ماهي آية المباهلة

سؤال : ما هي آية المباهلة وفي من نزلت هذه الآية ؟

جواب : تسمى الآية (61) من سورة آل عمران بآية المباهلة ، وهي : { فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين }.

أما المعنى اللغوي للمباهلة فهي الملاعنة والدعاء على الطرف الآخر بالدمار والهلاك ، وقوله عز وجل { نبتهل } أي نلتعن .

وقد نزلت هذه الآية حسب تصريح المفسرين جميعاً في شأن قضية وقعت بين رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ونصارى نجران ، واليك تفصيلها .

قصة المباهلة :

كتب النبي ( صلى الله عليه وآله ) كتابا إلى " أبي حارثة " أسقف نَجران دعا فيه أهالي نَجران إلى الإسلام ، فتشاور أبو حارثة مع جماعة من قومه فآل الأمر إلى إرسال وفد مؤلف من ستين رجلا من كبار نجران وعلمائهم لمقابلة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) والاحتجاج أو التفاوض معه ، وما أن وصل الوفد إلى المدينة حتى جرى بين النبي وبينهم نقاش وحوار طويل لم يؤد إلى نتيجة ، عندها أقترح عليهم النبي المباهلة  ـ بأمر من الله ـ فقبلوا ذلك وحددوا لذلك يوما ، وهو اليوم الرابع والعشرين[1]من شهر ذي الحجة سنة : 10  هجرية .

 لكن في اليوم الموعود عندما شاهد وفد نجران أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد إصطحب أعز الخلق إليه وهم علي بن أبي طالب وابنته فاطمة والحسن والحسين ، وقد جثا الرسول ( صلى الله عليه وآله ) على ركبتيه استعدادا للمباهلة ، انبهر الوفد بمعنويات الرسول وأهل بيته وبما حباهم الله تعالى من جلاله وعظمته، فأبى التباهل.

قال العلامة الطريحي ـ صاحب كتاب مجمع البحرين ـ : وقالوا : حتى نرجع وننظر ، فلما خلا بعضهم إلى بعض قالوا للعاقِب وكان ذا رأيهم : يا عبد المسيح ما ترى ؟ قال والله لقد عرفتم أن محمدا نبي مرسل ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم ، والله ما باهَل قومٌ نبيًّا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ، فإن أبيتم إلا إلف دينكم فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم ، وذلك بعد أن غدا النبي آخذا بيد علي والحسن والحسين ( عليهم السلام ) بين يديه ، وفاطمة ( عليها السلام ) خلفه ، وخرج النصارى يقدمهم أسقفهم أبو حارثة، فقال الأسقف : إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا لأزاله بها ، فلا تباهلوا ، فلا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة ، فقالوا : يا أبا القاسم إنا لا نُباهِلَك ولكن نصالحك ، فصالحهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على أن يؤدوا إليه في كل عام ألفي حُلّة ، ألف في صفر وألف في رجب ، وعلى عارية ثلاثين درعا وعارية ثلاثين فرسا وثلاثين رمحا .

وقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : " والذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلّى على أهل نجران ، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولأضطرم عليهم الوادي نارا ، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا " [2].

في من نزلت آية المباهلة :

لقد أجمع العلماء في كتب التفسير والحديث على أن هذه الآية نزلت في خمسة هم :

1.  النبي الأكرم محمد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

2.  الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) .

3.  السيدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) .

4.  الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) .

5.  الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) .

ففي صحيح مسلم : ولما نزلت هذه الآية :{ فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم } دعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال :" اللهم هؤلاء أهلي " [3].

وفي صحيح الترمذي : عن سعد بن أبي وقاص قال : لما أنزل الله هذه الآية : {ندع أبناءنا وأبناءكم } دعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عليا وفاطمة وحسنا وحسينا ، فقال : " اللهم هؤلاء أهلي " [4].

وفي مسند أحمد بن حنبل : مثله [5].

وفي تفسير الكشاف : قال في تفسير قوله تعالى : { فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل } ، فأتى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقد غدا محتضنا الحسين ، آخذا بيد الحسن ، وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها، وهو يقول :

" إذا أنا دعوت فأَمّنوا " فقال أسقف نجران : يا معشر النصارى لأرى وجوها لو شاء الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصارى إلى يوم القيامة ... "[6].

وهناك العشرات من كتب التفسير والحديث ذكرت أن آية المباهلة نزلت في أهل البيت ( عليهم السلام ) لا غير ، ولا مجال هنا لذكرها .

نقاط ذات أهمية :

وختاماً تجدر الإشارة إلى نقاط ذات أهمية وهي :

·  إن تعيين شخصيات المباهلة ليس حالة عفوية مرتجلة ، وإنما هو إختيار إلهي هادف وعميق الدلالة .. وقد أجاب الرسول ( صلى الله عليه وآله ) حينما سئل عن هذا الإختيار بقوله : " لو علم الله تعالى أن في الأرض عبادا أكرم من علي وفاطمة والحسن والحسين لأمرني أن أباهل بهم ، ولكن أمرني بالمباهلة مع هؤلاء فغلبت بهم النصارى " [7].

·  إن ظاهرة الإقتران الدائم بين الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وأهل بيته ( عليهم السلام ) تنطوي على مضمون رسالي كبير يحمل دلالات فكرية ، روحية ، سياسية مهمة ، إذ المسألة ليست مسألة قرابة ، بل هو إشعار رباني بنوع وحقيقة الوجود الامتدادي في حركة الرسالة ، هذا الوجود الذي يمثله أهل البيت ( عليهم السلام ) بما حباهم الله تعالى من إمكانات تؤهلهم لذلك .

·  لو حاولنا أن نستوعب مضمون المفردة القرآنية { أنفسنا } لأستطعنا أن ندرك قيمة هذا النص في سلسلة الأدلة المعتمدة لإثبات الإمامة ، إذ أن هذه المفردة القرآنية تعتبر علياً ( عليه السلام ) الشخصية الكاملة المشابهة في الكفاءات والصفات لشخصية الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) بإستثناء النبوة التي تمنح النبي خصوصية لا يشاركه فيها أحد مهما كان موقعه ومنزلته .

·   فالإمام علي ( عليه السلام ) إنطلاقاً من هذه المشابهة الفكرية والروحية هو المؤهل الوحيد لتمثيل الرسول ( صلى الله عليه وآله ) في حياته وبعد مماته لما يملكه من هذه المصداقية الكاملة .

وقد أكَّد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) هذه الحقيقة في أحاديث واضحة الشكل والمضمون .


[1] ما ذكرناه هو المشهور بين المفسرين والمؤرخين ، وهناك أقوال أخرى .

[2] فخر الدين بن محمد علي الطُريحي ، المتوفى سنة : 1085 هجرية / مجمع البحرين : 2 / 284 ، طبعة : مكتبة المرتضوي / طهران إيران .

[3] صحيح مسلم : 4/1871 ، طبعة : دار إحياء التراث العربي/ بيروت .

[4] صحيح الترمذي : 5/225 حديث : 2999 ، طبعة : دار الكتاب العربي / بيروت .

[5] مسند أحمد بن حنبل : 1/ 185 ، طبعة : دار صادر / بيروت .

[6] تفسير الكشاف : 1/ 193 ، طبعة : دار الكتاب العربي / بيروت .

[7] المباهلة : 66 ، لعبد الله السبيتي ، طبعة : مكتبة النجاح/ طهران ، إيران .

صفحة الشبهات والردود

الصفحة الرئيسية