العدل

 

الفصل الثاني : العدل

 

الفصل الثاني : العدل

( انقر على السؤال لتحصل على الجواب )

س 42 : ما معنى العدل الذي يجب أن يوصف به الخالق ؟

س 43 : ما تعريف القبيح ؟ و ما هو ؟

س 44 : ما هو فعل الواجب ؟

س 45 : ما الدليل أن الخالق منزه عن فعل القبيح و الإخلال بالواجب ؟ 

س 46 : ما معنى الظلم ؟

س 47 : ما المراد بما أنزل الله على رسوله (ص) ؟

س 48 : ما الذي يجب أن نعتقده في أفعالنا ؟

س 49 : ما هو اعتقادنا في القضاء و القدر ؟

س 50 : يقول بعض الناس إذا كان الخالق عدلا حكيما فأي حكمة في إيلام الأطفال بالحرق تارة و بالخنق مرة و بالداء العضال أخرى و أي حكمة في إيلام الحيوانات الصامتة و تسليط الإنسان عليها بل و أي عدل في تسليط بعضها على بعض فينعم الذئب بتمزيق الشاة مثلا و لا تعويض على هذه الحيوانات في الآجل و أي حكمة في إيجاد الرزايا الى حد ضاق الكون بها كثرة و لقد كان يكفي اختبار الناس بتكاليفه الشرعية و لا يجعلهم أرحم الراحمين عرضة لهذه النوائب التي لا يكاد يخلو منها مخلوق و ان كان نصيب البعض منها أكبر و أوفر فما نقول في ردهم ؟

س 51 : ما هو أصل الإنسان ؟

س 52 : يقول بعض الناس أن الإنسان مركب بوجه عام على مثال أجساد الحيوانات و ذلك مما يدل دلالة قاطعة على شدة المشابهة بينه و بينها و لا سيما القرد في عموم البنية و دقة الأنسجة و الألفة و التركيب ( الكيميائي ) .

س 53 : هل الإنسان هو الجسد المرئي أو غيره ؟

س 54 : ما معنى القسمة المتداولة على لسان بعض الناس وهل الزوجة قسمة كما يقول بعضهم ؟

س 55 : ما هو اعتقادنا في الأرزاق ؟

س 56 : ما هو أجل الحياة و ما أجل الموت و القتل ؟

س 57 : هل هناك فرق بين القتل و الموت ؟

====================================================================

 

س 42 : ما معنى العدل الذي يجب أن يوصف به الخالق ؟

ج 42 : هو أنه منزه عن فعل القبيح و الإخلال بالواجب .

 

س 43 : ما تعريف القبيح ؟ و ما هو ؟

ج 43 : هو كل فعل حكم العقل بقبحه أو كشف الشارع لنا عن قبحه بنهيه كالكذب و الظلم و التكليف بغير المقدور و جميع المنهيات المدلول عليها بالنهي الشرعي .

 

س 44 : ما هو فعل الواجب ؟

ج 44 : هو ما لا يصح في الحكمة إهماله كإرسال الأنبياء و نصب الخلفاء و الانتصاف للمظلوم من الظالم .

 

س 45 : ما الدليل أن الخالق منزه عن فعل القبيح و الإخلال بالواجب ؟ 

ج 45 : دليلنا على ذلك علمنا باستغنائه عن فعل القبيح و علمه بقبحه و قد نهى عن فعل القبائح و ذم الظالمين و نزه نفسه عن الظلم فقال تعالى { إن الله لا يظلم الناس شيئا و لكن الناس أنفسهم يظلمون }/ يونس : 44 ، و لو جاز عليه فعل القبيح لجاز أن يظهر المعاجز على يد مدعي النبوة و هو كاذب فلا يمكن حينئذ إثبات نبوة الأنبياء و لجاز أن يعذب المطيع و يدخله النار و يثيب العاصي و يدخله الجنة فيرتفع رجاء المطيع للثواب و خوف العاصي من العقاب .

