مذكرات سالك - سفر إلى الوحدة

مذكرات سالك

سفر إلى الوحدة

قيل أن آدم لم يعلم الأسماء إلا لأنه كان بشراً . وحينها لم أدرك كنهها ولم أعرف سرها . فيممت وجهي شطر باب المعرفة ، وخطوت بقدمي العرجاء علني أعثر على مفتاح كنوز الأسرار فأفتح نافذة على عوالم الغيب ، لربما أوتيت قبس من شهاب أو دفئا في صقيع .

ومضت صفحات كتاب عمري تطوى ، وأنا مسافر في وديان الطلب اسلك أزقة الحيرة ، فعلمت من شعار جدار أن روح المؤمن ينبغي أن تعرج إلى الطلعة الغراء وتدخل في الدار الذي ليس فيه غيره ديار .

فتذكرت دعوة الأمس وناجتني دعوة اليوم ، فبت حيرانا في ظلمة النفس وحجاب النور . أمسافر إلى حيث لا يكون غيره أم قابع في أرض الكثرات؟

وكيف لي أن أتعلم الأسماء ؟

آه من نسائم العطف ، كلما طرقت أبوابها هبت عليَّ بنفحات الأنس ، وأسمعتني النداء الخفي : ( خلقت الخلق لأجلك ) .

فرحت سكرانا ولو لم تكمل النداء لصرت أشقى الأشقياء . فقف متأدبا واستمع : ( وخلقت لأجلي ) .

بدأت سفراً وامتطيت الكثرات التي خُلقت لأجلي . وعلمت سر البشر مدركا رحمة الله في بشرية الرسول ، وسر المعراج في احتراق جبرائيل . فلاحت لي لائحة من نداء الوحدة حيث يحلو الاقتراب .

وفي قلب الكثرة رحت أقلب بطون الوحدة . ورأيت حجبا تعلوها حجب . اعترتني قشعريرة الفراق ، وانهمرت دموع الجفاء .

فإذا بي أفقد صوت النداء وأبحث عنه فلا أجده .

لعله موجود في صوامع النساك أو بيوت العرفاء .

أو ربما هو كامن في قلوب المخبتين .

أو في كتب صفراء ...

فأسرعت نحوها ، أقلب صفحاتها باحثا بين حروفها فاستيقظت بعد سنين .

ورأيت ذلك النور المتصل بين السماء والأرض قويا محفوظا ..

هناك في جبال استوعرها المترفون ..

يبقى نداء الوحدة .

مذكرات سالك