الحج في فكر الإمام الخميني العظيم

الحج في فكر الإمام

الحجر الأسود

في ذلك الوادي الذي وصفه الله ـ تعالى ـ بأنه (غير ذي زرع) يرفع إبراهيم وإسماعيل قواعدَ البيت الحرام، وعيونهما بين لحظة وأُخرى ترمقان السماء، ويدعوان الله ـ تعالى ـ أن يتقبل عملهما ويجعله خالصاً لوجهه الكريم (وإذا يرفع إبراهيمُ القواعد من البيت وإسماعيلُ ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم)[1].

وما إن وصلا ببناء الكعبة إلى المكان الذي شاء الله ـ تعالى ـ أن يوضع فيه الحجر الأسود (الركن الشرقي من جدار الكعبة، بينه وبين الأرض ذرعان وثلثا ذراع، مقابل زمزم..)[2] حتى أمر إبراهيمُ إسماعيلَ قائلاً: اِئتني بحجر ليكون علماً للناس، يبتدئون منه الطواف. فأتاه بحجر لم يرضه... وبعد هنيئة وإذا بحجر بين يدي إبراهيم. فيعجب إسماعيل لهذا، ويسأل: من أين جاء هذا الحجر؟ فيُجيبه إبراهيم: جاءني به جبريل من عند مَن لم يتكل على بنائي وبنائك، ولم يكلني على حجرك[3].

ويكتمل البناء، ويُرفع الأذان بالحج على لسان نبيِّ الله إبراهيم، ويلبي الناسُ دعوته من كلّ مكان، وتبدأ مسيرة الحج العظيمة لتستمر عَبر التأريخ وإلى ما شاء الله تعالى:

(وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كلّ ضامر يأتين من كلّ فجٍّ عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسمَ الله في أيام معلوماتٍ على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكُلوا منها وأطعِموا البائسَ الفقير ثم ليقضوا تفثَهُم وليوفوا نذورهم وليطوّفوا بالبيت العتيق)[4].

وبقيت الكعبة على هيئتها من عمارة إبراهيم عليه السلام حتى أتى عليها سيل عظيم انحدر من الجبال فصدع جدرانها بعد توهينها ثمّ بدأت تنهدم، فاجتمع كبراء قريش، وقرّروا إعادة بنائها.. وراحت قريش تنفذ ما قررته حتى ارتفع البناء إلى قامة الرجل، وآن لها أن تضع الحجر الأسود في مكانه من الركن، اختلفت حول مَن منها يضع الحجر في مكانه، وأخذت كلّ قبيلة تطالب بأن تكون هي التي لها ذلك الحقّ دون غيرها، وتحالف بنو عبد الدار وبنو عدي أن يحولوا بين أية قبيلة وهذا الشرف العظيم، وأقسموا على ذلك جهد أيمانهم، حتى قرّب بنو عبد الدار جفنة مملوءة دماً، وأدخلوا أيديهم فيها توكيداً لأيمانهم؛ ولذلك سُمُّوا «لَعَقَة الدم». وعظم النزاع حتى كادت الحرب أن تنشب بينهم لولا أن تدخل أبو أمية بن المغيرة المخزومي بعد أن رأى ما صار إليه أمر القوم، وهو أسنهم، وكان فيهم شريفاً مطاعاً، فقال لهم:

يا قوم؛ إنما أردنا البرَّ، ولم نرد الشرَّ فلا تحاسدوا، ولا تنافسوا فإنكم إذا اختلفتم تشتت أُموركم، وطمع فيكم غيركم، ولكن حكموا بينكم أول مَن يطلع عليكم من هذا الفج [أو اجعلوا الحكم بينكم أول مَن يدخل من باب الصَّفا] قالوا: رضينا وسلمنا[5].

فلما قبلوا هذا الرأي، أخذوا ينظرون إلى باب الصفا منتظرين صاحب الحظّ العظيم، والشرف الرفيع الذي سيكون على يديه حقن دمائهم، وحفظ أنفسهم... فاذا بالطلعة البهية، والنور الساطع.. أُنظروا.. إنه محمّدٌ بن عبد الله.. إنه الصادق الأمين.. وبصوت واحد.. هذا الأمين قبلناه حكماً بيننا.. هذا الصادق رضينا بحكمه.. ثمّ تقدم نحوه كبراؤهم وزعماؤهم.. يا محمد! أحكم بيننا فيما نحن فيه مختلفون! نظر إليهم رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلم فرأى العداوة تبدو في عيونهم.. والغضب يعلو وجوههم.. والبغضاء تملأُ صدورهم.. أيُّ قبيلة سيكون لها هذا الشرف العظيم، والفخر الكبير، إن حكم لقبيلة دون أُخرى؟ وهل سيرضون بحكم كهذا، وقد ملئت قلوبهم بغضاً، ونفوسهم حقداً، ووضعوا أيديهم على مقابض سيوفهم، وعلت الرماح فوق رؤوسهم؟

في هذا الجو المرعب المخيف والمحاط بالشرّ، كلّ الشرّ، يقف الصادق الأمين ليعلن حكماً ينال رضاهم جميعاً، ويعيد السيوف إلى أغمادها.. الجميع سكوت ينتظر ما يقوله فتى قريش وأمينها، وهو في هذا العمر (35 سنة) أمام شيوخ قريش وساداتها.. قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: هَلُمّ [هلمّوا] إليّ ثوباً، الكلُّ ينظر إليه، ماذا يُريد بهذا محمد؟ فيقول آخرون: انتظروا لنرى. أُتي بالثوب، نشره بيديه المباركتين، رفع الحجر ووضعه وسط الثوب، ثمّ نظر إليهم وقال: ليأخذ كبيرُ كلِّ قبيلة بناحية من الثوب. فتقدّم كبراؤهم وأخذ كلّ واحد منهم بطرف من أطراف الثوب، ثم أمرهم جميعاً بحمله إلى ما يحاذي موضع الحجر من بناء الكعبة حيث محمد بانتظارهم عند الركن. تناول الحجر من الثوب ووضعه في موضعه، فانحسم الخلاف، وانفضّ النزاع بفضل حكمة الصادق الأمين[6]، التي منعت الفتن أن تقع، وحفظتِ النفوس أن تزهق، والدماءَ أن تُراق. حقاً إنّك يا رسول الله رحمةٌ للعالمين قبل بعثتك نبيّاً وبعدها، حياتك عطاءٌ كلّها وخيرٌ وبركة كلّها. رفعتَ الحجر بيدك المباركة من الأرض، ثمّ رفعته ثانية لتضعه في مكانه فنال بذلك بركات أيدٍ ثلاث لأنبياء عظام (إبراهيم وإسماعيل ومحمد صلوات الله عليهم).

ولم يزل هذا الحجر في الجاهلية والإسلام محترماً معظّماً مكرّماً، ولم يعتدَ على حرمته ومكانته حتى جاء القرامطة يتزعمهم أبو طاهر القرمطي سنة 317 هـ ودخلوا مكّةَ عنوة (يوم التروية)، فنهبوها وقتلوا الحُجّاج، وسلبوا البيت، وقلعوا الحجر الأسود ثم حملوه معهم إلى بلادهم بالإحساء من أرض البحرين، ويقال: إنّه لما أخذ الحجر، قال: هذا مغناطيس بني آدم، وهو يجرّهم الى مكّة، وأراد أن يحول الحجّ الى الإحساء. وبقي عندهم اثنتين وعشرين سنة، وقد باءت كلّ محاولات ردّه بالفشل، حتى توسط الشريف أبو علي عمر بن يحيى العلوي بين الخليفة المطيع لله في سنة 339 وبينهم حتى أجابوا الى ردّه وجاءُوا به إلى الكوفة، وعلّقوه على الأسطوانة السابعة من أساطين الجامع، ثم حملوه وردّوه إلى موضعه في شهر ذي القعدة من سنة 339 هـ، وصُنع له طوقان من فضة وأحكموا بناءَه[7].