 

ما معنى الظلم

س 46 : ما معنى الظلم ؟

ج 46 : معناه تعمد وضع الشيء في غير موضعه ومنه الشرك بالله و الكفر به و التجاوز على الآخرين و تعدي حدود الله و قوانينه و أحكامه التي شرعها لعباده على لسان نبيه و صفيه محمد (ص) و في القرآن { و من يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون }/البقرة : 229 ، ومنه تعمد المخالفة لله و الحكم بغير ما أنزل الله على رسوله (ص) بدليل قوله تعالى { و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون }/ المائدة : 45 ، لذا فإنه لا يسوغ للمؤمن أن يتولى ظالما مخالفا لله و لرسوله (ص) و القرآن يقرر هذا بقوله تعالى { لا تجد قوما يؤمنون بالله و اليوم الآخر يوادون من حاد الله و رسوله و لو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو اخوانهم أو عشيرتهم }/ المجادلة : 22 ، فإنه نفى الإيمان عن الذين يوادون من حاد الله و رسوله (ص) سواء

 

كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم و المراد بمن حاد الله و رسوله (ص) من خالفهما و عصى أمرهما و هم الظالمون على اختلاف مراتبهم بدليل ما تقدم من قوله تعالى { و من يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون } فكل من حاد الله و رسوله (ص) لا تجوز مودته و من لا تجوز مودته يجب التبرؤ منه فيجب التبرؤ من كل ظالم، إذ لا واسطة بين الولاية و العدواة .

 

س 47 : ما المراد بما أنزل الله على رسوله (ص) ؟

ج 47 : يراد به القرآن و ما جاء به النبي (ص) و تلقاه بالوحي من الله وهو ما قرره من السنة المقطوع بها عند المسلمين قاطبة المتكفلة لحل المشكلات البشرية الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية مطلقا حلا عادلا يتمشى مع العقل في كل عصر و جيل و بها سعادتهم في الدنيا و سلامتهم في الآخرة و يتضح ذلك جليا بأدنى وقوف عليها في مظانها من كتب علماء المسلمين أجمعين .

 

إننا فاعلون

 

س 48 : ما الذي يجب أن نعتقده في أفعالنا ؟

ج 48 : أن من أفعالنا ما يصدر عن اضطرار كحركة المرتعش و منها ما يصدر عن غير قصد و اختيار كفعل النائم و الناسي و الساهي و منها ما يصدر عن قصد و اختيار كالأكل و الشرب و المشي و القيام و الجلوس و نحوها و الأخير هو من فعلنا نفعله باختيارنا و لم يجبرنا الخالق عليها و هو قادر على أن يمنعنا  عنها و لكنه خلق فينا القدرة عليها و بين لنا طريق الهداية و أمرنا بسلوكه و طريق الغواية و نهانا عن ارتكابه فإن عصيناه فبسوء اختيارنا بعد قيام الحجة علينا و إن أطعناه فبهدايته لنا كما قال تعالى { و هديناه النجدين }/ البلد : 10 ، أي دله و أرشده إليهما و قوله تعالى { ونفس و ما سواها فألهمها فجورها و تقواها } أي دله و أرشدها .

 

القضاء و القدر

 

س 49 : ما هو اعتقادنا في القضاء و القدر ؟

ج 49 : إن لله في خلقه قضاء و قدرا وفي أفعالهم قضاء و قدرا أما في أنفسهم فبالايجاد لها و أما في أفعالهم فبالأمر و النهي و في القرآن { و قضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه }/ الإسراء : 23 ، فالقضاء و القدر اذا تعلقا بفعل المكلف فإنما يراد بهما الأمر و النهي دون الخلق فإنه يوجب الجبر و هو باطل .

 

ليس في الإسلام ظلم

 

س 50 : يقول بعض الناس إذا كان الخالق عدلا حكيما فأي حكمة في إيلام الأطفال بالحرق تارة و بالخنق مرة و بالداء العضال أخرى و أي حكمة في إيلام الحيوانات الصامتة و تسليط الإنسان عليها بل و أي عدل في تسليط بعضها على بعض فينعم الذئب بتمزيق الشاة مثلا و لا تعويض على هذه الحيوانات في الآجل و أي حكمة في إيجاد الرزايا الى حد ضاق الكون بها كثرة و لقد كان يكفي اختبار الناس بتكاليفه الشرعية و لا يجعلهم أرحم الراحمين عرضة لهذه النوائب التي لا يكاد يخلو منها مخلوق و ان كان نصيب البعض منها أكبر و أوفر فما نقول في ردهم ؟

