إسلامياً، وننظر إلى النتائج المستخلصة منها كتكليف شرعي وعمل
إسلامي، علينا أن نقدّر ما هو موجود على الصعيد الاجتماعي ونستثمره بأقصى ما يمكن،
وعلى المفكرين وأصحاب النظر بذل جهودهم. وهناك بطبيعة الحال بحوث تثار على نطاق
الأوساط المتخصصة، ويجب أن تُبحث في المدارس والجامعات والمجلات المتخصصة ومن قبل
الجهات المعنية بمثل هذه الشؤون، وتوجد في الوقت نفسه موضوعات عامّة يجب أن تطرح
على الأصعدة العامة ويستفيد منها الجميع.
نسأل
الله أن يوفّقنا لكل ما من شأنه ازدهار هذا النظام ورقي هذا الشعب الطّيب العظيم
العزيز. وسيكون الدور الأكبر في هذا الرقي والازدهار منوطاً بكم انتم الجامعيين
الأعزاء، وبخاصّة الشباب الذين هم عماد المستقبل.
ـــــــــــــــ
(1) سورة المائدة: الآية 32.
(2) سورة الذاريات: الآية 65.
|