وإن
أساس كل هذا الاختلاف الموجود
بين البشر، والاختلاف الحاصل
بينهم حول الدنيا يعود إلى
الطغيان الموجود في النفوس.
وهذه مصيبة مبتلى بها الإنسان،
مبتلى بنفسه وبأهوائه
النفسانية.
إذا
تزكى الإنسان وتربت نفسه، فسوف
تزول هذه الاختلافات.
عدم
التزكية، أساس الحروب
جميع
هذه المصائب التي تحل
بالإنسانية ناشئة من هذه
النقطة، من أنانية الإنسان، وإن
جميع الحروب في هذا العالم هي من
هذه الأنانية؛ لا توجد حرب أو
نزاع بين المؤمنين، واذا ما
نشبت حرب بين اثنين فليعلما
أنهما ليسا بمؤمنين، اذ لا حرب
بين المؤمنين.
عندما
لا يكون هناك إيمان، ويكون توجه
الإنسان إلى النفس، ويريد كل
شيء لنفسه، من هنا يقع النزاع؛
أنا أريد هذه الأريكة لنفسي،
وأنتم تريدونها لأنفسكم، فيقع
التعارض؛ أنا أريد هذا البساط
لي، وأنتم تريدونه لكم؛ أنا
أريد أن تكون هذه الرئاسة
الوهمية لي، وأنتم تريدونها
لكم؛ وحيث لا يمكن الجمع، ينشب
النزاع.
هذا
يريد هذه الدولة له، والثاني
يريدها لنفسه، فتقع الحرب. إن
جميع هذه الحروب في العالم هي
حروب بين الأنانيات، لأن
الإنسان يحارب بأنانيته،
والحروب هي حروب الأنانيات، وهي
معدومة بين الأولياء. فلا حرب
أيضاً بين الأولياء، فلو اجتمع
الأولياء في مكان واحد لما نشب
بينهم أي نزاع، ولا ظهر أي خلاف،
لأن كل شيء هو لله، فلا مكان هنا
لـ (الأنا) حتى يجر هذا إلى طرفه،
وذاك إلى الطرف الآخر، فيحدث
الاختلافات وينشب النزاع؛
فجميعهم لمبدأ واحد، لجهة واحدة.
الجهاد
الأكبر مقدم على أنواع الجهاد
جاء
الإسلام أساساً للبناء، ويهتم
الإسلام ببناء الإنسان، الجهاد
من أجل البناء "بناء الإنسان
لنفسه" مقدم على جميع أنواع
الجهاد. وهذا الجهاد هو الذي
عبّر عنه الرسول الأكرم بالجهاد
الأكبر. فهو جهاد عظيم وصعب،
وجميع الفضائل تتبع ذلك الجهاد.
الجهاد
الأكبر هو جهاد الإنسان لنفسه
الطاغوتية. ويجب عليكم أيها
الشبان أن تبدؤوا من الآن بهذا
الجهاد، ولا تسمحوا لضياع قوى
الشباب منكم؛ فكلما زالت قوى
الشباب كلما زادت جذور الأخلاق
الفاسدة لدى الإنسان، ويصعب
الجهاد أكثر. يستطيع الشاب أن
ينتصر بسرعة في هذا الجهاد، ولا
يتمكن الكهل بهذه السرعة. لا
تؤخروا إصلاح حالكم إلى مرحلة
الكهولة. فإحدى مكائد النفس
الإنسانية ضد الإنسان ذاته،
ويوحي بها الشيطان للإنسان، هي
أن يؤخر إصلاح نفسه إلى آخر
عمره، فيوسوس له أن استفد الآن
من شبابك وتُب في آخر عمرك.
إن
هذا مخطط شيطاني تتعلمه النفس
الإنسانية من الشيطان الكبير.
يتمكن الإنسان من إصلاح نفسه ما
دامت قوى الشباب موجودة، والروح
الشابة اللطيفة موجودة، وجذور
الإفساد قليلة؛ أما إذا استفحلت
جذور الفساد في الإنسان، فإن
المفاسد ستتحول إلى ملكة عنده،
ولا يمكنه الإصلاح.
إنكم
أيها الشبان الذين هيّأتم
أنفسكم من أجل الجهاد في سبيل
الإعمار، إن هذا جهاد، ولكن
الجهاد الأكبر هو الجهاد في
طريق بناء أنفسكم حتى تنتفع بكم
بلادكم فيما بعد وتخدموها.
ابدؤوا من الآن ببناء أفراد
يمكنهم إنقاذ دولة في المستقبل.
ولو بنيتم أنفسكم وعمقتم جذور
الفضائل الإنسانية في نفوسكم
عندها ستنتصرون في جميع
المراحل، ويمكنكم إنقاذ بلادكم.
إن الذين جرّوا بلادنا إلى
الضياع كان بسبب أن بناءهم كان
فاسداً، وكانت عندهم أخلاق
وعقائد فاسدة، وممارسات فاسدة.
ولو أنهم كانوا قد بنوا أنفسهم
لما خانوا الشعب والإسلام.
