كذلك
الإنسان إذ يجب انتخاب الأرض
المناسبة قبل أن تبذر بذرته،
وكيف يجب أن يكون ذلك الذي سيقوم
بالزراعة، وما هي شروط فترة
التلقيح بعد حصول الزواج؛
فالإسلام يريد تهيئة جميع
الأبعاد، يريد بناء الإنسان.
بناء
النفس مقدمة لإصلاح المجتمع
إن
أي إصلاح يبدأ من الإنسان؛ فلو
لم يتربّ الإنسان فلن يتمكن من
تربية الآخرين. وأنتم شاهدتم ما
كان يحصل خلال الحكومات
السابقة، وخاصة هذه الحكومات
الأخيرة والتي كثير منكم قد
عاصرها كلها، وبعضكم عاصر
بعضها، فلأن الأمور كانت بيد
أشخاص لم يتربوا تربية إسلامية
ولم يبنوا أنفسهم، وبسبب هذا
النقص الكبير، فإنهم جرّوا
بلادنا إلى ما هي عليه الآن،
وجرّونا إلى الموضع الذي يتطلب
منّا سنوات طويلة للإصلاح إن
شاء اللّه. لذا فإن الشيء الواجب
علينا جميعاً هو أن نبدأ
بأنفسنا، ولا نكتفي بإصلاح
الظاهر فقط، بل أن نبدأ من
قلوبنا ومن عقولنا، وأن نكون في
كل يوم أفضل من اليوم الذي سبقه.
وآمل أن تتحقق هذه المجاهدة
النفسانية عندنا جميعاً،
وبعدها المجاهدة من أجل بناء
البلد.
أصل
الاهتمام بالمتربي ومحبته
كان
رسول الإسلام يتألم لعدم قبول
الناس للتربية إلى حدّ كان
الباري تبارك وتعالى يسلّيه على
ذلك. وكان في مشقة، فجاءه الخطاب
من اللّه تبارك وتعالى {ما
أنزلنا عليك القرآن لتشقى}؛
فكان يتألم من أجل الناس أكثر من
تألم الأب الرؤوف على أولاده،
ويحزن لعدم قبول الكافرين
الانضمام للمجرى الطبيعي
الإنساني. ويجب أن يكون كل إنسان
كذلك فيشعر بالحزن للذين لا
يلتزمون بالخط الإسلامي
والإنساني. وكان بعض العلماء
الكبار ـ كما سمعت ـ يقولون
بأننا ندعو لأولئك المنحرفين
لأنهم أحوج إلى الدعاء.
أسلوب
الابتلاء
إن
كل عمل يصدر من الإنسان، بل كل
ما يقع في عالم الجسم وكان
مدركاً للنفس، يترك أثراً لدى
النفس، من دون فرق بين الأعمال
الحسنة أو السيئة، من دون فرق
بين أن يكون العمل من نوع
اللذائذ أو نوع الآلام. وقد عبر
عن هذا الأثر في الأخبار بنقطة
بيضاء ونقطة سوداء؛ مثلاً إنّ
كل لذة مما يلتذ الإنسان به من
المطعومات أو المشروبات أو
المنكوحات وغيرها، يترك أثراً
في النفس، ويحصل تعليقاً ومحبة
في عمق الروح تجاهه، ويزداد
توجه النفس إليه، وكلما توغّل
في اللذائذ والمشتهيات أكثر
ازداد تعلق النفس وحبّها لهذا
العالم أكثر، وغدا ركونها
واعتمادها على هذا العالم أكثر،
فتتربى النفس وترتاض على التعلق
بالدنيا. وكلما كانت المتع في
ذائقته أحلى، كانت جذور محبتها
أكثر. وكلما توفرت وسائل العيش
والعشرة والراحة بشكل أوفى،
أصبحت شجرة التعلق بالدنيا أقوى.
وكلما أقبلت النفس على الدنيا
أكثر، كلما كانت غفلتها عن
اللّه وعالم الآخرة أكثر. كما أن
نفس الإنسان إذا ركنت إلى
الدنيا كلياً، وصار توجهها
مادياً ودنيوياً سُلبت التوجه
للّه المتعال ودار الكرامة
نهائياً و {أخلد
إلى الأرض واتبع هواه}.
