أهمية التربية والتعليم

الموضوع: أهمية التربية والتعليم

ولي أمر المسلمين آية الله العظمى السيد الخامنئي «دام ظلّه»

بسم الله الرحمن الرحيم

أرحّب أولاً بالسيد مظفّر وزملائه الذين انضموا إلى سلك التعليم والتربية. السيد مظفر هو أساساً من أعضاء الاسرة التعليمية

 وقد عاد إلى هذا الجهاز المهم والحساس بعد انقطاع دام فترة من الزمن. وسيؤدي وجوده باذن اللّه ـ باعتباره عنصراً ثورياً متديّناً دؤوباً وذا فكر وقّاد ـ إلى سدِّ الفراغ الموجود في هذا الجهاز. كما نُرحّب بالأُخوة والأخوات الذين تحملوا مشقّة القدوم إلى هنا وشرّفونا بلقائهم.

الكلمة المقتضبة التي تفضل السيد مظفر بالقائها عن أهمية التعليم والتربية صائبة جداً وحسنة وذات مغزى عميق. وأنا أشاركه الرؤية في ما أورده من تعابير عن أهمية التربية والتعليم . والحقيقة ان ما قيل في السنوات الأخيرة؛ سواء على لسان سماحة الإمام الراحل (رضوان اللّه عليه) أو لسان المسؤولين من آراء عن هذا الجهاز قد بيّنت لنا أهميته الجسيمة، ولا أُريد أن أضيف شيئاً إلى ما قيل.

إلا أنّي أرغب ـ مغتنماً لهذه الفرصة ـ أن أعرب عن فائق احترامي لكل من يعمل ويسعى بشكل من الأشكال من أجل التعليم والتربية في هذا البلد سواء في مراكز التخطيط والاشراف أم في الأقسام التنفيذية والميدانية. نحن نحمل لهذه العناصر المؤمنة والمخلصة التي تعمل في هذا الجهاز احتراماً قلبياً خاصاً، ونرى للتعليم والتربية ـ وخاصة إذا اقترن بوجود النواقص والمشاكل التي أُشير إليها ـ شأناً رفيعاً ينم عن الصدق والاخلاص، ونسأل اللّه تعالى التوفيق لجميع المعلمين. وأرجو أن تبذل الحكومة مساعيها ان شاء اللّه من أجل ازالة بعض المعوّقات التي لا يمكن ازالتها جميعاً بمجرد تقديم الاحترام والاخلاص المعنوي.

ان أمثال هذه الفرص يا أعزائي مدتها قصيرة. فوجودكم في هذه المسؤولية أربع أو ثمان سنوات يمر كالبرق الخاطف، في حين أن كل يوم منه يمكن أن يكون ظرفاً يُنجز خلاله عمل حاسم، وهذا ما ثبت لي بالتجربة عبر المسؤوليات المختلفة التي توليتها منذ أول الثورة وإلى يومنا هذا. فالإنسان حينما يدخل ميدان عمل جديد يفكر مع نفسه قائلاً انني دخلت إلى هذا الميدان حديثاً، فلأفكر في الأمر واتشاور مع الآخرين وألقي نظرة على المستقبل، فما زال أمامي والحمد للّه متسع من الوقت لانجاز الأعمال. عندما نفكر على هذا النحو تفوتنا فرص كثيرة،ولا نلتفت إلاّ والوقت قد تصرّم بدون أن نكون قد أنجزنا عملاً ذا بال. بيد ان الأسلوب الصائب يحتم علينا التفكير في كل لحظة بانجاز عمل جذري ومهم. وإذا لم يتوفر بين أيدينا عمل من هذا القبيل، فينبغي أن نقوم بأحسن وجه وبكل طاقاتنا بالعمل المتوفّر بين أيدينا، حتى لو كان العمل ليس بتلك الأهمية.