وهناك بعض الاعتداءات والتجاوزات التي كان الحجر الأسود عرضةً وهدفاً لها، لكنها لم تصل في خطورتها إلى اعتداء القرامطة المذكور[8].

وظل هذا الحجر موضعاً يتبرك به الناس، يتزاحمون على استلامه، وعلى تقبيله بدءاً برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، فقد كان صلّى الله عليه وآله وسلم يقبّل الحجر الأسود عند دخوله إلى البيت، وقبل أن يبدأ طوافه سبعاً، ويعيد تقبيله بعد أن ينهي الطواف والصلاة.

ولما أراد أن ينطلق مهاجراً إلى المدينة، جاء إلى الكعبة واستلم الحجر الأسود، وقام وسط المسجد ملتفتاً إلى البيت قائلاً: إني لأعلم ما وضع الله ـ عزّ وجلّ ـ في الأرض بيتاً أحبّ إليه منكَ، وما في الأرض بلدٌ أحبّ إليّ منكِ (مكة)، وما خرجتُ عنكِ رغبةً، ولكن الذين كفروا هم أخرجوني...[9].

فكان تقبيل الحجر واستلامه أول عمل له صلّى الله عليه وآله وسلم في المسجد قبل الطواف، وقبل أن يقول أو يعمل شيئاً.

واقتدى المسلمون بسيرته صلّى الله عليه وآله وسلم، فأخذوا يقدسون الحجر الأسود ويعظمونه، وراحوا يتسابقون لاستلامه وتقبيله تبركاً به؛ لأن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم كان يستلمه ويقبله ويستقبله ويدعو عنده... وقد ورد في ذلك حشدٌ من الروايات التي تصرح وبضرس قاطع بجواز التبرك بهذا الحجر استلاماً وتقبيلاً... إضافةً إلى آراء فقهاء المسلمين وعلمائهم على اختلاف مذاهبهم ومدارسهم الفقهية وكلّها تؤكد استحباب التبرك به... كما تبين وجوب الابتداء بالطواف حول الكعبة وبأشواطه السبعة، من الحجر الأسود والانتهاء إليه. وعدم صحة الطواف بل بطلانه إذا لم يبدأ به وينتهي إليه. ولم أجد فيما تيسر لي من المراجع مخالفاً لذلك الاستحباب وهذا الوجوب.

قالوا في الحجر الأسود:

كثرت الأقوال، واختلفت الآراء، والتساؤلات عن الحجر الأسود؛ من أين أُتي به؟ ومن أيّ شيء هو؟ وهل يضرُّ أو ينفع؟ وما هذهِ الهالة التي أُحيط بها في الروايات والأقوال وهو لا يعدو كونه حجراً عادياً؟..

وقد توفرتُ على كثير من هذهِ الأقوال والآراء، وقبل أن أذكر بعضاً منها، أقول: كلّ هذهِ الأقوال والآراء ـ التي دوّنت بعضها وتركتُ بعضها الآخر لا لشيءٍ إلاّ للإختصار ليست هي السبب في فضله، وقدسيته عندنا في تعظيمنا له؛ لأنّ ذلك الفضل وتلك القدسية وهذا التعظيم، وأيضاً وجوب البدء به في كلّ شوط من الطواف والانتهاء اليه، واستحباب التبرّك به تقبيلاً ولمساً أو استلاماً والدعاء عنده... كلّ هذهِ الأُمور ثبتت عندنا بالسنّة الصحيحة لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فعلاً وقولاً وتقريراً، وسار عليها الصالحون وعموم المسلمين تعبداً، واقتداءً واتّباعاً لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وتأسيّاً به، ولا يهمنا بعد هذا ما تحمله تلك الأقوال والآراء ككونه درّة بيضاء في الجنّة، أو أنزله جبريل من السماء، أو كان ياقوتاً أو جوهراً أو شيئاً آخر، أو أنه كما قرأت: مِن أن رجلاً من القرامطة، قال لرجل من أهل العلم بالكوفة، وقد رآه يتمسّح به وهو معلّق على الأُسطوانة السابعة: ما يؤمنكم أن نكون غيّبنا ذلك الحجر وجئنا بغيره؟ فقال له: إنّ لنا فيه علامة، وهو أننا اذا طرحناه في الماء لا يرسُب، ثمّ جاءَ بماء فألقوه فيه، فطفا على وجه الماء[10].

نعم، قد تزيدنا هذه الأقوال والآراء معرفةً به، واطلاعاً عليه، لو ثبتت أمام التحقيق العلمي لها. أما لو تركنا نحن وهذهِ الأقوال والآراء ـ وبعيداً عن السنّة المباركة ـ فإنّنا لا نستفيد تلك القدسية ولا ذلك الوجوب أو الاستحباب.

صحيح أن قراءة روايات الحجر الأسود التي سأذكر قسماً منها من السنّة والشيعة، وقراءة سيرة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم من الوقوف مستقبلاً هذا الحجر والدعاء عنده، ولمسه أو استلامه وتقبيله... هذه القراءة تبين لنا أنه حجر ذو شأن كبير وأثر عظيم، وأنه ليس كباقي الأحجار الأُخرى التي قد يحمل نفس مكوّناتها.

وعلى فرض صحة ما ذكرناه من أن إبراهيم عليه السلام قال لإسماعيل: إئتني بحجر ليكون علماً للناس، يبتدئون منه الطواف، لكن هذا لا يمنع من أن تكون له أغراض أُخرى، ـ غير كونه علماً يُبتدأُ منه الطواف ـ إن لم تكن في الدنيا ففي الآخرة كما تحدّثت عنها روايات الفريقين، وليس عجيباً وغريباً أن يدلي بشهادته في ساحة الحساب الأكبر (يومَ تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه...)[11].

قال تعالى: (... الذي أنطق كلّ شيء...)[12].

فينطق الحجر الأسود، ويشهد على كلِّ عهد، وكلِّ ميثاق تمّ في ساحته، حيث بداية مسيرة الطواف، فيستقبله كلُّ حاج ويدعو ويتعهّد عنده بالتخلي عن كلّ ما ارتكبه من انحراف ومن ذنوب ومخالفات. وأنه يجدّد البيعة لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم والالتزام بما جاء به من عند الله ـ تعالى ـ ويتعهد أيضاً بالطاعة والانضمام إلى موكب التائبين، كما ستقرأ ذلك في الأدعية المأثورة عند الحجر وأول الطواف.

وعندئذٍ سيكون نطقه وستكون شهادته ضارةً أو نافعة لنا وبالتالي يمكن وصفه بأنه ضارٌ أو نافعٌ.

ولكنّا لو تركنا هذا كلّه وقلنا: إنه حجر كباقي الأحجار المبعثرة هنا وهناك، وإنه لا يستحق هذهِ الكثرة من الروايات والأقوال والآراء.. وبالتالي ليس هناك سببٌ لأن يحظى بالقدسية والاهتمام. ويبقى مجرد علامة يستدلّ بها الحجاج على بدء أشواط الطواف. إن قلنا هذا فسنواجه أسئلة كثيرة قد تثار، منها:

ما هذهِ الفضيلة والقدسيةُ اللتان أُعطيتا له من قبل المسلمين بكلّ مذاهبهم وعبر تأريخهم الطويل؟

وما هذا الاهتمام والاعتناء به والحرص عليه من قبل المسلمين؟ ناهيك عن أهل الجاهلية الذين كاد الأمر يصل بهم الى سفك الدماء وقتل الأنفس من أجل نيل شرف وضعه في مكانه لولا رحمةُ الله ـ تعالى ـ وحكمة الصادق الأمين كما قرأنا.