فالانهماك
في بحر اللذائذ والمشتهيات يصرف
الإنسان إلى حب الدنيا من دون
اختيار، وحب الدنيا يوجب النفور
عن غيرها، والإقبال على الملك
يسبب الغفلة عن الملكوت، وكذلك
العكس؛ فلو أن الإنسان استاء من
شيء، وإدراك غير الملاءمات؛
سببت صورة ذلك الإدراك الكراهية
والنفور، وكلما كانت تلك الصورة
في النفس أقوى كان ذلك النفور
الباطني أكثر.
فمثلاً:
إذا دخل شخص إلى بلد، وابتلى
بأسقام وآلام فيه وعانى من
ورائه مشاكل داخلية؛ لكرهه
وتنفّر منه قهراً، وكلما كانت
معاناته أكثر كان هروبه ونفوره
منه أكثر. وإذا وجد مدينة أفضل
منه لأقبل عليها. وإن لم يستطع
التحرك نحوها، لاشتاق إليها،
وتوجه قلبه نحوها.
فالإنسان
إذا عاش هموم الدنيا وآلامها
وأسقامها ومشاكلها وعناءها،
وشعر بأن أمواج الفتن والمحن
تزحف نحوه، خفّ تعلقه بها، وقل
ركونه إليها، وتنفر منها قهراً.
وإذا اعتقد بوجود عالم آخر،
وفضاء رحب خالٍ من جميع أنواع
الشقاء والتعاسة، ارتحل إليه
قهراً. وإذا لم يتمكن من السفر
بجسمه، لذهب بروحه وبعث بقلبه
إلى ذلك العالم.
وواضح
جداً أن المفاسد الروحية
والخلقية والسلوكية بأسرها
تنجم عن حب الدنيا والغفلة عن
الله سبحانه وعالم الآخرة، وإن
حب الدنيا رأس كل خطيئة.
في
حين أن جميع أنواع الصلاح
الروحي والخلقي والسلوكي ينبعث
من التوجه نحو الحق ودار
الكرامة، ومن اللامبالاة
بالدنيا وعدم الركون والاعتماد
على زخارفها. إن لطف الله تبارك
وتعالى وعنايته كلما كانت
متعلقة بشخص أكثر…،
ووجه إليه أمواج المحن والفتن
أكثر، حتى تنصرف روحه عن هذه
الدنيا وزخارفها وتنزجر،
ويتوجه بمقدار إيمانه إلى عالم
الآخرة ويتوجه قلبه إلى هناك.
وإن
لم تكن هناك جدوى من احتمال
شدائد المحن إلا هذه الجهة
لوحدها، لكفى.
الابتلاء
والامتحان
إن
الإنسان في الدنيا هو محل
للامتحان أيّاً كان، ابتداءً من
أولئك الناس العظام كالأنبياء
والأولياء وحتى الآخرين أياً
كانوا؛ فالامتحان يلازم وجود
الإنسان، ولن يعيش إنسان في هذا
العالم دون امتحان. ويكون
الامتحان أحياناً على شكل خوف
أو جوع أو نقص في الأموال
والأنفس والثمرات وأمثال ذلك،
والذي تحقق الكثير منه الآن في
تلك المناطق المتضررة بالحرب.
وهذا الامتحان إلهي لاختبارنا
واختباركم أيها السادة في دزفول
والأهواز وسوسنگرد وسائر
المناطق التي اعتدى عليها
الكفار.
قد
يكون الأمن موضوعاً للاختبار
أحياناً، فيختبر الإنسان
بالخوف وفقدان الأمن أحياناً،
أو يختبر بالاستقرار والأمن.
ويكون الامتحان أحياناً من خلال
النقص في الثمرات والأنفس فيذهب
الشباب والأخوة، ويمتحن
الأطفال والنسوة من هذا الطريق،
أو من خلال زيادة الثمرات
أحياناً، وزيادة الأموال
والتنمية وتحقيق الأمن. فلابد
أن يمتحن الإنسان، ولا يُترك
بمجرد ادعائه الإيمان.