التقوى
مقدمة السلوك إلى الله
اعلم
أيها العزيز أنه مثلما يكون
لهذا الجسد صحة ومرض، وعلاج
ومعالج، فإن للنفس الإنسانية
صحة ومرضاً، وسقماً وسلامة،
وعلاجاً ومعالجاً. إن صحة النفس
وسلامتها هي الاعتدال في طريق
الإنسانية، ومرضها وسقمها هو
الاعوجاج والانحراف عن طريق
الإنسانية. وإن الأمراض النفسية
أكثر أهمية بآلاف المرات من
الأمراض الجسدية، وذلك لأن هذه
الأمراض إنما تصل إلى غايتها
بحلول الموت؛ فما أن يحل الموت،
وتفارق الروح البدن حتى ترتفع
عنه جميع الأمراض الجسدية
والاختلالات المادية، ولا يبقى
له أيّ من الآلام والأسقام
البدنية، ولكنه إذا كان ذا
أمراض روحية وأسقام نفسية ـ لا
سمح الله ـ فإنه ما أن تفارق
الروح البدن وتتوجه إلى ملكوتها
حتى تظهر آلامها وأسقامها.
إن
مثل التوجه إلى الدنيا والتعلق
بها كمثل المخدر الذي يسلب
الإنسان شعوره بنفسه. وسلب
ارتباط الروح بدنيا البدن يُرجع
إليها الشعور بذاتها، وحينئذ
تهجم عليه جميع تلك الآلام
والأسقام والأمراض التي كانت في
باطن ذاته، وتظهر جميعها وقد
كانت مختفية إلى ذلك الوقت مثل
النار تحت الرماد. وتلك الآلام
والأسقام إما أن تكون ملازمة
ولا تزول عنه أبداً، أو إذا كان
يمكن زوالها فإنها ترتفع بعد
آلاف من السنين تحت الضغط
والعناء والنار والاحتراق "آخر
الدواء الكيّ". قال تعالى {يومَ
يحمى عليها في نار جهنم فتكوى
بها جباههم وجنوبهم وظهورهم}.
ومنزلة
الأنبياء هي منزلة الأطباء
المشفقين، الذين جلبوا للمرض
وصفات متعددة بحسب حالهم،
وهدوهم إلى طريق الهداية بكمال
الشفقة والرغبة في صحة المرضى
"نحن الأطباء تلاميذ الحق"
وإن الأعمال الروحية والقلبية
والظاهرية والبدنية هي بمثابة
الدواء للمرض، كما ان التقوى ـ
في كل مرتبة من مراتبها ـ بمثابة
الوقاية من الأمور تضاعف
الأمراض. ومن دون الحمية لا يمكن
أن ينفع العلاج، ولا أن يتبدل
المرض إلى صحة.
قد
يغلب الدواء والطبيعة على المرض
في الأمراض الجسدية وتعود الصحة
حتى مع عدم الحمية جزئياً، وذلك
لأن الطبيعة هي بنفسها حافظة
للصحة ودواء معين لها، ولكن
الأمر في الأمراض الروحية صعب،
وذلك لأن الطبيعة قد تغلبت على
النفس منذ البداية، فتوجهت نحو
الفساد وهي منكوسة {إن
النفس لأمارة بالسوء} وعليه
فمجرد عدم الاجتناب في الجملة،
فإن الأمراض تغلبه، وتجد مناطق
للنفوذ إليه، حتى تقضي على صحته
قضاءً مبرماً.
إذاً،
فالإنسان الراغب في صحة النفس،
والمترفق بحاله، إذا تنبه أن
وسيلة الخلاص من العذاب تنحصر
في أمرين: الأول هو الإتيان
بالمصحات والمصِحات النفسانية،
والآخر هو اجتباب المضرات وما
يؤلم النفس.
ومن
المعلوم ان المحرمات هي مصعّفات
للمفاسد النفسانية أكثر من أي
شيء آخر، ولهذا كانت محرمة، كما
ان الواجبات هي من أهم
المصلحات، ولهذا كانت واجبة.
وهاتان المرحلتان أفضل من أي
شيء، ومقدمة على كل مقصد،
ومقدمة للتطور كما ان الواجبات
هي من أكثر الأشياء إصلاحاً
للنفس، وهي الطريق الوحيد إلى
المقامات والمدارج الإنسانية،
بحيث ان من يواظب عليهما يكون من
الناجين السعداء، وأهمهما
التقوى من المحرمات. وإن أهل
السلوك يحسبون هذه المرحلة
مقدمة على المرحلة الأولى،
ويتضح من الرجوع إلى الأخبار
والروايات وخطب "نهج البلاغة"
ان المعصومين عليهم السلام
كانوا يعتنون بهذه المرحلة أكثر.
إذاً،
أيها العزيز! فاعتبر هذه
المرحلة الأولى مهمة جداً،
وحافظ وراقب أمرها، فإنك إذا
خطوت الخطوة الأولى بشكل صحيح،
وبنيت هذا الأساس قوياً، كان
هناك أمل بوصولك إلى مقامات
أخرى، وإلا امتنع الوصول وصعبت
النجاة.
كان
شيخنا العارف الجليل يقول: إن
المثابرة على تلاوة آخر آيات
سورة الحشر المباركة، من الآية
الشريفة {يا أيها
الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر
نفس ما قدّمت لغدٍ} إلى آخر
السورة المباركة، مع تدبر
معانيها، في تعقيبات الصلوات،
وخصوصاً في أواخر الليل، حيث
يكون القلب فارغ البال، مؤثرة
جداً في إصلاح النفس، وفي
الوقاية من شر النفس والشيطان.
وكان يوصي بالبقاء على وضوء،
قائلاً: إن الوضوء مثل "بزّة
الجندي". وعليك أن تطلب من
القادر ذي الجلال، والله
المتعال جل جلاله في كل حال مع
التضرع والبكاء والالتماس كي
يوفقك في هذه المرحلة، ويعينك
في الحصول على خصلة التقوى.