ج 50 : ان كثير من الأشياء نعرفها بعقولنا و ننكرها بنفوسنا المريضة بل قد يشهد بها وجداننا و فطرتنا بالنظر  إلى شأن الآخرين و تغفل عنها و نعمل على جحودها بالنظر إلى شأن  نفوسنا اعتمادا على بعض الشبهات الملفقة و الأهواء الزائفة أجل لقد علم الناس أن الله تعالى لم يخلق النار و الماء إلا لمنفعتهم و صلاحهم لا لضرهم و فسادهم . إذ ليس في غرق من يغرق أو احتراق من يحترق بسبب العوارض الناشئة عن أفعالنا الخارجية سواء أكانت مقصودة أو غير مقصودة ما يوجب انتفاء الحكمة في خلقها بعد أن ثبت أن وجودهما أمر ضروري للكائنات الحية و النباتات النامية و بهما حياة البشرية و قوامها و بقاؤها فهذه هي الحكمة السامية و العدالة القويمة التي تقف عندها كل حكمة وتنحط دونها كل عدالة و إليك ما كشفه الطب الحديث لنا أن الداء مهما كان عضالا و مؤلما إنما ينشأ عن الجراثيم المتولدة تارة من الأماكن القذرة و المستنقعات العفنة المتكونة من الإسراف

في الأطعمة و الأشربة الأمر الذي يسبب ضعف الجسم و تعطيل جهازه عن أداء وظيفته و يوجب استعداده و قبوله لأي عارض يأتيه من الخارج لذلك جاء الإسلام بتحريم الإسراف في الأكل و الشرب فقال تعالى ( كلوا و اشربوا و لا تسرفوا ) و أمر النبي(ص) بالنظافة حتى جعلها من الإيمان فقال (ص) ( النظافة من الإيمان ) فلا تعاب الجادة إذن إذا ضل عنها الجاهلون

 

 ثانيا ان الله تعالى لم يخلق تلك الجراثيم للإيلام بالناس كما ظن الجهول بل خلقت لمنافع أخرى يجهلها النوع البشري و لا شك في أن جهلنا بفوائدها و خواصها لا يكون علما بعدم الفائدة فيها كما لا يكون دليلا على انتفاء الفائدة التي خلقت من أجلها فإن عدم العلم جهل و لا يحتج بالجهل إلا جاهل لا سيما إذا علمنا أن الإنسان مهما تخطى فإلى قليل من العلم و مهما يكن فإنه لا يستطيع أن يطلع على ما في باطن الغيب ليبدي رأيه فيه فينفيه و لو فعل ذلك لنفي أشياء كثيرة واقعة لأنه في ضمن نطاق محدود فلا يستطيع أن يحيط علما بكل كائن حي فضلا من أن يحيط بفوائد خلقه و الغاية التي خلق من أجلها لقصور ذاته

عن إدراكه و في القرآن يقول الله لنيه و صفيه قل يا محمد (ص) { لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير و ما مسني السوء } وكلمة " لو " ندل على الامتناع لامتناع الذات و عجزه عن احتماله كما يدل عليه منطوق الآية و مفهومها فهو من قصور ذات المقدور و عجزها لا قصور القادر و عجزه فإن الإناء الذي لا يتحمل رطلا من الماء لا يمكن أبدا أن يتحمل رطلين منه و هذا واضح لا غبار عليه،

 

 ثالثا أن من الواضح عند ذوي النفوس المستقيمة أن قطع النعمة الابتدائية و الإحسان التفضيلي لا بعد إيلاما و إيذاء من المنعم حتى لو فرضنا أن قطعها كان خاليا من الحكمة و إنما يتألم من تقطع عنه بسبب رغبته فيها و علاقته بها و حرصه عليها فهل يا ترى يرضى من له عقل ممن أنعم عليه أن يقف بين الملأ و يذم المنعم و يتظلم منه و يقول له بأنك آلمتني و آذيتني و أسأت إلي بسلب نعمتك عني و هل يا ترى يرضى عقلاء الناس بهذا المقال و هل ينفي  أحد إحسانه السابق و يحكم بفساده بسبب قطعه اللاحق ألا ترى أنهم يذمون هذا الشاكي المتظلم منه و يلومونه و يعدونه كافرا للنعمة قليل الحياء لئيم الذات و هل يخفى على ذي عقل أن الوجود و الحياة و الصحة و الولد و المعيشة لكل إنسان و حيوان إنما هي نعمة ابتدائية و إحسان تفضلي و لا يستطيع أحد أن يدعي هذه الأشياء مستحقة للإنسان و الحيوان ينالها باستحقاقه لها .