هناك قضيّتان في اطار التعليم والتربية يحتاج إليهما البلد حاجة ماسة:

الأولى: محو الأمية وتوسيع معلومات أبناء الشعب. ولا أقصد بمحو الأمية هنا تعليم القراءة والكتابة فقط، بل يجب علينا توسيع ثقافة ابناء الشعب. فمن المؤسف ان الحالة العلمية في بلدنا ضعيفة ومتخلخلة، لا بمعنى عدم وجود علماء جيدين وكبار؛ فنحن لدينا علماء ممتازون في مختلف الفنون، ويوجد أضعافهم من المؤهلين للكفاءات العالية، إلا ان مادة التعليم العامة وتطبيقاتها في شتّى مناحي الحياة ضعيفة حقّاً.

حينما أنظر في عهد حكم العائلة البهلوية المشؤومة الذي استمر خمسين ونيّفاً من السنين، أرى اننا وبالرغم من تخلفنا العلمي في بداية ذلك العهد إلا أنّه كان لدينا في القطاعات التي لم يشملها التخلّف، علماء كثيرون في شتّى المجالات؛ حيث كان لدينا كتّاب كبار، وشخصيات بارزة، وعلماء، وشعراء وأُدباء، ومحققون، هذا فضلاً عن علماء الحوزة العلمية الذين كان لهم شأن آخر، وكان من بين أُولئك ساسة أيضاً يعتبرون من العلماء وتركوا بعض الآثار.

ومن المؤسف أنّ أكابر أولئك الشعراء والأُدباء والكتّاب لم يكن لهم موقف سياسي واضح ومشرّف، وانما وضعوا أنفسهم تحت خدمة السلطة البهلوية، واستطاعوا أن يوطّدوا لها دعائم حكمها في المجتمع. فلو اننا مثلاً حذفنا بعض تلك الشخصيات المعروفة مثل ذكاء الملك فروغي ومشير الدولة وغيرهم، ممن كانوا يُحسبون في عداد الساسة والعلماء والأُدباء والمفكّرين في عصرهم، لما استطاعت تلك العائلة أن تبقى في السلطة سوى سنوات معدودة. وإلا فان دخول الانجليز إلى الساحة والاتيان برضاخان إلى سدّة الحكم عبر انقلاب عسكري، وهو لا يجيد إلا لغة العنف والسوط والوقاحة وعدم التورع عن اراقة الدماء وسوء الخلق، ثم انتقال السلطة من بعده إلى الشخص التالي، لم يكن ممكناً على الاطلاق.

الشيء الذي حفظ تلك السلطة وأتاح لها الاستمرار بضعة وخمسين سنة، إضافة على وجود نفس رضاخان وجهازه البوليسي وإلى جانبه رايات الانجليز، هو العمل الثقافي الذي كان هؤلاء السادة يؤدّونه لصالح سلطة رضاخان. بعضهم لم يكونوا أشخاصاً سيئين في ذاتهم. لا يمكن ادانة سلوكهم الشخصي بشدة بيد انهم كرسوا جميع كفاءاتهم لخدمة السياسة البريطانية ـ التي تركزت آنذاك على تدعيم سلطة رضاخان ـ وسخّروا جميع امكاناتهم الفكرية على هذا السبيل وقدّموا ما استطاعوا من نشاطات أدبية وفلسفية، وترجمة، وانشاء مركز ثقافي وما شابه ذلك، والحال ان رضاخان لم يكن من أصحاب هذا الاتّجاه، بل وان السلطة التي أوجدها رضا خان لم تكن بأجمعها تميل إلى هذا الاتّجاه. لاحظوا، كنت أريد القول ان مثل هذه العناصر الثقافية كانت موجودة في العهد الأول، وانها استطاعت أن تؤثر سلبياً في تاريخ ومصير إيران. وعلى كل الأحوال فالفئة التي تحمل مثل هذا العلم والأدب يمكن أن تترك مثل هذا التأثير.

وفي العهود اللاحقة حيثما ننظر لا نجد مع تقادم الزمن إلا فراغاً. فإذا نظرنا إلى الفترة من عام 1330[هـ . ش] فصاعداً فنادراً ما نرى وجود شخصية ثقافية وزينة.

