بسم
الله الرحمن الرحيم
أُرحّب
بجميع الأخوة والأخوات الأعزاء الكرام
وخاصّة الضيوف القادمين من المناطق
النائية، الوافدين إلى دارهم وإلى
وطنهم.
احدى
البركات التي منَّ بها الباري تعالى على
المسلمين هو أن جعلهم يلتفّون حول محاور
مشتركة مقبولة لديهم. وإذا ما توفرت مثل
هذه الغاية لمجموعة ما، فعليهم ان
يعتبروها مِن نعم اللّه التي توجب الشكر.
وعلى
هذا الأساس نعتقد اعتقاداً جازماً أن
الأمّة الإسلامية الكبرى والاخوة
والأخوات المسلمين من أتباع المذاهب
الإسلامية المختلفة يجب أن لا يدعوا
الاختلاف يدخل في تعاملهم مع بعضهم، وان
ينظروا بعين الاهتمام إلى المشتركات
التي تجمع بينهم، ويلتفوا حول بعضهم.
لقد
حملت الثورة الإسلامية هذا النداء إلى
جميع المسلمين حتى قبل انتصارها. وطفقت
من بعد انتصارها حتى يومنا هذا تؤكد
وتوصي وتطلب من جميع الاخوة المسلمين في
مختلف بقاع العالم أن يعملوا على توحيد
وتلاحم الأمة الإسلامية بعيداً عن
الاختلافات العقائدية والمذهبية
والكلامية والفقهية، ويقفوا صفّاً
واحداً بوجه العالم الذي يناهض الإسلام
بشدّة، ويسخّروا ما يبلغونه من وحدة
وعظمة لصالح الإسلام والمسلمين.
ومن
هذا المنطلق جاء اجتماع الاخوة من أتباع
مذهب أهل البيت(عليهم السلام)؛ إذ أنه لم
يأتِ في سبيل مجابهة غيرهم من المسلمين
أو لاصطناع الحواجز بين أتباع المذاهب
الفقهية والكلامية، وانما جاء في سبيل
الحفاظ على كيان اتباع أهل البيت.
أتباع
أهل البيت مظلومون في معظم بقاع العالم،
والشعب الإيراني الذي يشكل أتباع أهل
البيت الأكثرية الساحقة فيه، شعب مظلوم.
ومظلومية الشيعة لا تنحصر في الأماكن
التي يكونون فيها أقلية قليلة،
كالأماكن التي توجد فيها حوالي ألف
عائلة شيعية في بلد كبير مثلاً، بل ان
الشيعة مظلومون حتى في إيران،
والمظلومية لا تتنافى مع الاقتدار؛
فلعلك تجد شخصاً أو شعباً يعاني من
الظلم وهو في غاية الاقتدار.
كان
مولانا ومقتدانا أميرالمؤمنين عليه
التحية والسلام في غاية الاقتدار وفي
منتهى المظلومية أيضاً؛ فالحروب
الثلاثة التي أُرغم على خوضها في فترة
خلافته القصيرة ثم استشهاده على تلك
الصورة الفجيعة، وما تلا ذلك من اختفاء
مرقده الشريف مدّة تربو على قرن من
الزمن تدلّ كلّها على مدى الظلم الذي
لحق به.
الشعب
الايراني مظلوم أيضاً. وهكذا حال الشيعة
في الكثير من بقاع العالم. وسبب ذلك هو
ان مذهب أهل البيت (عليهم السلام) قـام
مـنذ البـداية بمكافحة التحريف ومجابهة
محاولات تطويع الاسلام لرغبات السلطات
الحاكمة.
ومن يتقصى حياة الأئمة (عليهم السلام)
يلمس هذه الحقيقة جلية فيها، حيث كانوا
في عهد خلفاء بني أمية وبني العباس
كالاعلام والرايات الدالّة على الإسلام
الحقيقي النقي من التحريف. وهو الإسلام
الذي لم تكن السلطات قادرة على الانتقاص
منه أو اضافة شيء إليه في سبيل بسط
هيمنتها أو ضمان مصالحها وترفها.
