لماذا يقيم الشيعة المأتم على الحسين الشهيد  عليه السلام

في اليوم العاشر من المحرم قتل الحسين " عليه السلام " سبط النبي " صلى الله

عليه وآله وسلّم " أبشع قتله !! ذبح من القفا !! عطشانـاً !! بعدما شاهد المجزرة التي

حلّت بأهل بيته وأصحابـه !!

ثمّ سبيت نساؤه وعياله ووقفت العقيلة الهاشميّة زينب أُخت الحسين " عليه السلام "

تنادي في عرصات كربلاء بصوت حزين ، وقلب كئيب " وامحمّداه ، صلّى عليك مليك السماء ،

هذا حسينٌ بالعراء ، مرمّلٌ بالدماء ، مقطّع الأعضاء ، واثكلاه ، وبناتك سبايا إلى

الله المشتكى " .

ومن ذلك الحين بدأت الشيعة تحيي هذه الذكرى باقامتها للمآتم والمجالس الحسينيّة ،

لتعبّر عن أحاسيسها المتألّمة وقلوبها المنكسرة ازاء المصيبة الفادحة التي حلّت

بريحانة رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلّم " .

وإن هذه المآتم إنّما هي تعبير فطري عن الحزن السرمدي وتعبير عن اللوعة والأسى في

قلب كلّ مؤمن لهذه الفاجعة التي أبقت جرحاً في قلب كلّ مؤمن لا يندمل ولا يلتئم حتى

ينتقم الباري ويأخذ بهذا الثار .

وإن هذه المجالس هي تعبير عن اللوعة والأسى المختزن في قلب كلّ مؤمن ، وتقام من دون

تكلّف لأنها تمثّل حالة طبيعية لكلّ مفجوع ومصاب .

فما دام هناك قلب ينبض بحبّ أهل البيت فانه يتألّم ويحزن لمظلوميّتهم ومصابهم .

كما أن الشيعة تتأسى في إقامة المأتم والبكاء برسول الله " صلى الله عليه وآله

وسلّم " الذي أقام المأتم وبكى على ريحانته الحسين الشهيد قبل أن تقع الحادثة المفجعة

:

1 ـ عن أسماء بنت عميس قالت : قبلت فاطمة بالحسن والحسين ... فلما ولد الحسين

فجاءني النبي " صلى الله عليه وآله وسلّم " فقال : " يا أسماء هاتي ابني " فدفعته

إليه في خرقة بيضاء ، فأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى ، ثمّ وضعه في حجره وبكى

! قالت أسماء : فقلت : فداك أبي وأمي ممّ بكاؤك ؟ قال : " على ابني هذا " قلت : إنه

ولد الساعة ! قال : " يا أسماء تقتله الفئة الباغية لا أنالهم الله شفاعتي " ، ثمّ

قال : " يا أسماء لا تخبري فاطمة بهذا فإنها قريبـة عهد بولادتـه ... " (1) .

 2 ـ عن أم الفضل بنت الحارث : أنها دخلت على رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلّم

" فقالت : يا رسول الله ... فولدت فاطمة الحسين فكان في حجري ... فدخلتُ يوماً إلى

رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلّم " فوضعته في حجره ، ثمّ حانت مني التفاتة فإذا

عينا رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلّم " تهريقان من الدموع ! قالت : فقلت : يا

نبي الله بأبي أنت وامي مالك ؟ قال : " أتاني جبرئيل " عليه السلام " فأخبرني أن

أمّتي ستقتل ابني هذا " فقلت : هذا ؟ فقال : " نعم ، وأتاني بتربة من تربته حمراء

"(2) .

3 ـ عن أبي أمامة قال : قال رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلّم " لنسائه : ...