لا أُريد طبعاً انكار وجود بعض الشخصيات كلياً. فقد تبادر إلى أذهانكم أسماء بعض الشخصيات. وأنا أقول نعم توجد مثل هذه الشخصيات إلا انها لم تتقدم على من كانوا في العهود السابقة، إضافة إلى انها لا تتسم بنفس العمق الذي كانت تتصف به تلك الشخصيات.

كنتُ أعرف الشخصيات الثقافية في العهد الماضي ـ تلك التي برزت في نهاية العقد الثالث وبداية العقد الرابع[ الهجري الشمسي] ـ إما عن قرب، أو كنت على معرفة تامّة بنتاجاتهم ومدى مستوى غناهم الفكري، ولا يمكن مقارنتهم مطلقاً مع شخصيات الجيل الذي سبقهم، الذين اشتهروا في أوائل العقد الثالث، وقد توفي أكثرهم. فأولئك كان مستواهم أعلى بكثير.

ولكن ما هي النتيجة التي أُريد استخلاصها هنا؟ أُريد الاشارة إلى ان فترة الخمسين سنة الماضية كانت فترة ضمور وفراغ. وهذه القضية على درجة بالغة من الأهمية؛ لأنها فترة سادت وترسّخت بواسطة شخصيات مثقّفة إلاّ ان توجهاتها كانت مضادّة للثقافة. فكانت النتيجة ان الثورة تسلمت بلداً كان قد تعرّض لمسخ ثقافي كاسح، أو غارة ثقافية جديدة في مواجهة الماضي.

وردت البلد في تلك السنوات بعض العلوم والفنون والمعارف. أمّا ما يتعلق بالثقافة؛ سواء الثقافة الدينية أو الثقافة الوطنية، أو عموم الاتجاه الثقافي فقد أُضعف إلى حد بعيد. ولهذا السبب لو استعرضنا في أذهاننا السنوات الأخيرة التي سبقت الثورة ـ أي الخمسينات ـ نلاحظ ان كل ما يدخل ضمن مقولة الأدب، كآداب اللغة الفارسية، والثقافة الدينية والتاريخية، وما إلى ذلك، كان في غاية الضعف ولم يحصل فيه أي تقدم بل ووقع فيه الكثير من التخلل والخواء. لقد ورث بلدنا مثل هذه الحالة، وتقع عليكم أنتم مهمّة التعويض عمّا فات. والحقيقة ان أعمالاً قيّمة وجهوداً مباركة قد أُنجزت منذ أول الثورة وحتى الآن. إلا ان بامكان قطاع التعليم والتربية ان يبذل جهوداً أكبر في مجال تعليم أبناء الشعب وتثقيفهم ورفع مستواهم العلمي وجعلهم يعيرون للعلم أهمية أكثر.

من المؤسف ان حالة من التساهل والتواني والتقاعس ازاء القضايا العلمية، والضجر وعدم الاهتمام بالمعلومات، شائعة حالياً بين الشريحة الطلابية في بلدنا؛ اعتباراً من الثانوية وحتى الجامعة، على الرغم من علو الكفاءات. ويستشف من الدراسات التي قام بها المختصون في هذا المجال ان الشاب الإيراني يتلقى في الجامعة ما يصطلح عليه بالمشروع التحقيقي، ويظهر فيه كفاءة إلا انه يفتقد الرغبة والحرص والاندفاع اللازم لمتابعته والاستمرار فيه. والواقع ان حالة من الاهمال والتكاسل الذهني تسيطر على اجيالنا الجديدة وأجيالنا الصاعدة، وهي حالة تكمن فيها خطورة على البلد. وهذا ما ينبغي ان يتكفل بعلاجه قطاع التعليم والتربية منذ مرحلة الطفولة عبر التعليم السليم.

