يا
ليتنا كنا معكم فنفوز فوزا عظيماً...
لن
أنسى ذلك اليوم المشرق بأنوار العطف
والرحمة حين الهدية منحت وكهائم في صحراء
الضلالة وعطشان في وادي التيه أدركت واحة
الغوث وجلست على أطرافها أنهل لجوع السنين
الماضية ونهم الطلب الذي لا ينتهي .
كنت
قبلها أجول مع الطالبين لنقتات من كل
مائدة لقمة ومن كل طعام خطا وكانت أمواج
الحيرة تتقاذفنا مع رياح الفراق ترفع من
وثيرة الأحزان دراجات لتنفث نيران الشوق
بآهات العذاب .
لم
تصدق عيناي ما كانت تتطلع عليه ، فصارت
تحدق في كل حرف ، وتوصل الأيام بالليالي في
أحلام الحنين.وكانت نفسي تعبر متاهات
الظلمات الماضية وأنوار الحق تسطع على
أرجائها بفيض نسائم الهداية فتحلق في
أفلاك الوجود وتربط العابد بالمعبود فترى
توحيدا لا مثيل له تسقط معه كل الاعتبارات
والوهنيات التي هيمنت ردحاً من الزمن
بسياط قهرها وضربات عتابها ، توحيدا يفتح
على قلبي نوافذ العيب فإذا بعالم الشهادة
الأول يندك في عوالمه ويصبح غيباً أولا ،
وتحضرني ملائكة العناية لا تعلق بفيض لا
ينقطع أبداً :رزقا للأحياء وانقطاعا لكل
الأسباب إلا سببا واحداً .
كنت
حينها مسافرا على سبل انقطاع الأعذار
واتمام الحجة وأنا لا أدري ، وكانت
الأمانة التي عجزت الجبال عن حملها وأبت
السماء أن ترفعها تكبر شيئاً فشيئاً لأصبح
المقصر الأكبر والسبب المباشر في غيبة
النور أحمل على ظهري استحقاق أكثر من ألف
عام ..وصار السفر من نوع آخر .
لن
تسع هذه الأوراق حروفا تشتعل ألما لأن ما
يتركب منها حمم يقذفها بركان متأجج في
أعماق القلب . تدميه أحداث الخميس
والسقيفة وبيت الأحزان وصفين وكربلاء
التي فجرت أنهار الثار الجارفة ، وكلما
جال في التاريخ حمل ظلما ، وكلما نظر إلى
مشاهد زاد إثما وكأن التاريخ يعاضد الحاضر
ليكون عليّ عوناً ويلقيان في لجة العمل
الدائم والتعب الذي لا يشكو إلا من التعب .
في
أيام الذكرى سوف يتفرع النهر إلى سواق
تحكي عن آلاف الأحزان التي ستشهد على
تقصيري وإسرافي على نفسي ودوام تفريطي .
في
أيام الذكرى سأكرر قول النادمين الذين لم
يلحقوا بقوافل اللقاء يا ليتنا كنا معكم
فنفوز فوزا عظيماً...
|