الدعوة الإسلامية ومبانيها

الدعوة الإسلامية ومبانيها

ولي أمر المسلمين آية الله العظمى السيد الخامنئي «دام ظلّه»

إن الدعوة للإسلام مفخرة، أيّاً كان الشخص الذي يقوم بهذه الدعوة. لقد منّ اللّه علينا بفضله إذ جعلنا قادرين على هداية الناس إلى سبيله و تبيين حقائق الدين لمن يجهلها. و أول الدعاة إلى اللّه، هو ذات الباري تعالى، (و اللّه يدعو إلى دار السلام)، و من بعده النبي الكريم (ص)، كأوّل مبلّغ للدين الإسلامي.
إنه لفخر لنا جميعاً أن نضطلع بعمل أمر الباري تعالى أشرف و أزكى أنبيائه بالقيام به؛ و ذلك هو قوله : (ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن) . و بفضل هذه الدعوة استطاع الإسلام الانتشار في هذه البقعة الواسعة من العالم.
نحن لدينا أيضاً أسلوب الجهاد؛ أعني أسلوب القوة و السيف، إلاّ إن هذا الأسلوب إنما جعل من أجل إزالة الموانع في سبيل أن تجد الدعوة الإسلامية سبيلها إلى القلوب. فلم تكن سيوف المجاهدين هي السبب في نفوذ الإسلام إلى أعماق قلوب الناس في هذا البلد الكبير، بل سيوف المجاهدين أزالت الموانع عن طريق الدعوة فقط، و كانت دعوة المؤمنين و المخلصين هي التي رسّخت الإسلام في القلوب؛ سواء كانت تلك الدعوة باللسان أم بالعمل « كونوا دعاة الناس بغير ألسنتكم».
لقد ساروا على هذا النحو يومذاك، و نحن اليوم نرى الإسلام بعد مضي قرون متأصلاً في قلوب أبنائه في البلدان الإسلامية في آسيا و في إفريقيا، إلى درجة أنه ما إن انهار النظام الماركسي الذي عمل سبعين عاماً على هدم أسس الإسلام و الدين، حتى لاحظنا مدى شغف الناس بالإسلام في القوقاز و آسيا الوسطى.
و هذا يعكس مدى قوة الدعوة الإسلامية و اقتدار المباني الإلهية و الإسلامية و عظمة القرآن و قابليته على تسخير القلوب، و النفوذ إلى أعماق النفوس.
إننا لا نعاني، من أي نقص في هذا المجال؛ فنحن لدينا القرآن الكريم، و سنّة الرسول الأمين و أهل البيت الطاهرين، و أحكام الإسلام النيّرة. و العالم اليوم متعطّش لهذه المعارف الإلهية السامية.
و كما عجز الفكر الماركسي الإلحادي على المدى الطويل عن تقليل شأن المعارف الإسلامية في العالم، و لم تكن له إلاّ جولة أخفق من بعدها، فكذا الحال أيضاً بالنسبة للمباني و الثقافة الغربية الحالية التي تقف في مواجهة معارف و أحكام الإسلام في كثير من المواقف و الميادين، و لكن على نحو آخر، و عن طريق آخر، فهي أيضاً غير قادرة على الانتقاص من حلاوة معارف الإسلام و أحكامه؛ فالإنسانية اليوم متعطّشة للإسلام.
إنني أؤيد المقولة التي طرحها بعض المفكرين من أن القرن الميلادي المقبل سيكون قرن الإسلام، و هو ما تؤيده تجاربنا و نظرتنا إلى الساحة العالمية، و لكن بشرط أن نتمسك نحن دعاة جباتنا، فنحن إذا أدّينا ما علينا من الواجبات تغدو الأرضية مهيّأة. هذا إضافة إلى ما تتسم به المعارف الإسلامية من قدرة على ترسيخ جذورها في أعماق القلوب في كل أرجاء العالم .
و القضية التي تحظى بالاهتمام هي أن التبليغ و الدعوة إلى الحق و إلى الإسلام لهما في كل مقطع زمني مقتضياتهما، و لا بدّ من التعرف على هذه المقتضيات، و معرفة المخاطب و البحث عنه و العثور على الكلام المناسب الذي يجب طرحه عليه و إلى أي شي‏ء ندعو، و من أية زاوية يجب أن ننظر إلى مشاكل الناس و قضاياهم؛ حتى يتسنى لنا عرض الإسلام عليهم على نحو سليم.