لو أنكم نظرتم لرأيتم وجود تذمّر في المرحلة الثانوية والجامعات من كثرة الدروس، في حين انني اطلعت على ان الدروس في الجامعات المتقدمة أو حتى في الثانويات المتقدمة في البلدان المتقدّمة في العالم أكثر كماً من الدروس التي تُعطى في إيران؛ أي ان عليهم قراءة المزيد من الكتب واكتساب معلومات أكثر طوال هذه المدّة. إننا نعيش دَوْر ما يُسمى بالخمول الذهني، وهي طبعاً ظاهرة خطيرة جداً.

يجب ان يتكفل قطاع التعليم والتربية بتوعية الشاب إلى وجوب تكريس كل وجوده للدراسة والعلم والتحقيق. هذه هي النقطة الأولى، أي مهمة توجيه وارشاد وسوق الجيل الحالي والأجيال المقبلة نحو العلم والتحقيق والدراسة والفهم والثقافة والغنى الفكري، علينا أن نسعى لخلق هذه الحالة. وإذا ما تحقق لنا ذلك نكون قد حللنا مشكلة المطالعة. فنحن لدينا في هذا البلد مشكلة مطالعة الكتب؛ أي ان الناس لا رغبة لها بمطالعة الكتب، وهذه الحالة ناتجة عن تلك.

ذكرت عدّة مرات لبعض الأصدقاء من ذوي هذا الاتجاه اننا نضيّع أحياناً من وقتنا عشرين دقيقة أمام التلفاز أو المذياع في مشاهدة أو سماع الدعايات مثلاً في انتظار مشاهدة فيلم ما. في حين لو اننا انفقنا هذه العشرين دقيقة في مطالعة كتاب لقرأنا منه عشرات الصفحات ولتعلمنا أموراً كثيرة، حتّى وان كان كتاب قصة أو رواية أو مذكرات أو سيرة شخصية أو كتاب تاريخ فهو أفضل بكثير من الجلوس والتفرّج على شيء لا معنى له ولا يكتسب منه أية معرفة بل ولا حتى أية لذّة. ولكن لا نقوم حتى بمثل هذا العمل. ولا نضع في متناول أيدينا كتاباً للمُطالعة في مثل هذه الفرص! هذا هو الخمول الذهني الذي يجب علينا مكافحته، وميدان مكافحته هو قطاع التعليم والتربية.

أمّا النقطة الثانية فهي خلق حالة من التدّين عند الناس. وحتى هذه تُعزى أيضاً وللأسف إلى حقبة الخمسين سنة تلك والتي تعد من الأدوار المشؤومة في تاريخ إيران حقاً. وجّهت في تلك الفترة ضربة إلى هذا الشعب لا يعرف مدى فداحتها ـ ومع الأسف ـ حتى أبناء الشعب أنفسهم لا الشبّان منهم أو الأجانب فقط. وجهلُ أبناء الشعب بتلك الأضرار يعزى أيضاً إلى عواملنا الثقافية، ومن جملة ذلك الإذاعة والتلفاز، والصحف والمطبوعات، إذ لها تقصير في هذا المضمار ولم تستطع ان تبيّن للشعب ما الذي حلَّ بهذا البلد طوال مدّة الخمسين سنة تلك،جرّاء السياسة العامّة التي مارسها الغرب من خلال فرض ثقافته على هذا البلد واقتلاع ثقافته الأصيلة من أجل احكام قبضته عليه والهيمنة على ثرواته الاقتصادية وسياسة حكومته، أو تعكس مدى قبح المتاجرة التي لحقت بالكنوز المعنوية لهذا البلد من دين وأخلاق وثقافة ومعتقدات وعلاقات موروثة ذات قيمة عالية جدّاً. وعلى كل الأحوال فان ضعف الدين والإيمان والمعلومات الدينية ناجم أيضاً من حقبة الخمسين سنة تلك.