وكان يوم أم سلمة ، فنزل جبرئيل ... فجاء الحسين ... فدخل حتى جلس في حجر النبي " صلى

الله عليه وآله وسلّم " ، فقال جبرئيل للنبي " صلى الله عليه وآله وسلّم " : انّ

امّتك ستقتل ابنك هذا ! فقال النبي "صلى الله عليه وآله وسلّم " : " يقتلونه وهم

مؤمنون بي ؟ " قال : نعم يقتلونه ، فتناول جبرئيل تربة فقال : مكان كذا وكذا ، فخرج

رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلّم " قد احتضن حسيناً كاسف البال مهموماً ... فخرج

إلى أصحابه وهم جلوس فقال : " إنّ أمّتي يقتلون هذا " ، وفي القوم أبو بكر وعمر ،

وكانا أجرأ القوم عليه !!! فقالا : يا نبي الله يقتلونه وهم مؤمنون ؟! قال : " نعم ،

وهذه تربته " فأراهم إياها(3) .

4 ـ وفي بيت أم سلمة أيضاً قال جبرئيل لرسول الله " صلى الله عليه وآله وسلّم " :

يا محمّد إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك فأومأ بيده إلى الحسين ، فبكى رسول الله

وضمّه إلى صدره ، ثمّ قال لرسول الله " صلى الله عليه وآله وسلّم " : وديعة عندك هذه

التربة ، فشمّها رسول الله وقال : "ريح كرب وبلاء " ، قالت أم سلمة : وقال رسول الله

" صلى الله عليه وآله وسلّم " : " يا أم سلمة إذا تحولت هذه التربة دماً فاعلمي أن

ابني قد قتل " قال : فجعلتها أم سلمة في قارورة ، ثمّ جعلت تنظر إليها كلّ يوم وتقول

: إنّ يوماً تحوّلين دماً ليوم عظيم(4) .

5 ـ وعن أنس بن مالك : أن مَلَك المطر استأذن ربه أن يأتي النبي " صلى الله عليه

وآله وسلّم " ... وجاء الحسين ... فدخل فجعل يقعد على ظهر النبي " صلى الله عليه وآله

وسلّم " وعلى منكبه وعلى عاتقه ، قال : فقال الملَك للنبي " صلى الله عليه وآله وسلّم

" : أتحبّه ؟

قال : " نعم " قال أما إن أمّتك ستقتله وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه ، فضرب

بيده فجاء بطينة حمراء ، فأخذتها أمّ سلمة فصرّتها في خمارها ، قال : قال ثابت :

بلغنا أنها كربلاء(5) .

6 ـ في مشربة عائشة قال جبرئيل للنبي : سيقتل [ يعني الحسين ] تقتله امتك ، فقال

رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلّم " : " أمّتي ؟! " قال نعم ، وإن شئت أخبرتك

بالأرض التي يقتل فيها ، فأشار جبرئيل بيده إلى الطف بالعراق فأخذ منه تربة حمراء

فأراه إياها(6) .

7 ـ ... فلما ذهب جبرئيل من عند رسول الله والتربة في يده يبكي ، فقال : " يا عائشة

إنّ جبرئيل أخبرني أن الحسين ابني مقتول في أرض الطفّ وأنّ امتي ستفتتن بعدي " ، ثمّ

خرج إلى أصحابه ... وهو يبكي ، فقالوا : ما يبكيك يا رسول الله ؟ فقال : " أخبرني

جبرئيل أنّ ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطفّ وجاءني بهذه التربة وأخبرني أنّ فيها

مضجعه "(7) .

8 ـ عن أمّ سلمة : فجاء حسين ... فدخل فقعد على بطن رسول الله ، قالت : فسمعت نحيب

رسول الله ... فقال : انّما جاءني جبرئيل ... قال : إنّ امّتك ستقتله ... قالت : وإذا

في يده تربة حمراء وهو يبكي ويقول : " يا ليت شعري مَن يقتلك بعدي "(8) .

إلى مواقف كثيرة من رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلّم " بكى فيها على الحسين

الشهيد وأقام المأتم ، في داره " صلى الله عليه وآله وسلّم " ، وفي بيت أمّ المؤمنين

أمّ سلمة ، وعائشة ، وزينب بنت جحش ، وفي دار عليّ " عليه السلام " ، وفي مجمع من

الصحابة(9) .

ونختم كلمتنا بحديث شريف عن ابن مسعود قال : بينما نحن عند رسول الله " صلى الله

عليه وآله وسلّم " إذ أقبل فئة من بني هاشم ، فلمّا رآهم النبي " صلى الله عليه وآله

وسلّم " اغرورقت عيناه وتغيّر لونه ، قال : فقلت له : ما نزال نرى في وجهك شيئاً

تكرهه ، قال : "إنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ، وإنّ أهل بيتي

سيلقون بعدي بلاء وتشريداً وتطريداً حتى ... "(10) .