ولماذا لم يوضع حجر آخر مكانه عند سرقته من قبل القرامطة، فقد ترك مكانه خالياً طيلة فترة غيابه عندهم؟ ولماذا لم يبدل بشيء آخر أو بحجر غيره كما بدلت أحجار الكعبة في كلّ عملية هدم وبناء تعرضت لها الكعبة في تأريخها، وقد شمل التبديل حتى القواعد من البيت؟ فإن التاريخ لم يذكر لنا مثل ذلك. فقد بقي الحجر الأسود منذ أن وضعه إبراهيم عليه السلام في مكانه، يحمل الشكل نفسه والصفات ذاتها، إلاّ اللون الذي كان أبيضَ ناصعاً فاسودّ كما نقلت ذلك الروايات و... .

وجوابنا هو: أنه حتى وإن قلنا: بأنه حجر كباقي الأحجار لا يفوقها بشيء، وتعرضنا لمثل هذهِ الأسئلة، جوابنا أن الله ـ تعالى ـ قد تعبدنا به كما تعبدنا بغيره، وليس لنا  ـ كمسلمين ـ إلاّ الانقياد لذلك؛ لأن الانقياد إلى الله تعالى، وللذي تعبدنا به هو جوهر الدين وحقيقته، وإن لم نعرف العلة والحكمة من ذلك، ويجب علينا المحافظة على ما تعبدنا الله ـ تعالى ـ به، ورعايته بل وتقديسه.

ثم علينا بعد هذا أن نسكت عما يسكت الله تعالى ورسوله عنه. ولو توقفت المصلحة على التفاصيل لكان على الله تبيانها ولو من باب اللطف. ومن الحسن أن لا نخوض في أُمور لا يزيدنا الخوض فيها إلاّ جهلاً وإلاّ غموضاً وتعقيداً، وتكون بالتالي ميداناً لأن يُلقي بعضٌ بخرافاته وأوهامه، وبعض يهرف بما لا يعرف... بالتالي نفقد أشياء كثيرة في خضم هذه الأجواء.

بعد هذا نأتي إلى ذكر بعض ما قالوه في الحجر الأسود:

... عن محمد بن علي بن الحسين قال: روي عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام: ... وكان أشدّ بياضاً من اللبن فاسودّ من خطايا بني آدم، ولو لا ما مسّه من أرجاس الجاهليّة ما مسّه ذو عاهة إلاّ برئ[13].

قال سلمان رحمه الله: ليجيئن الحجر يوم القيامة مثل أبي قبيس له لسان وشفتان، ويشهد لمن وافاه بالموافاة[14].

... عن الإمام الرضا عليه السلام: ... إن الله لمّا أخذ مواثيق بني آدم التقمه الحجر، فمن ثمن كلّف الناس بتعاهد ذلك الميثاق.. ويقال عنده: أمانتي أدّيتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة[15].

قال أبو عبد الله عليه السلام: ...، إن للحجر لساناً ذلقاً يوم القيامة يشهد لمن وافاه بالموافاة.. ثمّ ذكر حديث خلق آدم وأخذ الميثاق على ذريّته، وأن الحجر التقم الميثاق من الخلق كلّهم، ـ إلى أن قال ـ: فمن أجل ذلك أُمرتم أن تقولوا إذا استلمتم الحجر: أمانتي أديتها، وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة يوم القيامة[16].

وفي قول آخر لأبي عبد الله أيضاً: والميثاق هو في هذا الحجر الأسود، أما والله، إنّ له لعينين وأذنين وفماً ولساناً ذلقاً...[17].

... عن أبي عبد الله عليه السلام قال: مرّ عمر بن الخطاب على الحجر الأسود فقال: والله يا حجر إنّا لنعلم أنّك لا تضرّ ولا تنفع، إلاّ أنّا رأينا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يحبّك فنحن نحبّك، فقال أمير المؤمنين علي عليه السلام: كيف يا بن الخطاب؟! فوالله ليبعثنه الله يوم القيامة وله لسان وشفتان، فيشهد لمن وافاه، وهو يمين الله ـ عزّ وجلّ ـ في أرضه يبايع بها خلقه، فقال عمر: لا أبقانا الله في بلد لا يكون فيه علي بن أبي طالب[18].

... عن ابن عباس، إن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم قال لعائشة وهي تطوف معه بالكعبة حين استلما الركن: يا عائشة، لولا ما طبع الله على هذا الحجر من أرجاس الجاهلية وأنجاسها إذن لاستشفي به من كلّ عاهة... وإنه لياقوتة بيضاء من ياقوت الجنّة، ولكن الله ـ عزّ وجلّ ـ غير حسنه بمعصية العاصين.. وإن الركن يمين الله ـ عزّ وجلّ ـ في الأرض وليبعثه الله يوم القيامة وله لسان وشفتان وعينان ولينطقنه الله يوم القيامة بلسان طلق ذلق ليشهد لمن استلمه بحق استلامه اليوم، بيعة لمن لم يدرك بيعة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم[19].

وذكر وهب أن الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة أنزلا فوضعا على الصفا، فأضاء نورهما لأهل الأرض ما بين المشرق والمغرب كما يضيء المصباح في الليل المظلم يؤمن ويستأنس إليهما، وليبعثنّ الرّكن والمقام وهما في العِظم مثل أبي قبيس يشهد أن لمن وافاهما بالموافاة. فرفع النور عنهما وغير حسنهما ووضعا حيث هما[20].

وقال عياض: الحجر الأسود يقال هو الذي أراده النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم، حين قال: إني لأعرف حجراً كان يسلّم عليّ، إنه ياقوتة بيضاء أشد بياضاً من اللبن فسوّده الله ـ تعالى ـ بخطايا بني آدم ولمس المشركين إياه[21].

عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي قال: نزل الحجرُ الأسود من الجنة وهو أشدّ بياضاً من اللبن فسوّدته خطايا بني آدم[22].

عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قال في الحجر: والله ليبعثنهُ اللهُ يوم القيامة له عينان يُبصر بهما ولسانٌ ينطق به يشهدٌ على من استلمه بحقٍّ[23].

وعن عمر أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبّله وقال: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم يقبلك ما قبلتك. [رواه الخمسة وزاد الحاكم في روايته:

فقال علي رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين بل إنه يضر وينفع، وذلك في تأويل كتاب الله تعالى في قوله: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألستُ بربكم قالوا بلى) فلما أقروا أنه الربّ ـ عزّ وجلّ ـ وأنهم العبيد، كتب ميثاقهم في رقٍّ وألقمه هذا الحجر، وإنه يبعث يوم القيامة وله عينان ولسان وشفتان يشهد لمن وافى بالموافاة، فهو أمين الله في هذا الكتاب. فقال له عمر: لا أبقاني الله بأرض لستَ فيها يا أبا الحسن...[24]]

وقال عبد الله بن عباس: ليس في الأرض شيء من الجنة إلا الركن الأسود (الحجر) والمقام، فإنهما جوهرتان من جوهر الجنّة، ولولا من مسهما من أهل الشرك ما مسهما ذو عاهة إلاّ شفاه الله[25].

وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنّة طمس الله نورهما، ولولا ذلك لأضاءا ما بين المشرق والمغرب، وقال محمد بن علي: ثلاث أحجار من الجنة: الحجر الأسود، والمقام، وحجر بني إسرائيل[26].

الحجر الأسود هو الحجر الموجود بمكة، وكان أبيض ناصعاً، وإنما اسودّ من كثرة لمس الناس له[27].

... هذا ويميل بعض العلماء إلى الاعتقاد بأن الحجر الأسود في الكعبة المشرفة لا يعدو أن يكون رَجماً من الرُّجم. وهذهِ الرجم قد تكون مكونة من حديد حيناً، ومن حجارة حيناً، ومن مزيج من الحديد والحجارة في بعض الأحيان[28].

وفي موضع آخر من موسوعته (المورد) يذكر أن الحجر الأسود حجرٌ بيضوي الشكل، أسود اللون، ضارب إلى الحمرة، يبلغ قطره نحواً من اثني عشر إنشاً (حوالي 30 سنتيمتراً)...[29].

ومما قاله صاحب كتاب «المساجد في الإسلام» حول الحجر الأسود:... وفي البيت الحرام يوجد الحجر الأسود، ويسميه المسلمون على سبيل التكريم بـ(الحجر الأسعد)، وقد اختلفت الآراء في حقيقة الحجر المذكور، وذهب الناس في الكلام عنه كلّ مذهب، والتقاليد المتداولة بين عامة المسلمين تقول: بأن هذا الحجر المقدس أصله من الجنة، وأنه كان أبيض اللون، واسودّ نتيجة ارتكاب أهل الدنيا للآثام والمعاصي. وهناك من يقول: بأن هذا الحجر قد يكون شهاباً (نيزكاً) هوى من بعض الكواكب، أو أنه جزء من معبد مقدس رفعه النبيُّ إبراهيم عندما خطّط المعبد الذي يحيط به (البيت الحرام). وهذا الحجر كان مقدساً عند المسلمين وقبلهم لدى أهل الجاهلية[30].

الطواف والحجر الأسود:

1 ـ الإمامية

وصورة الطواف عندهم أن يقف الحاج إلى جانب الحجر الأسود، قريباً منه أو بعيداً عنه مراعياً في ذلك أن تكون الكعبة إلى جانبه الأيسر، ثم ينوي الطواف، ويطوف حول الكعبة سبعة أشواط مبتدئاً في كلّ شوط بالحجر الأسود ومنتهياً إليه.

قال الشيخ الطوسي:

فإذا أراد الطواف بالبيت، فليفتِتحهُ من الحجر الأسود، فإذا دنا منه، رفع يديه، وحَمِدَ الله وأثنى، وصلّى على النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم وسأله أن يتقبل منه، ويستلم الحجر الأسود ويُقبله، فإن لم يستطع استلمه بيده، فإن لم يقدر على ذلك أيضاً، أشار إليه بيده، وقال: «أمانتي أدّيتها، وميثاقي تعاهدتُه، لتشهد لي بالموافاة، اللّهمّ تصديقاً بكتابك...».

وينبغي أن يختم الطواف بالحجر الأسود كما بدأ به، ويستحب أن يستلم  الأركان كلّها، وأشدها تأكيداً الركنُ الذي فيه الحجر الأسود.. ومن كان مقطوع اليد، استلم الحجر بموضع القطع، فإن كان مقطوعاً من المرفق استلمه بشماله[31].

وقد قال المحقّق الحلي في كيفية الطواف: «أنه يشتمل على: واجب وندب، فالواجب سبعة:... والبدء بالحجر والختم به..

والندب خمسة عشر: منها الوقوف عند الحجر، وحمد الله والثناء عليه والصلاة على النبيّ وآله عليهم السلام. ورفع اليدين بالدعاء.. واستلام الحجر على الأصحّ وتقبيله، فإن لم يقدر فبيده، ولو كانت مقطوعة استلم بموضع القطع، ولو لم يكن له يد اقتصر على الإشارة وأن يقول: «هذه أمانتي أدّيتُها، وميثاقي تعاهدته، لتشهد لي بالموافاة. اللّهمّ تصديقاً بكتابك، إلى آخر الدعاء»[32].

أما الشهيدان الأول والثاني فقد قالا في واجبات الطواف: (والبداءة بالحجر الأسود) بأن يكون أول جزء من بدنه بإزاء أول جزء منه حتى يمرَّ على كلّه ولو ظناً. والأفضل استقباله حال النية بوجهه للتأسي...

وقالا (رض) في سنن الطواف:

... (الوقوف عند الحجر) الأسود، (والدعاء فيه) ـ في حالة الوقوف مستقبلاً، رافعاً يديه ـ بالمنقول .. (واستلام الحجر) بما أمكن من بدنه، والاستلام، بغير همز ـ: المس من السلام بالكسر وهي الحجارة بمعنى مس السلام، أو من السلام وهو التحية، وقيل بالهمز من اللأمة وهي الدرع [بفتح اللام والميم وسكون الهمزة، يقال: استلأم الرجل أي لبس الدرع]، كأنه اتخذه جنة وسلاحاً، (وتقبيله) مع الإمكان، وإلاّ استلمه بيده، ثم قبَّلَها، (أو الإشارة إليه) إن تعذر، وليكن ذلك في كلّ شوط، وأقله الفتح والختم[33]. أي افتتاح الشوط الأول، واختتام الشوط الأخير.

وقال العلاّمة الحلي في قواعد الأحكام، والمحقق الكركي في شرحها:

وفي الطواف مطالب:

الأول: في واجباته وهي أحد عشر: ... منها البدأة بالحجر الأسود، فلو بدأ بغيره لم يعتد بذلك الشوط، إلى أن ينتهي إلى أول الحجر، فمنه يبتدئ الاحتساب إن جدد النية عنده للإتمام مع احتمال البطلان، ولو حاذى آخر الحجر ببعض بدنه في ابتداء الطواف لم يصح.

ومنها: الختم بالحجر، فلو أبقى من الشوط شيئاً وإن قلّ لم يصح، بل يجب أن ينتهي من حيث ابتدأ. انتهى كلام العلاّمة.

أما المحقّق الكركي فيقول في الهامش:

ويجب فيه أن يحاذي بأوّل مقاديم بدنه ـ حال كون البيت على يساره ـ أوّل الحجر الذي إلى جهة الركن اليماني، مقارناً بالنية أوّل حركات الطواف بحيث تمرّ عليه كلّه، ولا يجب أن يستقبله بوجهه ثم ينحرف، بل يجزئه أن يجعله على يساره ابتداءً، وإن كان الأفضل استقباله أولاً... ثم يستمر في شرح ما قاله العلاّمة.

وفي سنن الطواف يقول العلاّمة في قواعده:

... والوقوف عند الحجر، والدعاء رافعاً يديه به، واستلامه ببدنه أجمع، وتقبيله، فإن تعذر فببعضه،فإن تعذر فبيده، ويستلم المقطوع بموضع القطع، وفاقد اليد يشير...

ويشرح الكركي (واستلامه ببدنه أجمع): بأن المراد معظمه مجازاً، والاستلام بغير همز معناه: المس، افتعال من السلام بالكسر: وهو الحجارة، أو من السلام بالفتح، (أعني) التحية، أي: يحيي نفسه عند الحجر، كما في قولهم: اختدم، أي خدم نفسه إذا لم يكن له خادم. وقيل: إنه بالكسر بهمز من اللاّمة: وهي الدرع، فيكون معناه: اتخذ جنة وسلاحاً[34].