تياران مناقضان للإسلام

أعتقد أن هناك اتّجاهين و تيّارين خطيرين و مناقضين للإسلام؛ أحدهما اتّجاه يحصر الإسلام بحفنة من الأعمال العبادية، أو على أكثر الاحتمالات بمجموعة من الممارسات الشخصية، و ينتزع منه أهم جوانب الحياة، و يجرده من السياسة و الاقتصاد و من العلاقات الاجتماعية و الأعمال المهمّة، و يصوّره و كأنه مجرّد عقيدة قلبية و عمل فردي، و يحبسه كحد أقصى في إطار الأسرة و العلاقات العائلية.
و هذا ليس هو الإسلام الذي يهفو إليه عالم اليوم، بل و ليس هذا هو الإسلام أساساً؛ فرسول اللّه (ص) حينما دخل المدينة أقام فيها حكومة إسلامية تولى هو قيادتها، و لو كان للإسلام أن ينتشر بدون اقتدار و بدون النظر في القضايا السياسية للدولة و المجتمع، لفوّض رسول اللّه الحكومة لمن كانوا يطمحون إليها و انشغل هو بشؤون التبليغ، و لسار على نهج يقتصر على بيان الأحكام و نصيحة الناس؛ لكن رسول اللّه أقام نظاماً إسلامياً.
لا بدّ ـ في سبيل العمل بالإسلام ـ من استيلائه على جميع جوانب الحياة، لا أن يقتصر على تسخير القلوب فقط و تنحصر مهمته في حفنة من الممارسات الفردية، و يتحدد دوره في قضايا صغيرة و وضيعة. إذن فمثل هذا التوجّه توجّه مغلوط.
هناك ثمة اتجاه آخر في مجال القضايا الإسلامية و هو في نفس المرتبة من الخطأ الذي عليه الاتجاه الأول، في رأيي، و يتمثل في أن البعض حينما يريد طرح رأي الإسلام في قضايا الحياة المختلفة، يستمد آراءه ـ بدلاً من القرآن و نصوص الإسلام و روحه و جوهره ـ من الآراء الشائعة في العالم، و يكرر باسم الإسلام ما بسطته الثقافة الغربية اليوم بسيطرتها و تسلّطها التام على الكثير من بقاع العالم.
إنّ لدى الحضارة و الثقافة الغربية اليوم آراء و نظريات. و هي ليست نظريات جديدة و إنما وضعت على محك التجربة منذ مئتي سنة أو ثلاثمئة سنة. و لا شكّ في أن البلدان الأوربية بلغت مرحلة جيّدة من الحضارة و التطور المادي و حازت ثروات هائلة، و أحرزت تقدماً علمياً واسعاً، و لها اختراعات في شتى المجالات. و من المؤكد أن هذا نابع من الجوانب البنّاءة التي كانت في تفكيرهم، أو ناجم عمّا يتّسمون به من خصائص إقليمية.
من الطبيعي أن لكل شعب من الشعوب خصائصه الإقليمية التي يعود إليها سبب هذا التقدّم، إلاّ إن الشعوب الغربية في ظل هذه الثقافة و هذه الحضارة لا تستشعر السعادة ـ بالمعنى الإنساني للكلمة ـ و لا تتوفر لديها السكينة الروحية، و لا العدل الاجتماعي؛ إذ ليس في الحضارة الغريبة مراعاة لأوضاع الإنسانية و الإنسان. و أشرس الحروب التي شهدها العالم أضرم شرارتها الأوربيون في ظل هذه الحضارة، و أججوا أوارها بنفس المعدّات التي انتجتها هذه الحضارة.
نشرت إحدى المؤسسات المسيحية العالمية إحصائية أظهرت أن المسيحيين الذين قتلوا في القرن الأخير يفوق عدد من قتل منهم على مدى تاريخ المسيحية. و كنت أود أن أسأل صاحب هذه الإحصائية : من الذي قتل هؤلاء المسيحيين؟ هل قتلهم المسلمون؟ أم البوذيون؟ أم قتلهم المسيحيون أنفسهم؟ من الذي أوقع تلك الضحايا في أوربا في الحربين العالميتين الأولى و الثانية؟ المسيحيون هم الذين قتلوا أنفسهم، و الأوربيون و الغربيون أنفسهم هم الذين ارتكبوا تلك المجازر، و هم الذين قتلوا الكثير أيضاً من غير المسيحيين و غير الأوربيين.
هذه الثقافة الغربية هي التي سلّطت ظاهرة الاستعمار على العالم قبل حوالي مئة و خمسين سنة، فخضعت الكثير من دول آسيا، و جميع دول إفريقيا للتسلط الاستعماري الذي أبقى ملايين الناس يئنون تحت وطأته سنوات طوالاً. و يمكنكم ملاحظة ذلك فيما خلّفه الإنجليز في شبه القارة الهندية، و ما خلّفه الفرنسيون في شمال إفريقيا، و النكبات التي حلّت بشعوب الشرق الأقصى من آسيا على يد الهولنديين و البرتغاليين و البلجيكيين و الإنجليز.