واعلم،
أن بدايات الأمر صعبة وشاقة،
ولكن بعد فترة من الاستمرار
والمثابرة يتحول التعب إلى
راحة، والمشقة إلى استراحة، بل
تتبدل إلى لذة روحية خالصة،
بحيث إن أهلها لا يقابلون تلك
اللذة بجميع اللذائذ. ويمكن إن
شاء الله بعد المواظبة الشديدة
والتقوى التامة، أن تنتقل من
هذا المقام إلى تقوى الخاصة؛
وهي التقوى عن المستلذات
النفسانية، إذ إنك بعد أن تذوق
طعم اللذة الروحية تنصرف شيئاً
فشيئاً عن اللذائذ الجسدية
وتتجنبها، وعندئذ يسهل عليك
المسير حتى لا تعود تقيم وزناً
للذّات الجسدية الزائلة، بل
تنفر منها، وتقبح زخارف الدنيا
في عينيك، وتجد أن كل لذة من
لذات هذا العالم توجد في النفس
أثراً، وتبقى في القلوب نكتة
سوداء تبعث على شدة الأنس بهذا
العالم والتعلق به؛ وهذه هي
نفسها تكون سبب الإخلاد إلى
الأرض، وعند سكرات الموت تتبدل
إلى صعوبة ومشقة ومعاناة، فعمدة
صعوبة سكرات الموت وحالة النزع
الأخير القاسية وشدتها ناجمة عن
هذه اللذات وحب الدنيا، كما
سبقت الإشارة إلى ذلك. فإذا أدرك
الإنسان هذا المعنى سقطت لذات
العالم من عينه كليّاً، ونفر من
الدنيا وما فيها من مباهج
وزخارف وفرّ منها. وهذا بنفسه
ترقٍّ من المقام الثاني إلى
المقام الثالث من التقوى.
وبذلك
يصبح سبيل السلوك إلى الله
سهلاً ميسوراً، وطريق
الإنسانية نيّراً واسعاً،
وتصبح خطوته شيئاً فشيئاً خطوة
حق، ورياضته رياضة حق، ويهرب من
النفس وآثارها وأطوارها، ويجد
في ذاته عشقاً للحق، فلا يعود
يقنع بوعود الجنة والحور العين
والقصور، بل يكون مطلوبه
ومقصوده أمراً آخر، وينفر من
الأنانية وحب الذات.
فيتقي
من حب النفس ويصبح متقياً من
التوجه للنفس وحب النفس، وهذا
مقام على قدر كبير من الشموخ
والرفعة، وهو أول مرتبة حصول
روائح الولاية، ويدرجه الله
المتعال في كنف لطفه، ويعينه
ويجعله موضع ألطافه الخاصة.
أما
ما يحدث للسالك بعد ذلك فخارج عن
قدرة القلم. والحمد لله أولاً
وآخراً وظاهراً وباطناً،
والصلاة على محمد وآله الطاهرين.
الالتزام
والتخصص
وجّهوا
عزمكم نحو هذا المعنى، وليكن
توجهكم نحو الله وأعمالكم خالصة
له تبارك وتعالى، وجدّوا
للدراسة في المدرسة التي أنتم
فيها، والأهم من الدراسة تهذيب
الأخلاق. وكونوا إسلاميين،
وكمّلوا العلوم الإسلامية من
خلال نفوس إسلامية، وهذّبوا
أنفسكم إسلامياً إلى جانب
الدراسة الجدية للأحكام
الإسلامية والمعارف الإسلامية.
يجب
على المدارس العلمية والدينية
وجميع المدارس التي تدرس العلوم
الدينية أو الدراسات الأخرى أن
يكون أهم شيء في برنامجها في هذه
الجمهورية الإسلامية هو أن
يكونوا مهذبين قبل أن يكونوا
علماء، أن يكونوا مهذبين قبل أن
يكونوا طلبة، يجب على المهذبين
والعلماء والخطباء الذين سلكوا
طريق الحق بمقدار ما يستطيعون
أن يذهبوا إلى المدارس في أنحاء
البلاد عامة، ويشكلوا حوزات
للأخلاق والتهذيب والمعارف
الإسلامية، وأن يكون التهذيب
الإسلامي والأخلاق الإسلامية
إلى جانب الدراسات العلمية حيث
إنه إذا لم يكن هناك تهذيب
إسلامي في المدارس، سواء
المدارس الدينية أو مثل الجامعة
وبقية الجامعات ـ والتي هي
أيضاً مدارس إسلامية ودينية ـ
يجب عليهم أن ينتبهوا إلى
المعلمين الذين يمارسون الدعوة
في هذه المدارس، ويحاضرون فيها
ليكونوا إسلاميين مائة بالمائة
ومن المعتقدين بالأحكام
الإسلامية والعقائد الإسلامية؛
حتى يتربى الذين عندهم تربية
إسلامية ويتهذبون إسلامياً،
واعلموا أن العالِم ـ أي عالِم
كان ـ سيكون مضراً بالإسلام
وغير نافع ما دام لم يهذب نفسه
ولا يملك الأخلاق الإسلامية.
إن
الأضرار التي لحقت بالإسلام
وببلادنا من أقلام وألسنة غير
الملتزمين بالإسلام والمنحرفين
فاقت ما لحق بهما من المدفع
والدبابة ومن محمد رضا وأبيه.
