بسم
الله الرحمن الرحيم
اللّهمّ
سدّد ألسنتنا بالصواب والحكمة، واملء
قلوبنا بالعلم والمعرفة..
إنّني
فرح جداً ـ أيّها الاُخوة والأخوات
الأعزّاء ـ لقدومكم من مناطق بعيدة
واجتماعكم هنا في يوم ولادة الإمام
الجواد عليه
السلام
، كما أشكر الاُخوة الّذين قدموا من
المدن الاُخرى وبالخصوص أهالي قزوين
الأعزّاء، ونأمل أن يشملكم اللّه
برحمته وبركاته.
إنّ
العالم الإسلامي يواجه اليوم قضايا
مهمّة ملئت ـ بسببها ـ قلوب الكثير من
المسلمين في مختلف الدول حزناٍ
وغمّاً، إنّهم مغتمّون وقد ملئت
قلوبهم قيحاً لكن لا يمكنهم قول شيء؛
لأنّ الكثير من زعمائهم ـ وللأسف ـ
شركاء في القضاء على آمال الشباب في
الدول الإسلاميّة، وإحدى هذه القضايا
هي القضيّة التي ترتبط بمسلمي فلسطين
المظلومين، والاُخرى بالمسلمين
العزّل في البوسنة والهرسك وبالخصوص
في منطقة بيهاج، فهذه كلّها آلام.. لا
تنظروا إلى بلدنا حيث تشاهدون الجميع
من المسؤولين في المناصب العليا إلى
أبناء الشعب يظهرون آلامهم على
ألسنتهم ويتكلّمون بحريّة تامّة، إنّ
فرصة إبداء التأثّر والألم إزاء قضايا
الاُمّة الإسلاميّة الكبرى غير متاحة
ـ وللأسف ـ للشعوب الاُخرى، فانظروا
إلى الدول العربيّة، كم هناك من اُناس
ملئت قلوبهم قيحاً من القضايا
المتعلّقة بمساومة العدو الصهيوني،
كالعهد السابق ـ هنا ـ حيث كانت قلوبنا
تقطر دماً لكن ما كنّا نتمكّن من قول
شيء. وأتذكّر قبل الثورة أنّني ـ
وأثناء تفسيري للآيات الاُول من سورة
البقرة التي تتحدّث عن بني إسرائيل ـ
قلت بعض الاُمور للجامعيين، إلاّ
أنّهم في المعتقل وضعوني تحت ضغوط
الأسئلة والتحقيق أن لماذا ذكرت (إسرائيل)؟
لأني كنت قد تحدّثت عن بني إسرائيل في
الآيات التي ترتبط ببني إسرائيل، أي
أنّه لا يحقّ لأحد ـ في ذلك العهد ـ أن
يذكر (إسرائيل) بكلمة حتّى في درس تفسير
القرآن؛ كي لا يمسّ صديق ذلك النظام
الخبيث والخائن الّذي كانت روابطه
حسنة مع (إسرائيل)، واليوم فإنّ الوضع
في كثير من الدول الإسلامية هكذا.
إنّني
قلق من المؤتمر الإسلامي ـ الذي يعقد
مؤتمره هذه الأيام في المغرب ـ من أن
يحاول هؤلاء بمكرهم تمرير شيء لصالح (إسرائيل)،
ثمّ يقولون إنّ الدول الإسلامية هي
الّتي قرّرت ذلك، فعلى زعماء الدول
الإسلاميّة المشاركين في المؤتمر أن
يكونوا يقظين، فقد يفعل عملاء العدو
وخونة العالم الإسلامي فعلتهم. طبعاٍ
إنّ ممثّلنا الأمين أعني وزير
الخارجية حاضر هناك، وإن نووا ـ حسب
تصوّرهم ـ الاتّفاق على شيء في هذا
المجال، فإنّه سيعلن موقفنا القطعي.
إنّ
من دواعي قلق العالم الإسلامي أن ينعقد
مؤتمر باسم الدول الإسلامية، لكن بدل
أن يعالج آلام المسلمين، كقضية بيهاج
حيث يذبّح المسلمون، وهم يتفرّجون.