بعد هذا ننتقل إلى ذكر روايات وجوب ابتداء الطواف من الحجر الأسود والانتهاء به:

... معاوية بن عمار عن الإمام الصادق عليه السلام: من اختصر في الحجر (في الطواف) فليعد طوافه من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود[35].

ومعنى الاختصار فيه عدم ادخال الحجر في الطواف.

... ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام: إذا كنتَ في الطواف السابع فائت المتعوذ، إلى أن قال: ثم ائت الحجرَ فاختم به.

للطواف واجبات غير الشروط المتقدمة، وعبر عنها إن شئت بالأجزاء، وهي:

1 ـ الابتداء بالحجر الأسود، والاختتام، أي منه وإليه، قال الإمام الصادق عليه السلام: «الطواف من الحجر الأسود وإلى الحجر الأسود»[36].

من روايات استلام الحجر وتقبيله:

... عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا دنوت من الحجر الأسود فارفع يديك وأحمد الله... ثم استلم الحجر وقبّله، فإن لم تستطع أن تقبّله فاستلمه بيدك، فإن لم تستطع أن تستلمه بيدك فأشر إليه...[37].

... عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يستلم الحجر في كلّ طواف فريضة ونافلة[38].

... عن معاوية بن عمار: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل حجّ ولم يستلم الحجر، فقال: هو من السنّة. فإن لم يقدر عليه فاللهُ أولى بالعذر[39].

... عن سيف التّمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أتيتُ الحجر الأسود فوجدتُ عليه زحاماً فلم ألق إلاّ رجلاً من أصحابنا فسألته، فقال: لا بدّ من استلامه، فقال: إن وجدته خالياً وإلاّ فسلّم من بعيد[40].

... عن محمد بن عبيد الله قال: سُئل الرضا عليه السلام عن الحجر الأسود، وهل يقاتل عليه الناس إذا كثروا؟ قال: إذا كان كذلك فأوم إليه ايماءً بيدك[41].

... عن محمد الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحجر إذا لم استطع مسّه وكثر الزحام؟ قال: أما الشيخ الكبير والضعيف والمريض فمرخص وما أحبّ أن تدع مسّه إلاّ أن لا تجد بدّاً[42].

... عن السكوني، عن جعفر، عن آبائه عليهم السلام أن عليّاً عليه السلام سُئل كيف يستلم الأقطع الحجر؟ قال: يستلم الحجر من حيث القطع، فإن كانت مقطوعة من المرفق استلم الحجر بشماله[43].

روايات في استحباب الدعاء بالمأثور عند الحجر الأسود:

... عن أبي عبد الله عليه السلام: إذا دنوت من الحجر الأسود فارفع يديك، واحمد الله وأثن عليه، وصل على النبي صلّى الله عليه وآله وسلم، واسأل الله أن يتقبّل منك،... وقل: «اللّهمّ أمانتي أدّيتها، وميثاقي تعاهدته، لتشهد لي بالموافاة، اللّهمّ تصديقاً بكتابك، وعلى سنّة نبيك، أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، آمنتُ بالله، وكفرت بالجبت والطاغوت، وبالّلات والعزّى وعبادة الشيطان، وعبادة كل ندّ يدعى من دون الله»...

«اللّهمّ إليك بسطتُ يدي، وفيما عندك عظُمت رغبتي،...، واغفر لي وارحمني. اللّهمّ إني أعوذ بك من الكفر والفقر ومواقف الخزي في الدنيا والآخرة»[44].

... عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا دخلتَ المسجد فامش حتى تدنو من الحجر فتستلمه [فتستقبله] وتقول: «الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كُنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله الله أكبر، أكبر من خلقه، وأكبر ممّن أخشى وأحذر، ولا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، لهُ الملك وله الحمد، يُحيي ويُميت ويُميتُ ويُحيي، بيده الخير وهو على كلّ شيءٍ قدير»[45]...

... عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا دخلت المسجد الحرام وحاذيت الحجر الأسود فقل: «أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله، آمنتُ بالله وكفرت بالطاغوت وباللاّت والعزّى، وبعبادة الشيطان، وبعبادة كلّ ندّ يدعى من دون الله» ثم ادنُ من الحجر واستلمه بيمينك، ثم قل: «بسم الله والله أكبر، اللّهمّ أمانتي أدّيتها، وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة [ليشهد لي عندك]»[46].

وهناك أحاديث أخرى تنصب على استحباب استلام الحجر وتقبيله والدعاء عنده تجدها في كتب الأحاديث عند الإمامية.

2 ـ الشافعية

قالوا للطواف في ذاته ثمانية شروط... الثالث منها: بدؤه من جهة الشق الأيسر، بأن لا يقدم جزءاً من بدنه على جزء من الحجر، فإذا بدأ بغيره لم يحسب ما طافه قبل وصوله إليه، فإذا انتهى إليه ابتدأ منه؛ ويشترط أن يحاذيه على الوجه المذكور عند الانتهاء أيضاً.

وقالوا: للطواف ثماني سنن:

الأولى: أن ستقبل البيت أول طوافه، ويقف بجانب الحجر إلى جهة الركن اليماني بحيث يصير جميع الحجر عن يمينه، ومنكبه الأيمن عند طرفه، ثم ينوي الطواف، ثم يمشي مستقبلاً الحجر، ماراً إلى جهة الباب، فإذا جاوزه انفتل وجعل يساره إلى البيت وهذا خاص بالمرة الأُولى.

... وأن يلمس الحجر الأسود بيده أول طوافه، ويقبله تقبيلاً خفيفاً، ولا يسن للمرأة ذلك إلاّ عند خلو المطاف ليلاً أو نهاراً، ويستحب للرجل أن يضع جبهته عليه، وأن يكون الاستلام والتقبيل ثلاثاً، فإن عجز عن الاستلام بيده استلمه بنحو عصا، ويقبل ما أصابه به، فإن عجز عن ذلك أيضاً أشار إليه بيده أو بما فيها؛ واليمين أفضل، يفعل ذلك في طوافه... .

وبعد أن يصلّي ركعتين... يندب استلام الحجر عقبهما وأن يسعى عقب الاستلام...[47].

3 ـ المالكية

قالوا تشترط لصحة الطواف شروط... منها:

... ويلزم ابتداء الطواف من الحجر الأسود، فلو ابتدأه قبله وجب إتمام الشوط الأخير إليه، فإن لم يتمه وطال الفصل أو انتقض وضوؤه فعليه إعادته...

وأمّا سننه، فهي: تقبيل الحجر الأسود في الشوط الأول، ويكبر عند ذلك، فإن لم يتمكن من تقبيله لمسه بيده، فإن لم يستطع لمسه بعود مثلاً، ثم يضع يده أو العود بعد اللمس بأحدهما على فيه ويكبر حينئذٍ، فإن لم يستطع شيئاً من ذلك كبر عند محاذاته...[48]

4 ـ الحنابلة

قالوا: تشترط لصحة الطواف شروط: ... منها كون الأشواط سبعاً، يبتديها من الحجر الأسود، فاذا ابتدأ من غيره لا يحسب هذا الشوط...

وسنن الطواف هي: ... استلام الحجر الأسود وتقبيله في كلّ شوط أيضاً إن تيسر، والإشارة إليه بيده عند محاذاته إن تعسّر[49].

5 ـ الحنفية

قالوا: واجبات الطواف وسننه أمور، فمن واجباته أن يبدأ من الحجر الأسود، فلو لم يفعل ذلك وجب عليه إعادة الطواف مادام بمكّةَ، فإن لم يعده ورجع وجب عليه دمٌ، والأفضل أن لا يترك شيئاً من الحجر الأسود، بل يقابله بجميع بدنه، بأن يجعله عن يمينه ويجعل منكبه الأيمن عند الحجر الأسود.