أما إيران فلم تخضع قط للاستعمار المباشر، و لكن يمكنكم ملاحظة مدى تأثير نفوذ الدول الغربية فيها؛ فقد جعلوا منّا بلداً متخلّفاً عن الركب مئة سنة، فنحن كنا ذات يوم من رواد العلم في هذا العالم، و كان علم الإيرانيين و فكرهم سبّاقاً، إلاّ أن الأوربيين ـ بمساعدة المستبدين الداخليين ـ هم السبب في تخلّفنا مئة سنة عن ركب الحضارة، فوقع كل هذا الظلم على إيران.
و ما من أحد إلاّ و يرى الضربات الماحقة التي الحقتها الحضارة الغربية ببلده.
و لا شكّ في أن الويلات التي تجرعتها الشعوب الغربية نفسها من هذه الحضارة لا تقل عمّا جرى على الشعوب الأخرى، فقد تفتت اليوم كيان الأسرة في الغرب و في أوربا، و بخاصة في أميركا و أوربا الشمالية، و الشباب اليوم لا يستشعرون طعم الراحة هناك، و إنما تلفّهم مشاعر الاضطراب و الحيرة و الإحباط و القلق. هذه هي الحضارة التي انتهجها الغرب و قدّمها للإنسانية.
إن أكثر التجاوب مع الإسلام اليوم نلمسه في أميركا و أوربا و في المناطق التي رسخت فيها جذور الحضارة الغربية. مبلّغونا هناك، و هم ـ قدر المستطاع ـ يطلعون على تجارب الناس .