تعالج فيه آلام وآمال أمريكا و(إسرائيل)
!! نأمل ونسأل اللّه أن لا يكون كذلك،
فلو
أنّ الشعوب الإسلاميّة حدّدت يوماٍ
وتعاونت معها حكوماتها وأعلنوا في ذلك
اليوم باللّسان فقط: إنّنا غير راضين
عن مواقف دول الاتحاد الاُوروبي
ومواقف الصربيين وأعداء المسلمين في
البوسنة والهرسك، لتمّ حلّ الكثير من
المشاكل، لكنّهم يتجنّبون حتّى مثل
هذا الأمر، فماذا تعمل الشعوب
الإسلاميّة مع هؤلاء القادة؟ لا
تنظروا إلى إيران الإسلامية حيث
المسؤولون قُدّام الشعب في التحرّك في
هذا الطريق، فالأمر ليس هكذا في
البلدان الاُخرى. حسناً هذه آلام
ومعاناة.
ولكنّني
أودّ أن أعرض عليكم اليوم أمراً آخراً،
وهو نقطة مضيئة وأمل واضح، وهذه النقطة
هي عبارة عن موقف الشعب الإيراني إزاء
الإعلام المعادي وتواجده في المواقف
والمواقع الحسّاسة. فإن أمكن أن نجسّد
الشعب الإيراني في هيئة إنسان لكان من
المناسب لأمثالي أن يقبّلوا يد هذا
الإنسان، فكم أبدى الشعب الإيراني من
عظمة في المواقف الحسّاسة، أقصد
القضايا الّتي ترتبط برحيل هذا المرجع
الربّاني والإلهي المرحوم آية اللّه
العظمى الأراكي (ره)، يعلم اللّه كم صرف
الأعداء من مئات بل آلاف الساعات من
العمل والسعي والتفكير في هذه القضية
لاستغلالها في تغذية إعلامهم المعادي،
لكنّكم ـ أيّها الشعب ـ استطعتم القضاء
على كلّ تلك الجهود العدائيّة
والخيانيّة بحركة مناسبة في الوقت
المناسب، ويعلم اللّه ما كان يعتلج في
صدري في تلك اللّحظات الّتي كنت فيها
بين المشيّعين من إعجاب وتقدير وتبجيل
تجاه هذه النفوس الطيّبة الّتي أزالت ـ
بتواجدها وحركتها ومشاعرها وعواطفها ـ
المشاكل العظمى عن طريقها وجعلتها
كالعهن المنفوش.
ولأجل
بيان عظمة هذا العمل العظيم الّذي قام
به الشعب الإيراني في رحيل المرحوم آية
اللّه العظمى الأراكي (ره)، اُبيِّن
لكم بعض النقاط، ثمّ في الختام اُبيِّن
مطلباً رئيسيّاً إن شاء اللّه.
لقد
سعى الأعداء في إعلامهم إلى التأكيد
على عدّة اُمور بصورة مستمرّة. فمنذ أن
مرض المرحوم آية اللّه العظمى الأراكي
(ره) حاولوا بإعلامهم وأقوالهم إيجاد
جوٍٍ فكريّ خاصّ في هذا البلد.
لا
تستصغروا هذه الاُمور، فلإعلام العدو
ولإذاعاته دور مهمّ جداً، ولا تنظروا
إلى الشعب الإيراني حيث عمل خلافاً لما
قالوا وما رغبوا فيه، فالشعوب الاُخرى
ليست كذلك، إنّ الناس العاديين
يتأثّرون بأقوال هذه الإذاعات. إنّ
الأعداء يعتقدون بإمكانيّة إسقاط نظام
ما وإيصال آخر إلى سدّة الحكم عن طريق
الإذاعة، ويمكن عن طريق الإذاعة جعل
شعب يقطّع إنساناً صالحاً إرباً
إرباً، أو إيصال غير المؤهّل إلى سدّة
الحكم. فهذه هي عقيدة الإعلاميين في
العالم بالإعلام والإذاعة والتلفزيون.
طبعاً إنّهم أدركوا جيداً ـ وهو كذلك ـ
أنّ هذا الأمر ممكن في المكان الذي لا
أثر للإيمان والوعي فيه، فقد استطاعوا
عمل الكثير في العالم عبر الإذاعة
والتلفزيون، لكنّهم لم يتمكّنوا من
عمل شيء في إيران؛ لأنّ هذا الشعب شعب
مؤمن.