ومن سنن الطواف عندهم... استلام الحجر، وتقبيله عند نهاية كل شوط... فإن لم يستطع استلامه بيده استلمه بنحو عصا إن أمكن، ويقبل ما مسة به، فان لم يستطع ذلك استقبل الحجر ورفع يديه مستقبلاً بباطنها إياه، ويكبر، ويهلل ويحمد الله ـ تعالى ـ ويصلي على النبي صلّى الله عليه وآله وسلم، وهذا الاستقبال مستحب، وكذا استلام الركن اليماني مستحب...[50].

وقال ابن رشد القرطبي الأندلسي:

والجمهور مجمعون على أن صفة كلّ طواف واجباً كان أو غير واجب أن يبتدئ من الحجر الأسود، فإن استطاع أن يقبله قبله أو يلمسه بيده ويقبلها إن أمكنه... وكذلك أجمعوا على أن تقبيل الحجر الأسود خاصة من سنن الطواف إن قدر، وإن لم يقدر على الدخول إليه قبّل يده، وذلك لحديث عمر بن الخطاب الذي رواه مالك، أنه قال وهو يطوف بالبيت حين بلغ الحجر الأسود: «إنّما أنت حجر ولولا أني رأيتُ رسولَ الله قبّلك ما قبّلتك، ثمّ قبّله»[51].

أما الدكتور وهبة الزُّحيلي وبعد أن استعرض آراء المذاهب الأربعة (الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة) انتهى إلى هذا التلخيص في صورة الطواف وذكرها في 9 نقاط، نأخذ النقطة الخامسة منها التي تخصّ بحثنا وهي: «الابتداء بالحجر الأسود: ليس بشرط وإنما هو واجب عند الحنفية، وعند المالكية، وشرط عند الشافعية والحنابلة، وترك الواجب يوجب الدم فيما لو ابتدأ من غير الحجر[52].

وقد لخص الدكتور الزُحيلي في كتابه «الفقه الإسلامي وأدلته» أيضاً سنن الطواف من تسع مصادر وهي:

الدر المختار 2: 227، البدائع 2: 131، مراقي الفلاح: 124، القوانين الفقهية: 3، الشرح الصغير 2: 48 ـ 52، الإيضاح: 34 ـ 44، مغني المحتاج 1: 487 ـ 492، غاية المنتهى 1: 402، المغني 3: 372 ـ 376،379، 383.

أكتفي بنقل ما يتعلق بالموضوع (الحجر الأسود).

فقال: استلام الحجر الأسود (أي لمسه بيده اليمنى أو بكفيه) أول طوافه وفي بدء كل شوط وتقبيله بلا صوت، ووضع جبهته عليه عند الشافعي بلا إيذاء، إذا لم تكن زحمة، فإن لم يتمكن من الاستلام باليد استلم بعود ونحوه مع استقباله بجميع بدنه، فإن عجز أشار بيده، ثمّ وضع العود ويده على فيه بعد اللمس بأحدهما بلا صوت، فإذا أظهر الصوت جاز على الأرجح عند المالكية، وكره مالك السجود وتمريغ الوجه على الحجر، ويسن عند الشافعية، أن يكون التقبيل ووضع الجبهة ثلاثاً.

ويكبر ويهلل ويحمد الله تعالى، ويصلي على النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم.

ودليل التقبيل فعل الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم، كما رواه الشيخان، ودليل وضع جبهته عليه اتباع السنّة كما رواه البيهقي. ودليل الاستلام باليد دون إيذاء: «أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم قال: يا عمر، إنك رجل قوي، لا تزاحم على الحجر، فتؤذي الضعيف، إن وجدتَ خلوةً، وإلاّ فهلل وكبر» [رواه الشافعي وأحمد عن عمر].

ولأن ترك الإيذاء واجب، وتقبيل ما استلمه به من يد أو نحو عصا، لخبر الصحيحين: «إذا آمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»، ولما روى مسلم عن نافع قال: «رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده، ويقول: ما تركته منذ رأيتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يفعله».

وتكرار الاستلام والتقبيل في كلّ طوفة من الطوفات السبع، لحديث «أنه صلّى الله عليه وآله وسلم كان لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر الأسود في كلّ طوفة» [رواه أبو داود والنسائي عن ابن عمر].

وراح الدكتور الزحيلي يتمّ تلخيصه هذا بقوله:

ولو استقبل الحجر مطلقاً، ونوى الطواف عند من اشترط النية وهم الحنفية والحنابلة، كفى في تحقيق المقصود الذي هو الابتداء من الحجر.

ولا يستلم بيده الركنين الشاميين (وهما اللذان عندهما الحِجْر) ولا يقبلهما، ويستلم الركن اليماني (وهو الذي يسبق ركن الحجر) في آخر كل شوط، ولا يقبله؛ لأنه لم ينقل، كما في الصحيحين عن ابن عمر: «أنه صلّى الله عليه وآله وسلم كان لا يستلم إلاّ الحَجَر والركن اليماني».

ويستحب للمرأة عند الحنابلة اذا قدمت مكة نهاراً تأخير الطواف الى الليل ليكون أستر لها، ولا يستحب لها مزاحمة الرجال لاستلام الحجر، لكن تشير بيدها اليه كالذي لا يمكنه الوصول اليه[53].

وقال الشيخ منصور علي ناصف: فيسنّ تقبيل الحجر الأسود واستلامه بالكفين أو بأحدهما إذا لم يمكنه وتقبيلهما، وإلا استلمه بعصا في يده، وكذا يندب استلام الركن اليماني بالكفين أو بأحدهما أو بشيء في يده لحديث الترمذي: كان ابن عمر يزاحم على الركنين زحاماً شديداً فسئل عن ذلك، فقال: سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يقول: إن مسحهما كفارة للخطايا، وخُصّ هذان الركنان بالعناية لأنهما على أصل بناء الخليل عليه السلام، وركن الحجر الأسود أفضل الأركان باتفاق، ويليه اليماني. وينبغي للطائف الإكثار من ذكر الله تعالى كاستغفار وتسبيح وتهليل ودعاء فيكون عابداً بجسمه ولسانه...[54].

ورأيتُ أن أنقل ما كتبه الإمام محي الدين النووي الشارح لصحيح مسلم عن الحجر الأسود تتميماً للفائدة:

باب استحباب استلام الركنين اليمانيين في الطواف

دون الركنين الآخرين

قوله «لم أر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يمسح من البيت إلاّ الركنين اليمانيين» وفي الرواية الأخرى لم يكن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يستلم من أركان البيت إلاّ الركن الأسود والذي يليه من نحو دور الجمحيين وفي الرواية الأُخرى لا يستلم إلاّ الحجر والركن اليماني. هذه الروايات متفقة فالركنان اليمانيان هما: الركن الأسود والركن اليماني. وإنما قيل لهما اليمانيان للتغليب، كما قيل في الأب والأم الأبوان وفي الشمس والقمر القمران وفي أبي بكر وعمر العمران وفي الماء التمر الأسودان ونظائره مشهورة..

واليمانيان بتخفيف الياء هذه اللغة الفصيحة المشهورة، وحكى سيبويه والجوهري وغيرهما فيها لغة أُخرى بالتشديد فمن خفف قال: هذه نسبة إلى اليمين، فالألف عوض من إحدى يائَي النسب فتبقى الياء الأخرى مخففة، ولو شدّدناها لكان جمعاً بين العوض والمعوض وذلك ممتنع. ومن شدّد قال الألف في اليماني زائدة وأصله اليمني فتبقى الياء مشدّدة وتكون الألف زائدة، كما زيدت النون في صنعاني ورقباني ونظائر ذلك والله أعلم.