فأضرار هؤلاء أضرار روحية،
والضرر الروحي أشد من الضرر
الجسمي. فلو لم يكن العالم
مهذباً لنفسه ـ وإن كان عالماً
بالأحكام الإسلامية، وإن كان
عالماً بالتوحيد ـ فإنه سيضر
نفسه وبلاده وشعبه، ويضر
الإسلام ولا ينفعه.
إذا
أردتم أن تخدموا الإسلام
وتخدموا الشعب الإسلامي وأن لا
تكونوا أسرى بيد القوى العظمى
والمرتبطين بهم لوجب أن يكون
البرنامج الأخلاقي والتهذيبي
على رأس البرامج الدراسية في
الجامعة والفيضية والمراكز
التي ترتبط بالجامعة والفيضية
حتى تقدم ثمارها أمثال المرحوم
مطهري رحمه الله إلى المجتمع،
وبخلاف ذلك ـ لا سمح لله ـ فإنه
سوف يقدم إلى المجتمع رجال
يجرّونه إلى الفساد والى الأسر.
إن
الأضرار التي لحقت ببلادنا من
الجامعة والفيضية لم تشاهده من
مكان آخر، يجب عليهما أن يهذبا
أنفسهما، وأن يرتبط علماء
الإسلام وأساتذة الجامعات فيما
بينهم، ويتفاهموا لجعل هذين
المكانين إسلاميين، وأن يتم
انتخاب المعلمين ـ وخاصة
للجامعات ـ وفي سائر الأماكن
الأخرى من الملتزمين، ومن الذين
لا يمدون أيديهم للشرق ولا
للغرب. ولو كان من بين معلمينا
من هم شرقيون أو غربيون فإن
بلادنا ستميل إلى الشرق أو إلى
الغرب، وسيكون محتوى الجمهورية
الإسلامية ـ التي شعارها لا
شرقية ولا غربية ـ أجوف، وإن ما
يقوله بعض الناس: إن التهذيب يجب
أن لا يكون هكذا، ويجب أن يكون
الجميع أحراراً ويفعلون ما
يشاؤون، وليمارس المعلمون
التربية كيفما شاؤوا! فإن هذا
يعد انحرافاً ومخالفاً
للتعاليم الإسلامية السامية.
وإن اهتمام الإسلام بتربية
هؤلاء الأطفال وهؤلاء الشباب لا
يضاهيه شيء.
فالإسلام
جاء أساساً لبناء الإنسان،
بينما تقوم هذه المدارس
المنحرفة بسلب الإنسان
إنسانيته، وتجر بلادنا للسقوط
إما في أحضان الشرق والشيوعيين
أو في أحضان الغرب وأمريكا. وإن
أساس جميع هذه المصائب هم
الأساتذة غير الملتزمين والذين
تخرّج على أيديهم أناس جرّوا
مجتمعنا إلى الهلاك، وربطوا
بلادنا ورؤساءها بالشرق أو
الغرب.
الشيء
المهم الذي تحتاجه بلادنا هو
الالتزام بالإسلام والتهذيب
الإسلامي، ولو أصبحت هذه
المراكز خندقاً واحداً صحيحاً،
وأصبحت الجامعة والفيضية
خندقاً إسلامياً، فإن سائر
أبناء الشعب سوف لا ينحرفون، بل
سوف يسلكون الطريق المستقيم،
طريق الإنسانية والإسلام
والاستقلال والحرية.
وإنني
أدعو الباري المتعال أن يوفقكم
أيها الأخوة والأخوات لتسيروا
في طريق تحقيق هذا الهدف، والذي
هو الإسلام، والهدف الأسمى
والذي هو الله، ولكي تهدوا
الآخرين إلى نفس الطريق، فهذا
هو الطريق المستقيم للإنسانية،
ونسأل الله أن يهدينا إلى هذا
الصراط المستقيم.
تهذيب
النفس في الحوزات والمراكز
العلمية
يجب
أن يتخرج من الحوزات العلمية
عالم ملتزم بمعنى الكلمة وأن
تكون مركزاً لبناء الإنسان،
وتكون الجامعة مركزاً لبناء
الإنسان أيضاً. إننا نريد
الإنسان الجامعي، لا المعلم
والطالب. يجب على الجامعة أن
تصنع الإنسان وتُخرج الإنسان.
ولو خرّجت الإنسان فإنه لن
يسلّم بلاده للغير، فالإنسان لا
يرضى بالخضوع للذل والأسر، [والأعداء]
يخشون من الإنسان. وكان رضاخان
في السابق يخاف من المدرس لأنه
كان إنساناً…
وكان رضا خان يعتبر السيد
المدرس منافساً له، ولم يكن
يهتم بالآخرين. كان يعتبر
منافسه هو السيد المدرس الذي
كان عندما يقف ليتحدث يُزلزل
الجميع. كان إنساناً، وعاش كما
سمعتم عنه، وأنا شاهدته. ونقلوا
عنه عندما أصبح نائباً، أي
عينوه فقيهاً ينبغي أن يكون في
المجلس، أنه اشترى عربة وحصاناً
من اصفهان وجاء بها بنفسه إلى
طهران، ثم باعها. وكان بيته
متواضعاً من حيث البناء؛ كان ذا
مساحة كبيرة تقريباً لكنه
متواضع من حيث البناء، وعاش
حياة تحت مستوى الحياة العادية،
حيث كان في ذلك الوقت معروفاً
بلباسه الخشن (الكرباس)، الذي
يجب أن يكون مصنوعاً في إيران،
فأي لباس لهؤلاء الوطنيين مصنوع
في إيران؟!