تجنب استخدام مصطلحات الثقافة الغربية

إذن عالم اليوم يتطلب وجود الإسلام الحقيقي. و لا بد لنا ـ في سبيل تبيين أحكام الإسلام للناس ـ من استخدام نفس المصطلحات الإسلامية، و ألاّ نستخدم مصطلحات الثقافة الغربية التي لا تعبّر عن المفاهيم الإسلامية على نحو دقيق. و هذا ليس نابعاً من نظرة متعصّبة؛ فنحن لا نريد التعامل مع الثقافة الغربية تعاملاً يشوبه التعصّب، و إنّما نؤمن بتلاقح الثقافات، و نرى أن بإمكان الثقافات الاستفادة من بعضها الآخر، و قد استفدنا نحن من شتّى التجارب.
إنّ ما أحذّر منه هو التقهقر و الاندحار أمام الثقافة الغربية، و أنا أحول دون ذلك، و أحذّر منه و أنذر بخطره. و لا شكّ في أن الجميع يدرك هذا المعنى، و على معرفة به، و ليس جديداً عليهم.
يجب علينا إحياء الثقافة الإسلامية التي تواجه اليوم هجوماً شاملاً ضدّها، و خصوصاً في الوقت الحاضر بالتزامن مع انتشار الوعي الإسلامي، حيث استيقظت البلدان الإسلامية بحمد اللّه، و أخذت الحكومات الإسلامية تشعر بالاستقلال، و الدول الإسلامية تسير على طريق العزة.
نلمس في كل ربوع العالم الإسلامي رفض الشعوب و الحكومات الانصياع للقوى التي تدّعي الاقتدار و السيادة على العالم بأسره؛ لأن الحكومات و الشعوب تعيش اليوم حالة من الوعي و الاستقلال، و نحن في إيران نشعر اليوم بالسعادة و الارتياح لأننا رفضنا جميع المحاولات التي تنظر إلينا من باب التسلّط. و لم ينعكس علينا موقفنا هذا بأية مشكلة.
إنّنا بطبيعة الحال نعاني من مشاكل في بلدنا، و هي مشاكل ناجمة عن ضعفنا. لقد كانت لدينا نقاط ضعف و قلّة تجربة، سببت لنا بعض المشاكل، و لم يستطع العدو أن يوجّه لنا أية ضربة . و من البديهي أن العدو يعرقل أعمالنا و يخلق لنا مشاكل، إلاّ إنها ليست ذات أهمية، و يمكن القضاء عليها.
ليست ثمّة مشكلة أكبر من استسلام شعب من الشعوب للثقافة الأجنبية. و نحن في العالم الإسلامي يجب علينا إنهاء هذه الحالة و إزالتها.
لقد حاولت القوى الأوربية على مدى عشرات السنين، ثم أميركا على امتداد العقود الأخيرة، تغليب ثقافتها على الثقافة الإسلامية في بلداننا عبر مختلف الطرق و الأساليب، و هذا هجوم حقيقي.

و نقول للمضطلعين بمهمة الدعوة الإسلامية : لقد حان الوقت الذي أصبح فيه بإمكانكم القيام بهجوم مضاد. و من المعروف لدى أهله أن أفضل الدفاع هو الهجوم. فابدأوا بهجومكم المضاد . و ليس من الضروري طبعاً كون الهجوم المضاد ذا طابع سلبي على الدوام، بل الجوانب الإيجابية فيه أكثر من الجوانب السلبية. و عليكم أن تبيّنوا للناس محاسن الإسلام و حقائقه، و التوحيد الذي يقول به الإسلام، و المعنى السامي للنبوة و العدل في الإسلام، و الحكومة في رأي الشريعة الإسلامية، و كذلك أهمية الإنسان في رأي الإسلام.
أيّ مذهب من المذاهب التي تدّعي النزعة الإنسانية تتحدث عن الإنسان بمثل ما تحدّث به الإسلام؟ قال اللّه تعالى : (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل الناس جميعاً و من أحياها فكأنّما أحيا الناس جميعاً)؛ فهل من أحد تحدث عن الإنسان بمثل هذا الكلام؟ و أيّ دين غير الإسلام استعظم قتل الناس على هذا النحو؟