لا
نريد القول ان الشيعة هم الذين رووا ذلك
وحدهم. بل يمكن العثور على امتداد تاريخ
الإسلام على أمثلة لمن كانوا، يضعون
الأحاديث ويحرّفون تفسير الآيات
القرآنية الشريفة خدمة لأغراض بعض
السلاطين والحكام، فكان الأئمة
يجابهونهم. والظلم يقع على كل من يقف
بوجه ذلك التحريف ويتصدى لمحاولات جر
الدين إلى هذا الاتّجاه أو ذاك خدمة
لمصالح أصحاب النفوذ والسلطة. وهذا
المذهب بذاته وهذه العقيدة بذاتها تحمل
هذه الخاصية. ولا مفر من ذلك، ولا يمكن
ايقاف محاربة هذه الأساليب العدائية.
وليس
معنى هذا ان الشيعة منهمكون حيثما
كانوا، بالمجاهدة والمجابهة، بل انّهم
يعيشون في ربوع الأمّة الإسلامية
الكبرى حياة عادية. بيد ان الأفكار التي
أفرزها قيام الثورة الإسلامية في
إيران، وما تبعها من استقلال واستقرار
سياسي مقرون بهذه العزّة الإسلامية،
يؤدّي إلى تربية أمّة بمثل هذه الشجاعة
وبمثل هذه القوّة. وهذا ما لا يروق
لمستكبري العالم، فينبرون لمواجهته،
ومن الطبيعي ان تتخذ هذه المواجهة صوراً
شتّى، ومن جملتها تحريف كلام مذهب قادة
المواجهة.
جاء
قيام هذا النظام عبر استلهام حركة
الأئمة، ومن خلال محبّة أهل البيت (عليهم
السلام) ونهضة الإمام الحسين (ع). أنتم
لاحظتم ـ منذ قيام الثورة ومنذ أن أُقيم
صرح هذا البناء الشامخ على أساس
التعاليم الأصلية للإسلام ـ وتلاحظون
هذه الكميات الهائلة من الكتب
والكراسات والمواضيع التي لا تعد ولا
تحصى التي كتبت ونشرت ضد الشيعة. حينما
يأتون إليَّ بتلك الكتب والكراسات
وانظر فيها أدرك ماهية العمل الذي
تقترفه تلك الأيدي المجرمة الآثمة في
تشويه فكر أهل البيت (عليهم السلام)
وتقديمه للناس وللشباب بصفته فكراً
منحرفاً عن الإسلام. إذ تجد فيه شتى
الأكاذيب والتلفيقات والاتهامات بشق
عصا الوحدة وتحريف القرآن.
ولكن
لماذا يفعلون ذلك؟ انهم
يفعلون ذلك لأن هذه الحركة، وهذا الفكر،
وهذه الثورة، وهذا النظام الشامخ، وهذه
العزة الإسلامية، وصمود هذا الشعب بوجه
رغبات الاستكبار وعلى رأسه الشيطان
الكبير أمريكا، يستقطب إليه أفئدة
الشباب وكل القلوب النابضة بالحياة في
العالم الإسلامي. وهذا ما تخشاه القوى
المستكبرة، ويعتبر أمراً خطيراً
بالنسبة لها.
الاستكبار
على بيّنة من ان قلوب الشعوب في أكثر
البلدان الإسلامية مع الجمهورية
الإسلامية، ويعلمون ان العمق السياسي
والستراتيجي للجمهورية الإسلامية يكمن
في البلدان الإسلامية الأخرى من شمال
أفريقيا إلى شرق آسيا. وهذا هو السبب
الذي يدفعهم إلى تحريف الفكر الشيعي
وإلصاق التهم به ورسم صورة قبيحة له،
والتهجم على الجمهورية الإسلامية،
فيلحق الظلم، من جرّاء ذلك، بالشيعة.