يجب
على جميع الذين يهمهم أمر
البلاد، ويهمهم أمر الإسلام،
ويهمهم أمر هذا الشعب، أن
يوحّدوا قواهم من أجل إصلاح
الجامعة [غير المهذبة]، فخطر
الجامعة أعظم من القنبلة
العنقودية، كما أن خطر الحوزات
العلمية أعظم من خطر الجامعة.
يجب
تهذيبهما، ويجب على المتدينين ـ
سواء في الحوزات العملية أو
الجامعات ـ أن يشدوا أحزمة
العزم للإصلاح.
أنتم
الآن أيها السادة خطوتم الخطوة
الأولى، وإنها خطوة مباركة، وهي
أنكم حطمتم الجدار العظيم الذي
أوجدوه بينكم، والسد الذي
أقاموه بين الفيضية والجامعة قد
كسرتموه. فهذه هي الخطوات
الأولى التي قمتم بها، والخطوات
الأخرى أن تبذلوا جهدكم لتكونوا
مستقلين في جميع المجالات وغير
مرتبطين.
يجب
على الآخرين والأجيال القادمة
إن شاء الله أن ينتبهوا إلى هذين
المركزين ليكونا معاً، وأن
يُعتبر هذان المركزان العلم
والعمل، العلم والتهذيب،
بمنزلة الجناحين، إذ لا يمكن
التحليق بأحدهما، الخطوة
القادمة هي التهذيب.
المهم
أن يفهم المتخرج من الجامعة
بأنني درست على حساب ميزانية
هذا البلد، وأصبحت متخصصاً،
ووصلت إلى درجة علمية عالية،
فيجب أن أخدم هذا البلد وأكون
خادماً لاستقلال هذا البلد.
يجب
على أساتذة الجامعة أن يغيروا
تلك الأفكار التي دخلت إلى عقول
شبابنا خلال هذه السنوات
الطويلة وخاصة الخمسين سنة
الأخيرة تقريباً واعتقدوا بها،
وهي أننا لا شيء، ويجب أن نستورد
كل ما نحتاج إليه من الخارج، مما
أدى ـ هذا الاعتقاد ـ إلى توقف
تلك العقول عن العمل والانتاج.
يجب على أولئك الذين يهمهم أمر
هذا الشعب وهذا البلد ـ من غير
التابعين والمرتبطين ولا الذين
يخدمون القوى العظمة ـ أن
يبذلوا هممهم لجعل الجامعة
مركزاً للعلم والتهذيب، حتى
تكون جميع الاختصاصات في خدمة
البلاد، لا أن يكون متخصصاً
ويجرنا بتخصصه إلى أحضان
أمريكا، وبتخصصه يلحق الاضرار
ببلادنا، كلما كان أكثر تخصصاً
كان أسوأ. فغير المهذبين،
والذين لا يشعرون بأنهم لهذا
البلد وأنهم استفادوا منها ويجب
أن يقدموا علمهم لخدمتها، إنهم
يفقدانهم مثل هذا الإحساس وهذا
الاعتقاد سيجعل من الجامعة أسوأ
مركز يجر بلادنا إلى الفساد.
أما
إذا وجد هذا الإحساس ـ ويجب على
أساتذة الجامعة، أولئك
المتدينين، أولئك الذين كانوا
في العهد السابق يتألمون لوضع
البلاد، أن يجهزوا أنفسهم
لتربية أبناء إيران ـ فإن
الجامعة ستكون أسمى مقام يحقق
السعادة لبلادنا.
أمام
الجامعة طريقان: طريق جهنم،
وطريق السعادة؛ طريق الذلة
والمسكنة والعبودية وأمثال
ذلك، وطريق العظمة والعزة
والإباء. ولا فائدة في الأمر ما
دمنا نملك هذه الجامعة [غير
المهذبة]. إننا عندنا جامعة منذ
خمسين سنة، وكل ما حصل من فساد
في البلاد هو من الأشخاص الذين
درسوا في الجامعة وقد يكونون
متخصصين أيضاً.
فلا
ينفع حتى علم التوحيد بدون
التهذيب "العلم هو الحجاب
الأكبر" فمهما يزداد العلم
حتى التوحيد ـ الذي هو أسمى
العلم ـ ويتراكم في عقل الإنسان
وقلبه فإنه سيبعده عن الله لو لم
يكن مهذباً. ينبغي بذل الجهود
لتهذيب الطلبة في الحوزات
العلمية حاضراً ومستقبلاً. إذ
يجب أن تقوم الحوزات الأخلاقية
وحوزات التهذيب وحوزات السلوك
"إلى الله تعالى" إلى جانب
علم الفقه والفلسفة وأمثال ذلك.
هل
تعلمون مَنْ حاكم المرحوم الشيخ
فضل الله النوري؟ إنه عالم من
زنجان، حاكمه وأصدر عليه حكماً
بالقتل!
عندما
لا يكون رجل الدين والعلم
مهذباً فإن فساده يكون أكثر من
الآخرين. وجاء في الأحاديث أن
بعض أهل جهنم يتأذى بسبب
الرائحة النتنة لبعض العلماء،
وإن الدنيا تتأذى بسبب الرائحة
النتنة لبعض هؤلاء.