فلسطين و مظلومية القضية

البشرية تحبّ هذا المعنى. إنّ البشر اليوم أسير هذه الدكتاتورية و التسلط العالمي الذي تفرضه القوى الكبرى. انظروا إلى ما يجري اليوم في فلسطين. و حقيقة الأمر في فلسطين هي أن صاحب الدار غلب على أمره من قبل فئة معتدية. و المظلومية الأكبر هي أن المغلوب على أمره لا يحق له أن يفتح فاه و يطالب بحقّه، و هذا أفدح ظلم ينزل على شعب في الوقت الحاضر .
و لكن من الذي يقترف هذا الظلم؟ يقترفه نفس دعاة الدفاع عن الإنسان في أوربا و أميركا . فإسرائيل بحد ذاتها لا تمثّل شيئاً، و لا تعني أكثر من شركة مساهمة تألّفت من لقطاء جاءوا من هنا و هناك؛ من العالم الغربي و من أوربا و أميركا، و طردوا ثلّة من المسلمين من ديارهم.
مثل هذا الظلم الفادح يجري اليوم على البشرية من قبل دعاة الدفاع عن الإنسان و عن الحرية . يدّعون الدفاع عن الحرية كذباً و زوراً، اللّهم إلاّ حرية الشهوات و حرّية التصرفات الفردية التي قد تصل إلى حد الجناية على الإنسانية؛ و إلاّ فما معنى الحرية الموجودة في أميركا اليوم؟ معناها أن الشخص يباح له ظلم من يشاء و الضغط على من يريد ـ طبعاً في إطار القانون الذي كتبه هؤلاء الأشخاص أنفسهم ـ من أجل تحقيق مصالحهم و إطماعهم. إنّهم يستسيغون هذا النمط من الحرية إلاّ إنهم لا يقرّون أبداً تحرر الشعوب من قبضة استثمار القوى الكبرى.
أصبح الدفاع عن الشعب الفلسطيني مثاراً للدهشة لدى الكثيرين في عالم اليوم، و صار ينظر إلى من يصرّح بأن الشعب الفلسطيني هو صاحب فلسطين و كأنه قال منكراً انظروا إلى أي حدّ و صل قبح هذه الأجواء و هل ثمة ظلم أكبر من هذا في عالم تهيمن عليه هذه الثقافة الغربية؟ هذا ظلم للإنسانية ما بعده ظلم.
إن الشعوب متعطشة اليوم للإسلام؛ الإسلام الذي يدعو إلى العدل (ليقوم الناس بالقسط)؛ فلم يكن إرسال الرسل و إنزال الكتب إلاّ من أجل القيام بالقسط و في سبيل أداء حق الإنسانية، و للدفاع عن بني الإنسان، و هذا هو الإسلام الذي ينبغي إيصاله و إبلاغه و بيانه للعالم كلّه. إن الذين يناوئون الإسلام و المسلمين يستخدمون في محاربتهم كل الوسائل الإعلامية كالوسائل الفنية و الأفلام و الروايات و المقالات و الكتب. يكتبون في التاريخ، و يؤلفون الموسوعات، و يعدّون دوائر المعارف، التي على الرغم أن من طبيعتها النزعة الحيادية في القضايا السياسية و العقائدية و الفكرية، يدسّون فيها ما يسي‏ء إلى الإسلام و المسلمين، و ما يمس تاريخ الإسلام و حقائقه. أي إنهم يواجهون الإسلام و يدافعون عن باطلهم بكل السبل المتاحة. و أنا بدوري أدعو إلى استخدام كل الوسائل للدفاع عن الإسلام و خاصة عبر استخدام الأساليب الفنية.
في العالم الإسلامي فنانون كثيرون، فلما ذا لا يصوغون القضية الفلسطينية في القوالب الفنية المناسبة؟ و لما ذا لا يصورّون في قوالب فنية التسلط الأجنبي الجائر على البلدان الإسلامية على مدى مئة أو مئة و خمسين سنة؟ لا تقولوا هذه أمور مرّت و انقضت؛ فهم يرغبون في أن تنسى وقائع الماضي.