لقد
تعرض الأنبياء العظام
للامتحان؛ امتحن إبراهيم
الخليل عليه السلام في تلك
القضية المحيرة وهي أمره بأن
يذبح ولده. لقد امتحن الأنبياء
العظام وأولياء الله، وامتحن
سيد الشهداء سلام الله عليه،
وأولاده وأحفاده أيضاً، وكلنا
معرضون للامتحان، وسوف يمتحن
جميع البشر. وإن الامتحان
بالأمن والثروة والرئاسة
وأمثال ذلك أصعب من الامتحان
بالنقص في الأولاد والأنفس؛ فما
أكثر الذين يدعون بأنهم أنصار
للضعفاء، لكنهم يفشلون عند
الامتحان! وما أكثر الذين يدعون
بأنهم سيكونون من السابقين عند
قيام الحرب، لكنهم لا يجتازون
الامتحان بنجاح عند العمل.
جهاد
النفس
إن
أفضل علاج لدفع هذه المفاسد
الأخلاقية، هو ما ذكره علماء
الأخلاق وأهل السلوك، وهو أن
تأخذ كل واحدة من الملكات
القبيحة التي تراها في نفسك،
وتنهض بعزم على مخالفة النفس
إلى مدة، وتعمل عكس ما تتطلبه
منك تلك الملكة الرذيلة.
واطلب
التوفيق من الله تعالى في كل حال
لإعانتك في هذا الجهاد، ولاشك
في أن هذا الخلق القبيح سيزول
بعد فترة وجيزة، ويفرّ الشيطان
وجنوده من هذا الخندق، وتحلّ
محلهم الجنود الرحمانية.
فمثلاً
من الأخلاق الذميمة التي تسبب
هلاك الإنسان، وتوجب ضغطة
القبر، وتعذّب الإنسان في كلا
الدارين، سوء الخلق مع أهل
الدار أو الجيران أو الزملاء في
العمل أو أهل السوق والمحلة،
وهو وليد الغضب والشهوة. فإذا
كان الإنسان المجاهد يسعى لمدة
أنه عندما يعترضه أمر غير مرغوب
فيه، حيث تتوهج نار الغضب لتحرق
الباطن، وتدعوه إلى الفحش
والسيّئ من القول أن يعمل بخلاف
النفس، ويتذكر سوء عاقبة هذا
الخلق ونتيجته القبيحة، ويبدي
بالمقابل الشيء الحسن، ويلعن
الشيطان في الباطن، ويستعيذ
بالله منه؛ إني أتعهد لك بأنك لو
قمت بذلك السلوك، وكررته عدة
مرات، فإن الخلق السيّئ سيتغير
كلياً، وسيحل الخلق الحسن في
باطن مملكتك، ولكنك إذا عملت
وفق هوى النفس، فمن الممكن أن
يبيدك في هذا العالم نفسه،
وأعوذ بالله تعالى من الغضب
الذي يهلك الإنسان في آن واحد في
كلا الدارين، فقد يؤدي ذلك
الغضب ـ لا سمح الله ـ إلى قتل
نفس. من الممكن أن يتجرأ الإنسان
في حالة الغضب على النواميس
الإلهية، كما رأينا أن بعض
الناس قد نطقوا بالارتداد،
وأصبحوا من جراء الغضب مرتدّين.
وقد قال الحكماء "إن السفينة
التي تتعرض لأمواج البحر
العاتية وهي بدون قبطان، لهي
أقرب إلى النجاة من الإنسان وهو
في حالة الغضب".
أو
إذا كنت ـ لا سمح الله ـ من أهل
الجدل والمراء في المناقشات
العلمية ـ كبعضنا نحن الطلبة
المبتلين بهذه السريرة القبيحة
ـ فاعمل فترة بخلاف النفس، فإذا
دخلت في نقاش مع أحد الأشخاص في
مجلس رسمي حيث يكون مشحوناً
بالعلماء والعوام، ورأيت أنه
يقول الحق فاعترف بخطئك وصدق
قول المقابل، والمأمول أن تزول
هذه الرذيلة في زمن قصير.
نسأل
الله أن لا يصدق قول بعض أهل
العلم ومدعي المكاشفة، حيث يقول:
"لقد كشف لي خلال إحدى
المكاشفات أن تخاصم أهل النار،
الذي يخبر عنه الله تعالى، هو
مجادلة أهل العلم والحديث".
المجاهدة
والتلقين
اسع
سعيك لكي توصل كلمة التوحيد ـ
التي هي أعظم كلمة وأسمى جملة ـ
من عقلك إلى قلبك، فنصيب العقل
هو هذا الاعتقاد البرهاني
الجازم، وثمرة البرهان هذه
وأثرها ضعيف ضئيل جداً ما لم تصل
إلى القلب بالمجاهدة والتلقين.