على
أيّة حال، هم أرادوا أن يقولوا للشعب
عدّة اُمور:
الأوّل:
إظهار أنّ المرجعيّة قد فقدت شأنّها
ومكانتها السابقة والدائميّة، فقد مضى
الوقت الذي يتوفّى فيه مرجع، فتهتزّ
إيران لذلك، أمّا الآن فليس للمرجع تلك
الأهميّة. وقد كرّروا هذه الاُمور عبر
الإذاعات الأجنبيّة كثيراً، وجمعوا
لذلك بعضاً من المعمّمين الجهلة
والهاربين، سيّئي السمعة ومسودّي
الوجوه من أطراف العالم، وضعوا
الأبواق أمامهم ووضعوا قبضة من المال
في أيديهم وسمّوهم في الوقت نفسه بـ (آية
اللّه)، وبدأ هؤلاء يتفوّهون بما يريده
اُولئك، لكن من يكون هذا؟ إنّه إنسان
جاهل هارب من اللّه أعطى ظهره للإسلام
والشعب، أو إنسان شقي خبيث. إنّهم
يريدون أن يرسّخوا أمراً في أذهان
الشعب بواسطة هذا الشخص، فمثلاً:
يسألونه: هل للمرجعيّة أهميّة في إيران
كالسابق؟ فيجيب: كلا، إنّ المرجعية قد
انتهت، وأنّ الشعب لا يهتمّ بالمرجعية
كثيراً، وأمثال هذه الأقوال. فحاولوا
ترسيخ هذه الشبهات، وقصدهم التقليل من
شأن المرجعية الّذي هو موقع إلهي عظيم
وله تأثير ونفوذ عميق في قلوب المسلمين.
فبما أنّهم قد تلقّوا الضربات من
المرجعيّة في الماضي، فهم اليوم
يحاولون الانتقام من المرجعيّة لا من
مرجع خاص. هذه كانت من الاُمور الّتي
كان العدو يتابعها في إعلامه خلال
الأربعين يوماً من مرض ذلك العظيم (الشيخ
الأراكي).
والأمر
الثاني: الذي أرادوا ترسيخه في أذهان
النّاس هو أنّه لا يوجد في إيران من
يتصدّى لمقام المرجعية: فالعلماء
الكبار وتلك القواعد القويّة قد
انتهت، وكان آية اللّه العظمى الأراكي
(ره) آخرهم وانتهى. إنّهم حاولوا ترسيخ
ذلك وتحدّثوا عنه بالتفصيل.
والأمر
الثالث: هو أنّ الشعب الإيراني قد كره
العلماء ولا يودّهم، وقالوا: نعم، لقد
كان العلماء قبل الثورة أو أوائل
انتصار الثورة أعزّة عند الشعب، أمّا
الآن فالشعب الإيراني لا يهتمّ بهم.
فحاولوا ترسيخ هذا الأمر أيضاً،
وقالوا أشياء اُخرى ساُشير إلى بعض
منها.
لقد
هبّت طهران بل إيران يوم وفاة هذا
العظيم، وكانت الأخبار تصلنا، ولو
كنتم قد ذهبتم إلى أيّة مدينة أو منطقة
لرأيتم اجتماع الناس في المسجد الجامع
أو في المراكز المهمّة، أو في البقاع
والأماكن المباركة مع أنّ الجثمان كان
بطهران. وقد عاشت طهران ـ في الحقيقة ـ
يوماً استثنائياً، فأهالي طهران كانوا
حاضرين يرون ذلك، وغيرهم قد شاهد ذلك
عبر التلفزيون. طبعاً أقول لكم إنّ
الكاميرا لا يمكنها عكس كلّ الحقيقة،
لقد كان الجمع عظيماً جدّاً، فقد رأيت
شباباً لم تتجاوز أعمارهم خُمس أو ربع
سنّ هذا العظيم يذرفون الدموع كالمطر،
فلمَ كاننوا يبكون؟ مع أنّهم لم يروا
حتّى مرّة واحدة في العمر هذا الشيخ
البالغ من العمر (103) سنوات، ولم يكونوا