 

 رابعا  لا يصح الاعتراض على خالق العالم بما فيه حياة و موت بأسبابها بأنه لماذا قضى الله على الكائنات الحية و غيرها بناموس الموت و الفناء و الاضمحلال و لماذا لم يحفظها بناموس الخلود الدائم - لسقوط هذا الاعتراض على المعطي المتفضل المبدء بالنعم و لا يجوز أن يقال له لماذا لم تكن عطيتك مستمرة باقية - إذ لا استحقاق لمن نال شيئا من العطية في أي مقدار منها ، و أي قدر يناله منها فهو نعمة و رحمة مهما قصر وقتها كما يشهد به الوجدان و يقره العقل السليم  على أن النفوس البشرية بظاهر حالها و أعمالها الفطرية شاهدة عليه ألا ترى أن النوع الإنساني مع علمه و يقينه بأن حياته العادية في نوعه بحسب ما يجتازه من الأدوار لا تتعدى المائة سنة يجد حياته محبوبة لديه و ثمينة مطلوبة عنده يتمتع بها و يهيأ أسباب شهواته و ملاذه لاستدامتها بشتى أنواع السعي و الظلم و التكالب و هو لا ينفك عن هذا الحال مهما انحطت قواه و قلت ملاذه و ضعفت

 

شهواته أو صار مقعدا أو أعمى بل و إن جزم بأنه لم يبق من عمره العادي سوى خمس سنين بل و إن فقد ماله و عزه وولده و شرفه بل و أعز الناس عليه فإنه يسلوه سلو الحيوان و بعد فترة قليلة يعود إلى شهواته و التمتع و التلذذ ببقية حياته الحريص عليها حتى إن من حكم عليه بالقتل ليرغب في تأجيل قتله شهرا أو يوما أو ساعة واحدة و يتلذذ بحياته فيها و هكذا حال المال و العز و أسباب العيش فإن المرء لا يرضى بزوال أدنى مراتنها عنه و ذلك لأنه يرى بطبيعته و غريزته أنها نعمة محببة فيها لذة و متعه، و حسبك ذم العقلاء للانتحار الناشئ من الحماقة المذموم عند أهل العقل كافة دليلا واضحا على أنه كلما كان للمنتحر من فائدة مهما كانت ضئيلة بنظر حماقته فهي نعمة محبوبة يقبح رفضها بالانتحار بل نجد العقلاء يقدمون على العمليات الجراحية الخطرة من قطع الأيدي و الأرجل و نحوها إذا كان ذلك يبقى لهم حياتهم العزيزة التي يهون عندها كل مصيبة و تسقط دونها كل رزية و إن لم يقطعوا بنجاحها و سلامتهم منها كل ذلك حرصا عليها، فيتضح من هذا و أضعافه أن منشأ الألم هو فوات النعمة و فقدانها لا سلب المتفضل لها و قطعه إياها عن المنعم عليه . 

 

خامسا إن الألم إذا كان على وجه الابتداء كان بازائه عوض للمتألم يزيد على الألم بحيث لو عرض عليه الألم و العوض لاختاره بسبب زيادته عليه و أما ما جاء في قول المعترض من تسليط الإنسان على الحيوان فلا يكون عبثا لاشتماله على المصلحة للآخرين و إنما يكون عبثا إذا خلا من ذلك كله لا مطلقا و أما تسليط بعضها على بعض بالتمزيق فلا يكون عبثا بعد أن حكم الإسلام بما جاء في القرآن من حشرها و الانتصاف للمظلوم من الظالم و في القرآن { و إذا الوحوش حشرت } و على ذلك إجماع أهل التفسير و الحديث الصحيح و حسبك وجها واحدا من هذه الوجوه في رد المعترض و بطلان قوله و بعد فما لهذا الإنسان الضعيف أن يتحكم عل المنعم المبتدئ و ماذا يستحقه هو و غيره في ذلك و كيف ساغ له أن يجعل جهله بالحكمة دليلا على عدمها و الإنسان أسير الجهل الطبيعي المتدرج في العلم تدرج المقعد و كيف يصح له أن ينفي الحكمة في هذا النظام للعالم

 