وأما قوله «يمسح» فمراده يستلم، وسبق بيان الاستلام.

واعلم أن للبيت أربعة أركان: الركن الأسود، والركن اليماني، ويقال لهما اليمانيان كما سبق، وأما الركنان الآخران فيقال لهما الشاميان. فالركن الأسود فيه فضيلتان، إحداهما: كونه على قواعد إبراهيم عليه السلام، والثانية: كونه فيه الحجر الأسود. وأما اليماني ففيه فضيلة واحدة وهي: كونه على قواعد إبراهيم. وأما الركنان الآخران فليس فيهما شيء من هاتين الفضيلتين، فلهذا خصّ الحجر الأسود بشيئين: الاستلام، والتقبيل للفضيلتين.

وأما اليماني فيستلمه ولا يقبله لأن فيه فضيلة واحدة. وأما الركنان الآخران فلا يقبلان ولا يستلمان والله أعلم.

وقد أجمعت الأمة على استحباب استلام الركنين اليمانيين واتفق الجماهير على أنه لا يمسح الركنين الآخرين، واستحبه بعض السلف، وممن كان يقول باستلامهما الحسن والحسين ابنا علي وابن الزبير وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وعروة بن الزبير وأبو الشعثاء جابر بن زيد رضي الله عنهم. قال القاضي أبو الطيب:

أجمعت أئمة الأمصار والفقهاء على أنهما لا يستلمان قال: وانما كان فيه خلاف لبعض الصحابة والتابعين، وانقرض الخلاف، وأجمعوا على أنهما لا يستلمان والله أعلم.

قوله «ان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم كان لا يستلم إلاّ الحجر الأسود والركن اليماني». يحتج به الجمهور في أنه يقتصر بالاستلام في الحجر الأسود عليه دون الركن الذي هو فيه، وقد سبق قريباً فيه خلاف القاضي أبي الطيب.

قوله «رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده ثم قبل يده، وقال ما تركته منذ رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يفعله» فيه استحباب تقبيل اليد بعد استلام الحجر الأسود إذا عجز عن تقبيل الحجر وهذا الحديث محمول على من عجز عن تقبيل الحجر، وإلاّ فالقادر يقبل الحجر ولا يقتصر في اليد على الاستلام بها. وهذا الذي ذكرناه من استحباب تقبيل اليد بعد الاستلام للعاجز هو مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال القاسم بن محمد التابعي المشهور: لا يستحب التقبيل وبه قال مالك في أحد قوليه والله أعلم.

باب استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف

قوله «قَبَّلَ عمر بن الخطاب الحجر ثم قال: أم والله، لقد علمت أنك حجر، ولولا أني رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يقبلك ما قبلتك»، وفي الرواية الأُخرى وإني لأعلم أنك حجر وأنك لا تضر ولا تنفع.

هذا الحديث فيه فوائد منها: استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف بعد استلامه، وكذا يستحب السجود على الحجر أيضاً بأن يضع جبهته عليه، فيستحب أن يستلمه ثم يقبله ثم يضع جبهته عليه. هذا مذهبنا ومذهب الجمهور وحكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب وابن عباس وطاوس والشافعي وأحمد، قال: وبه أقول.. قال: وقد روينا فيه عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم. وانفرد مالك عن العلماء فقال: السجود عليه بدعة! واعترف القاضي عياض المالكي بشذوذ مالك في هذه المسألة عن العلماء.

وأما الركن اليماني فيستلمه ولا يقبله، بل يقبل اليد بعد استلامه. هذا مذهبنا وبه قال جابر بن عبد الله وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة، وقال أبو حنيفة: لا يستلمه، وقال مالك وأحمد: يستلمه ولا يقبل اليد بعده، وعن مالك رواية أنه يقبله، وعن أحمد رواية أنه يقبله.. والله أعلم.

وأما قول عمر «لقد علمت أنك حجر واني لأعلم أنك حجر وأنك لا تضر ولا تنفع»، فأراد به بيان الحث على الاقتداء برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في تقبيله ونبه على أنه لولا الاقتداء به لما فعله.

وإنما قال وإنك لا تضر ولا تنفع لئلا يغتر بعض قريبي العهد بالإسلام الذين كانوا ألفوا عبادة الأحجار، وتعظيماً ورجاء نفعها وخوف الضرر بالتقصير في تعظيمها، وكان العهد قريباً بذلك، فخاف عمر أن يراه بعضهم يقبله ويعتني به فيشتبه عليه، فبين أنه لا يضر ولا ينفع بذاته، وإن كان امتثال ما شرع فيه ينفع بالجزاء والثواب، فمعناه أنه لا قدرة له على نفع ولا ضر، وأنه حجر مخلوق كباقي المخلوقات التي لا تضر ولا تنفع. وأشاع عمر هذا في الموسم؛ ليشهد في البلدان ويحفظه عنه أهل الموسم المختلفوا الأوطان والله أعلم.

قوله «رأيت الأصلع»، وفي رواية «الأصيلع»، يعني عمر فيه: أنه لا بأس بذكر الإنسان بلقبه ووصفه الذي يكرهه، وإن كان قد يكره غيره مثله!.

قوله «رأيت عمر قبل الحجر والتزمه وقال: رأيت رسول الله ص بك حفياً» يعني معتنياً.

باب جواز الطواف على بعير وغيره واستلام الحجر بمحجن

ونحوه للراكب

قوله «إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم طاف في حجة الوداع على بغير يستلم الركن بمحجن»، المحجن: بكسر الميم واسكان الحاء وفتح الجيم؛ وهو عصا معقفة، يتناول بها الراكب ما سقط له، ويحرك بطرفها بعيره للمشي. وفي هذا الحديث جواز الطواف راكباً واستحباب استلام الحجر، وأنه إذا عجز عن استلامه بيده استلمه بعود[55].

روايات استلام الحجر الأسود وتقبيله:

حدّثنا... عن عمر أنه جاء إلى الحجر فقبّله، فقال: إني أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يقبلك ما قبلتك[56].

... عن سويد بن غَفَلَة، قال: رأيتُ عُمر قبَّل الحجرَ والتزمَهُ، وقال: رأيتُ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وسلم بك حفيّاً. وفي رواية أُخرى: رأيت أبا القاسم صلّى الله عليه وآله وسلم بك حفيّاً[57].

... عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كلّ طوفة، قال: وكان عبد الله بن عمر يفعله[58].

... عن أبي هريرة، قال: أقبل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فدخل مكة، فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم إلى الحجر فاستلمه ثمّ طاف بالبيت...[59].

... عن ابن عباس، قال النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلم: «يلبي المعتمر حتى يستلم الحجر». حيث إن المعتمر يشتغل بالتلبية حتى يريد استلام الحجر الأسود للطواف وتنتهي التلبية، وعلى هذا الجمهور والشافعي وأحمد والثوري...[60].

قال ابن عمر: لم أرَ النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلم يستلم من البيت إلاّ الرّكنين اليمانيين [وهما الركن الذي فيه الحجر والركن الذي قبله، وسميا بهذا لأنهما جهة اليمن كما سمي الآخران بالشامي والعراقي لاتجاههما لهما][61].

وفي رواية: طاف النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع على بعير [لأنه كان مريضاً] يستلم الركن بمحجن (عصا محنية الرأس)[62] رواه الخمسة.

وفي رواية: كلًّما أتى على الركن أشار إليه بشيء في يده وكبَّر[63].