وربّما يتبادر هنا إلى الأذهان تساؤل مفاده: إذن كيف انبثقت هذه الثورة على أساس الدين؟ أجل، لقد كانت الثورة حادثة كبرى سُبقِت بتمهيدات واسعة. ولو ان تلك التمهيدات جرت لأي عمل آخر لتمخّضت عنها نفس تلك النتائج الكبرى. فالثورة لم تكن أمراً هيناً، بل انها جاءت كثمرة لنهضة استمرت خمس عشرة سنة من جهود شبكة واسعة تتألف من العلماء وغير العلماء الذين استفادوا من تعاليم الدين لاستنهاض أبناء الشعب، إضافة إلى وجود ذلك الواقع المرير الذي يكابده المجتمع ، فتأججت تلك النيران اللاهبة وافرزت هذا البركان الهائل الذي لازالت آثاره ماثلة حتى اليوم. والحقيقة اننا ما فتئنا نقتات على مائدة الثورة، وما انفك بلدنا ومسارنا التاريخي يقتات من بركات تلك الحركة الثورية. واستطاع إيمان الشعب ـ بنفس القدر الذي كان فيه في متناول ذلك النشاط الاعلامي ـ ان يخلق تلك المعجزة. لكن الحقيقة هي انهم اضعفوا الوازع الديني عند أبناء الأُمة.

تلاحظون حالياً إيمان الناس في بلدنا بالكثير من القيم الدينية والعمل من أجلها، وفي بعض الأحيان حين تُستثار المشاعر يمكن انجاز أعمال كبرى. وحينما تكون هناك منطلقات واضحة وصريحة، كدوافع الحرب على سبيل المثال ـ حيث وقع الهجوم المعادي وكان شعار التصدي له شعاراً واضحاً يستوعبه الجميع ـ يمكن استنفار طاقات جماهيرية هائلة. أما في غير هذه الحالات التي يوجد فيها عنصر خاص، فلا يتصف إيمان الناس ومعتقداتهم بالعمق اللازم، وهي معرّضة للاهتزاز والتذبذب.

وعلى هذا الأساس ينبغي صياغة هذا العمق في قطاع التعليم والتربية، وان تنصب عليه الجهود اعتباراً من المراحل الابتدائية وحتى الجامعة. كما ان الحوزات العلمية والمساجد والمنابر تتولى بدورها واجبات أُخرى كبيرة في هذا الجانب.

وهذا ما يوجب على قطاع التربية والتعليم ان يضع نصب عينيه هذين الواجبين في جميع نشاطاته؛ أي توسيع وتعميق نطاق الثقافة والطاقة العلمية، وترسيخ الإيمان الحقيقي في نفس الشباب.

لقد وُضع لمادة الدين درس مستقل عن سائر الدروس، والكتب المتخذة له قليلة الجذابية وقليلاً ما تستهوي القارئ، بَل وان كتب بعض المراحل خالية من العمق ومن الجذّابية، ولعل كتب بعض المراحل ذات عمق إلاّ انها خالية من الجذّابية. وخلاصة القول هي انها ـ كما رأيناها ـ مشوبة ببعض النواقص.

تابعنا أثناء فترة رئاستي للجمهورية كتب مادة الدين في الجامعات وقررنا اتخاذ بعض الاجراءات. وعقدنا اجتماعات لهذا الغرض مع بعض الأصدقاء وأصحاب الرأي من شتى القطاعات ـ وقد حضر الشيخ قرائتي بعض تلك الاجتماعات ـ إلاّ أنه لم يتحقق في الختام ما ينبغي تحقيقه في هذا الاطار. في حين ان تعميق إيمان الناس وترسيخ معتقداتهم الدينية يجب أن يدخل في صلب جميع التعليمات من بدايتها وحتى نهايتها، وفي مثل هذه الحالة يكون صائباً ومؤثّراً.