فهل اطلع على جميع الغايات الصالحة للحكمة بحيث لم يخف عليها منها خافية ثم وجدان ذلك النظام لهذا العالم خال منها بربك قل لي أيها العبقري الفطن هل يجوز لمن دخل أرصاد إحدى المدن الكبرى  ووجد آلاتها العظيمة في الكثرة و اختلاف صورها أن يتجرأ و يقول آلاتها أو صورة من صورها أنها عارية عن الفائدة و الحكمة أو أصيب بداء فوصف له الطبيب الدواء فوضع ( الكيماوي الصيدلي ) في بعض معاجينه سما قاتلا حسبما أشار به الطبيب فهل يصح له الاعتراض و يمتنع من تناوله لأنه ممزوج بالسم ألا تراه يسرع إلى استعماله مقنعا نفسه بفائدته لدائه بسبب أن من وصفه له صوابه فكيف يسوغ له أن يعترض على من خلق الطبيب و ينفي عن فعله الفائدة و الحكمة و كل فعله حكمة و صواب لا يعتريه العبث و اللغو فالحق الذي لا تعقب إياه أنه بعد قيام البرهان القطعي على وجود الخالق للعالم و لزم من وجوب و جوده حكمته و عدله لاستحقاقه الكمال المطلق يجب على الإنسان أن يذعن بوجود الحكمة في أفعاله كلها و لو على نحو الإجمال نزولا على حكم العقل القاطع بأن الخالق عدل حكيم يضع الأشياء في مواضعها و إن لم يهتد هو إليها فإن من شرف الإنسان أن يعترف بجهله الطبيعي و يعرف مقدار حظه من العلم فإن الجهل المركب و هو جهل الإنسان بجهله و جحده له لهو من أقبح خصال المرء و ألد أعداء مجد الإنسانية و ر قيها .

 

في أصل الإنسان

 

س 51 : ما هو أصل الإنسان ؟

ج 51 : أصل الإنسان من مني يمنى حتى يصل إلى آدم عليه السلام و آدم من تراب و هو يمتاز على سائر أبناء جنسه من الحيوانات بالعقل و إدراك الكليات و ماهيات الأشياء .

 

الإنسان غير متحول عن قرد

 

س 52 : يقول بعض الناس أن الإنسان مركب بوجه عام على مثال أجساد الحيوانات و ذلك مما يدل دلالة قاطعة على شدة المشابهة بينه و بينها و لا سيما القرد في عموم البنية و دقة الأنسجة و الألفة و التركيب ( الكيميائي ) .

ج 52 :

أولا إن مجرد المشابهة بين شيئين لا يدل على تحولهما عن ثالث أو تحول أحدهما عن الآخر فكيف يمكن القطع به فكم في الأرض أصناف من الحيوان و النبات تتشابه بعضها مع بعض في الصفات و البنية و تباينه في الطبيعة و الفصيلة .

 

ثانيا، ان الإنسان كما يشبه القرد الشبيه في بنيته و تركيبه يشابه حيوانات أخر ، من جهات أخرى بل لعل في الحيوانات الدنيا أنواعا لا توجد في العليا فلا يصح الاعتماد على مجرد المشابهة في ذلك التحول فضلا عن الجزم به .

 

ثالثا، ان من الواضح أن عمدة ارتقاء الإنسان و الذي استوجب به أن يعد نتيجة الكون و الغاية من تعب الطبيعة في تحولاتها الكثيرة إنما هي بقواها العقلية و بقدرته على المسائل العلمية فكان الأولى بالقياس أن يعتمد هؤلاء في المشابهة الجسمية و القرد و ان كان له نصيب منها و لكن في الحيوانات الأخرى من النباهة ما يفوق عليه و حسبك في ذلك ما نقله صاحب عجائب الخلق في الكون ص 121 عن ( حنا النبيه ) و هو فرس ( لهرفون استن ) الألماني الذي كان يقيم في شمالي برلين من أن الفرس المذكور كان يجيد الجمع و الطرح و الضرب و القسمة ثم أخذ في تعليمه الكسور العشرية و ما وراءها مما يعجز عن بعض البشر فضلا عن القرود و يقول الأستاذ المعروف ( كوفيه ) أن إدراك القرد ليس أرقى من إدراك الكلب إلا قليلا فعلى هذا ينبغي أن يكون للإنسان كلبا  و شرف الإنسان و كرامته لا يقبلان بهذا المنطق الأهوج .