يعرفونه قبل (3 ـ4) سنوات وإن كان
العلماء الكبار والحوزات يعرفونه،
فلماذا كانوا يبكون؟ ولمَ إيران هكذا؟
ولماذا كانت النسوة يلطمن على
صدورهنَّ ويبكين ويذرفن الدموع؟
ولماذا كان الرجال يذرفون الدموع
ويحاولون الوصول إلى الجثمان ولمسه في
هذا الاجتماع المهيب؟ لماذا؟ وما هو
السبب؟ إنّ لهذا أسباب كثيرة
ساُبيِّنها لكم:
أمّا
السبب الأوّل: فهو أنّ الشعب الإيراني
مازال يؤمن بالمقام الرفيع والعظيم
للمرجعيّة كالسابق، وأنّ الشعب
الإيراني يحبّ ويودّ العلماء ـ لا كلّ
متظاهر بالعلم ـ من أعماق قلبه،
إنّ
الشعب يتعلّق بعالم الدّين الحقيقي
وليس ذلك المعمّم الذي يحاول العدو
فرضه على النّاس
باسم
(عالم دين)، إنّ الشعب يكره مثل هذا
الإنسان، أمّا العالم الحقيقي فالشعب
يحبّة؛ لأنّه يعتقد أنّ صلاح الدُّنيا
والآخرة يكمن في الإسلام، وقد رأى
الخير من الإسلام، فقد منحه الإسلام
العزّة والحريّة. إنّ الإسلام قد منح
هذا الشعب الحريّة والنجاة من أيدي
الظلمة والأنظمة الفاسدة، ما عدا 2500
عام من الحكومة الملكيّة على إيران
التي ادّعوا بها، والتي لا نعلم عنها
شيئاً صحيحاً وهم كذلك لا يعلمون
وكانوا يقولون ذلك اعتباطاً. لقد
أهلكوا الشعب خلال القرن أو القرنين
الأخيرين التي مرّت على هذا البلد تحت
الحكم المشؤوم لسلاطين البهلويّة
والقاجار. لقد سقطت إيران في عهد الظلم
الملكي من عظمتها وعزّتها التأريخيتين
وتخلّفت عن ركب العلم والحضارة وعن
السياسة والاقتصاد وفقدت مصادرها
الحياتيّة، وقد رأى الشعب ذلك من جرّاء
حكم الملكيّة. فمن الذي أنقذهم من شرّ
هؤلاء الفسدة؟ ومن الذي أيقظهم من
نومتهم؟
إنّه
ذلك العالم العظيم. إنّ تقدّم العلماء
ومبادرتهم إلى هذه الميادين هو الذي
أنقذ الشعب؛ لهذا فإنّ الشعب على علاقة
بالعلماء الحقيقيين، وإن كانت نغمة
حريّة حقيقية تسمع في هذا البلد، فهي
من العلماء. إنّ هذا التأريخ لم يكتبه
العلماء بل كتبه أعداء العلماء لكنّهم
اعترفوا بهذه الحقيقة، لقد أظهر الشعب
حبّه للعلماء؛ ولهذا باءت خطط أعداء
الشعب بالفشل.
والسبب
الآخر: هو أنّ الأعداء طبّلوا لعدم
وجود من هو أهل للمرجعية في إيران، لكن
الشعب رأى باُمّ عينه فجأة انتشار
قائمة بالعلماء المؤهّلين للمرجعيّة
من قبل أهل الخبرة والفن الذين يمكنهم
تشخيص المرجع، والحوزات بأيديهم،
وقوام الحوزات بوجودهم، ويمكنهم طرح
المرجع للنّاس. طبعاً إنّ السادة قد
عرّفوا (5 ـ 6) فقط، حسناً، إنّهم رأوا
المصلحة في أن يعرّفوا (5 ـ 6)، فلا يمكن
ذكر أسماء مائة شخص، لكنّني أقول
لكم
إنّه لو أردنا أن نعدّد المؤهّلين
للمرجعيّة اليوم، لتجاوزوا المائة،
وقد ذكرت رابطة العلماء المجاهدين
اثنين منهم لكن هم مائة على أقلّ تقدير.