ما
لم تصلحوا نفوسكم، وما لم
تبدؤوا من أنفسكم، وما لم
تهذبوها؛ فإنكم لا تقدرون على
تهذيب الآخرين؛ فغير السليم لا
يمكنه إصلاح الآخرين، ومهما
يقول فلا فائدة من كلامه.
ليبذل
العلماء جهدهم في الحوزات ـ في
أية حوزة إسلامية كانوا ـ حتى لا
يتخرج الشاب بفطرة فاسدة من
الحوزة بعد عشر سنوات أو عشرين
سنة من دخوله إليها بفطرة سليمة.
فالتهذيب أمر لابد منه.
طبعاً
يجب أن يكون كافة أبناء الشعب
وكافة الناس مهذبين، فالتاجر لو
لم يكن مهذباً فإنه سيمارس
الغلاء وأمثاله، وهذه عندما
يُجمع بعضها إلى بعض يكون
الفساد كبيراً، ولكن لا يكون
لشخص واحد هذا الفساد، أما
العالم فإذا كان فاسداً فإنه
يفسد مدينة بأكملها، ويفسد دولة
بأكملها، سواء كان ذلك عالم
الجامعة أو عالم الفيضية، إذ لا
فرق بينهما.
أسأل
الله تبارك وتعالى أن يبارك تلك
الخطوة التي خطوتموها أيها
الأعزاء، ويبارك الوحدة بينكم
وبين الجامعة، وبينكم وبين
علماء الدين، وانتبهوا وأنتم
تحاولون الاقتراب من بعضكم أنه
سوف تكثر المخططات التي تحاول
فصلكم.
التقدم
الحقيقي يكون في ظل التخصص
والالتزام الإسلامي
إن
مشكلتنا أننا نواجه أشخاصاً ـ
بدون أن يلتفتوا إلى المشكلات،
وبدون أن يهتموا لرغبات الشعب،
وبمجرد أن يُقال أن المركز
الفلاني يجب أن يكون إسلامياً ـ
يقولون إن هذا يعني رفض التخصص،
إنهم يريدون أن يبينوا للعالم
أن الإسلام يخالف العلم
والتخصص؛ في حين أن آيات القرآن
الكريم أكدت موضوع العلم إلى
درجة قد لا يمكن مشاهدة ذلك في
الكتب الأخرى.
فالإسلام
يؤكد أهمية التخصص والعلم، ولكن
بشرط أن يكون ذلك التخصص والعلم
في خدمة الشعب وفي خدمة مصالح
المسلمين. يدعي البعض أننا لا
نريد المتخصصين، ويثيرون هذا
الكلام بشكل واسع وينسبونه
للبعض. مثلاً عندما يقول
المسلمون بوجوب حدوث ثورة
ثقافية في الجامعة ويجب أن تكون
الجامعات إسلامية، فإنهم
ينقلون هذا الكلام تحت عنوان
أنه لا حاجة في جامعاتنا
للطبيب، ولا حاجة للمتخصصين في
الطب، ولا نريد المتخصصين في
الصناعات المتطورة، يجب أن
يذهبوا إلى هناك لنقل الأحكام
الإسلامية والمسائل فقط! وهذا
الادّعاء من الشيطنات التي يقوم
بها بعض الأفراد والجماعات حيث
ينسبون ويتحدثون عن الإسلام
والجماعات الإسلامية وعن
الثورة الثقافية هكذا. إن هؤلاء
لا يدرون إن هدفنا حينما نقول
يجب أن تكون جميع الجماعات
والمؤسسات إسلامية ـ وخاصة
الجامعة التي هي مركز للعلم
والعقل المفكر للمجتمع ـ لا
يعني ذلك أننا لسنا بحاجة
للمتخصصين؛ فالإسلام يهتم
بالمتخصص حتى في الأحكام
العادية، وإن المعيار في
الأحكام الشرعية هو الأكثر
تخصصاً. إننا نريد أن نقول شيئاً
آخر، وهو أن مشكلتنا هي غير ذلك،
إن مشكلتنا أنه خلال هذه
السنوات العديدة ـ التي وطئت
أقدام الأجانب بلادنا، وخاصة
خلال الخمسين سنة من الدورة
المظلمة لبهلوي ـ كانوا هكذا
يروجون، ويريدون إقناع شبابنا
وشعبنا بأن إيران عاجزة ـ وكذلك
الإسلام ـ عن إيجاد العلم،
والتخصص، والصناعة. لذا يجب
علينا إما أن نمد أيدينا إلى
الشرق والشيوعية أو إلى أمريكا
والدول الغربية الرأسمالية.
إنهم
مارسوا دعايتهم بحيث كانوا
يقولون: يجب أن نكون شرقيين أو
غربيين من أم رؤوسنا حتى أخمص
أقدامنا. عندما كنت في تركيا
وجدت تمثال أتاتورك في بعض
الميادين وهو يرفع يده، كانوا
يقولون إن هذه اليد ممدودة
باتجاه الغرب ويريد من ذلك أن كل
ما عندنا يجب أن يأتي من الغرب.
وفي سائر البلدان الإسلامية
مارسوا دعايتهم بحيث إنه لابد
من وجود المستشار الغربي أو
الشرقي في جميع الأمور، وإن
العقل الإيراني أساساً غير مؤهل
للقيام بعمل جيد، حتى أنه لا
يقدر على الزراعة. إن هذا الأمر
كان برنامجاً خططوا له، وسخّروا
له أجهزتهم الدعائية بشكل واسع،
بحيث اعتقد العديد من أبناء
شعبنا أنه يجب أن نتجه حتماً إما
إلى الغرب والمعسكر الغربي حتى
يترحم علينا ويلبي حوائجنا، أو
نتجه إلى الشرق الشيوعي ليقوم
بهذا العمل.