 

رابعا، لو سلمنا جدلا أن من لوازم المشابهة التحول و الارتقاء و لكن من أين يتعين تحول قردا لأن الانتخاب الطبيعي لا يؤدي إلى الارتقاء دائما بل قد يؤول إلى التقهقر و الانحطاط كما في الدب الأسمر الحالي وغيره مما ذكره ( الأستاذ) (دارون) (في فلسفته) فلعل طائفة من الإنسان وقعت في وسط قضت أحوال العيش فيه أن تسكن الغابات و كهوف الجبال و تتسلق الأشجار لتقتطف منها الأثمار و تحارب أعداءها من الحيوانات بأظافرها و أسنانها فتركت المشي مستقيما و اضطرت إلى أن تستعمل الأرجل مقام الأيدي و تركت النطق لقلة حاجتها إليه و دخل النقص على زاوية وجهها و امتد بوزها و طال شعرها ثم انتقلت العادات بالوراثة إلى أولادها و هلك الضعيف منها و بقي القوي بالانتخاب منها على تحمل عوارض الوسط و هو ذو الشعر الذي يقيه من البرد و الذنب الذي يطرد عنه هوام الأرض فصاروا بعد أعوام طويلة قرودا، فالقرد إذن إنسان منحط لا أن الإنسان كان حيوانا فارتقى فإن هذا ليس بأولى من ذاك و لعلك أيها القارئ الفطن تقول أن صفحات العلم أعلا شأنا و أجل قدرا من أن تسجل فيها هذه الأوهام و لكني أقول لك أني لا ألقي عن نفسي هذه الأوهام بل أجري على ما سنه هؤلاء المتفلسفون من الارتقاء و ليس الفرق بين وهمي و وهمهم سوى انهم صنعوا من القرد إنسانا و صنعت من الإنسان قردا فانظر أينا أحق في هذه الأوهام و سخافات الأحلام و على الجملة هنا أصلان يعترف بهما كل من المنكر للتحول و القائل به وهما التشابه و التباين فكما يجوز لأهل التحول أن يستدلوا بالتشابه و يجعلوه دليلا على وحدة الأصل و التباين عارضا بالتدريج يجوز لخصومهم المنكرين للتحول أن يعكسوا عليهم الدليل و يجعلوا التباين دليلا على اختلاف الأصل و التشابه عارضا بالتدريج و هذا ما لا سبيل لهم إلى رده و لا يمكنهم التخلص منه .

 

خامسا ، أن الحكم بالتحول يحتاج إلى أمور تجريبية شاهدوها بأعينهم و لمسوها بأيديهم لأنهم لا يستندون في إثبات مدعياتهم إلا إليها ، فيا ذا الذي صرف عمره في التجارب في أحوال الحيوان و أطواره في الأدوار الجنينية إلى تماثلها و تباينها من حيث النوع و الفصل ، هل رأت عيناك أن قردا صار إنسانا ، أيتها المحسوسات و التجربيات التي استند إليك هؤلاء هل اشعريتهم يوما أحسسيتهم بتحول الإنسان عن القرد . وكيف يستطيع الإنسان أن يجري التجريبات الكاملة الصحيحة لأصناف الحيوانات قاطبة بالفحص و الاستقراء الكاملين بحيث لا تفوته منها شاردة و لا واردة ، و تكون صحيحة غير خاطئة أو لا يجوز عليها الخطأ ليبدي حكمه الجزمي القاطع بأن الإنسان متحول عن القرد أو غيره و هل هذا إلا تحكم صرف و جزاف في الحكم فكيف إذن تنخدع أيها الغر البسيط بهذه الأوهام و التخمينات و أنت ترى بعينك أمورا متباينة مختلفة من حيث الحقيقة و النوع و ترى القرد قردا حتى يعمر و يموت و الإنسان إنسانا حتى يعمر و يموت و هلم جرا فمتى يا ترى صار القرد إنسانا ومن أين لهم العلم الصحيح به وكيف لهم بالإطلاع الحسي عليه يا ذا الذي تشبث بأذيان هؤلاء من ذا أخبرك بصريح قوله أنه شاهد تحول الإنسان عن القرد وهل هذا إلا تخرص صرف لا يدخله في وهم من له عقل أو شيء من الفهم على أن التجربة وإن كانت غير كاملة غير منقوصة لا تصلح أن تكون مقياسا لمعرفة حقيقة الأشياء و ذلك لتوقف معرفة التجربة أما على نفسها أو على غيرها و معنى الأول بطلانها و عدم ثبوتها  فيثبت الثاني و هو مطلوبنا .

 

س 53 : هل الإنسان هو الجسد المرئي أو غيره ؟

ج 53 : ليس الإنسان هو هذا الهيكل المحسوس الملموس و إنما هو شيء وراء هذا البدن أما داخل فيه أو خارج عنه متصل به اتصال العاشق بالمعشوق و هو يعمل أعماله بواسطة هذا البدن و ملخص دليلنا على ذلك أن الإنسان يجب أن يعلم و يدرك الكليات و كل عضو من أعضاء بدنه لا يعلم و لا يدرك فكذلك مجموعه له حكمه و حسبك في ذلك قوله تعالى { ثم أنشأناه خلقا آخر } و قوله تعالى { في أي صورة ما شاء ركبك } و المركب غير المركب منه .