قال منصور: سألت مجاهداً إذا أردتُ الوداع كيف أصنع؟ قال: تطوف بالبيت سبعاً،... ثمّ تستلم الحجر، وتنصرف[64].

قال جابر:... حتى إذا أتينا البيتَ معه استلم الركن [أي مع النبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلم استلم الحجر الأسود بمسحه وتقبيله][65].

... عن سالم عن أبيه قال: لم يكن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يستلم من أركان البيت إلاّ الركن الأسود...[66].

... عن نافع عن عبد الله ذكر أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم كان لا يستلم إلاّ الحجر والركن اليماني[67].

... حدّثني نافع عن ابن عمر قال: ما تركتُ استلامَ هذين الركنين (اليماني والحجر) مُذ رأيتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يستلمهما في شدّة ورخاء[68].

... عن نافع، قال: رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده ثم قبّل يدَه، وقال: ما تركتُهُ مُنذ رأيتُ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وسلم يفعلُهُ[69].

... سمع ابن عباس يقول: لم أرَ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يستلم غير الركنين اليمانيين.. وفي رواية عنه أيضاً: أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجنٍ[70].

عن عطاء أنه سمع ابن عباس يقول: إذا وجدت على الركن زحاماً فلا تؤذ ولا تؤذى[71].

وفي فضل استلام الركنين (الركن الأسود واليماني) قال عبيد الله بن عمير لابن عمر: إني أراك تزاحم على هذين الركنين؟ فقال: إنّي سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يقول: إن استلامهما يحطّ الخطايا حطّاً[72].

الدعاء عند الحجر الأسود وفي بداية كل طوفة:

فيقول عند استلام الحجر الأسود عند ابتداء كل طوفة: بسم الله؛ واللهُ أكبر. مع رفع يديه كرفع الصلاة: اللّهمّ إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك سيدنا محمد صلّى الله عليه وآله وسلم. وهذا القول آكد في الطوفة الأولى من غيرها[73].

وفي الختام آمل أن أوفق مرةً أُخرى لأن أُقدم دراسة تحقيقية شاملةً لكلّ ما ورد عن الحجر الأسود من روايات وآراء وأقوال.. ولما تعرض له من حوادث.. فتكون وقتذاك دراسة مستوعبة قصته التاريخية والفقهية...



[1]  البقرة: 127.

[2]  معجم البلدان: 224 حرف الحاء، وورد خطأً أنه في الركن الشمالي؛ وانظر معجم معالم الحجاز 2: 235؛ موسوعة المورد 2: 74.

[3]  أخبار مكة، الأزرقي 1: 62 و 65 طبعة الشريف الرضي، قم، ايران؛ تاريخ الطبري 1: 153 دار الكتب العلمية، بيروت.

[4]  الحج: 27 ـ 29.

[5]  أخبار مكة 1: 163؛ الكامل 2: 45؛ الطبري 1: 526؛ سيرة ابن هشام 1: 197.

[6]  أخبار مكة 1: 163؛ حياة محمد، هيكل: 124 ـ 126؛ الطبري 1: 526، الكامل 2: 42 ـ 45؛ سيرة ابن هشام 1: 197.

[7]  أخبار مكة 1: 346؛ معجم البلدان: 224 حرف ح؛ المختصر في أخبار البشر لابن الوردي 1: 390.

[8]  أخبار مكة 1: 346.

[9]  أخبار مكة 2: 155.

[10]  معجم البلدان 2: 224 حرف الحاء.

[11]  آل عمران: 106.

[12]  فصلت: 21.

[13]  وسائل الشيعة 13: 302، 319.

[14]  نفس المصدر.

[15]  نفس المصدر.

[16]  نفس المصدر.

[17]  نفس المصدر.

[18]  نفس المصدر.

[19]  البحار 99: 221.

[20]  نفس المصدر.

[21]  معجم البلدان، باب الحاء 224.

[22]  التاج الجامع (كتاب الحج) 2: 129، 130؛ معجم البلدان 2: 224 ـ 223.

[23]  نفس المصدر.

[24]  نفس المصدر.

[25]  نفس المصدر.

[26]  نفس المصدر.

[27]  دائرة معارف القرن العشرين 3: 355.

[28]  موسوعة المورد، منير البعلبكي 7: 21 و 2: 74.

[29]  نفس المصدر.

[30]  المساجد في الإسلام للشيخ طه الولي: 60 ـ 61.

[31]  النهاية، الشيخ الطوسي: 235 ـ 236.

[32]  شرائع الإسلام، المحقّق الحلّي، كتاب الحجّ، كيفية الطواف: 199 ـ 201.

[33]  اللمعة الدمشقية، الشهيد الأول؛ الروضة البهية، الشهيد الثاني 2: 248، 254، 255.

[34]  جامع المقاصد، المحقق الكركي؛ شرح القواعد، العلاّمة الحلّي ج3 كتاب الحج، الطواف: 190، 198.

[35]  وسائل الشيعة، الحر العاملي، مؤسسة آل البيت، باب الحج ـ الطواف.

[36]  وسائل الشيعة: 344 ـ 325.

[37]  فقه الإمام الصادق، مغنية 2: 200.

[38]  فقه الإمام الصادق 2: 203.

[39]  وسائل الشيعة 13: 325.

[40]  وسائل الشيعة 13: 325 ح1.

[41]  وسائل الشيعة 13: 315 ح4.

[42]  الوسائل 13: 326.

[43]  الوسائل 13: 327.

[44]  الوسائل 13: 343.

[45]  الوسائل، الحج ـ الطواف: 314.

[46]  نفس المصدر.

[47]  كل هذه الآراء للمذاهب الأربعة نقلت من مصدر واحد وهو الفقه على المذاهب الأربعة، عبد الرحمن الجزيري، كتاب الحج 1: 653.

[48]  نفس المصدر.

[49]  نفس المصدر.

[50]  نفس المصدر.

[51]  بداية المجتهد ونهاية المقتصد، القاضي ابن رشد القرطبي الأندلسي 1: 248، القول في الطواف.

[52]  الفقه الإسلامي وأدلته، الدكتور وهبة الزحيلي، دار الفكر 3: 161.

[53]  الفقه الإسلامي وأدلته، الدكتور الزحيلي 3: 164 ـ 165.

[54]  التاج الجامع 2: الهامش ص130.

[55]  صحيح مسلم 9: 16 الهامش.

[56]  صحيح سنن المصطفى، السجستاني، كتاب المناسك: 294، باب تقبيل الحجر؛ أخبار مكة 1: 330.

[57]  صحيح مسلم 9: 17 ـ 18؛ التاج الجامع للأصول، كتاب الحج 2: 121.

[58]  نفس المصدر.

[59]  نفس المصدر.

[60]  نفس المصدر.

[61]  صحيح سنن المصطفى، كتاب المناسك: 294.

[62]  التاج الجامع 2: 130.

[63]  البخاري 2: 583 باب 61.

[64]  الفقه الإسلامي وأدلته 3: 151.

[65]  التاج الجامع 2: 154.

[66]  صحيح مسلم 9: 13.

[67]  صحيح مسلم 9: 14.

[68]  صحيح مسلم 9: 15.

[69]  نفس المصدر.

[70]  صحيح مسلم 9: 18؛ البخاري 2: 582 باب 56، 57، 58، 59، 60، 61 أبواب تختص بروايات الحجر الأسود.

[71]  أخبار مكة 1: 334.

[72]  الفقه على المذاهب الأربعة، الطواف؛ الفقه الإسلامي وأدلته.

[73]  نفس المصدر

من فكر الإمام الخميني