عليكم
انتم أيّها الأخوة والأخوات المشاركون
في هذا التجمع الإلهي العظيم ان تعتبروا
عملكم هذا بمثابة جهاد حقيقي، ويجب أن
تكون لكم القدرة على الدفاع عن فكر مذهب
أهل البيت (عليهم السلام) وعن شيعتهم،
وعليكم أن تبرزوه على صورته الناصعة
والحقيقية، وعليكم أن تحولوا دون وقوع
الظلم على هذه الثُلة في مختلف أرجاء
العالم، وان تحولوا دون وقوع هذه
الجماعة التي يُعبّر عنها بـ«أيتام آل
محمّد (ص)» في الفتنة الفكرية أو الجسدية.
وهذه بطبيعة الحال مهام ثقيلة.
ونحن
بصفتنا دولة إسلامية نستشعر هذا
التكليف، ونشعر بأننا مسؤولون عن أتباع
مذهب أهل البيت (عليهم السلام) في أصقاع
العالم وفي البلدان الإسلامية؛ سواء في
مجال حياتهم الفكرية أم في مجال تربية
أولادهم، أم في علاقاتهم مع بعضهم، وكذا
في مجال الضغط والملاحقة التي يتعرضون
لها بسبب انتمائهم العقائدي والمذهبي؛
انهم يتعرضون لظلم جسيم حقاً. وهذا ما
يفرض على هذه المجموعة الشعور
بالمسؤولية تجاه هذا الواقع.
عليكم
ان شاء اللّه ان استطعتم بما لديكم من
همّة عالية، وبما يوفّره لكم نفس هذا
التجمع حول بعضكم من اندفاع وهمّة، ان
تعملوا بكل قوّة في هذا السبيل وعلى
طريق هذا الجهاد الكبير والحركة
العظيمة التي فيها رضا الأئمة الأطهار (عليهم
السلام)، وفيها رضا بقية اللّه أرواحنا
فداه. وإن عملكم هذا عمل كبير، وهو فرض
أيضاً.
نحمد
اللّه ان أصبح لواء مقارعة أعداء
الإسلام اليوم بيد أتباع مذهب أهل
البيت، وبيد هذا الشعب العظيم الشجاع
الذي لا يخشى أحداً غير اللّه. هذه هي
حقيقة الشعب الإيراني اليوم. وهذه القوى
الاستكبارية التي أضحت اليوم شبحاً
مخيفاً للشعوب وللحكومات وللشخصيات
الفكرية والثقافية، ليست لها اية أهمية
في نظر الشعب الإيراني.
الشعب
الإيراني يسير فقط نحو اداء تكليفه
ومسؤوليته ومواصلة طريقه النيّر،
ويحارب الشياطين ويقف بوجه مطامعهم. ان
أكبر أنواع المجابهة للاستكبار
والشياطين المستكبرين هي أن لا يستسلم
المرء لإرادتهم ولرغباتهم الشيطانية.
وهذا هو ما اضطلع به الشعب الإيراني
اليوم. وهذا هو الطريق الذي شقّه لنا
إمامنا وسار عليه الشعب الإيراني وبلغ
من خلاله عزّته، وهو لازال يواصل هذا
الطريق وبنفس القوّة، وقدّمنا لأجله
كبار الشهداء ونذرت له نفوس كريمة
وعزيزة. إلا ان الشعب الإيراني على ثقة
بأن رفعته تكمن عبر مواصلة هذا الطريق،
وسيستمر ان شاء اللّه بالسير عليه. وان
النصر سيكون ـ حسب وعد اللّه ومشيئته ـ
حليف المجاهدين في سبيله.
أسأل
اللّه التوفيق والتأييد لكم جميعاً
أيّها الأخوة والأخوات والأعزاء، وان
ينير قلوبكم بنور هدايته وإيمانه ويشرح
صدوركم، وان تسيروا قدماً بهذه الحركة
العظيمة وهذه الخدمة القيّمة لتبلغوا
ضالّتكم وأهدافكم المنشودة.
والسلام
عليكم ورحمة اللّه وبركاته
|