 

في معنى القسمة

 

س 54 : ما معنى القسمة المتداولة على لسان بعض الناس وهل الزوجة قسمة كما يقول بعضهم ؟

ج 54 : معنى القسمة بصورة عامة أن القاسم هو المختار فيما يقسمه و ليس للمقسوم له الخيرة فيه كخلق الحيوانات و النباتات و تقسيم المواريث و بذلك تخرج الزوجة عن كونها قسمة لرجوع أمر الزواج إلى اختيار الزوجين لذا لا يصح عقد التزويج بانتفاء رضهما أو رضا أحدهما أما علم الله بوقوع الزواج بين المرء و زوجه فليس علة في وقوعه بل وقوعه ناشئ عن فاعله وعن الباعث المحرك له عليه لضرورة أن علمنا بدخول خالد المدينة صباحا و بسفر زيد يوم الخميس إلى بغداد لا يكون سببا لوجود شيء من ذلك قطعا بل العلم كاشف عن هذه الحقائق على ما هي عليها كالنور الذي يوقد في لبيت المظلم فإنه كاشف عما فيه من فرش و نحوها و لكن لا يكون موجدا لها بضرورة العقل أما إجبار المرأة على التزويج بمن لا ترغب فيه فليس مما قسمه الله و لا يرضى به كما يزعمه بعض الجاهلين بل حرمه و رتب العقاب على من أجبرها لظلمه و تعديه و العقد في مثله باطل  لوقوعه بغير رضاها الأمر الذي هو شرط أصيل في صحته شأن غيره من العقود المعتبر في انعقادها رضا المتعاقدين شرعا .

في معنى الرزق

 

س 55 : ما هو اعتقادنا في الأرزاق ؟

ج 55 : اعتقادنا أن الأرزاق كلها من الله و هي من صفة فعله فكل ما يخلقه لعباده على قدر صلاحهم قلة و كثرة مما لا يقدر مخلوق على إيجاده و تكثيره في أصله مما أباح الانتفاع به فهو رزق الله لذا حكم المسلمون بالضرورة من دينهم على كفر من يزعم أن هناك رازقا غير الله أما ما يتعلق به الحكم الشرعي من فعل المكلفين فلا يستند إلى الله إلا ما كان مستفادا من سبيل الحلال باعتبار تعلق أمره به ، و لما كان رزق الله هو فعله ما يحتاج إليه العباد و فعله تعالى لا يوصف بالحلال و الحرام لأنهما من صفة فعل و فعله تعالى لا يوصف بالحلال و الحرام لأنهما من صفة فعل المكلفين بطل أن يكون ما يكتسبه الإنسان من فعل الله لجواز اتصافه بالحلال و الحرام إلا أن الحرام منه لا يكون رزقا مطلقا بدليل قوله تعالى { أنفقوا مما رزقناكم } و لا يجوز الإنفاق من الحرام إجماعا و قولا واحدا فلا يكون رزقا أبدا و على الجملة الرزق من الله و الكسب من العبد لذا يسأل عنه و يحاسب عليه بدليل قوله (ع) (ان العبد سيسأل في القيامة عن ماله مما اكتسبه ) انتهى نقل بعضه بالمعنى

فلو كان كسبه ليس من فعله لما جاز أن يسأل عنه لأن الإنسان لا يسأل عن فعل الآخرين بدليل قوله تعالى { و لاتزر وازرة وزر أخرى } و في السؤال عنه و المؤاخذة عليه اذا كان من الحرام أوضح دليل على أنه من فعله لا من فعل غيره مطلقا .