ولعل أصحاب البرهان العقلي
والاستدلال الفلسفي هم أكثر من
غيرهم وقوعاً في شباك إبليس
والنفس الخبيثة (فخشبية هي قدم
أصحاب الاستدلال). وهذه القدم
والبرهانية العقلية تصبح
روحانية إيمانية عندما تنتقل من
أفق العقل إلى مقام القلب ويصدق
القلب ما أثبته الاستدلال
عقلياً.
التفكر
شرط لمجاهدة النفس
اعلم
أن أول شروط مجاهدة النفس
والسير باتجاه الله تعالى، هو
"التفكر" وقد وضعه بعض
علماء الأخلاق في البدايات، في
الدرجة الخامسة، وهذا ـ التصنيف
ـ صحيح أيضاً في محله.
والتفكر
في هذا المقام هو أن يفكر
الإنسان بعض الوقت كل يوم وليلة
ولو قليلاً في أن مولاه الذي
خلقه في هذه الدنيا، وهيّأ له كل
أسباب الدعة والراحة، ووهبه
جسماً سليماً وقوى سالمة، لكل
واحدة منها منافع تحيّر ألباب
الجميع، ورعاه وهيّأ له كل هذه
السعة وأسباب النعمة والرحمة.
ومن جهة أخرى، أرسل جميع هؤلاء
الأنبياء، وأنزل الكتب، وأرشد
ودعا إلى الهدى…
فما هو واجبنا تجاه هذا المولى
مالك الملوك؟! فهل وجود جميع هذه
النعم، هو فقط لأجل هذه الحياة
الحيوانية وإشباع الشهوات التي
نشترك فيها مع جميع الحيوانات،
أو أن هناك هدفاً وغاية أخرى؟
هل
للأنبياء الكرام، والأولياء
العظام، والحكماء الكبار،
وعلماء كل أمة ـ الذين يدعون
الناس إلى حكم العقل والشرع،
ويحذرونهم من الشهوات
الحيوانية ومن هذه الدنيا
البالية ـ عداء ضد الناس، أو
أنهم كانوا مثلنا لا يعلمون
طريق صلاحنا نحن المساكين
المنغمسين في الشهوات؟!
إن
الإنسان العاقل إذا فكّر للحظة
واحدة، عرف أن الهدف من هذه
النعم هو شيء آخر، وأن الغاية من
هذه الخلقة عالم أسمى وأعظم،
وأن هذه الحياة الحيوانية ليست
هي المقصودة بالذات، وأن على
الإنسان العاقل أن يفكر بنفسه،
وأن يترحم على حاله ونفسه
المسكينة؛ ويخاطبها: أيتها
النفس الشقية التي قضيت سنوات
الطويلة من عمرك في الشهوات،
ولم يكن نصيبك سوى الحسرة،
ارحمي حالك قليلاً، واستحي من
مالك الملوك، وسيري قليلاً في
طريق الهدف الأساسي المؤدي إلى
حياة الخلد والسعادة السرمدية،
ولا تبيعي تلك السعادة الدائمية
بشهوات ايام قليلة فانية، التي
لا تتحصل أيضاً حتى مع الصعوبات
المضنية الشاقة. فكّر قليلاً في
أحوال أهل الدنيا، من السابقين
وحتى الآن، وتأمل متاعبهم
وآلامهم كم هي أكبر وأكثر
بالنسبة إلى هنائهم، في نفس
الوقت الذي لا يوجد فيه هناء
وراحة لكل شخص.
ذلك
الذي هو في صورة الإنسان، ولكنه
من جنود الشيطان ومبعوثيه،
والذي يدعوك إلى الشهوات، ويقول:
يجب ضمان الحياة المادية، تأمل
قليلاً في حال نفس ذلك الإنسان
واستنطقه، وانظر هل هو راض عن
وضعه، أو أنه هو بنفسه مبتل،
ويريد أن يبلي مسكيناً آخر؟!