يقولون
إنّ الجذور العريقة وجيل العلماء
الكبار قد انتهى، فهل تعلمون أنتم من
هم العلماء الكبار وما هي الحوزات
العلمية؟
إنّ
ساسة بريطانيا وأمريكا ووكالات
الأنباء العالميّة لا يمكنهم إدراك
وتحليل أوضح قضايا هذا الشعب ولو كانوا
يدركون لما مُنوا بكلّ تلك الهزائم من
الشعب الإيراني، وعلى الرغم من أنّهم
غير قادرين على التحليل، لكنّهم
يتدخّلون في شؤون الحوزات التي هي من
أكثر المسائل تعقيداً ويبدون آراءهم
فيها، إنّ أهل الحوزة هم الذين يعرفون
من هو أهل ومن ليس بأهل، وأنتم هل
تعرفون شيئاً حتى تقولوا إنّ العلماء
الكبار قد انتهوا أو لم ينتهوا؟
لقد
ارتحل بعد الإمام (ره) عدد من المراجع
من الدرجة الأولى، وكان أربعة منهم
معروفين جداً وهم المرحوم آية اللّه
العظمى الأراكي، آية اللّه العظمى
الكلبايكاني، آية اللّه العظمى الخوئي
وآية اللّه العمظى المرعشي وما عدا
المرحوم الأراكي (ره) الذي كان يبلغ من
العمر (103) سنوات، كانت أعمار البقية
حوالي التسعين عاماً. وفي عام 1340 هـ ش
(1961م) عندما توفي المرحوم آية اللّه
العظمى البروجردي (ره)، كانت أعمار
هؤلاء السادة حوالي (60) عاماً، وعندما
توفّوا كانت أعمارهم (90) سنة، إذن قبل
(33) عاماً كانت أعمارهم بين (57) إلى (63)
عاماً، وهكذا الأمر دائماً، فعندما
عُرّف السيّد الخوئي والسيّد
الكلبايكاني والسيّد المرعشي للنّاس
على أنّهم مراجع، كانت أعمار البعض
منهم أقلّ من أو تساوي أعمار الذين
عرّفوا اليوم للمرجعيّة، فلماذا
يتفوّه هولاء بالكلمات اعتباطاً
ويقولون إنّ جيل علماء الحوزة قد انتهى.
فماذا
تعرفون؟ من هم علماء الحوزة ومن هم جيل
العلماء حتى تعطوا آراءكم اعتباطاً؟
والشي
الآخر هم أنّهم بدأوا يطرحون أفرادً
معيّنين وقالوا إنّ فلاناً هو الأعلم
وبدأو بإصدار الأحكام والفتاوى للشعب
المسلم، إنّ الشعب حسّاس في أمر
المرجعيّة أكثر من أيّ شيء آخر، وأنا
أقول لكم أيضاً أن أيّها الأعزّاء!
كونوا حذرين في أمر المرجعية، فلا
تجرّكم المشاعر والعواطف لجهة ما،
وتحقّقوا في الأمر بالطرق الشرعيّة
المعروفة،
فيجب أن يشهد شاهدان عادلان لا واحد
فقط، وليس كلّ شاهد عدل، بل من أهل
الخبرة، فيجب أن يشهد هؤلاء أنّ فلاناً
أهل للتقليد ليمكن تقليده. إنّ هؤلاء
يتوقّعون من الشعب الإيراني الحريص في
مسألة التقليد أن يسمع من الفسقة
والفجرة الذين يديرون إذاعة (بي. بي. سي)
والإذاعة الصهيونية، ويقولون: إنّ
فلاناً هو الأصلح فيجب على النّاس
تقليده. يا له من تصوّر ساذج، وإن كان
لاُولئك الذين ذكرتهم الإذاعة
البريطانيّة والصهيونيّة حظّ قليل
لرجوع البعض إليهم، فقد قلّ حظّهم بعد
أن ذكرتهم هذه الإذاعات. فإنّ أكثريّة
الشعب المؤمن في إيران يعمل خلاف ما
تقوله هذه الإذاعات لكثرة ما سمع من
الكذب ورأى خبث ولؤم الإذاعات
الأجنبيّة، فإنّ قالت هذه الإذاعات
قلّدوا فلاناً، لم يقلّده الشعب، وإن
أكّدت على شخص وقالت لا تقلّدوه، قلّده
الشعب، وهذه هي عادة شعبنا، وهي عادة
سليمة، وقد قال الإمام (رضوان اللّه
عليه): «إنّ النضوج الفكري هو مخالفة
الإذاعات الأجنبية والإعلام المعادي»،
فأيّ واد سلك الأعداء، فاعلموا أنّه
الباطل، والجبهة المقابلة هي الحقّ،
وبهذه المواقف صفع شعبنا الإعلام
المعادي في قضيّة المرجعيّة.
ويجب
عليّ أن أشكر أبناء الشعب ـ وإن كنّا
عاجزين عن شكرهم ـ الذين وضعوا اللبنة
الأخيرة في قضية رحيل المرحوم آية
اللّه العظمى الأراكي (ره) ومواقفهم
وتواجدهم في التشييع والصلاة عليه وفي
مجالس الفاتحة، وكذلك يجب أن أشكر
السادة في قم وطهران الذين أعطوا قائمة
بالذين يجوز تقليدهم، فقد عملوا
بوظيفتهم.