 

في الأجل و الموت و الحيوان

 

س 56 : ما هو أجل الحياة و ما أجل الموت و القتل ؟

ج 56 : الأصل في الأجل هو الوقت و أجل الحياة هو الوقت الذي يكون فيه الحياة و أجل الموت و القتل هو الوقت الذي يكون فيه الموت و القتل و الأجل على الحقيقة واحد بدليل قوله تعالى { ان أجل الله اذا جاء لا يؤخر } والموت المستند إلى القتل بأي سبب كان لا يجب أن يكون بأجله حقيقة لجواز أن يبقى حيا لولا القتل كما  يجوز أن يموت و ذلك لأمرين اثنين أولا لأنا نشك فيه و لا سبيل لنا إلى العلم بأحدهما من البقاء حيا أو الموت ، ثانيا لو كان الظالم إنما يقتل المظلوم لأن أجله قد حضر و إن حضور أجله قد حمله على قتله لم يكن مجرما مأثوما و لا ظالما معاقبا لأنه كان محمولا على ذلك و ملجأ إليه و هذا ما يبطله الدين و العقل و لأنه لو كان المقتول لو لم يقتل لمات في ذلك الوقت حتما و لم يبق حيا لحظة واحدة كان من عمد إلى غنم إنسان فذبحها عن آخرها محسنا غير ملوم من صاحب الغنم و لا يغرم له ثمنها إذ ليس على المحسن من سبيل و إنما

 

الواجب عليه أن يحمده و يشكره لأنه لو لم يذبحها لماتت عن آخرها و فات انتفاعه بها و هذا واضح البطلان لأنه يلام على ذلك و يوآخذ على عمله و يغرم لصاحبه ثمنها و في هذا دلالة واضحة على انه لو لم يذبحها لجاز أن تبقى كلها حية أو يبقى بعضها على ما هو معلوم عند الله فالمقتول اذن يصح أن يقال فيه أنه مات بأجله و يصح أن يقال أن قاتله قطع عليه اجله و أن فيه من الاستعداد ما يوجب استدامة حياته لو لا القتل و أما إطلاق القضاء و القدر على من يموت بأحد العوارض الخارجية فإنما يصح إذا أريد به الكتابة في اللوح المحفوظ و العلم مجازا و إرادة غيرها من المعاني كالخلق و الفعل فغير صحيح و باطل لإستلزامه الجبر من جهة التكليف وفعل القبيح من غير هذه الجهة و كلاهما باطلان لايصح نسبتهما إلى الله .

 

القتل هو غير الموت

 

س 57 : هل هناك فرق بين القتل و الموت ؟

ج 57 : الموت غير القتل مفهوما و مصداقا بدليل قوله تعالى  { أفإن مات أو قتل } و قوله { لئن متم أو قتلتم } و قوله تعالى { ما ماتوا و ما قتلوا } فليس يصح أن يكون التأكيد و التكرير في اللفظين المتغايرين يرجعان إلى معنى واحد و يشهد به أيضا ضرورة العلم بأن الله ليس بقاتل لمن مات حتف أنفه و لو قال قائل لمن مات حتف أنفه أن الله قتله حقيقة كان معابا عند أهل اللسان و الفصاحة و البيان و لأن القتل من مقدور الإنسان و الحيوان و ليس الموت كذلك لذا نقول أن زيدا قتل عمرا و لا يصح أن نقول أن زيدا أمات عمرا لأن الموت من فعل الله لا يقدر عليه سواه و يقول القرآن { الذي خلق الموت و الحياة } كما لا يصح أن يقال أن زيدا أمات نفسه و يصح أن يقال قتل نفسه و ما ذاك إلا لأن القتل من مقدوره و يصح نسبته إليه و الموت هو انتهاء الاستعدادات التي خلقها الله تعالى في الحيوان و بطلانها و ذلك لا يقدر عليه إلا الله وحده و هما عرضان وليسا بجسمين و لأنه لو كان القتل عين الموت لزم أن يكونا مقدورين لنا فإن الاقتدار على أحد المثلين يقضي بالاقتدار على

 

مثله الآخر فضلا عما إذا كان عينه و عليه يلزم أن يكون من قتله الناس قتله الله و يصح عكسه و ذلك لا يصح بدليل قوله تعالى { من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا } و قوله تعالى { و من قتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها } بل لو كان الموت من فعل الناس لما مات أحد منهم أحد إذ ما فيهم أحد إلا كاره للموت مبغض له و لا يريده فلا يفعله و هذا لا يصح بدليل قوله تعالى { قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم } و قوله تعالى { و إنك ميت و أنهم ميتون } و لأن القتل وليد الأسباب الخارجية و محله محل حياة الأبدان لامتناع اجتماع الضدين عقلا و أما ما جاء به في القرآن من إضافة القتل إلى الله تعالى فإنما يراد به اللعن و الطرد و التعذيب و الابتعاد عن رحمته لا القتل بمعناه الحقيقي لم تقدم منا في بطلانه و عدم جوازه .

التوحيد