وفي
كل حال ادع ربك بعجز وتضرع أن
يعرّفك وظائفك التي ينبغي أن
تكون فيما بينك وبينه تعالى،
والأمل أن يفتح لك هذا التفكير ـ
والذي هو بقصد مجاهدة الشيطان
والنفس الأمارة ـ طريقاً آخر،
وتوفّق للترقي إلى منزل آخر من
منازل المجاهدة.
التكرار
والتمرين
إن
الكتب التي جاءت لبناء الإنسان
كالقرآن الكريم، والكتب التي
كتبت في الأخلاق وتستهدف بناء
الإنسان وبناء المجتمع تكرر
المواضيع حسب أهميتها. ويكثر
التكرار في القرآن الكريم،
ويتساءل البعض لماذا هذا
التكرار؟ في حين أنه لازم. إن
التلقين هو من الأشياء المفيدة
لبناء الإنسان. لو أراد الإنسان
أن يبني نفسه لوجب عليه أن يلقن
نفسه تلك الأمور المرتبطة ببناء
نفسه ويكررها. ويزداد تأثير تلك
الأمور التي ينبغي أن تؤثر في
نفس الإنسان من خلال التلقين
والتكرار. فسبب تكرار الأدعية،
وتكرار الصلاة في كل يوم عدة
مرات ودائماً هو لكي يقول
الإنسان ويسمع، ويقرأ بنفسه
ويستمع تلك الآيات التي تبنيه
مثل سورة الحمد المباركة والتي
هي درس بناء للإنسان. يجب على
الإنسان أن يلقن نفسه ويكرر هذه
الآيات ويستحضر نفسه لاستماعها.
عندما
يقول الإنسان بنفسه مطلباً
معيناً، فإن السامع يسمع مرة
واحدة ويدخل إلى قلبه، لكن
المتحدث ينقش المطلب في قلبه
أولاً، ثم يقول، ثم يسمعه، ثم
يدخل إلى قلبه مرة أخرى.
فالتلقين من الأمور الضرورية.
ولهذا
فإنني ألقن الأصدقاء في بعض
المسائل مطلباً ما باستمرار
لأهمية المطلب، إنه بناء
المجتمع وبناء الشعب. فما لم
يبنَ المجتمع؛ لا يمكنه أن يحقق
أهدافه السامية، ولذا ينبغي
تكرار المسائل المهمة، وأن يقوم
الخطباء بالتكرار، ويلقن
المستمعون أنفسهم باستمرار حتى
تؤثر في النفوس إن شاء الله.
تشجيع
الناس وتكريمهم
إن
الشيء الذي يحسن أن يكون في
الإذاعة والتلفزيون والمطبوعات
هو الذي له تأثير في البلاد؛
مثلاً لو كان أحد المزارعين
موفّقاً في زراعته؛ لوجب عليكم
أن تنشروا صورته في الصفحة
الأولى بدلاً من صور مسؤولي
البلاد، وتعرفوا الناس بما قام
به. أو أن تنشروا صورة ذلك
الموظف الجيد والطبيب الناجح
الذي قام بعمل نافع، وتعرّفوا
الناس بإنجازه، فهذا يؤدي إلى
تشجيع الأطباء، ويحفّزهم للعمل.
أو أن تنشروا صورة المكتشف
وتشرحوا اكتشافه بالتفصيل، أو
صورة الذي يمسك سارقاً، أو
المزارع والفنان والجرّاح، ومع
الأسف فإن أسماءهم وصورهم غير
موجودة أبداً، مع أنهم يستحقون
أن يطرحوا في الصحف. والخلاصة
يجب تشجيع أولئك الذين يمارسون
نشاطاً في هذه البلاد، إذ لهم حق
على هذه الدولة، ولهم حق على
الصحف والإذاعة والتلفزيون،
بينما حقّنا قليل قياساً بأولئك.
دور
الدعاء في التربية
هذه
الأدعية تنقذ الإنسان من
الظلمة، وسوف يصبح ـ عندما يخرج
من هذه الظلمة ـ إنساناً يعمل
ولكن لله؛ فيضرب بسيفه لله،
ويقاتل لله، ويقوم لله.
فالأدعية تمنع الإنسان مما
يريده السادة. فهؤلاء تقتصر
آمالهم هنا، وكل ما وراء هنا
يعتبرونه من الذهنيات! لكنهم
سيصلون إلى حيث يرون أن تلك كانت
عينيات، وأن هذه كانت ذهنيات.