وانطلاقاً من هذا المعنى اقترحت شيئاً على السيد مظفّر الذي كان هنا قبل بضعة ايام، وبشّرني باتخاذ بعض الاجراءات الهادفة إلى تسهيل تعليم اللغة العربية ـ قراءةً وفهماً، إذ ذكرت له ان الناس يتعلمون اللغة العربية لأحد ثلاثة أهداف:

الأول: هو تعلم المحادثة باللغة العربية. ومن المؤسف ان الكثير من كتبنا في تدريس اللغة العربية أُعدّت لهذا الغرض، في حين لا توجد ضرورة لذلك! فلماذا تتكفل وزارة التعليم والتربية بتعليم المحادثة باللغة العربية للأشخاص؟ نحن لا نتكفّل بمثل هذه المهمة. وعلى كل من يريد المتاجرة مع العرب أو مخالطتهم أن يدخل دورات خاصّة على غرار تعليم اللغة الانجليزية أو اللغة الألمانية.

وزارة التعليم والتربية لا تتكفل بتعليم المحادثة باللغة العربية أو تعليم كلمات عربية من قبيل «كرة القدم» أو «المنضدة» أو تعليم كلمات عربية لا نعرفها حتى نحن الذين درسنا اللغة العربية سنوات طويلة وكتبنا باللغة العربية . فهذا لا يدخل أساساً في صلب واجبات وزارة التعليم والتربية.

الهدف الثاني: تعلم قواعد اللغة العربية، ولا أعتقد ان هذا هو المراد من تعليم اللغة العربية في اطار التعليم والتربية؛ لأن هذا يدخل في اطار الحوزات الدينية وفي اطار عملنا؛ لأننا نتعامل مع نصوص عربية معقّدة لاستنباط الأحكام الفقهية، وأدنى اختلاف في فهم القاعدة ينتهي إلى تغيير المعنى. أي ان الفقيه إذا لم يكن على معرفة تامة بالقواعد لا يمكنه الاستفادة من الرواية استفادة تامّة. وهذه القواعد لهم وليست لعامّة الناس.

وهنا هدف ثالث يهم عامّة الناس وهو تعلم اللغة العربية لفهم النصوص العربية المتداولة والقديمة كالقرآن والحديث ونهج البلاغة والأدعية؛ كدعاء كميل ودعاء الندبة ودعاء أبي حمزة الثمالي والصحيفة السجادية. ويجب على الجميع تعلّم اللغة العربية. فالشخص يقرأ دعاء كميل ولا يعي معنى «قوِّ على خدمتك جوارحي وأشدد على العزيمة جوانحي وهب ليّ الجدّ في خشيتك» في حين لو انه كان يعرف معناها لتعلّم منها درساً يضاهي ـ على الأقل ـ الدرس الذي تقدمونه أنتم لطلاب المدرسة في موضوع الدين.

يجب أن نتعلّم هذا. فالأئمة (عليهم السلام) وهم أفضل وأكبر معلّمين متّصلين بمصدر الوحي قدّموا لنا دروساً في الدين، لكننا نقرأها ولا نفهمها. وهذا ما يفرض علينا وجوب تعلّمها إلى جانب تعلّم القرآن والحديث.

يجب أن يتولى المختصون ويعدّون كتباً لتعليم اللغة العربية لهذا الغرض. والحقيقة ان هذه الطريقة في تعليم اللغة العربية أسهل من طريقة المحادثة؛ لأنّ النصوص العربية القديمة والمتداولة بيننا ـ كالدعاء والحديث وما شابه ذلك ـ تتألف من ذات الكلمات الداخلة في لغتنا الفارسية. واللغة الفارسية التي تؤلف حوالي أربعين أو خمسين بالمائة من مفرداتها كلمات عربية، لا تحتوي على أي من الكلمات العربية الجديدة المستخدمة في الصحافة! «كرة القدم» مثلاً لا وجود لها أصلاً في تعابيرنا الفارسية. بيد ان لفظة «أمّا» عربية، ولفظة «كلمة» هي عربية أيضاً، وكلمة «عربي» هي الأُخرى عربية أيضاً. لاحظوا مدى كثرة الكلمات المتداخلة. إذن يمكن بواسطة هذه الكلمات التعلم بصورة أسرع.