وإنّ لقتل الحسين " عليه السلام " حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً ، فعلى مثل

سيّد الشهداء الحسين " عليه السلام " وأهل البيت " عليهم السلام " فليبكِ الباكون ،

وليندب النادبون .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)       أخرجه الحافظ أحمد بن الحسين البيهقي ، والحافظ أبو المؤيّد الخوارزمي خليفة

الزمخشري في مقتل الحسين (1 / 87 ـ 88 ) ، وذكره الحافظ محبّ الدين الطبري في ذخائر

العقبى : 119 ، وأخرجه السيّد محمود الشيخاني المدن في الصراط السوي .

(2)       أخرجه الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين ( 3 / 176 ) وقال : هذا حديث

صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، وأخرجه الحاكم أيضاً في ص ( 179 ) ، وأخرجه الحافظ

البيهقي في دلائل النبوة ، وأخرجه الحافظ ابن عساكر في تاريخ الشام ، وأخرجه الحافظ

الخوارزمي ( 1 / 158 ـ 159 و 162 ) .

(3)       أخرجه الطبراني في المعجم ، والهيثمي في المجمع ( 9 / 189 ) ، وابن عساكر في

تاريخ الشام .

(4)       أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ، وابن عساكر في تاريخ الشام ، والحافظ الكنجي

في الكفاية (279) ، وفي ذخائر العقبى (147) عن الملاّ في سيرته ، وفي كتاب طرح

التثريب (1 / 42) للحافظ العراقي ، وفي مجمع الزوائد ( 9 / 189 ) ، وفي المواهب

اللدنية ( 2 / 195 ) ، وفي الخصائص الكبرى للسيوطي ( 2 / 125 ) ، وفي الصراط السوي

للمدني ( 93 ) وفي جوهرة الكلام ( 120 ) ، وفي نظم درر السمطين للزرندي ( 215 ) .

(5)       أخرجه الامام أحمد في المسند ( 3 / 242 و 265 ) ، والحافظ أبو يعلى في مسنده ،

وأبو نعيم في الدلائل ( 3 / 202 ) ، والبيهقي في دلائل النبوة ، وابن عساكر في تاريخ

الشام ، والمحبّ الطبري في ذخائر العقبى ( 146 ـ 147 ) ، والحافظ العراقي في طرح

التثريب ( 1 / 41 ) ، والهيثمي في المجمع ( 9 / 187 و 190 ) ، والقرطبي في مختصر

التذكرة ( 119 ) ، وابن حجر في الصواعق ( 115 ) ، والحافظ القسطلاني في المواهـب ( 2

/ 195 ) ، والسيوطي في الخصائص ( 2 / 135 ) .

(6)       أخرجه الحافظ البرقي من رجال أبي داود والنسائي ، وذكره المدني في الصراط السوي

.

(7)       المعجم الكبير ، أعلام النبوة للماوردي ( 83 ) ، الطبقات لابن سعد ، علل الحديث

للدارقطني .

(8)       أخرجه الحافظ عبد بن حميد في مسنده ، وابن عساكر في تاريخ الشام .

(9)       راجع : مسند أبي يعلى الموصلي ، تاريخ دمشق ، مجمع الزوائد ، كنز العمال ،

المعجم الكبير ، نظم الدرر ، المستدرك على الصحيحين ، صفات رب العالمين ، المصنّف

لابن أبي شيبة ، الصواعق ، الطبقات الكبرى ، أخبار المدينة .

(10) أخرجه الحافظ ابن أبي شيبة في المجلد الثاني عشر من المصنف ، والحافظ ابن ماجه

في السنن ( 2 / 518 ) ، والعقيلي في ترجمة يزيد بن أبي زياد ، والحاكم في المستدرك 4

/ 464 ، وأبو نعيم في أخبار اصفهان 2 / 12 ، والطبراني في الجزء الثالث من المعجم

الكبير .

صفحة الشبهات والردود

الصفحة الرئيسية