طبعاً
لا يمكن أن يقال: إنّ الذين لم تذكر
أسماؤهم في البيان هم أقلّ علماً من
الذين ذُكرت أسماؤهم، فإنّني لا
أستطيع قول ذلك، فقد قلت: إنّه لو ذهبتم
إلى قم الآن لرأيتم مائة شخص يمكن
إضافة أسمائهم إلى البيان ويجوز
تقليدهم.
وخلافاً
لما أظهره العدو عن وجود صراع على
المرجعية في إيران، فهم الذين يعيشون
في صراعات عجيبة من أجل نيل منصب صغير
في الدول الأوروبية وأمريكا وسائر
الدول التي تعيش الحضارة الماديّة.
فعلى سبيل المثال لأجل إحراز منصب
رئاسة بلدية في الولاية أو المدينة
الفلانية، أو من أجل الوصول إلى مجلس
النوّاب، فهم مستعدّون لسحق جميع
المقدّسات. وإني لاتحسّر عليكم ـ أيّها
الشعب العزيز ـ لعدم إتاحة الفرصة لكم
للاطلاع على بعض المقالات والمعلومات
التي تصلنا لتعلموا كم هو وضيع مستوى
العالم لأجل الوصول إلى الجاه والمقام.
فهذه الشخصيات التي تشاهدونها تظهر
أمام الكاميرا بهياكل مرتّبة ومنظمة
وألبسة مكويّة وأربطة العنق
والابتسامات المصطنعة مستعدّة
لارتكاب أيّة جريمة ممكنة للوصول إلى
المنصب، وأغلبهم هكذا. إنّني قد قرأت
كتاباً وثائقياً صحيحاً حول حادثة في
أمريكا، فقد ذُكرت في هذا الكتاب حقائق
عجيبة تهزّ الإنسان. على سبيل المثال
ما هي الجماعات التي تقاتلت وكيف
تقاتلت فيما بينها لأجل الفوز بالمنصب
الفلاني. إنّ هؤلاء يتصوّرون إنّ مسألة
المرجعية كذلك، كلاّ أيّها (السادة)
إنّكم مخطئون، فلا أثر للصراع على
المرجعيّة هنا، فهنا الكثير ممّن هو
أهل للمرجعيّة لكنّه لا يطرح نفسه،
وعندما يلتفت إليه الآخرون بعد (30 ـ 40)
سنة ويذهبون إليه لطرح رسالته، فلا
يطرحها إلاّ بعد الإلحاح الشديد
كالمرحوم آية اللّه العظمى الأراكي (ره)،
والآن أيضاً يوجد في قم بين الذين هم
أهل للمرجعيّة مَن إذا ذهب إليهم
الآلاف يريدون منهم دخول الساحة،
رفضوا ذلك، وقالوا: إنّ الآخرين
موجودون وللّه الحمد، فأمثال هؤلاء
موجودون ولا يقولون شيئاً ابداً رغم
أنّهم يرون أعلميّتهم، فالمجتهدون
غالباً ما يرون في أنفسهم الأعلميّة ـ
طبعاً لا أقول الجميع، بل الأغلب ـ
لكنّهم ليسوا على استعداد لطرح أنفسهم
ودخول الساحة. فهذا الإمام العظيم الذي
رأيتموه كيف لفت أنظار العالم إليه
وكان بإمكانه وضع البشريّة في قبضته،
بعد رحيل المرحوم آية اللّه العظمى
البروجردي (ره) لم يطرح رسالته، بل ذهب
وجلس في البيت ولم يوافق على طرح
رسالته مهما الحّوا عليه، وكنت من بين
الذين طلبوا منه ذلك، ولكنّه لم يردّ
عليّ، وكان يقول: إنّ السادة موجودون،
إلى أن ذهب جمع إليه وأجبروه ورتّبوا
رسالته ـ طبعاً فتاواه كانت معلومة ـ
وطبعوها، وهناك الكثير من أمثاله.
والآن
أيضاً هناك في الحوزات من هو أهل
للمرجعيّة منذ (20 ـ30) سنة لكنّه لا يذكر
اسمه ولا يسمح للذين يعرفونه بذكر
اسمه، وأكبر عمل قد يقوم به هو أن يطبع
نسخاً محدودة من رسالته يضعها في بيته،
فإذا جاء أحد إليه يقول له: هذه رسالتي
خذها واذهب!