إن
سبب إصرارنا بوجوب أن تتخلص
الجامعة ـ والتي هي العقل
المفكر لأي شعب ـ من الارتباط
بالشرق أو الغرب، وإنه لا يمكن
تحقيق ذلك إلا بأن تأخذ الطابع
الإسلامي، لا يعني ذلك أننا لا
نريد من الجامعة تدريس العلم
والصناعة، وأن تكتفي بآداب
الصلاة! فهذا يعد نوعاً من
المغالطة. حيث إنه وبمجرد
الحديث عن الجامعة الإسلامية
وضرورة الثورة الثقافية، يصرخ
أولئك ـ الذين يريدوننا أن
نرتبط بالشرق وأساساً بالغرب ـ
بأن هؤلاء يعارضون التخصص
ويعارضون العلم.
نحن
لسنا مخالفين للتخصص ولا للعلم،
بل نخالف أن نكون خدماً
للأجانب؛ إننا نقول بأن ذلك
التخصص الذي يُسقطنا في أحضان
أمريكا أو بريطانيا، أو في
أحضان السوفيت أو الصين، إنه
تخصص مهلك، وليس تخصصاً بنّاءً.
إننا نريد تربية متخصصين في
الجامعات يعملون لشعوبهم، لا أن
يجروا الجامعة إلى الشرق أو
الغرب. إننا نريد جميع المؤسسات
الموجودة في البلاد وجميع
المراكز الصناعية التي تريد
التقدم في الصناعة الثقيلة
والعلم أن يكون علمها وصناعتها،
وجميع الأمور الأخرى في خدمة
الشعب، لا في خدمة الأجانب،
فأضرار التخصص الذي يخدم
الأجانب هو أعظم من كل شيء.
إن
العلم الذي يجرّنا نحو أمريكا
أو الاتحاد السوفيتي هو علم
مضر، هو علم يؤدي إلى هلاك
الشعوب. إن الذين تربوا في
الجامعة سابقاً ـ إلا القليل
منهم ـ إن لم يكن لهم ضرر ـ وقد
كان ـ فإنه لم يكن لهم نفع. إننا
نريد أن تكون لدينا جامعة في
خدمة الشعب، في خدمة إيران، لا
تلك الجامعة التي يكون شعارها
نريد إيران متمدنة، ونريد
الاتجاه نحو أبواب التمدن، لكن
حقيقة الأمر عندما شاهدناها
وشاهدتموها كنّا مرتبطين في
جميع المجالات؛ إننا نخالف ومن
الأساس تلك الجامعة التي تريد
ربطنا بالأجنبي أيّاً كان. إننا
نريد جامعة تخلّصنا من التبعية،
وتحقق استقلالنا، تحقق استقلال
جميع البلد، وتخلصنا من جميع
التبعيات. إننا نريد المتخصص،
والإسلام يؤيد المتخصص،
والإسلام على رأس قائمة الأديان
التي تمجد العلم أينما وجد،
وحتى من أي كافر، ولكن بشرط أخذه
واستخدامه في خدمة الإسلام
والبلاد، لا أن تأخذوا العلم
وتستعملوه ضد بلادكم.
إننا
نريد جامعة، ونريد دولة تنقذنا
من هذه التبعية الفكرية التي
تحظى بالأهمية، والتي هي أخطر
من جميع التبعيات.
إننا
نريد أولئك الأساتذة الذين
يربّون عقول شبابنا على
الاستقلال، فلا يكونون غربيين
ولا شرقيين. لا يكونون أتاتورك
ولا تقي زاده أيضاً. إننا نريد
جامعة تؤهلنا بعد بضع سنوات
أخرى لكي نوفر حاجاتنا بأنفسنا.
إننا لا نعارض التخصص في أي
مجال، وإن الشيء الذي نعارضه هو
الارتباط الفكري لشبابنا
بالخارج والشرق والغرب، حيث إن
جامعاتنا ـ إلا القليل منها ـ
كانت إما لا تهتم بإزالة هذه
التبعية، أو إنها كانت بصدد ربط
هذه العقول بالخارج. إننا نريد
عندما نمرض أن لا يُقال لنا: يجب
أن تذهبوا إلى انجلترا، أو أن
تذهبوا إلى أمريكا. إننا نريد
الإيراني عندما يمرض أن لا يذهب
إلى مكان آخر، كما أنه عندما
يمرض الأمريكي لا يأتي لإيران،
أو عندما يمرض البريطاني فلا
يأتي لإيران.
إننا
نريد مثل هذا التخصص الذي يربي
بلادنا ويربي شبابنا الذين هم
على رأس أمور البلاد بحيث تكون
عقولهم غير مرتبطة، ولا يكون في
رؤوسهم فكر سوى الإسلام وإيران.