إن
هذه الأدعية وخطب نهج البلاغة
ومفاتيح الجنان وسائر كتب
الأدعية، جميعها تعين الإنسان
ليصبح إنساناً، وعندما يصبح
الإنسان إنساناً فإنه يقوم
بجميع تلك الأعمال، فيزرع أيضاً
ولكن لله، ويحارب أيضاً.
الهدف
التربوي للأنبياء
إن
جميع العبادات وسيلة، وجميع
الأدعية وسيلة، فكلها وسيلة
لظهور لُباب الإنسان، وأن يصل
ما هو بالقوة ولب الإنسان إلى
الفعل، فيصبح إنساناً. يصبح
الإنسان بالقوة إنساناً
بالفعل، ويصبح الإنسان الطبيعي
إنساناً إلهياً بحيث كل شيء فيه
يكون إلهياً، كل ما يشاهده هو
الله. وجاء الأنبياء لهذا
الغرض، كل هذه أيضاً وسيلة، لم
يكن هدف الأنبياء تشكيل حكومة،
لماذا يريدون الحكم؟ إنه موجود
أيضاً، بَيد أن الأنبياء لم
يُبعثوا لإدارة الدنيا؛ إذ
للحيوانات دنيا تديرها أيضاً.
طبعاً
إن موضوع بحث العدالة هو نفس
موضوع بحث صفة الله تعالى، وإن
الذين يملكون عيوناً يطرحون بحث
العدالة أيضاً. وإن العدالة
الاجتماعية بأيديهم أيضاً،
ويقيمون الحكومة أيضاً، ولكن
الحكومة العادلة. إلا أن الهدف
هو غير ذلك، إن هذه الأمور كلها
وسائل لوصول الإنسان إلى مرتبة
أخرى، ولأجلها جاء الأنبياء.
القرآن
والبعثة عاملان للتربية
إن
أحد أهداف الكتاب والبعثة، أنه
بعث رسولاً منكم يتلو عليكم
القرآن والآيات الإلهية {ويزكيهم
ويعلمهم الكتاب والحكمة}؛
فقد تكون هذه غاية التلاوة، أي
التلاوة من أجل التزكية، ومن
أجل التعليم، من أجل التعليم
العام؛ تعليم هذا الكتاب،
وتعليم الحكمة والتي هي أيضاً
من هذا الكتاب.
فالهدف
من البعثة هو نزول الوحي ونزول
القرآن، والهدف من تلاوة القرآن
على البشر هو تحقيق التزكية
وتصفية النفوس من هذه الظلمات
الموجودة فيها، حتى تصبح
الأذهان والأرواح بعد هذه
التصفية مستعدة لفهم الكتاب
والحكمة.
الأبعاد
التربوية للإسلام
يريد
الإسلام أن يبني الإنسان بناءً
شاملاً، أي ينمّيه بالشكل الذي
هو عليه؛ إذ له نصيب في الطبيعة
فينميه طبيعياً، وله نصيب في
عالم البرزخ فينميه برزخياً،
وله نصيب من الروحانية فينميه
روحانياً، وله نصيب من
العقلانية فينميه عقلانياً،
وله نصيب من الألوهية فينميه
إلهياً.
فجاءت
الأديان لإيصال الإنسان الناقص
إلى الكمال في جميع أبعاده،
وانضاج هذه الثمرة غير الناضجة.
الهدف
التربوي للإسلام
يريد
الإسلام أن ينضوي الناس تحت
لوائه لكي ينقذهم من المصيبة
والحيرة التي هم عليها، حيث
يطرقون مختلف الأبواب من أجل
العثور على الكمال، وهم بأنفسهم
أيضاً لا يدرون ما هو الكمال
المطلق. ويريد الإسلام أن يهدي
الجميع إلى الصراط المستقيم
ويوصلهم إلى النهاية…
إذ إن كل ما هو موجود في الإسلام
مسخّر من أجل صلاح الشعوب
والإنسان. ويريد الإسلام إعادة
المنحرفين إلى الصراط المستقيم …
إلى طريق السلامة، وليكون
الجميع إخوة فيما بينهم
ومتحابين مثل أهل الجنة {إخواناً
على سرر متقابلين}؛ إذ لا
يوجد أي حقد أو حسد هناك، والكل
طاهرون.
|