إذن
لا صراع في الساحة كما طبّلت له
الإذاعات الأجنبية.
ومن
جملة الأقوال المخزية التي لا أصل لها
وحاولوا بيانها في إعلامهم هي أنّهم
أرادوا أن يقولوا بما أنّ أكثر العلماء
وكبار الحوزات العلمية مخالفون لتدخّل
الدين في السياسية، فهم مخالفون
للحكومة الإسلامية ولولاية الفقيه،
وأنّ الأكثريّة معهم، تفضّلوا وانظروا
أين الأكثريّة، إنّ الأكثريّة هم
الذين أصدروا البيانات، إنّ الأكثريّة
هم الذين طُرحت أسماؤهم اليوم.
نعم
هناك بين العلماء عناصر غير سليمة، ولا
نقول بعدم وجود عناصر غير سليمة في
الحوزات، بل هي موجودة في الحوزات كما
هي موجودة بين الكسبة وفي الجامعات وفي
الجيش، فهناك بين العلماء من أكلوا خبز
وملح إمام العصر (عج) لكنّهم أنكروا
الجميل، وخالفوا طريق إمام العصر،
فتذهب الإذاعات الغربية وتجري مقابلات
معهم، فهؤلاء مستعدّون لتأليف عشرة
كتب ويسبّوا جميع مقدّسات الجمهوريّة
الإسلاميّة، فأمثال هؤلاء موجودن
لكنّهم قلّة ويكرههم الشعب الإيراني
والمسلمون الثوريون.
فهل
تتصوّرون أنّ الشعب الإيراني يدع
اُولئك الذين تروّج لمرجعيتهم
الإذاعات الأجنبية لو اطّلع على
واقعهم وحقيقتهم،
إنّ الشعب الإيراني لا يتغاضى عن
الخونة، كما أنّه اليوم لم يتغاضَ
عنهم، وسوف لن يتغاضى عنهم في المستقبل
أيضاً.
هناك
مسألة اُخرى يلزم عليّ أن أقولها لكم،
وأرجو من الاُخوة والأخوات الأعزاء
الاستماع إليها دون التعبير عن
أحاسيسهم ومشاعرهم.
في
اليوم الأوّل لرحيل الإمام (ره) وعندما
ناقش مجلس الخبراء (مسألة القيادة)
وكنت عضواً في المجلس جاء بالنهاية اسم
هذا العبد الحقير في الساحة، واتّفقوا
على انتخاب هذا الموجود الضعيف لهذا
المنصب الخطير، فخالفت مخالفة جديّة،
ويعلم اللّه ما كان يجري على قلبي في
تلك اللحظات، فوقفت وقلت: تريّثوا
أيّها السادة، واسمحوا لي ـ وهذه كلّها
مسجّلة ومحفوظة بالصوت والصورة ـ
وشرعت بالاستدلال على أن لا ينتخبوني،
ومهما ألححت على ذلك، لكنّهم لم
يقبلوا، وكلّما استدللت ردّ المجتهدون
والفضلاء المتواجدون هناك عليّ
أدلّتي، وكنت مصمّماً على عدم القبول
لكن رأيت أن لا مفرّ منه، لماذا؟ لأنّه
على حدّ قول الذين أثقّ بهم إنّ هذا
الواجب قد تعيّن فيَّ، يعني إن لم
أتحمّل هذا الحمل فسيبقى مطروحاً على
الأرض، عندها قلت: إنّني أقبل؛ لأنّي
رأيت أنّ الحمل سيبقى مطروحاً على
الأرض، ولكي لا يبقى على الأرض، فإنّي
حملته، ولو وجد شخص أو كنت أعلم بشخص
يحمله ويقبله الآخرون، لم أكن لاقبل
بحمله، ثمّ قلت: ربّنا عليك توكّلنا
واللّه قد أعاننا إلى يومنا هذا.
