|
|
|
|
|
البوسنة والهرسك
كانت البوسنة والهرسك قبيل سنوات قلائل واحدة من ست جمهوريات يتألف منها الاتحاد اليوغسلافي السابق، وهي: البوسنة والهرسك، صربيا، كرواتيا، مقدونيا، مونتي نغرو، وسلوفينيا. وتقع جمهورية البوسنة والهرسك وسط البلاد، يحدها من الشمال والغرب، كرواتيا ومن الشرق صربيا، ومن الجنوب الجبل الاسود مونتي نغرو ويبلغ طول ساحلها على البحر الادرياتيكي حوالي 20 كيلومتراً. تبلغ مساحتها الاجمالية 51129 كيلومتر مربع معظمها اراضي جبلية خضراء تنحدر منها عدة انهار وتغطيها غابات متعددة وبحيرات متناثرة. اذ يمكن القول انها من اجمل بقاع اوروبا او الدنيا بأسرها. اما عدد سكانها فقد بلغ في احصائيات سنة 1991م 000/ 355/ 4 نسمة موزعون على ثلاث قوميات، اهمها: اولا: المسلمون ومعظمهم من اصول سلافية وعددهم اكثر من مليوني نسمة أي حوالي 44% من اجمالي السكان. ثانيا: الصرب وهم حوالي 000/ 360/ 1 نسمة، أي 31% من السكان. ثالثا: الكروات وعددهم 000/ 750 نسمة، أي 17% من السكان. اضافة الى مجموعات عرقية ودينية اخرى تشكل حوالي 8% من السكان. ومن اهم مدنها: العاصمة سراييفو، والتي تحولت خلال الحرب الى مثال للصمود الاسلامي في وجه الصرب الصليبيين، وتحافظ سراييفو على طابعها الاسلامي من خلال المساجد والاثار الاسلامية الموجودة فيها. وهناك مدينة موستار ذات الاغلبية المسلمة، ومدينة دبروفتيك المطلة على البحر الادرياتيكي. لم تكن منطقة البلقان بعيدة عن ساحة الصراع الاسلامي المسيحي، لانها تشكل الخط الامامي الذي شكله الصليبيون ابان الحروب الصليبية في مواجهة المسلمين، اضافة الى ذلك فقد وصل نداء الاسلام الى مسامع اهالي تلك المنطقة عن طريق التجارة التي كانت بين المدن الاسلامية المطلة على البحر الابيض المتوسط والمدن جنوب اوروبا. على ان عصر الخليفة العثماني محمد الفاتح 1429 ـ 1481 م شهد دخول الاسلام الى شبه جزيرة البلقان بعد ان تجاوزت الجيوش العثمانية بحر ايجة، متقدمة نحو صوفيا عاصمة البلغار. وحين الاستيلاء عليها، بدأ العثمانيون ينشرون الاسلام في تلك المناطق. وتذكر المصادر التاريخية ان السلطان محمد الفاتح حينما وصل الى منطقة البلقان تعامل مع أهلها على اساس التسامح ومبدأ الحرية في العبادة لأصحاب الاديان الاخرى، وقد دوّن ذلك ضمن معاهدة خاصة معهم. ويذكر ان الشعب البوسني كان يحمل عقيدة هي الى الاسلام اقرب من غيرها، وتسمى بوغوميلي، وتعني حب الله. فما ان وصلهم الاسلام حتى دخلوا فيه واعتنقوه. وفي هذه الفترة شهدت يوغسلافيا حكماً ادارياً منظماً حيث قسّمت البلقان الى ولايات لكل منها حكومتها الخاصة وعاشت مرحلة من الانفتاح على الاسلام وتعاليمه. وبدأت المدارس والمساجد تضم عشرات المتعلمين والدارسين، وكان الخط البوسني آنذاك يستخدم الحروف العربية ونتيجة لذلك دخلت العديد من الكلمات العربية والتركية والفارسية الى اللغة البوسنية. وقد استمر الوجود الاسلامي في البوسنة وشبه جزيرة البلقان بشكل عام حوالي اربعة قرون، ففي عام 1878 م انتهت السيطرة العثمانية على البوسنة بدخول الجيش النمساوي والذي حكم على مدى اربعين سنة بالحديد والنار، مارس خلالها القتل والتنكيل بالمسلمين. لذلك شهدت البوسنة العديد من الانتفاضات الاسلامية وبقي التيار الاسلامي نشطاً فيها رغم ان العديد من الاسر المسلمة اضطرت الى الهجرة خوفاً من بطش الحكم، حيث بلغت اعداد المهاجرين نصف السكان، ففي تركيا وحدها اليوم ـ مثلاً ـ هناك اكثر من اربعة ملايين مسلم من اصل بوسني. وقد دونت البوسنة والهرسك تاريخها على اساس مساجدها ومدارسها العلمية الاسلامية، ومن اقدم مساجد البوسنة مسجدا وستيكونا الواقع قرب مدينة فوجا، والذي تم تشييده عام 1438 م ومسجد الاوزا الذي تم بناءه عام 1550م و الذي يقال انه اجمل مسجد في اوروبا قاطبة، ومنها مسجد القاضي هو سريف بك المشيد عام 1513م. ومن المعالم الاثرية الاخرى مدرسة خسرو بك ومكتبتها التي تحوي مؤلفات العديد من الكتّاب المسلمين، في سراييفو. وخلال الحرب التي شنها الصرب ضد المسلمين، قدر معهد دراسات البوسنة ان 90% من المساجد والمدارس والاثار القديمة قد دمرت واحيلت الى ركام على يد الصرب. فقد دمروا اكثر من 700 مسجدا واكثر من 850 مكتبة عامة ومقبرة اسلامية واثراً تاريخياً. واثر التطورات التي شهدها الاتحاد السوفيتي ـ السابق ـ ودول شرق اوروبا، صوّت 64% من الشعب البوسني في 29 نوفمبر 1991 لصالح الاستقلال عن الاتحاد الفدرالي اليوغسلافي، وفي السادس من نيسان عام 1992 اعترفت المجموعة الاوروبية باستقلال البوسنة. في اليوم التالي لذلك ـ الاعتراف ـ انهالت القذائف الصربية على شعب البوسنة وبدأ عدوانهم الذي استمر اربع سنين شهد عشرات آلاف القتلى ومئات آلاف الجرحى والمشردين من شعب البوسنة. فقد دمرت مدن المسلمين واحياءهم وابيد نسلهم ودفنوا في مقابر جماعية لازالت تكتشف لحد الان، وبيع ابناءهم في سوق الرقيق في دول اوروبا المتحضرة و. مما جرى على هذا الشعب الذي منّ عليه الله بالنصر نتيجة للمقاومة الباسلة التي ابداها قادةً وشعباً.
|
|||
|
|
|
|
|
|