لما ذا لا ينسون هم الحروب الصليبية؟ و لما ذا لا ينسون صلاح الدين الأيوبي؟ و لما ذا لا ينسون أدنى وسيلة يجدون فيها سبباً لإثارة الخلاف بين الشيعة و السنّة؟ و مع هذا هم يدعوننا إلى تناسي الماضي.
الماضي الذي يجب تناسيه هو الاختلاف الذي وقع بين المسلمين؛ فالمسلمون يجب أن يتناسوا ما بينهم من اختلافات، و أن يطووا اليوم ما كان بينهم في الماضي، و يجب أن يكونوا اليوم يداً واحدة على من سواهم. أما ما اقترفه العدو بحق هذه الأمة الكبرى فيجب ألاّ ينسى؛ لأنه ما من سبب يدعو إلى نسيانه.
يجب علينا بيان هذه الحقيقة للجيل الحالي على نحو جليّ، في الوقت الذي تكون لنا علاقاتنا و تعاملنا مع دول العالم؛ فنحن لا نميل إلى عدم التعامل مع الدول الأخرى. إننا نسير وفقاً للأصول، و لدينا علاقات مع العالم كلّه، إلاّ أننا لا نتعامل مع دولتين فقط هما اسرائيل، و أميركا؛ و ذلك لمواقفهما العدائية ضدّنا و نهجهما السلطوي في التعامل معنا .
و على هذا الأساس فلا تناقض بين معرفتنا بمن ترك أثراً سلبياً في تأريخنا و بين التعامل؛ لأن ذلك لا يمنع وجود مثل هذا التعامل.
القضية الأخرى التي أود عرضها هي الحفاظ على الوحدة بين الدول الإسلامية. و المؤتمر الإسلامي مكان مناسب جداً لحل النزاعات بين البلدان الإسلامية أو تقليلها على أقل تقدير . و نحن نشعر بالارتياح لكوننا عضواً فعالاً في المؤتمر الإسلامي. و اليوم حيث تتصدى إيران لرئاسة هذا المؤتمر نرى على أنفسنا مسؤولية أكبر، و نطمح في حل النزاعات بين الدول الإسلامية لمعرفتنا بأن معظمها نزاعات سطحية و ناجمة عن سوء تفاهم.
يسعى أعداء الإسلام إلى زرع الاختلافات بين البلدان الإسلامية على الدوام، كأن يثيروا الاختلاف بين بلدين إسلاميين، أو بين بلدين جارين، أو حتى بين بلدين بعيدين أحدهما عن الآخر، أو بين العرب أنفسهم، أو بين العرب و غيرهم. إلاّ أننا اتخذنا إجراءات فاعلة و تقدّمنا خطوات واسعة على طريق الوحدة. و نحن سعداء لما لنا من علاقات تسير نحو الازدهار مع البلدان الإسلامية الشقيقة، و قد تكون مصدر بركة على العالم الإسلامي. و من المؤكد أن علاقاتنا الحارة الوثيقة مع المملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة يمكن أن تكون مؤثّرة و مفيدة في قضية التبليغ و الدعوة. أرجو أن تكون العلاقات بين هذه البلدان أكثر حرارة و ودية.
أرجو أن تنظروا إلى العالم الإسلامي كأمة واحدة؛ فنحن كلّنا أمة واحدة. و هناك صلة تجمع الإيراني و العربي و الباكستاني و الهندي، و هي صلة الإسلام. انظروا إلى العالم الإسلامي كأمة واحدة، و ابذلوا جهودكم و مساعيكم للعالم الإسلامي. و إن اللّه معكم و هو خير نصير . و لا شك في أن الأرضية مهيأة. أرجو أن نرى في المستقبل غير البعيد نتائج هذا التفاهم و هذه اللقاءات و المحادثات في حياتنا و في بلداننا و في عموم العالم الإسلامي

من فكر القائد