وقبل
هذا حصل نفس الشيء، فإنّني انتُخبت في
دورتين لرئاسة الجمهوريّة، ولم أكن
راضياً في كلا الدورتين. أمّا في
الدورة الاُولى، فقد كنت خارجاً من
المستشفى للتوّ، لكنّ الزملاء قالوا:
إن لم تقبل فإنّ الحمل سيبقى مطروحاً
على الأرض، ولا أحد ينهض به، فاضطررت
لقبول ذلك، وأمّا في الدورة الثانية،
فقد قال الإمام لي: إنّه متعيّن فيك،
ذهبت إليه وقلت: سيّدي إنّني لا أقبل،
إنّني لا أدخل الساحة هذه المرّة، قال:
إنّه متعيّن فيك. أي أنّ الواجب ليس
واجباً كفائيّاً، بل هو عيني، فإنّ كان
واجباً عينياً، فإنّني لا اُفرغ كاهلي
عن أيّ حمل.
أيّها
الأعزّة! إنّ الموضوع في قضية
المرجعيّة ليس هكذا، إنّ الحمل سوف لن
يبقى على الأرض مطروحاً، إنّ هذه
القضية ليست متوقّفة على فرد، طبعاً
إنّ السادة قد أعطوا قائمة وذكروا اسم
هذا الحقير فيها أيضاً، لكنّهم لو
سألوني لقلت لهم: لا تفعلوا ذلك، فقد
فعلوا ذلك دون علمي، وقد علمت به بعد أن
أصدروا البيان، وإلاّ لما سمحت لهم
بذلك، حتّى أنّني اتّصلت بالتفلزيون
وقلت لهم: إنّ رضي السادة، فلا تقرأوا
اسمي حينما تقرأون البيان، قالوا: لا
يمكن ذلك، إنّه تحريف للبيان، إنّ
السادة قد اجتمعوا لساعات، فلا يمكن
ذلك، ولهذا قرأوا البيان.
أيّها
الشعب العزيز! أيّها السادة الأكارم
والعظام الّذين تبعثون الرسائل من كلّ
حدب أن اطرح رسالتك، إنّ حملي الفعلي
ثقيل جدّاً، إنّ حمل قيادة نظام
الجمهورية الإسلامية والمسؤوليات
الدنيوية العظيمة كحمل عدّة مراجع،
فاعلموا هذا، فإنّ جمع حمل عدّة مراجع
مع بعضهم، فربّما ساوى حملهم ثقل
القيادة، وإن كنت لا أتصوّر ذلك، فلا
ضرورة حالياً. نعم إن بلغ الوضع ـ
والعياذ باللّه ـ مرحلة بحيث وجدت أنّه
لا مفرّ منه، قلت لا عيب في ذلك، فلا
أعترض على أن أحمل ـ بالفضل الإلهي ـ
على كاهلي هذا الحمل في الموضع الذي
اضطر فيه رغم ضعفي وفقري. لكن الأمر
الآن ليس هكذا، إذن لا حاجة الآن،
والمجتهدون كثيروهن وللّه الحمد.
إنّني
ذكرت قم فقط وهناك في غير قم أيضاً
مجتهدون أهل للمرجعيّة، فما الدّاعي
لأن نضع هذا الحمل فوق الحمل الثقيل
الذي وضعه اللّه تعالى على الكاهل
الضعيف لهذا الحقير الضعيف، فلا حاجة
لهذا الشيء. فاُولئك الذين يصروّن أن
اطرح رسالتك يجب عليهم أن يلتفتوا إلى
إنّني استثقلت قبول حمل مسؤولية
المرجعيّة لهذا السبب؛ لأنّ السادة ـ
وللّه الحمد ـ موجودون، ولا حاجة لهذا،
طبعاً، الأمر خارج إيران شيء آخر،
فإنّني أتقبّل الحمل، لماذا؟ لأنّه لو
لم أحمل أنا ذلك الحمل لضاع، لكن في
اليوم الذي أشعر فيه أن السادة يمكنهم
تحمّل مسؤوليّة خارج البلاد فسوف
أنسحب من هناك أيضاً، أمّا اليوم
فإنّني أتقبّل طلب الشيعة خارج إيران؛
لأنّه لابدّ منه كسائر الموارد التي
اضطررت لها، لكن لا حاجة لذلك داخل
إيران، فالسادة بحمد اللّه موجودون
هنا اليوم، وهذا كاف برأيي كفاية لازمة
بل هو فوق المقدار الضروري.
إنّ
الوجود المقدّس لولي العصر (أرواحنا
فداه وعجّل اللّه تعالى فرجه) هو
الحافظ والناظر على الحوزات العلميّة
والعلماء العظام، وهو الهادي لقلوب
المراجع وقلوب الشعب.
والسلام
عليكم ورحمة اللّه وبركاته
|