إننا لا نعارض التخصص وكذلك
الجمعيات الإسلامية، فأي
الجمعيات الإسلامية تعارض
التخصص؟! أي الجمعيات الإسلامية
لا تريد أن يتخصص شبابنا
بالفروع المختلفة ويكتفوا
ذاتياً؟! كلها تريد ذلك، لكنكم
رأيتم جامعات العهد البائد،
فبعد سنوات طويلة من امتلاكنا
للجامعة يأتي شخص يحمل عنوان
رئيس البلاد ـ وهو الذي وضع نفسه
في ذلك المكان وهو الملك
المخلوع ـ فيقوم باستدعاء طبيب
من الخارج ليقوم بعملية جراحية
للزائدة الدودية لأحد أقربائه،
لأنه يعرف بعقله الأجوف هذا
المعنى، وهو أنه جعل من إيران
مرتبة بحيث لا تتمكن من القيام
بذلك العمل، ولو كانت تقدر على
ذلك فيجب التصرف بشكل تفهم معه
جميع الشعوب بأنها لا شيء …
نريد إخراج هذه الفكرة من
الرؤوس؛ يجب على الجمعيات
الإسلامية أن تكون في صدد إخراج
هذه الأفكار من الأذهان ويعرفوا
أنفسهم بعد أن ضيعوها عدة قرون.
إننا نريد تربية أشخاص كالذي
تستفيد أوربا من كتابه في
القانون حتى الآن، لا أن يكونوا
أشخاصاً لا يعرفون الف باء
الإسلام وبمجرد الكلام يقولون
إن الإسلام لا يقدر على ذلك.
نريد مثل هذه الجامعة التي تكون
على شاكلة الحوزات العلمية التي
لم ترتبط أبداً ولا يوم واحد
بالخارج، ولو كان فيها شخص
مرتبطاً أو أكثر فهم مفضوحون.
إننا نريد تلك الجامعة التي
تكون أفكارها متوافقة ومنسجمة
مع أفكار الجامعات العلمية
القديمة والتي لم تكن في أي يوم
مرتبطة بالخارج، وإذا كان شخص
منها أو أكثر منحرفاً فإنهم
كانوا مفضوحين بينهم. إننا نريد
تحقيق مثل هذا الأمر.
التربية
الصحيحة في ظل العلم والتزكية
إنه
لمن السذاجة أن يتصور الإنسان
بأن نجعل من المعلم المنحرف،
والمعلم الذي يميل إلى الشرق أو
الغرب، أو المتربي شرقياً أو
غربياً، أن نجعله معلماً
للأولاد الذين لهم نفوس صقيلة
كالمرآة، وتعكس كلّ شيء. إن من
السذاجة أن نسلّم شبابنا لمعلم
متأثر بالشرق فيجعل منهم
شرقيين، أو متأثر بالغرب فيجعل
منهم غربيين. إن من السذاجة أن
نتصور أن التخصص هو المعيار
فقط، وأن العلم هو المعيار، بل
أن العلم الإلهي ليس معياراً
أيضاً، وعلم التوحيد أيضاً
ليس معياراً، وعلم الفقه
والفلسفة أيضاً ليس معياراً؛
ليس هناك أي علم يكون هو
المعيار، إنما المعيار هو ذلك
العلم، وسعادة البشر في ذلك
العلم الذي فيه تربية، الذي
يُلقى من المربي، الذي يلقى إلى
البشر من ذلك الذي تربى تربية
إلهية.
لو
كانت جميع مدارسنا هكذا، سواء
مدارس العلوم الإسلامية أو
مدارس العلوم الأخرى، ووجدت
الاستقامة وزال الانحراف فإنه
سوف لا تمضي فترة طويلة إلاّ
ويصلح جميع شبابنا ـ الذين هم
أمل هذه البلاد في المستقبل ـ
وينشأ الجميع لا شرقيين ولا
غربيين، ويسلكون جميعاً الصراط
المستقيم.
إن
من السذاجة أن نفكر بأنه يكفينا
وجود أشخاص يملكون العلم، بل
يجب أن يملكوا العلم والتربية،
أو على الأقل أن يملكوا العلم
ولا يكونوا منحرفين. افرضوا
إننا نريد نشر العلم ونستفيد من
علم العلماء، فيجب أن يكون
العلم غير منحرف على الأقل، ولا
يرتبط بالشرق أو الغرب، أن لا
يكون الوضع هكذا بحيث يكون
معلمونا ومربّو شبابنا من
المتربين في موسكو أو واشنطن.
إن
من السذاجة أن نفكر بأننا
نستطيع أن نستفيد من جميع أهل
التخصصات مهما كان حالهم، إنه
لا يمكن الاستفادة منهم؛ فلو
شافى المتخصص مرضنا الظاهري،
فإنه سيوجد لنا أمراضاً باطنية،
إنه سيجرنا من مرض ضعيف إلى مرض
شديد، ومن مرض صغير إلى مرض كبير.
يجب أن ننتبه إلى جميع الأمور.
لاحظوا
حزب البعث الذي أوجد المشاكل
لبلادنا والأكثر منها للبلد
المسلم العراق؛ إن الكثير من
هؤلاء متخصصون وقد ذهب الكثير
منهم إلى الجامعة وتخرج منها
لكنهم لم يتربوا ولم يزكوا
أنفسهم. إذا وجد العلم دون تزكية
فإنه سيوجد النظام السابق،
ويوجد نظام صدام هذا.
إذا
لم نزكِّ أنفسنا ولم تكن
التزكية إلى جانب العلم، فإن
بلادنا سوف تُجرّ لتلك الأطراف،
ونصبح صداماً أيضاً. يجب أن تكون
تربيتكم وتربية المعلم، تربية
إسلامية، وتربية إنسانية؛
تربية تسير على الصراط
المستقيم، وإلاّ فإننا لا
يمكننا أن نقبل بتربية موسكو
ولا بتربية واشنطن أيضاً
|