لنأخذ على سبيل المثال {إنّا أنزلنا إليك القرآن}، كلمة «نازل» التي نستخدمها نحن في اللغة الفارسية هي كلمة عربية، وكلمة «القرآن» عربية، وكلمة «كتاب» عربية، ونحن نستخدم جميع هذه الكلمات في لغتنا الفارسية. فلو اننا استطعنا بيان معنى كلمتي «إليك» و «إنّا» للمخاطب، يصبح عندها قادراً على فهم آية قرآنية. إذا تم تعليم اللغة العربية بهذا الهدف تصبح تلك المصادر الثقافية الغنيّة مفيدة في رفع المستوى الفكري، وترسيخ ركائز الإيمان بالأدلة والبراهين.

ولكن بما ان طريقة تعليم اللغة العربية والدروس التي قدّمت في هذا المضمار لم تكن موجّهة صوب الغاية الصحيحة ـ وحتى المستويات العليا لم يلتفتوا إلى الوجهة الصحيحة ـ لهذا السبب نلاحظ وجود الكثير من الأخطاء في تلفظ الكلمات العربية حتى على مستوى أُناس من أهل العلم، وهذا يكشف عن خطأ المنهج المرسوم في تعليم اللغة العربية.

وعلى هذا يبدو قطّاع التعليم والتربية بحاجة إلى التغيّر والتطوير ـ شأنه شأن جميع جوانب الحياة وكافة القطاعات والمؤسسات التي تستحدث لأجل انجاز بعض الأعمال ـ إلا ان هذا التغيير يجب أن يتم بمنتهى الفطنة وفي غاية الصبر والتأنّي، لكي لا يقع لا سمح اللّه أي اهمال لبعض الجوانب اثناء عملية التغيير هذه. يجب العمل بكل دقّة على تقوية قطاع التعليم والتربية يوماً بعد آخر وتوسيع قدراته باتجاه المؤشرين اللذين ذكرتهما؛ وهما توسيع ثقافة ومعلومات أبناء الشعب ليكونوا أكثر نشاطاً وفاعلية في الجانب الذهني، وفي الجانب الديني يكون إيمانهم أكثر ازدهاراً ونقاءاً، ويكتسبوا المعارف بعمق، ليتجهوا نحو الدين باعتقاد راسخ ويتمسكوا به عن رغبة.

وأتصور إذا ما تحقق هذا باذن اللّه عبر خطّة متوسّطة المدى يمكن ازالة المشاكل التي يعاني منها مجتمعنا كضعف الجانب الأخلاقي أو ضعف الوازع الديني، بالتعليم والتربية طبعاً. ولاشكّ ان ثمة عوامل أُخرى كالموعظة، والأعمال الثقافية، والكتب، والدروس الدينية، إلاّ ان الجذر الأساسي يكمن في التعليم والتربية. فإذا وفقتم باذن اللّه لتسيير التربية والتعليم بشكل يملأ الفراغ الذي نتج عن الخمسين سنة تلك في كلا الجانبين، ستنالون رضى اللّه، وتخلّفون وراءكم عملاً أساسياً ومهماً وخالداً. وإذا نظرتم إلى الموضوع بجدّ على اعتباره عملاً جسيماً لا ينبغي اضاعة التسويف فيه، ستنجزون طوال فترة مسؤوليتكم التي قد تستمر أربع أو ثمان أو عشر سنوات أو أكثر، أعمالاً كبيرة، وستجعلون من عهد مسؤوليتكم عهداً متألّقاً. أسأل اللّه أن يكون كذلك.

إن واجبنا هو الدعاء لكم أيّها الأُخوة والأخوات الأعزّاء، وأنتم حقاً أهل لهذا. ودعاؤنا لا قيمة له طبعاً! وإنما أرجو أن تدعو لكم بالموفقية تلك الأنفاس الزكية التي لدعائها قيمة. وأنا كذلك أدعو لكم بالتوفيق.

والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته

من فكر القائد